ليس دائما تقول أمى الحقيقه

أعزائى القراء

هذه مقاله رائعه أرسلها لى القارىء العزيز مصطفى الأحمد, والذى شاكرا نقلها عن الكاتب مصطفى العقاد على موقع حطين بسوريا اللاذقيه. ومن روعتها و عمق المعانى التى تحتويها تمنيت أن يشاركنى فيها كل من يتكرم بدخول موقعى أو مدونتى . وأتمنى أن تسعدكم كما أسعدتنى.

بقلم / مصطفى العقاد


ليس دائما ً: تقول أمي الحقيقة !!..


ثماني مرات : كذبت أمي عليّ !!!...

تبدأ القصة عند ولادتي ، فكنت الابن الوحيد في أسرة شديدة الفقر

فلم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا ....
وإذا وجدنا في يوم من الأيام بعضا ًمن الأرز لنأكله ويسد جوعنا :
كانت أمي تعطيني نصيبها .. وبينما كانت تحوِّل الأرز من طبقها إلى
طبقي كانت تقول : يا ولدي تناول هذا الأرز  ، فأنا لست جائعة ..


وكانت هذه كذبتها الأولى


وعندما كبرت أنا شيئا قليلا كانت أمي تنتهي من شئون المنزل وتذهب

للصيد في نهر صغير بجوار منزلنا ، وكان عندها أمل أن أتناول سمكة قد

تساعدني على أن أتغذى وأنمو ، وفي مرة من المرات استطاعت بفضل

الله أن تصطاد سمكتين ، أسرعت إلى البيت وأعدت الغذاء ووضعت
السمكتين أمامي فبدأت أنا أتناول السمكة الأولى شيئا فشيئا ، وكانت أمي

تتناول  ما يتبقى من اللحم حول العظام والشوك ، فاهتز قلبي لذلك ،

وضعت السمكة الأخرى أمامها لتأكلها ، فأعادتها أمامي فورا وقالت :

يا ولدي تناول هذه السمكة أيضا ، ألا تعرف أني لا أحب السمك ..


وكانت هذه كذبتها الثانية


وعندما كبرت أنا  كان لابد أن ألتحق بالمدرسة ، ولم يكن معنا من المال

ما يكفي مصروفات الدراسة ، ذهبت أمي إلى السوق واتفقت مع موظف بأحد محال الملابس أن تقوم هي بتسويق البضاعة بأن تدور على المنازل
وتعرض الملابس على السيدات ، وفي ليلة شتاء ممطرة ، تأخرت أمي في

العمل وكنت أنتظرها بالمنزل ،  فخرجت أبحث عنها في الشوارع المجاورة,ووجدتها تحمل البضائع وتطرق أبواب البيوت ، فناديتها : أمي ، هيا نعود
إلى المنزل فالوقت متأخر والبرد شديد وبإمكانك أن تواصلي العمل في الصباح ،فابتسمت أمي وقالت لي : يا ولدي.. أنا لست مرهقة ..


وكانت هذه كذبتها الثالثة


وفي يوم كان اختبار آخر العام بالمدرسة ، أصرت أمي على الذهاب معي ،

ودخلت أنا ووقفت هي تنتظر خروجي في حرارة الشمس المحرقة ،

وعندما دق الجرس وانتهى الامتحان خرجت لها فاحتضنتني بقوة ودفء

وبشرتني بالتوفيق من الله تعالى ، ووجدت معها كوبا فيه مشروب كانت

قد اشترته لي كي أتناوله عند خروجي ، فشربته من شدة العطش حتى ارتويت ،
بالرغم من أن احتضان أمي لي : كان أكثر بردا وسلاما ، وفجأة  نظرت إلى وجهها فوجدت العرق يتصبب منه  ، فأعطيتها الكوب على الفور وقلت لها :
اشربي يا أمي ، فردت : يا ولدي اشرب أنت ، أنا لست عطشانة ..


وكانت هذه كذبتها الرابعة


وبعد وفاة أبي كان على أمي أن تعيش حياة الأم الأرملة الوحيدة ، وأصبحت
مسئولية البيت تقع عليها وحدها ، ويجب عليها أن توفر جميع الاحتياجات ، فأصبحت الحياة أكثر تعقيدا وصرنا نعاني الجوع ، كان عمي رجلا طيبا وكان يسكن بجانبنا ويرسل لنا ما نسد به جوعنا ، وعندما رأى الجيران حالتنا تتدهور من سيء إلى أسوأ ، نصحوا أمي بأن تتزوج رجلا ينفق علينا فهي لازالت صغيرة ، ولكن أمي رفضت الزواج قائلة :
أنا لست بحاجة إلى الحب ..


وكانت هذه كذبتها الخامسة


وبعدما انتهيت من دراستي وتخرجت من الجامعة ، حصلت على وظيفة

إلى حد ما جيدة ، واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لكي تستريح أمي

وتترك لي مسؤولية الإنفاق على المنزل ، وكانت في ذلك الوقت لم يعد

لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل ،  فكانت تفرش فرشا

في السوق وتبيع الخضروات كل صباح ، فلما رفضت أن تترك العمل

خصصت لها جزءا من راتبي ، فرفضت أن تأخذه قائلة :

يا ولدي احتفظ بمالك ، إن معي من المال ما يكفيني ..


وكانت هذه كذبتها السادسة


وبجانب عملي واصلت دراستي كي أحصل على درجة الماجيستير ،

وبالفعل نجحت وارتفع راتبي ، ومنحتني الشركة الألمانية التي أعمل بها

الفرصة للعمل بالفرع الرئيسي لها بألمانيا ، فشعرت بسعادة بالغة ،

وبدأت أحلم ببداية جديدة وحياة سعيدة ، وبعدما سافرت وهيأت الظروف ،

اتصلت بأمي أدعوها لكي تأتي للإقامة معي ، ولكنها لم تحب أن تضايقني

وقالت : يا ولدي .. أنا لست معتادة على المعيشة المترفة ...


وكانت هذه كذبتها السابعة


كبرت أمي وأصبحت في سن الشيخوخة ، وأصابها مرض السرطان اللعين ،
وكان يجب أن يكون بجانبها من يمرضها ، ولكن ماذا أفعل فبيني وبين أمي الحبيبة بلاد ، تركت كل شيء وذهبت لزيارتها في منزلنا ، فوجدتها طريحة الفراش بعد إجراء العملية ، عندما رأتني حاولت أمي أن تبتسم لي ولكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة جدا وضعيفة ، ليست أمي التي أعرفها ، انهمرت الدموع من عيني ولكن أمي حاولت أن تواسيني فقالت : لا تبكي يا ولدي فأنا لا أشعر بالألم ...


وكانت هذه كذبتها الثامنة


وبعدما قالت لي ذلك ، أغلقت عينيها ، فلم تفتحهما بعدها أبدا ...


إلى كل من ينعم بوجود أمه في حياته :

حافظ على هذه النعمة قبل أن تحزن على فقدانها ...


وإلى كل من فقد أمه الحبيبة :


تذكر دائما كم تعبت من أجلك ، وادع الله تعالى لها بالرحمة والمغفرة ..

 

أحبــــك يا أمــــي

 برجاء مشاركتى بالرأى:

أيهما برأيكم أفضل الأم ؟ الأبن ولماذا؟ أم الإثنين ؟

 

المصدر: نشرتها د.نبيهه جابر نقلا من رساله الأخ مصطفى الأحمد لمقاله أ. مصطفى الفقى على موقع حطين السورى اللاذقيه

ساحة النقاش

nawras82
<p>مقال اكثر من رائع....جزاكم الله خيراً</p>

د. نبيهة جابر محمد

DrNabihaGaber
كبير مدرسى اللغة بالمعهد الفنى التجارى - الكلية التكنولوجية بالمطرية ( بالمعاش ). ومؤسسه شعبة ادارة وتشغيل المشروعات الصغيرة بالمعهد الفنى التجارى . مدرب فى تنميه مهارات العمل الحر وتنميه الشخصيه الإيجابيه. للإتصال : [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

7,216,748