يحاول أصحاب الإعاقات في أغلب الأحيان إثبات أنفسهم أمام الناس، ليؤكدوا للجميع أنهم يستطيعون العيش كما يعيش الأشخاص الطبيعيين، وأفضل منهم حتى، والشاب الفلسطيني الكفيف وائل بشير احترف في التعامل مع الكمبيوتر، وتولى مهمة تدريب الطلبة المكفوفين على استخدامه، ويطمح بأن يصبح مبرمجا.
بدأ مرضه الذي يعرف باسم تلون
الشبكية منذ طفولته
ويروي بشير الذي يعمل مدرساً للتفسير في "كلية مجتمع العلوم المهنية والتطبيقية" مشوار كفاحه وكيف احترف التعامل مع الكمبيوتر، قائلا: "لقد بدأ مرضي الذي يعرف باسم تلون الشبكية منذ طفولتي، فبدأتُ أفقد بصري تدريجياً، وذلك عبر عدم تمكني من الرؤية في الأماكن المعتمة".
ويتابع: "ثم تطّور الأمر إلى عدم رؤيتي لكل ما هو حجمه صغير، وفي نهاية مرحلة الثانوية فقدتُ القدرة على القراءة والكتابة، وبدأت أعتمد على تسجيل المحاضرة عبر أشرطة، إلى أن فقدته تماماً في بداية المرحلة الجامعية".
وبابتسامةٍ لم تفارقه يقول: "لم أستسلم لهذه الإعاقة.. لكن دون شكّ أني مدينٌ لوعي والديّ في التعامل مع إعاقتي، فهما عودّاني منذ الصغر على الاعتماد على ذاتي بشكلٍ عملي، وأن أكون إنساناً منتجاً وليس متواكلاً، وذلك عبر المحاولة بالتجربة مرة ومرتين وعشرة، سيّما أن هذه الإعاقة شاء الله أن تكون عند أخي وأختي".
ويشير إلى أن الفروقات بينه وبين زملائه في المدرسة تجلّت في عدم قدرته على أداء بعض الألعاب مثل لعبة التنس (الطاولة)، ورغم ذلك بقيَ مُصّراً على ممارستها، والمحاولة في تحقيق نجاح على مستواه الفردي على الأقل.
"رحلتي مع الحاسوب":
أما عن رحلته مع الحاسوب يقول بشير: "في عام 1997، اشتريت جهازاً ولم تكن حينها قد ظهرت البرامج الناطقة باللغة العربية، ولا أخفيكِ بأنه كان لدي طموح كبير في دراسة الحاسوب، ولكن الكثيرين كانوا ينظرون بأن تخصص الكفيف في مجال كهذا هو أمر عبثي ولا فائدة منه، ولكني أثبت العكس".
ويشير إلى أنه في بداية تعلمه ساعده بعض أصدقائه وزوجته في التعرف على البرامج الأساسية لجهاز الحاسوب مثل برنامج "DOS" فحفظ لوحة المفاتيح عن ظهر قلب، كما حفظ كافة الأصوات التي ترافق فتح بعض القوائم والبرامج، وبذلك تمكنّ فيما بعد من كتابة رسالة الماجستير كاملة بواسطته.
في عام 1997 اشترى جهاز حاسوب
وفي عام 2000 افتتحت الجامعة الإسلامية مركز التقنيات المساعدة للمكفوفين وتم اختياره للعمل كمدرب فيه، وعن هذه المرحلة المفصلية التي أتيح له أن يحقق فيها جزءاً من أمنيته يقول: "لقد تلقّفني المركز حينها بشكلٍ مباشر، وما شجعهم على ذلك أنه كان لدي خلفيةً جيدة عن الحاسوب تؤهلني لأن أكون مدّرباً جيداً".
وسيلة دعوية:
ومن المميزات النوعية التي أضافتها له "الشبكة العنكبوتية" وتصفحّ مواقع الإنترنت يقول بشير: "عن طريق برنامج "paltalk" الخاص بالتواصل الاجتماعي استطعتُ أن أعطي العديد من الدروس الدينية لأناس من مختلف أنحاء العالم، وبذلك استطعت توظيف دراستي لأصول الدين بطريقة مجدية، فالكثيرون يستخفّون بهذا التخصص، دون أن يعرفوا بأنه تخصصٌ يحتاجُ إلى قدراتٍ عقلية ذات مستوى عالٍ كي يتمكن من إيصال الدين الإسلامي للآخرين".
وعن طموحاته في هذا المجال يقول: "صحيح أني أصبحت أجيد الكثير من برامج الحاسوب، إلا أني أطمح إلى أن أكون مبرمجاً، لأني أريد للبرمجة أن تكون وسيلة للعطاء، لأني بالفعل أتمنى بأن استخدم التكنولوجيا الحديثة في أن أفيد الناس في مجال الدعوة، كما أتمنى أن أطوّر نفسي في مجال الترجمة الفورية".
وفيما يتعلق بتجربته مع التدريس في الجامعة يقول بشير: "لقد شعرتُ بهيبة في البدء، لكن قناعتي التي تكيفت معها بأني أحبُ ممارسة كل الأشياء، وطالما أني واثق من نفسي فسأنجح بجهدي ومثابرتي".
وفي الختام ينصح بشير الأب لثلاثةٍ من الأبناء كلَّ معاق بالقول: "إياك أن تنتظر منّةً من أحد، أما إن كنت جالساً في بيتك فإن السماء حتماً لا تمطر ذهباً أو فضة، فعلينا أن نتسلح بالعلم، وأن نحرص على العلاقة التكاملية بيننا وبين المجتمع في معادلة الأخذ والعطاء".