كتبت - د/ شريفة مسعود
التوافق النفسى للكفيف
إن توافق الفرد لا يقاس بمدى خلوه من المشاكل ولكن يقاس بمدى قدرته على مواجهة هذه المشاكل وحلها حلولاً إيجابية تساعد على تكيفه مع نفسه ومع المجتمع الذى يعيش فيه ، إذ يقابل الفرد فى العادة أثناء تفاعله مع بيئة ما ، الصراع والمشاكل وحتمية الاختيار بين المواقف المتناقضة ، وهذا أمر تحتمه طبيعة الحياة ، والفرد تسيره حاجاته البيولوجية والاجتماعية وفكرته عن نفسه ، وتعبر الحاجات عن نفسها عن طريق السلوك الظاهر، فإذا لم يشبع هذه الحاجات إشباعاً مناسباً يصبح لدينا موقف يبعث على التوتر وبالتالى يختل توازن الفرد مع بيئته.
وللتكيف الاجتماعى عند الكفيف قيمته الإنسانية عندما يأخذ فى الاعتبار تحقيق استقلال شخصيته ، فتحقيق الاستقلال شرط أولى لتكيف الكفيف فى المجتمع، وهذا يتطلب درجة عالية من ثبات الشخصية، ويمكن تحقيق ذلك بقيام كل من الأسرة والمدرسة بدورها فى هذا المجال ، وعلى هذا الأساس يجب على أفراد الأسرة أن يوجهوا الكفيف إلى الاستقلال بشخصيته ، فهم يعلمونه كيف يساعد نفسه بنفسه ولا يعتمد دائماً على المساعدة الخارجية، وهذا يخلق عنده فرحة وبهجة ذات طابع خاص ، وبصفة عامة فإن الاستقلال الذاتى عند الكفيف عبارة عن معيار او موازنة أو توفيق بين مطالب البيئة وبين استخدام القدرات الذاتية الباقية .
وتجدر الإشارة هنا إلى خلط مفاهيم فى حاجة إلى تصحيح ، مما يترتب عليه نظرة أكثر شمولية لموضوع التوافق النفسى للكفيف. ويتمثل هذا الخلط فى أن مصطلح التكيف قد استخدم كثيراً ، بل ومازال يستخدم كمرادف لمصطلح التوافق ، على الرغم مما بين المصطلحين من تفاوت كبير ، وذلك فى إطار الحديث بلغة الصحة النفسية . ويرجع هذا الاستخدام إلى اقتباس مصطلح التوافق فى البيولوجيا ونقله بنفس المسمى ونفس المعنى إلى علم الصحة النفسية ، فالتوافق فى علم البيولوجيا ، وبخاصة عند دارون يعنى القدرة ، قدرة الكائن الحى على التلاؤم مع ظروف البيئة وما يطرأ عليها من تغيرات بحيث تتحقق المحافظة على الحياة.
وهذا المعنى ليس هو مفهوم التوافق النفسى بلغة الصحة النفسية ، وإنما هو مفهوم التكيف ، فالتكيف فى الصحة النفسية يعنى التواؤم ، أو المسايرة ، والمجاراة بمعنى التلاؤم بين الفرد وبيئته على مستوى السطح وليس على مستوى الأعماق ، بما يكفى فقط لخفض التوتر واستعادة الاتزان. أما التوافق كمفهوم فى الصحة النفسية فيعنى التلاؤم بين الفرد وبيئته على مستوى الأعماق
وقد قدم صلاح مخيمر هذا المفهوم بدقة بالغة مشيراً إلى أن التوافق هو
" الرضا بجبنات الواقع التى تستحيل على التغير ، ولكن فى سعى دائب لتخطى جبنات الواقع التى تنفتح للتغير ، مضياً بها قدماً فى غير توقف على طريق التقدم والصيرورة