تربط الدراسات بين الشعور بالمسئولية و بين نضج الإنسان و وعيه و نجاحه في ادارة ذاته و علاقاته و صحته النفسية و الذهنية و الروحية، فكلها تنمو و تزدهر مع زيادة درجة تحمله المسئولية،
اذا تدخل اخرون لانقاذ الطفل دائماً من السقوط وقت تعلمه السير فلن يسير،
و اذا قص احدهم شرنقة الفراشة لاختصار جهدها للخروج و مساعدتها على الطيران فلن تطير،
اذا قرأ الوالدان الدرس و ادوا واجبات ابنائهم الدراسية فلن تفلح كل جهود التعليم،
اذا اصطاد لنا الاخرون السمكة دائما، فقد نظل جائعين اذا اختفى الصيادون و لن نصيد،
و هكذا المسئولية فكل انسان مسئول وفقا لمرحلته العمرية عن ما يحدث له و حوله بدرجات متفاوتة، الإنسان الناضج نفسيا يتحمل مسئوليته تجاه نفسه و تجاه اسرته و تجاه مجتمعه بل انه يكون سببا في احداث التطوير الذاتي و المجتمعي، و الوعي بالمسئولية الذاتية يدعم القدرة على تلبية الاحتياجات الشخصية بطريقة تسمح للآخرين بتلبية احتياجاتهم،
انعدام المسئولية يفرض عمليات اتصال مضطربة مضطربة، فنجده على مستوى الاتصال الذاتي يقع اسير العزلة النفسية، و يتحدث حديثا ظاهرا غير ما يدور في باطنه فيكون اسير صراع دائم لالقاء اللوم على شماعات متعددة،
لديه ايضا التهاون واللامبالاة،
و فقدان الرغبة التي يستطيع ان يحققها لنفسه بل ينتظر مبادرات يقفز عليها،
و على مستوى الاتصال المباشر مع الآخرين فلا يفضل المشاركة مع الجماعة، الا اذا تحمل احدهم مسئوليته، لا يستطيع القيادة حتى لا يتحمل تبعات القرار، لا يقوى على النقاش،
ما يؤدي الى مشاكل في العلاقات الانسانية، و قد يصل إلى درجة عرقلة جهود الآخرين
و الإنسان مسئول عن اعماله و افكاره و عن تطويرهما لانه دائما لديه وسائل التطوير المتاحة،
و الإنسان يتولى المسئولية على مراحل ففي مراحل طفولته الأولى تنمو مسئولياته تجاه ذاته مع نمو مهاراته الحركية، بالتدريب و التعليم و التجارب و التوجيهات و يكتسب الادوات و القواعد المنطقية المنظمة لحياته حتى يستطيع ان ينمو فكريا في مراحل تالية فيصبح مسئولا عن تفادي بعض المخاطر، و في مراحل متقدمة من الطفولة تتضح له التقاليد و القيم التي يضبط سلوكه بل و افكاره عليها عن طريق توقع الإعجاب و الثناء أو الغضب و اللوم ويتمتع هنا بقدر من الاستقلال الذاتي، أما في مرحلة المراهقة فيتطور إحساسه بالمسئولية والاستقلالية فيتبنى الافكار والمبادئ الأخلاقية و السلوكيات المقبولة،
و غالبا يرث مع ذلك اساليب في التفكير قد لا يستطيع تنقيتها الا بالوعي و الانتباه الذي قد يأتي او لا يأتي اذا لم يسنيقظ على مسئولياته
و مع نموه تزداد مسئولياته لتشمل نفسه و الاخرين بل و مجتمعه ككل
و يتحمل تبعات أعماله وأقواله ومواقفه،
و هنا ان تكون بيئة الاتصال المحيطة بالابناء و مقدمو الرعاية على قدر من فهم مسئولياتهم تجاه الأبناء في المراحل الأولى و المتوسطة من الطفولة و حتى مرحلة المراهقة، فتقبل الأبناء و تربية الابن الموجود بالفعل و ليس الابن الخيالي المتوقع في اذهان الأباء مسألة تحتاج فهما عميقا و عمليا للتعامل بواقعية مع الأبناء، و كذلك التعبير الصحيح عن المشاعر و المدح في موضعه المتوافق مع المهارات و المرحلة العمرية، مع الانتبته لعدم تصنع المدح على مواقف اقل من قدرات الابناء و اعمارهم، و كلما دعم الأباء و مقدمو الرعاية استقلال الابناء و اعتمادهم على انفسهم كلما كانوا مسئولين جيدين عن حياتهم، ان دعم الاستقلال يؤدي إلى تقدير الذات لدى الأبناء، لان مشاعر الاستحقاق و تقدير الذات ترتبط بالمسؤولية ، بل ان تحمل المسئولية من السمات التي تساعد على التنبؤ بمستقبل ما يواجهه الانسان من نجاح او فشل و ايضا ازماته و صدماته النفسية،
فهي مشاعر تحقق التوافق النفسي والصحة النفسية للفرد حيث أن غيابها يؤدى إلى اضطرابات نفسية، كما أن الشعور بالمسؤولية يقلل من ايمان الفرد بالحظ والاتكالية ويغرس في نفسه الكفاءة والنضج والإرادة و السعي، و النجاح، و اتخاذ القرارات و تحقيق الاهداف و الانجاز،
لا يعيش وهم الضحية بل يستطيع ان يختار و ان يتحمل اختياراته، و كذلك يستطيع التعامل مع الاقدار باعتبارها ادوات الرحلة المقدرة و عليه ان يكتشف سرها،
يستشعر التصالح و التوافق النفسي مع المعطيات التي اختارته و التي اختارها،
و يعيش في حالة الأمن النفسي، الذي يعبر عن مدى وعى الشخص وإدراكه لدوره تجاه ذاته و دوره في محيطه الاجتماعي، وما عليه من واجبات، و يتجلى ذلك في شعوره بالرضا و الطمأنينه و الاستقرار
و يستطيع تكوين علاقات مزدهرة فتتحقق أبعاد الأمن النفسي، من خلال شعوره بأنه مرغوب ومقبول فالشعور بالنبذ و الكراهية يهدد الامن النفسي بل و قد يؤدي إلى الاضطرابات العصابية أو الذهانية.
و تتعدد مسئولية الانسان عن ذاته و نفسه و جسده، و فكره و عقائده
و كلما زادت مسئوليته استطاع تحقيق
الإنجاز واالتفوق والابتكار .
و كذلك المسئولية من القوانين الكونية،
قانون المسؤولية :
إذا كان هناك شيء خاطئ في حياة المرء ، فهناك شيء خاطئ فيه.
العبارة المعروفة التي تشرح هذا القانون هي “نعكس ما يحيط بنا ، وما يحيط بنا يعكسنا”.
من حيث المعنى ، غالبًا ما يُنظر إلى الكارما من منظور قانون المسؤولية. على وجه الخصوص من المفيد أن تتذكر أنك مصدر ما يحدث خلال رحلتك.
( كل نفس بما كسبت رهينة)
ما يحدث حولك هو مرآة لما يحدث بداخلك ؛ هذا هو المعنى الذي تتحمل فيه مسئولية كل تجارب حياتك ، سواء كانت رائعة أو غير ذلك .
و كلما زاد احساس الإنسان بالمسئولية كلما كان مستعدا للتقبل و الاعتراف بدوره فيما يحدث حوله سواء بصناعة الاحداث او اساليب استقبالها، و مستعدا للتنظيف و التشافي، ثم التعافي و الارتقاء.