الافتراس الجنسي: لماذا تأكل بعض الحيوانات رفقاءها بعد التزاوج

قد تبدو ممارسة الافتراس الجنسي sexual cannibalism وكأنها قصة خيالية مروعة، لكن هذا يحدث في الواقع السلوكي للعديد من الحيوانات، حيث يشير إلى أكل كل رفيق أو جزء منه أثناء الخطوبة أو الجماع. يمكن أن يبدو هذا السلوك وكأنه لغز تطوري: لماذا يفضل التطور سلوكًا يؤدي إلى موت رفيق المرء أو نفسه؟

تم توثيق الافتراس الجنسي الذي يحدث بعد التزاوج في العديد من اللافقاريات، بما في ذلك العناكب والحشرات ورأسيات الأرجل. في بعض الحالات، يكون نادرًا داخل الأنواع، بينما يكون شائعًا جدًا في حالات أخرى. وجدت دراسة أجريت على عناكب الظهر الأحمر (Latrodectus hasselti) أن الإناث تلتهم الذكور في 65٪ من حالات التزاوج. في ملاحظة أخطبوط، أكلت الأنثى رفيقها ولكن فقط بعد التزاوج معه 13 مرة. يعتقد العلماء أن تواتر الافتراس الجنسي يختلف أيضًا بين المجموعات البرية والأسيرة داخل النوع.

بشكل عام، الافتراس الجنسي ينطوي على أكل الأنثى للذكر. يمكن أن تختلف استجابة الذكر في هذا التفاعل بشكل كبير بين الأنواع. على سبيل المثال، يبدو أن ذكر العنكبوت الأحمر يضحي بنفسه طواعية؛ أي أنه يضع نفسه في فم الأنثى بعد التزاوج، مما يسهل عليها أكله. في المقابل، يبدو أن ذكر السرعوف الآسيوي العملاق (أي فرس النبي من النوع Hierodula Mranacea) يبذل كل ما في وسعه لتجنب أكله؛ حيث يقفز على ظهر الأنثى من مسافة كبيرة ويضع نفسه في زاوية تجعل الهجوم أقل احتمالا. لماذا لا يفعل العنكبوت الأحمر هذا؟

هذا سؤال لعلماء الأحياء التطورية الذين يفكرون في سبب حدوث السلوك من خلال دراسة كيف يفيد النجاح الإنجابي للفرد. بالنسبة لسلوكيات التزاوج، تختلف التكاليف والفوائد بين الذكور والإناث؛ تستفيد الإناث عادةً من خلال استثمار الكثير من الطاقة والموارد في عدد محدود من الأمشاج الكبيرة (أي البويضات)، بينما يستفيد الذكور عادةً من خلال استثمار طاقتهم ومواردهم في نشر أكبر عدد ممكن من الأمشاج الصغيرة الوفيرة (أي الحيوانات المنوية) بقدر الإمكان. فيما يتعلق بالافتراس الجنسي، فإن التكلفة العالية التي يتحملها الذكر الفردي واضحة، لكن الفوائد التطورية له ولرفيقه ليست واضحة.

بالنسبة للإناث، من المرجح أن يوفر لها استهلاك الذكر فوائد التغذية الإضافية والطاقة التي يمكن أن تنتقل إلى الأبناء. لقد وجدت الدراسات أن الإناث أكثر عرضة لأكل الذكور عندما يكونون جائعين، وفي بعض الحالات، تستمر الإناث اللواتي يأكلن الذكور في إنتاج بيض أثقل مع عدد أكبر من النسل.

في المقابل، قد يستفيد الذكور الذين يؤكلون بعدة طرق على الرغم من دفع الثمن النهائي. ضع في اعتبارك أن حوالي 80% من ذكور العناكب الحمراء يموتون دون أن تتاح لهم فرصة التزاوج وإنجاب النسل. في ظل هذه الظروف، فإن فرصة 65٪ للوفاة أثناء التزاوج قد تستحق المخاطرة من منظور اللياقة التطورية. أيضًا، يمكن أن تُترجم التضحية بجسد الذكر لرفيقه إلى إنتاج الأنثى عددًا أكبر من النسل أو النسل الأكثر صلابة الذين لديهم فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة، مما يضمن انتقال جيناته إلى الأجيال اللاحقة. تشير بعض الدراسات إلى أن حجم جسم الذكر قد يكون مهمًا، فالذكور الأكبر حجمًا يقدمون طعامًا أكثر من الأصغر.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الافتراس الجنسي إلى زيادة فرص الذكور في تخصيب بيض الأنثى بنجاح، وذلك ببساطة لأن الأنثى تقضي وقتًا أطول معه. في بعض الحالات، يسمح التزاوج المطول بنقل المزيد من الحيوانات المنوية، مما يزيد من فرص الإخصاب. يمكن أن يحدث التزاوج المطول بطرق أخرى، ومع ذلك، لا يلزم أن يؤدي إلى تناول الأنثى للذكر. في بعض أنواع الذباب والحشرات الأخرى، ثبت أن هدايا الزواج الأخرى (بما في ذلك الطعام المتقيأ، والإفرازات اللعابية، وأجزاء الجسم المختارة) تزيد من مدة التزاوج. علاوة على ذلك، قد يقلل الافتراس الجنسي من تنافس الحيوانات المنوية بين الذكر الذي يضحي بنفسه والذكور الآخرين الذين يظهرون لاحقًا؛ أظهرت بعض الدراسات أن الإناث لا تتزاوج لفترة من الوقت بعد تناول الشريك الذكر، وبالتالي فإن الذكور الآخرين الذين يليهم هم أقل عرضة للمشاركة في تخصيب بويضات الأنثى.