قال الرازي : اختلفوا في أن الجان من هو ؟ قال عطاء : عن ابن عباس : يريد إبليس ، وهو قول الحسن ومقاتل وقتادة . وقال ابن عباس في رواية أخرى : الجان هو أبو الجن ، وهو قول الأكثرين وسمي جانا لتواريه عن الأعين كما سمي الجن جنا لهذا السبب ([53]) ، والجنين متوار في بطن أمه ، ومعنى الجان في اللغة الساتر من قولك جن الشيء إذا ستره فالجان المذكور هنا يحتمل أن يكون جانا لأنه يستر نفسه عن بني ([54]) آدم أو يكون من باب الفاعل الذي يراد به المفعول ، كما تقول في لابن وتامر وماء دافق وعيشة راضية ، واختلفوا في الجن فقال بعضهم إنه جنس غير الشياطين ، والأصح أن الشياطين قسم من الجن ، فكل من كان منهم مؤمنا فانه لا يسمى بالشيطان ، وكل من كان منهم كافرا يسمى بهذا الاسم . والدليل على صحة ذلك أن لفظ الجن مشتق من الاجتنان بمعنى الاستتار فكل من كان كذلك كان من الجن . والسموم في اللغة الريح الحارة تكون بالنهار ، وقد تكون بالليل ، وعلى هذا فالريح الحارة فيها نار ولها لهب ، على ما ورد في الخبر أنها من فيح جهنم ([55]) قيل : سميت سموما لأنها بلطفها تدخل مسام البدن ، وهي الخروق الخفية التي تكون .
وقال الرازي في قوله : " إلا إبليس " : أجمعوا على أن إبليس كان مأمورا بالسجود لآدم ، واختلفوا في أنه هل كان من الملائكة أم لا ؟ وظاهره أن الله تعالى تكلم مع إبليس بغير واسطة ، وأن إبليس تكلم مع الله بغير واسطة ، فكيف يعقل هذا ؟ مع أن مكالمة الله تعالى بغير واسطة من أعظم المناصب وأشرف المراتب ، فكيف يعقل حصوله لرأس الكفر ورئيسهم ؟ لعل الجواب عنه : أن مكالمة الله تعالى إنما كان منصبا عاليا إذا كان على سبيل الإكرام والإعظام فأما إذا كان على سبيل الإهانة والإذلال فلا ([56]) .
ساحة النقاش