أصبح هناك حاجة إلى تطوير مناهج العلوم بصفة عامة، ومناهج العلوم البيولوجية بصفة خاصة من أجل المستقبل؛ مع التسارع فى استخدام المعلومات وتطور التكنولوجيا وتزايد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
أن عملية تطوير التعليم يجب أن تكون عملية مستمرة وشاملة لمواجهة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتحقيق متطلبات التنمية. ويجب الا تعوق المناهج والكتب الدراسية وأساليب التدريس المستخدمة الأن طريقنا نحو التقدم إلى مستقبل أفضل فى العلوم والتكنولوجيا، وتحقيق أهداف التربية العلمية وإعداد الفرد المثقف علميًا وبيولوجيًا، والمكتسب للمفاهيم العلمية والبيولوجية المعاصرة، والمستخدم لعادات العقل والتفكير والطريقة العلمية، والقادر على التفكير بمرونة، والمواجه للمشكلات الاجتماعية العلمية، والمشارك فى التنمية المستدامة فى جميع المجالات؛ لذلك فأنه يجب القفز نحو المستقبل عن طريق التغيير الجذرى فى ضوء رؤية مستقبلية تتلائم مع الإطار العالمى للتربية العلمية فى الدول المتقدمة.
حيث تشير نتائج بعض البحوث التربوية إلى قصور مناهج الأحياء الحالية فى تنمية المفاهيم العلمية، ومهارات التفكير العلمى والاتجاهات نحو البيئة (مرفت رشاد، 2015)؛ وقصور مناهج الأحياء فى تضمين المستحدثات البيولوجية ومعالجة قضايا الأخلاقيات البيولوجية (محمد بن صالح، 2009).
كما أشار التقرير النهائى لورشة عمل اللجنة القومية لمراجعة مناهج العلوم والرياضيات (2016) والتى استهدفت مقارنة المناهج المصرية ببعض مناهج الدول الأجنبية المتقدمة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وكندا، وألمانيا، وفنلندا، وسنغافورة؛ إلى أن مناهج العلوم البيولوجية الحالية لا ترقى للمستوى العالمى وليست محل للمقارنة مع مناهج هذه الدول، وأوصت اللجنة تبنى أحد المناهج الأجنبية فى مادة الأحياء (وزارة التربية والتعليم، 2016).
ومن الدول المتقدمة فى العلوم والتكنولوجيا؛ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتميز بكفاءة وجودة نظام البحوث والهيئات العلمية والجامعات والمعاهد حيث تشارك بنسبة (31%) من نسبة النشر العلمى الدولى، كما تتميز بالنظام اللامركزى فى البحوث والتسويق والأعمال التجارية التى تنعكس على جودة وزيادة الإنفاق على المشروعات والبرامج العلمية والتكنولوجية؛ مما أنعكس على التوسع فى تصنيع التكنولوجيات الفائقة، والتكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، وتقديم الخدمات كثيفة المعرفة والمعتمدة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (National Academy of Science, 2014).
يوضح يحيى على (2009) أن الولايات المتحدة الأمريكية تبنت حركة تطوير وإصلاح برامج ومناهج العلوم من خلال عدة مشروعات تربوية فعالة منذ الثمانينات، ومنها: مشروع "المجال والتتابع والتناسق" Coordination,) Scope and Sequence (C& SS))؛ و"مشروع 2061"؛ ومشروع حركة التفاعل بين "العلوم والتقنية والمجتمع" and Society) (STS) Technology Science,)؛ ومشروع حركة "المعايير القومية لتعليم العلوم" (NSES) (National Science Education Standards)؛ و"الدراسة الدولية للرياضيات والعلوم" (TIMSS).
ويؤكد عايش محمود (2010) أن مشروعات إصلاح التعليم التى تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية فى العقدين الماضيين؛ ومنها: "مشروع 2061"؛ مشروع "العلم للجميع"، مشروع "معالم الثقافة العلمية"، مشروع "المعايير الوطنية للتربية العلمية"، مشروع "العلم والتكنولوجيا والمجتمع والبيئة"؛ تعد من أوسع المشروعات انتشارًا وأكثرها تاثيرًا عالميًا، وتتميز بتركيزها على المستقبل وجودة التعليم.
كما تشير بدرية محمد (2014) إلى أهمية التجربة الأمريكية فى تطوير تدريس العلوم فى التعليم قبل الجامعى وما نتج عنها من مشروعات تربوية مهمة. وتتمثل أهميتها فى نجاح العلماء والباحثين والتربويين الأمريكيين في: تشخيص مشكلات تدريس العلوم، وإعادة تخطيط منهج العلوم من أجل تحقيق جودة التعليم، وتبني حملة فيدرالية لتحسين تدريس العلوم على المستوي القومى الأمريكى، وتنفيذ "مشروع 2061" لنشرالثقافة العلمية، واستخدام التكنولوجيا الحديثة فى تطوير تدريس العلوم، واستمرار برامج ومشروعات تطوير تدريس العلوم فى القرن الواحد والعشرين.
أكدت مناهج التربية العلمية فى الولايات المتحدة الأمريكية على إعداد الطلاب منذ المراحل الدراسية الأولى؛ لفهم علوم الحياة وإدراك النظم الحيوية. وطورت من أجل تحقيق ذلك مؤشرات الثقافة العلمية والمعايير القومية فى مجال علوم الحياة، من خلال تنفيذ عدة مشروعات تربوية ناجحة فى هذا المجال على المستوى الفيدرالى ومستوى الولايات. وتطورت هذه المشروعات منذ عام (1989) حتى توصلت حديثًا إلى تحديد معايير العلوم للأجيال القادمة Next) (Generation Science Standards (NGSS) فى عام (2013)، والتى من المتوقع أن تسيطر على بناء مناهج العلوم فى العقد القادم National Science) (Teachers Association, 2013.
كما أعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية المداخل التى تدعو إلى دمج وتكامل العلوم البيولوجية مع العلوم الأخرى، والتى تعرف بالمجالات البينية أو المندمجة (Interdisciplinary). ومن هذه المداخل:
· مدخل العلوم والتكنولوجيا والتصميم الهندسى والرياضيات(STEM).
· مدخل العلم والتكنولوجيا والمجتمع والبيئة (STSE).
· مدخل العلم والتكنولوجيا والمجتمع (STS) National) (Academy of Science, 2014.
تشير البحوث والدراسات إلى أهمية إعداد الطلاب فى المرحلة الثانوية للطبيعة متعددة التخصصات البينية لمناهج البيولوجى الحديثة، ومنحهم الفرصة لدراسة الأسئلة وحل المشكلات المتعلقة بموضوعات تتصف بتعدد التخصصات البينية، ومنحهم الوقت الكافى للتفكير والتحليل والاستكشاف؛ مع أهمية تحقيق التنمية المهنية لمعلمى البيولوجى وتدريبهم على طرق التدريس والتقويم اللازمة لتحقيق ذلك (Nagle, 2013).
يمكن لمناهج البيولوجى أن تدرس فى مدى واسع من التكامل والاندماج مع العلوم الأخرى ومنها العلوم الكيميائية، وذلك بالتمحور حول دراسة موضوعات وقضايا علمية اجتماعية مثل إنتاج الطاقة الحيوية؛ كما يمكن تدريس البيولوجى من خلال تصميم مناهج (STEM)، والتى تسمح بتكامل العلوم مع الرياضيات والهندسة والتكنولوجيا. وتسمح هذه المناهج بتحقيق التعلم القائم على الاكتشاف، والاستكشاف، والمعتمد على حل المشكلات، والتصميم الهندسى، وتصميم التجارب التى يمكن تطبيقها فى الحياة الواقعية Burrows, Breiner,) Keiner, & Behm, 2014)).
تقوم المناهج الحديثة فى البيولوجى على الاستقصاء Inquiry-based) (curriculum، وتشير البحوث أن الاستقصاء الموجه يساعد الطلاب فى المرحلة الثانوية على ربط الأفكار الكبرى فى البيولوجى، وإحراز تقدم فى مستوى الخبرة بعمليات التحقق العلمى، ومن أهمها: التجريب وتحليل البيانات وفرض الفروض، وكذلك تنمية الاستعداد للمستوى المتقدم فى دراسة البيولوجى (Suwa & Williamson, 2014).
فيما يلى ثلاثة اتجاهات مستقبلية لتطوير مناهج العلوم البيولوجية فى ضوء الخبرة الأمريكية، وهى: معايير العلوم للأجيال القادمة، ومناهج المستوى المتقدم فى البيولوجى، ومدخل البيولوجيا الحديثة للقرن الواحد والعشرين.
ساحة النقاش