المـــــــــــوت
حيث كانت الحياة كان الموت لها بالمرصاد. وما ولدت الحياة وليداً إلا ونسبته إلي الموت ووثقت صلته به.
يقول الله تعالي: "كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام" (الرحمن: 26_ 27)
أ_ ما معني الموت….؟
احتلف المتكلمون في حقيقة الموت…… هل وجودي أم عدمي…..؟
فذهب الأشعري ومن وافقه إلي أن الموت وجودي. ولذا فقد عرفه بأنه: "كيفية _ أن صفة وجودية. تضاد الحياة"، وعلي هذا المذهب فإن التقابل بين الموت والحياة تقابل التضاد.
ولقد استدل الأشعري ومن وافقه علي مذهبه هذا بقوله تعالي: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) (الملك: 2)
فخلق الشيء إيجاده وقد وقع الخلق علي الموت وعلي الحياة معاً فهما أمران وجوديان .. كما أن الموت في الأية صنو الحياة والحياة أمر وجودي لأنها حركة وحس ونماء وكلها أمور وجودية فهي إذن أمر وجودي وكذلك الموت صنوها.
وذهب الأسفرايني والزمخشري: إلي أن الموت عدمي.. وعرفاه بأنه: "عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حياً".
وعلي هذا المذهب فإن التقابل بين الموت والحياة يكون تقابل العدم والملكة وأولا الخلق في الآية: (الذي خلق الموت والحياة) بالتقدير أي الذي قدر الموت والحياة ووقوع الموت أمر بدهي لا يحتاج إلي دليل لإثبابته. فقد آمن به المؤمن وغير المؤمن لأنه واقع مشاهدة. قال تعالي: (كل نفس ذائقة الموت) (آل عمران)
ومن هنا أوجب الإسلام علي إبنائه التصديق واعتبر منكره كافرا لمخالفته النص القطعي وعدم إيمانه به_ أما الفناء بالموت فإنه محل خلاف.
ب_ مذاهب العلماء في فناء المخلوقات بالموت:
لا يختلف عاقل مع نفسه كما لا يختلف مع غيره في الموت فهو حقيقة واقعة لا جدال فيها ولكن العلماء اختلفوا في فناء المخلوقات بالموت علي مذاهب ثلاثة:
1_ مذاهب أهل السنة:
يجب التصديق بعموم فناء الكل بالموت بعد فراغ الآجال المقدرة.
2_ مذهب الدهرية:
الفناء للأشخاص والنوع أبدي فالأرحام تدفع والأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر. وهو مذهب بديهي البطلان فهو مذهب مبني علي عدم الإيمان بإله ولا بآخر. فالزمن الذي يهب الحياة وهو الذي يسلبها وليس هناك شيء بعد ذك فما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع.
3_ مذاهب الفلاسفة:
الموت يكون مجرد اختلال الطبيعة. وهو مذهب بديهي البطلان مثل سابقه.
والمذهب الأصح والذي يجب الإيمان به هو مذهب أهل السنة.
جـ _ مذاهب العلماء فيمن يتولي قبض الأرواح:
اختلف العلماء فيمن يتولي قبض الأرواح علي مذاهب ثلاثة.
1_ مذهب أهل الحق:
يري أهل الحق أن الذي يتولي فبض جميع الأرواح من أنس وجن وملائكة بل وطيور هو ملك الموت "عزرائيل" حتي ذهبوا في أحد قولين لهم أنه هو الذي سيتولي فبض روحه هو، والقول الثاني: يري أن الله _سبحانه وتعالي_ هو الذي يقبض روحه.
2_ مذهب المعتزلة
ويري المعتزلة أن ملك الموت هو الذي يقبض جميع أرواح الأنس والجن فقط.
3_ مذهب المبتدعة:
ويري هذا الفريق من الباحثين أن ملك الموت لا يقبض أرواح البهائم بل يقبضها أعوانه.
والأصح مذهب أهل الحق.
ولقد أسند الموت في ثلاث آيات بإعتبارات مختلفة ... مرة إلي _الله تعالي_ وأخري إلي ملك الموت، وثالثة إلي رسل الله "ملائكته".
فأسند التوفي إلي _ الله تعالي_ في قوله تعالي: "الله يتوفي الأنفس حين موتها" (الزمر 42) والاسناد هنا علي الحقيقة لأن الله _ تعالي_ هو الخالق لذلك علي الحقيقة.
كما أسند ثانية إلي ملك الموت في قوله تعالي :"قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل ربكم ثم إلي ربكم ترجعون" (السجدة :11) وقد أسند إلي الملك الموت لمباشرته له.
كما أسند ثالثه إلي أعوان ملك الموت في قوله تعالي: "توفته رسلنا وهم لا يفرطون" (الأنعام: 61) لمباشرتهم له كذلك.
د_ ما الي يفني من الإنسان بالموت وما الذي يبقي بعد الموت؟
الذي يفني من الإنسان بالموت هو الجسد الذي يتحول إلي رماد تذروه الرياح.
وأما الذي يبقي بعد الموت فهو عجب الذنب والروح.
وخلاصة القول أن عقيدة الإسلام في الموت هكذا كما يري استاذي د/ عبد السلام محمد عبده:
1_ يجب التصديق بالموت فهو واقع مشاهد بقدر ما يجب التصديق بأن الله_ سبحانه وتعالي_ قسم لكل خي أجله فإذا ما نتهي هذ الأجل فإن ملك الموت يقبض الروح بأمر_ الله تعالي.
2_ يجب التصديق بأن الذي يقبض الروح هو ملك الموت.
3_ يجب التصديق بأنه ليس هناك باق إلا الله وأن الفناء مدرك كل من سواه من ملك وبشر وحيوان وسماء وأرض وشمس وقمر ونجم. فهذه كلها كانت مرافق عامة للإنسان الذي قرر خالقه فناءه. قال تعالي: (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت. وإذا الجبال سيرت. وإذا العشار عطلت. وإذا الوحوش حشرت. وإذا البحار سجرت. وإذا النفوس زوجت) (التكوير : 1_7)
4_ منكر الموت بالمعني الذي قرره القرآن الكريم كافر لإنكاره القرآن أما كونه وجودياً أو عدمياً وكون ملك الموت وأعوانه يقبضون أرواح الثقلين فحسب أو هما بقية المخلوقات الحية فأمور ظنية لم تثبت بأدلة قاطعة فلا ضير علي من اعتقدها أو لم يعتقدها.
المصدر:http://wafaaelashmawy.blogspot.com
ساحة النقاش