د.عبدالرحمن إبراهيم زنونى

الموقع الإستشارى لإنشاء مزارع الإنتاج الحيوانى



قبل أن نتحدّث عن فن اختيار شريك الحياة لا بد من معرفة طبيعة العلاقة الزوجية أولاً حتى نعرف متطلبات الاختيار وأهميتها:

أولاً: العلاقة الزوجية هي علاقة متعددة الأبعاد؛ بمعنى أنها؛ علاقة جسدية, عاطفية, عقلية, اجتماعية وروحية; ومن هنا وجب النظر إلى كل تلك الأبعاد حين نُفكّر في الزواج, وأي زواج يقوم على بُعد واحد مهما كانت أهمية هذا البُعد يصبح مهددًا بمخاطر كثيرة.

ثانياً: العلاقة الزوجية علاقة أبدية (أو يجب أن تكون كذلك)، وهي ليست قاصرة على الحياة الدنيا فقط، وإنما تمتد أيضًا للحياة الآخرة.

ثالثاً: العلاقة الزوجية شديدة القرب, وتصل في بعض اللحظات إلى حالة من الاحتواء والذوبان.

رابعاً: العلاقة الزوجية شديدة الخصوصية بمعنى أن هناك أسرارًا وخبايا بين الزوجين لا يمكن ولا يصح أن يطّلع عليها طرف ثالث.




وأكبر خطأ يحدث في الاختيار الزواجي أن ينشغل أحد الطرفين ببعد واحد (اختيار أحادي البعد) ولا ينتبه لبقية الأبعاد.
والزواج ليس علاقة بين شخصين فقط، وإنما هو أيضًا علاقة بين أسرتين وربما بين عائلتين أو حتى بين قبيلتين; أي أن دوائر العلاقة تتسع وتُؤثّر في علاقة الزوجين سلبًا وإيجابًا, ومن هنا تتضح أهمية أسرة المنشأ والعائلة والمجتمع الذي جاء منهما كل طرف. ومن التبسيط المخل أن يقول أحد الطرفين: "أنا أحب شريك حياتي ولا تهمني أسرته أو عائلته أو المجتمع الذي جاء منه", فالشريك لا بد وأنه يحمل في تكوينه الجيني والنفسي إيجابيات وسلبيات أسرته والبيئة التي عاش فيها, ولا يمكن أن نتصوّر شخصًا يبدأ حياته الزوجية وهو صفحة بيضاء ناصعة خالية من أي تأثيرات سابقة, بل الأحرى أنه عاش سنوات مهمة من حياته متأثرًا بما يحيطه من أشخاص وأحداث تُؤثّر في سلوكه المستقبلي, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" أخرجه الحاكم.




آليات الاختيار:

بعض الناس يعتقدون أن الزواج قِسمة ونصيب، وبالتالي لا يفيد فيه تفكير أو تدبير أو سؤال, وإنما هو أمر مقدّر سلفًا ولا يملك الإنسان فيه شيئاً، وهذه نظرة تكرّس للسلبية والتواكل ولا تتفق مع صحيح العقل والدين, فعلى الرغم من أن كل شيء في الكون مقدر في علم الله، إلا أن الأخذ بالأسباب مطلوب في كل شيء, ومطلوب بشكل خاص في موضوع الزواج؛ نظرًا لأهميته التي ذكرناها آنفًا, ومطلوب أن يغطي كل المستويات الممكنة. لذلك يمكننا تقسيم آليات الاختيار إلى ثلاثة مستويات أو دوائر كالتالي:

1. الرؤية والتفكير: وذلك بأن نرى المتقدّم للخطبة، ونتحدّث معه، ونحاول بكل المهارات الحياتية أن نستشف من المقابلة والحديث صفاته وطباعه وأخلاقه وذلك من الرسائل اللفظية وغير اللفظية الصادرة عنه, ومن مراجعة لأنماط الشخصيات التي حددها علماء النفس ومفاتيح تلك الشخصيات (سيأتي تفصيل ذلك في هذه الدراسة).




2. الاستشارة: بأن نستشير مَن حولنا من ذوي الخبرة والمعرفة بطباع البشر, ونسأل المقربين أو المحيطين بالشخص المتقدّم للزواج (زملاؤه أو جيرانه أو معارفه)، وذلك لكي نستوفي الجوانب التي لا تستطيع الحكم عليها من مجرد المقابلة, ونعرف التاريخ الطولي لشخصيته، ونعرف طبيعة أسرة المنشأ وطبيعة المجتمع الذي عاش فيه. وفي بعض الأحيان يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما لاستشارة متخصص يُحدد عوامل الوفاق والشقاق المحتملة بناءً على استقراء طبيعة الشخصيتين وظروف حياتهما.



3. الاستخارة: ومهما بذلنا من جهد في الرؤية والتفكير والاستشارة تبقى جوانب مستترة في الشخص الآخر لا يعلمها إلا الله الذي يحيط علمه بكل شيء ولا يخفَى عليه شيء, ولهذا نلجأ إليه ليوفقنا إلى القرار الصحيح، وخاصة أن هذا القرار هو من أهم القرارات التي نتخذها في حياتنا إن لم يكن أهمها على الإطلاق. والاستخارة هي استلهام الهدى والتوفيق من الله بعد بذل الجهد البشري الممكن, أما من يتخذ الاستخارة بشكل تواكلي ليريح نفسه من عناء البحث والتفكير والسؤال فإنه أبعد ما يكون عن التفكير السليم.

والاستخارة تتم بصلاة ركعتين بنية الاستخارة يتبعهما الدعاء التالي: "اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدِرُ ولا أقدِرُ، وتعلَم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -يُسمّي حاجته- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدّره لي ويسّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شراً في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به" رواه البخاري.

ونتيجة الاستخارة تأتي في صورة توفيق وتوجيه في اتجاه ما هو خير, وليست كما يعتقد العامة ظهور شيء أخضر أو أبيض في المنام، والاستخارة تعطي للإنسان سندًا معنويًا هائلاً وتحميه من الشعور بالندم بعد ذلك.


التوافق والتكامل وليس التشابه أو التطابق:

وما يهم في شريكي الحياة أن يلبّي كل منهما احتياجات الآخر بطريقة تبادلية ومتوازنة, وهذا لا يتطلب تشابههما أو تطابقهما، وإنما يتطلب تكاملهما بحيث يكفي فائض كل شخص لإشباع حاجات الشخص الآخر.

المصدر: elmanara
Drzanouny

د.عبدالرحمن زنونى - استشارى الثروة الحيوانية- استاذ(م) بقسم الإنتاج الحيوانى-كلية الزراعة-جامعة المنيا-جمهورية مصر العربية [email protected](002)01092994085

  • Currently 276/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
72 تصويتات / 1304 مشاهدة
نشرت فى 16 يونيو 2010 بواسطة Drzanouny

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

782,394