الحب لا يأتى صدفة، إنه يولد ويعيش بالإدارة البارعة، إنها سلسلة من الملاطفات المناسبة والخوف المبرر والمؤامرات الصغيرة.

فى صباح اليوم الثانى من الأسبوع المناسب، تأكدت أن أولادنا ذهبوا جميعا لأشغالهم، وأن زميلى فى العمل نجح فى تسليك إجازة لى من فم رئيسنا المباشر، وأن بقايا مرتب الشهر تكفى خمسة أيام قادمة، وأن شمساً هادئة تضم شقتنا فى دفئ لذيذ، عندها قررت الجلوس فى الشرفة مع زوجتى الطيبة/بسمه نتناول كوبين من الشاى بالنعناع نرشف معهما جرعات وصل ورضا، وحين أضاءت شمس الشرفة بهاء زوجتى, رأيت أن شاى الأرض ونعناعها لا يفيان بمتطلبات الوصال بين الأحبة وقررت النزول فوراً متواثباً فوق سلالم العمارة لأشترى زجاجة مياه غازية، مؤكداً لنفسى أن العاشق الكبير لا يشرب إلا من عبوات كبيرة.

فى محل البقالة ظهرت الزجاجة كبيرة مليئة بمياه غازية باردة، وحين تماوجت أساريرى تغازل الظلال حول الزجاجة، ابتسم صديقى البائع وغمز بعينه اليسرى وأعطانيها فى كيس مزركش مع قطعتين من اللبان الدّكر، عدت أدراجى إلى الشرفة حاملاً الكيس المزركش واللبان الدكر ووضعتهم حانياً أمام زوجتى بسمه التى لا تبتسم ابدا بجوار كوبين فخيمين من زجاج لامع، وبدلال العاشقين فتحت الكيس وسحبت الزجاجة متمهلاً شمسنا الهادئة كى تشهد عواطفى الكبيرة.

لم تكن الشمس هادئة تماماً، فقررت أن تسلط ضوءها على جلستنا، بدت الزجاجة محكمة الإغلاق لكن لون مياهها الغازية مختلف، فجأة ظهر بداخلها كتلة من جسد حيوانى غير واضحة الملامح، ليست جثة صرصار فإنها أكبر كثيراً، وليست جثة حمار فإنها أصغر كثيراً، ربما هى بقايا جثة كلب أو أن أحدهم قتل غريمه ووزع جثته على مئات من الزجاجات المشابهة، وحين أعلنت حدسى أن الجثة بقايا فأر رضيع، صرخت زوجتى وهاجمها القىء وتركتنى وحيداً فى شرفة الأنس، وأصبح على التوقف عن تصور المزيد من الجثث وأن أحمل الزجاجة غاضباً لأعيدها للبائع. وطبعا كان حظى ونصيبى من النكد...........! طبعا عارفين المهم

ساومت البائع على استرداد ثمن الزجاجة وتنابزنا بالألقاب، تدخل بعض الطامحين من الجيران وساومونى على اقتسام أموال سأكسبها من رفع دعوى قضائية على منتج يستهين بأرواح المواطنين ويبيع جثثاً فى المياه الغازية، وحين تكاثرت الحكايات والنصائح تحولت الزجاجة عندى إلى كنز مرتقب، يسدد ديونى ويشترى بيوتاً وعمارات ويخلصنى من نكد زوجتى المخبوء، وبدأت التفكير فى اقتناص طرق الثراء.

الأفضل أن أذهب بالزجاجة لإبلاغ الشرطة وأحصل على تعويض، فرأيتنى سأقف فى طابور من يشكون إهمال جمعيات رعاية المستهلك ويشككون فى نزاهة رجال الصناعة، وسيطول انتظارى فأشعر بالتعب وتقع الزجاجة على الأرض وتتهشم ويضيع دليل الجريمة، هكذا تقبض الشرطة علىّ بتهمة إزعاج السلطات، إذن لا داعٍ للذهاب إلى الشرطة.

الأفضل أن أعطى الزجاجة لمحامٍ شاطر يلعب فى المحاكم بالبيضة والحجر، وأحصل على تعويض، فرأيت المحامى سيطلب منى مقدم أتعاب ويقنعنى بأن القضية خاسرة ويقبض التعويض بالملايين ويبلع حقوقى، إذن لا داعٍ للاستعانة بمحامٍ.

كان اختيارى أن أبقى حالماً فقررت كتابة مقال صحفى عام، أطالب فيه جمعيات رعاية المستهلك والشرطة والمحامين والصحافة أن يهبوا من أجل صحة وكرامة المواطنين، لأعاود الجلوس هانئاً مع زوجتى الطيبة، نرشف أباريقَ من الكركديه والشاى بالنعناع ونمضغ أطناناً من اللبان الدكر.

  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 143 مشاهدة
نشرت فى 15 فبراير 2009 بواسطة DrYasserIbrahem

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

212,708