<!--[endif]-->عندما تلامس أضواء الشمس الغاربة أطراف الهضاب البعيدة عند الأفق، يتحول انعكاس الضوء على مياه البحر الميت إلى أشرطة من لهب ونار. في تلك الساعة يقف الزائر مذهولاً أمام روعة المنظر وهو على انخفاض 400 متر تحت سطح البحر.
ومع إن مياه البحر الميت ساكنة هادئة، لا يعكر الموج أديمها في معظم الأيام، إلا أنها تضطرب وتتلاطم أحيانا. وفي معظم أيام السنة تومض المياه لامعة بفعل ضوء الشمس. وحيثما يلتقي ماء البحر بصخور الشاطئ، فإنها تصطبغ بلون الثلج، إذا تغطيها الأملاح البيضاء بطبقة كثيفة لامعة تعطي المنطقة طابعا سرياليا غريبا.
هذا هو البحر الميت .. اخفض بقعة عن سطح البحر في العالم، يبلغ طوله 79 كيلومترا (48 ميلا) وعرضه خمسة عشر كيلومترا وسبعمائة متر.. أما انخفاض سطحه عن سطح البحر الابيض المتوسط فيبلغ 417م. .. وتبلغ مساحة البحر الميت الإجمالية حوالي 945 كيلومتراً مربعاً ... وأما أعمق نقطة له فيبلغ 401 متراً ويقسمه شبه جزيرة اللسان إلى شطرين غير متساويين فالشطر الجنوبي هو مستنقع مالح ويبلغ عمقه من 6 إلى 8 أمتار.
يظهر البحر الميت كبحر خال من الحياة الحيوانية والطحالب .. ولكنه يحتوي كماً هائلاً من الأملاح والمعادن الغنية العناصر المتعددة المفيدة.
يظن أن منطقة البحر الميت كانت مأهولة منذ أيام النبي لوط وأن هناك مدناً ورد ذكرها في التوراة كانت موجودة وهي سادوم وعمورة و زؤر.
لا يوجد في العالم كله سطح مائي يشبه البحر الميت من حيث انخفاضه عن سطح البحر ومياهه الشديدة الملوحة فهي تقارب عشرة أضعاف ملوحة المحيطات رغم إنها تتغذى على مياه نهر الأردن العذبة... وإذا كانت تسمية هذا البحر بالميت لتعذر وجود الكائنات الحية فيه فأنه بحر حي وغني بالأملاح والمعادن والتي تشكل ثروة هائلة يمكن الاستفادة منها في مجالات متعددة سواء في الصناعة أو مجالي الطب والعلاج كما يعيش فيه بعض أنواع البكتيريا والفطريات الدقيقة ..
تعتبر مياه البحر الميت الغنية بالأملاح والطين المستخرج منه علاجاً ناجحاً للعديد من الأمراض الجلدية مثل الصدفية والحساسيات الجلدية المتنوعة، فعندما يلتقي ماء البحر بصخور الشاطئ فإنها تصطبغ بلون الثلج من جراء الأملاح المتجمعة على صخور الساحل ... وقد تم اكتشاف المزايا العلاجية لمياه وطين البحر الميت قبل حوالي 2000 سنة منذ أيام هيرودوس الكبير.... إلى جانب سهولة السباحة فيه نظراً لارتفاع نسبة الملوحة في مياهه حيث لا يحتاج الإنسان إلى إلمام بفنون السباحة إذ يستطيع المرء أن يستلقي على ظهره ويترك مياه البحر الميت تحمله دون عناء.
يقع البحر الميت في منخفض عميق يشكل جزء من الشق السوري الأفريقي، وحسب نظرية الجيولوجي البروفيسور ليو يهودا بيكارد كان في الماضي جزءا من بحيرة واسعة حلوة المياه امتدت على منطقة غور الأردن ومرج بن عامر وصبت في البحر الأبيض المتوسط. وحسب هذه النظرية أسفرت التغييرات في علوّ الأرض قبل مليوني عام تقريبا إلى انقطاع الوصلة بين تلك البحيرة والبحر الأبيض المتوسط، وإلى تضيق البحيرة إلى بحيرة طبريا، نهر الأردن والبحر الميت. فأدى حصر مياه البحر الميت، وتبخر الماء إلى زيادة نسبة الأملاح فيه.
فعندما يلتقي ماء البحر بصخور الشاطئ فإنها تصطبغ بلون الثلج من جراء الأملاح المتجمعة على صخور الساحل، وأيضا يعتبر من المراكز الاقتصادية التي تبنى عليها كثير من الصناعات مثل مصانع الملح ومصانع المستحضرات التجميلية والعلاجية. وقد أقيمت الكثير من المنتجعات على كلا شاطئيه الشرقي والغربي. وقد رشح ليكون أحد عجائب الدنيا الطبيعية في نطاق البحيرات.
ويعزى سبب الانجذاب إلى البحر الميت إلى الاجتماع الفريد للعديد من العوامل: التركيب الكيميائي لمياهه، وأشعة الشمس المصفاة والهواء المشبع بالأكسجين علاوة على الطين الأسود المشبع بالمعادن على ضفاف البحر وينابيع الماء العذب والمياه الحارة المعدنية الملاصقة له.
منذ فجر التاريخ عرفت مياه البحر الميت شخصيات تاريخية شهيرة كهيرودس العظيم وكيلوبترا الملكة الفرعونية الجميلة وغيرهم من السلاطين والحكام والأباطرة والملوك. وما زال يجتذب سنوياً آلاف الأفواج من الزائرين المحليين والأجانب الباحثين عن العلاج والجمال والهدوء والدفء نظراً لمياهه الدافئة والغنية بأملاح الصوديوم والبوتاسيوم والبرومين والمنغنيز إلى جانب شبكة من الطرق الحديثة والعديد من الفنادق الراقية التي تنتشر على شاطئه الشرقي والتي تقدم خدمات فندقية عالية المستوى علاوة على الاستراحات وأماكن الترفيه والرمال النظيفة، وقد نال البحر الميت شهرة عالمية حيث تعتبر فنادقه مكاناً مثالياً لعقد الإجتماعات والمؤتمرات والندوات المحلية والإقليمية والدولية على حد سواء.
خلال خمسين عاما سيختفي البحر الميت إذا استمر الوضع الحالي !!
يعاني البحر الميت من تناقص في كمية المياه اذ يفقد كل عام 30 سم ويخشى العلماء من جفافه نهائياً مطلع عام 2050 إذا لم تقم مشاريع ترفده بالمياه لبقائه موجوداً. إذ ان شفط المياه من نهر اليرموك ونهر الأردن من قبل إسرائيل والأردن، قلل بشكل حاد كميات المياه التي تصل إلى البحر الميت مما يهدده بالجفاف. ومن المشاريع المقترحة لإنقاذ البحر الميت تبرز خطة شق قناة من البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط لتسييل المياه المالحة إلى البحر الميت، ولكن هذا المشروع مختلف عليه بسبب خشية الخبراء من تداعيات غير متوقعة قد تكون له على البيئة وعلى تركيبة مياه البحر الميت، وبسبب تكاليفه الهائلة.
وجه الأردن نداء إلى المجتمع الدولي من أجل إنقاذ البحر الميت من الإختفاء. وقال الأردن إن البحر الذي يعد أكثر المسطحات المائية ملوحة في العالم، سيختفي في غضون 50 عاما ما لم يتم ضخ مزيد من المياه فيه.
واقترحت السلطات الأردنية أن يتم ضخ نحو ملياري متر مكعب من مياه البحر الأحمر في البحر الميت، الذي يعد أكثر النقاط إنخفاضا على سطح الأرض.
وقدمت الأردن المشروع خلال مؤتمر دولي لإدارة المياه عقد على ساحل البحر الميت.
وقال وزير الري والزراعة الأردني حازم صالح للمشاركين في المؤتمر إن البحر الميت كنز عالمي فريد، لكن وجوده مع النظام البيئي المحيط به في خطر.
وقال الوزير "هناك إنخفاض في مستوى مياه البحر بمعدل متر سنويا، ونتيجة لذلك هناك عواقف بيئية سلبية توثر على البحر الميت نفسه والنظام البيئي المرتبط به".
وأضاف الوزير "هناك حاجة للتحرك بسرعة من أجل التخفيف من هذه الأضرار البيئية".
وقال ناصر إن إحدى النتائج المترتبة على إنحسار مياه البحر ظهور حفر عمقها 20 مترا.
وأضاف أن نقص تدفق المياه إلى البحر يهدد بمزيد من الزلازل في المنطقة.
ويساعد البنك الدولي الأردن عن طريق تقديم الدراسات الفنية الخاصة بوضع خطة من أجل ضخ المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت حتى يصل إلى المستوى السابق وهو 395 مترا تحت سطح البحر. ووصل مستوى سطح البحر الميت إلى 410 مترا تحت سطح البحر.
وحصل الأردن على موافقة إسرائيل والسلطة الفلسطينية على شق قناة بمحاذاة الحدود الأردنية الإسرائيلية، ولكنها بانتظار موافقة جهة على تمويل المشروع الذي تبلغ تكاليفه مليار دولار.
ساحة النقاش