تمييز المشكلات الحقيقية من الزائفة :

منذ ظهور ثورة المعلومات والاتصالات، أصبحت المجتمعات تشهد حشدًا هائلاً من المعلومات والمعارف لم يسبق لها من قبل، كما راحت السلطات الحاكمة فيها تستغل تلك الثورة في توجيه الرأي العام والتحكم فيه من خلال طرح أو فرض مشكلات عليه، قد لا تكون هي مشكلاته الحقيقية؛ لكي ينشغل بها، ويظل يعمل على حلها، في نفس الوقت الذي من المعروف أنه لا يوجد لها حل؛ لأنها في الأصل ليست أكثر من مشكلات زائفة وقد كان هذا العمل يحدث في الماضى ، لكن درجة تأثيره وانتشاره لم تبلغ المدى الذي أصبحت تبلغه في الوقت الحاضر ، نتيجة سيطرة وسائل الإعلام الحديثة (الصحافة ، والإذاعة ، والتلفزيون ، والسينما ، والإنترنت) وتأثيرها القوى في الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات.

من هنا أصبح طرح المشكلات الزائفة "فنا" قائمًا بذاته ، لا يدرك خطره ، ولا الآثار المترتبة عليه سوى العاملين فيه ، والقائمين على إعداده وتنفيذه بصوره المتقنة ، التي لا يبدو للجماهير أبدًا أنها مصنوعة أو بتعبير أدق : مفبركة وهنا يأتى دور الفلسفة الإسلامية التي ينبغى أن تبين للناس الفروق لأساسية بين المشكلات الحقيقية والمشكلات الزائفة لكى لا ينساقوا وراء محاولة حل هذه الأخيرة بلا طائل من ذلك ما حدث في تاريخ المسلمين العقائدى والفكرى القديم خاصًا بمشكلة خلق القرآن ، التي قسمت المجتمع الإسلامى في عهد الدولة العباسية إلى الفريقين كبيرين يتهم أحدهما الآخر ، بل ويعذب بعضهما بعضًا.

وفي العصر الحديث ، ما أكثر المشكلات التي يطرحها الإعلام وتشجعها السلطات المحلية على الناس لكى يتحدثوا فيها ، ويختلفوا بالتالى حولها ، ثم يروح كل منهم لإبداء رأيه ، وقد يهاجم في عرضه من يختلف معه ، وتستمر تلك المعركة "الوهمية" شهورًا بل وسنوات ، ثم تنجلى أخيرًا عن حقيقة مرة للجميع ، يدركون عندها أن المشكلة التي كانوا يعالجونها لم تكن حقيقية ، بل إن مشكلاتهم الحقيقية سواء في المجال السياسى أو الاقتصادى هى التي كانت تستحق المناقشة ، وطرح مختلف وجهات النظر ويكفي أن يفتح المواطن العربى التلفزيون أو الراديو لكى يستمع إلى برامج لا نهاية لها حول أزمة الأغنية ، وأزمة السينما ، وأزمة المسرح ويشاهد شخصيات تتناقش بكل حماسة حولها ، دون أن يصلوا في النهاية إلى شىء محدد ، وذلك في الوقت التي تظل المشكلات الحقيقية كالبطالة والعنوسة والتسكين والصحة والتعليم والبيئة في مكانها منذ عشرات السنين ، ولا يوجد نقاش جاد حولها ، وبالتالى لا حل لها !!

الفلسفة الإسلامية إذن هى القادرة على التمييز بين هذين النوعين من المشكلات ، وتبصير الناس بأى منهما إذا ظهرت على الساحة ، وهى القادرة أيضًا على توجيه الأنظار إلى أسباب المشكلات الحقيقية وتطوراتها وخطورتها في إمكانية التحول إلى أزمات قد يصعب بل يستحيل أحيانًا حلها.

 

Dr-mostafafahmy

د/ مصطفى فهمي ...[ 01023455752] [email protected]

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 393 مشاهدة

ساحة النقاش

مصطفى فهمي

Dr-mostafafahmy
فلسفة الموقع مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية وليست محاولة لفهم الحياة فقط. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

507,215