إن دور التحقيق في تطور الدراسات الصوفية يتمثل في إثارة بعض القضايا المهمة، وتصحيح بعض المفاهيم، بالإضافة إلى تكوُّن بعض المدارس أو الاتجاهات أوغير ذلك، مما يجعل نشر هذا التراث الصوفي الإسلامي والكشف عنه بمثابة وضع الأساس الذي سيقوم عليه البناء الجديد، فما من نهضة ثقافية إلا واقترنت بإحياء ونشر تراثها القديم.
وقد دارت جهود المعاصرين حول الكشف عن المخطوطات، وتحقيقها ونشرها، ولاشك أن الكشف عنها هو الخطوة الأولى في سبيل إحياء التراث الإسلامي، وقد اتجه إليه المستشرقون منذ أخريات القرن التاسع عشر، وسرنا على منهجهم في القرن العشرين، وكشفوا وكشفنا معهم عن ذخائر لها وزنها، فلدينا الآن ثروة يعتد بها (<!--) .
في سنة (1364هـ/1945م) حقق الدكتور أبو العلا عفيفي(<!--) " رسالة الملامتية " لأبي عبد الرحمن السلمي ( ت412هـ/1021م) ضمن كتابة " الملامتية والصوفية وأهل الفتوة "، من مؤلفات الفلسفية المصرية، وقد نشرته دار إحياء الكتب العربية، عيسي البابي الحلبي وشركاه.
ثم حقَّق كتاب " فصوص الحكم " لمحيي الدين بن عربي ( ت638هـ/1240م) في جزأين في سنة (1365هـ/1946م).
ومن مؤلفات ابن عربي حقَّق الدكتور عثمان يحيى " الفتوحات المكية "، وقد طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة (1392هـ/1973م)، وكان قبل ذلك في سنة (1384هـ/1965م) قد حقق " ختم الأولياء " للحكيم الترمذي (ت320هـ/932م) .
كما حقق الدكتور على حسن عبد القادر كتاب " الرياضة وأدب النفس " للترمذي مع المستشرق الإنجليزي (آربري) ونشرته مكتبة مصطفي البابي الحلبي سنة (1366هـ/1947م).
أما الدكتور عبد الحليم محمود(<!--)، فقد حقق كتاب " المنقذ من الضلال " للغزالي (ت505هـ/ 1111م) وقدم له سنة (1375هـ/1955م)، وكتاب " لطائف المنن " لابن عطاء الله السكندري (ت709هـ/1309م)، وكتاب " الصدق " لأبي سعيد الخراز (ت277هـ/890م).
ثم توالى تحقيقه للتراث الصوفي، فأخرج مع الأستاذ طه عبد الباقي سرور كتاب "الرعاية لحقوق الله" للحارث المحاسبي (ت242هـ/856م)، وكتاب " التعرف لمذهب أهل التصوف " للكلاباذي (ت380هـ/990م)، وكتاب " اللمع " للسراج الطوسي (ت378هـ/988م)، ثم حقق مع الدكتور محمود بن الشريف " الرسالة القشيرية " للقشيري (ت465هـ/1072م)، و"غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية " لابن عباد الرندي (ت792هـ/1390م)، و " عوارف المعارف " لشهاب الدين بن عمر السهروردي (ت632هـ/1234م).
وحقق الدكتور عبد الرحمن بدوي(<!--) في سنة (1369هـ/1949م ) في كتابه "شطحات الصوفية " كتاب ( النور من كلمات أبي طيفور البسطامي ، ثم ملحق نصوص خاصة بالبسطامي (ت261هـ/875م).
وفي سنة (1370هـ/1950م) حقَّق لأبي حيان التوحيدي كتاب" الإشارات الإلهية"، ثم من تراث ابن سبعين الصوفي (ت669هـ/1270م) " رسالة النصيحة "، القاهرة سنة (1376هـ/ 1956م)، ثم "عهد ابن سبعين لتلاميذه"، القاهرة، سنة (1377هـ/1957م)، ثم كتاب "الإحاطة"، القاهرة، سنة (1378هـ/1958م)، ثم نشرت له الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر تحقيقه لرسائل ابن سبعين، سنة (1385هـ/1965م) .
وقام الأستاذ نور الدين شريبة بتحقيق كتاب " طبقات الصوفية " لأبي عبد الرحمن السلمي (ت412هـ/1021م)، وقد نشرته مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الثانية سنة (1389هـ/ 1974م).
كما قامت الدكتورة إسعاد عبد الهادي قنديل بتحقيق كتاب " كشف المحجوب " للهجويري (ت465هـ/1072م)، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، سنة (1394هـ/1974م).
وحقق الدكتور عبد اللطيف العبد كتاب " اصطلاحات الصوفية " لعبد الرازق القاشاني (ت735هـ/1334م) وصدرت الطبعة الأولي سنة (1397هـ/1977م) ثم حقق الدكتور محمد كمال جعفر نفس الكتاب، وقامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بنشره سنة (1401هـ/1981م) .
كذلك عني الدكتور محمد كمال جعفر بدراسة الصوفي سهل بن عبد الله التستري (ت273 أو 283هـ/887 أو 897م) وإحياء تراثه ومذهبه الصوفي، فحقق " رسالة الحروف " و " كلام سهل بن عبد الله التستري " و " تفسير القرآن العظيم " و " المعارضة والرد على أهل الدعاوى " وغير ذلك مما نشرته له دار الكتب الجامعية، الإسكندرية سنة (1390هـ/1970م) .
وبهذه الإطلالة السريعة يمكننا ملاحظة عناية باحثينا المعاصرين بضرورة ارتكاز جهودهم لتأصيل الفكر الصوفي الإسلامي على النصوص الإسلامية الأصيلة، تلافيًا لما وقع فيه المستشرقون من خطأ الاعتماد على الترجمات اللاتينية لتراث متصوفي الإسلام، في القرون الوسطى المسيحية، فقد اتجهوا بكل عزم ووعي إلى إحياء تراثهم الإسلامي بالتحقيق والنشر؛ ليكون دعامتهم في إبراز الطابع الأصيل للفكر الصوفي الإسلامي.
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
(1) د/ إبراهيم مدكور: الفلسفة الإسلامية، منهج وتطبيقه، 2: 10.
(2) ولد في محافظة الجيزة سنة (1314هـ/1897م)، أنهي دراسته في دار العلوم سنة (1340هـ/1921م)، سافر إلى إنجلترا في بعثة علمية حصل خلالها على دبلوم الحكومة البريطانية في التربية وعلم النفس سنة (1343هـ/1924م) ثم درجة البكالوريوس في الفلسفة من جامعة كمبردج برتبة الشرف الأولي سنة (1346هـ/1927م)، التقى المستشرق الإنجليزي (نيكلسون) فكان تلميذه ومساعده الأول في جامعة كمبردج ما بين الفترة (1925-1930م) فاختار له شخصية ابن عربي ليحصل بها على درجة الدكتوراه، وكان يعمل هناك مدرسًا بقسم الدراسات الشرقية، إلى جانب قيامه بدراساته للدكتوراه، ثم عاد إلى مصر سنة (1348هـ/1930م) وعمل بتدريس الفلسفة بكلية الآداب في جامعة القاهرة حتى سنة (1361هـ/1942م) إذ انتقل منها إلى جامعة الإسكندرية، وعمل بها رئيسًا لقسم الفلسفة الإسلامية حتى أحيل للتقاعد سنة (1377هـ/1957م)، ثم أستاذًا غير متفرغ بها منذ تقاعده إلى وفاته، مواصلاً نشاطه العلمي المتنوع بين تحقيق وترجمة وتأليف، كما انتدب أستاذًا زائرًا في العديد من الجامعات الغربية، أشرف على الكثير من الرسائل الجامعية، كما شغل مناصب عدة، انتقل إلى رحمة الله سنة (1395هـ/1975م).
(3) ولد في مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية سنة (1328هـ/1910م)، نشأ في أسرة مشهورة بالصلاح والتقوى، حفظ القرآن الكريم، التحق بالأزهر الشريف ،وحصل على الشهادة العالمية سنة (1351هـ/1932م)، ثم سافر إلى باريس وحصل هناك على درجة الدكتوراه في التصوف الإسلامي – تحت توجيه المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون – سنة (1359هـ/1940م)، ثم عاد إلى مصر وعمل مدرسًا في جامعة الأزهر بكلية اللغة العربية، ثم كلية أصول الدين، التي تدرج في مناصبها حتى عُين عميدًا لها سنة (1384هـ/1914م)، عمل أستاذًا زائرًا في العديد من الجامعات العربية، أشرف على الكثير من الرسائل الجامعية، تولي مناصب عدة منها : أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، وكيل للأزهر الشريف سنة (1390هـ/1970م)، وزير الأوقاف وشئون الأزهر، ثم عُين شيخًا للأزهر سنة (1393هـ/ 1973م) له العديد من المواقف المشرفة الشجاعة داخل مصر وخروجها، توفي رحمه الله في سنة (1397هـ/1978م).
(4) ولد في قرية شرباص بمحافظة الدقهلية سنة (1335هـ/1917م)، حصل على شهادة الثانوية من المدرسة السعيدية سنة (1352هـ/ 1934م) التحق بقسم الفلسفة بكلية الآداب، وتم بعثة إلى ألمانيا والنمسا أثناء دراسته، ثم عاد ليحصل على الليسانس الممتازة من قسم الفلسفة سنة (1356هـ/1938م)، عُين معيدًا في قسم الفلسفة ليحصل على درجة الماجستير، ثم درجة الدكتوراة سنة (1362هـ/ 1944م)، تدرج في وظائف التدريس المختلفة، ثم ترك جامعة القاهرة ليقوم بإنشاء قسم الفلسفة بكلية الآداب في جامعة عين شمس، عمل أستاذًا زائرًا في عدد من الجامعات العربية والغربية، نال جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة سنة (1379هـ/1961م) ثم غادر مصر إلى فرنسا سنة (1380هـ/1962م)، كما نال بعد ذلك جائزة مبارك في العلوم الاجتماعية سنة (1420هـ/1999م)، وقامت جهات علمية عديدة بترشيحه لجائزة نوبل، توفي رحمه الله في سنة (1423هـ/2002م).
ساحة النقاش