جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
ابراهيم الأبيض
لنكن متفقين من البداية أنه فيلم صنع بغرض التسلية.. لكي يستمتع المشاهد بحكاية مثيرة وأحداث مشوقة على مدار حوالي ساعتين وربع هم زمن أحداث الفيلم. وأن أي محاولة لإلصاق قيمة فكرية على هذا العمل باعتباره يناقش قيمة الصداقة أو الحب هي محاولات فاشلة من البعض لتعظيم قيمة الفيلم ووصفه بما ليس فيه. هو فيلم مغامرات وأكشن تدور أحداثه في عالم غير مألوف..عالم الكلمة فيه للقوة والقسوة فقط دون اعتبار لأي شيئ آخر.
هذا الاتفاق المبدئي سيمنحني الفرصة لتناول (ابراهيم الابيض) بشكل يحمي الفيلم من أن أظلمه، ويحميني كمتلق من أن يخدعني ويستهين بعقلي. وانطلاقا من هذا أبدي دهشتي الشديدة من أن يكون إصرار الممثل والسينارست "عباس أبو الحسن" وإيمانه الشديد بفيلمه الأول الذي جعله يصبر أكثر من ثماني سنوات حتى يخرج الفيلم للنور من أجل فيلم متوسط القيمة مثل الذي شاهدته على الشاشة. فقصة انتاج (ابراهيم الابيض) والذي مرت بالعديد من العقبات وصلت لإعادة كتابة السيناريو عدة مرات، وبناء ديكورات كاملة لمواقع الأحداث، وصرف ملايين عديدة على عناصر الفيلم، وملايين أخرى لتسويقه في كان وجعل ابطاله يمرون على السجادة الحمراء للمهرجان.. كلها أمور جعلت قصة إنتاج الفيلم أكثر ملحمية من أحداثه! ولعله لو كان فيلما عاديا دخل الاستوديوهات وتم تنفيذه وعرضه في عام أو عامين لكان واقع المشاهدة مختلفا عما حدث بعدما توقعت الكثير من فيلم مر بكل هذه المراحل الانتاجية.
وأن يقوم فيلم السينما على فكرة التسلية وتقديم حكاية مثيرة للمشاهدين هو أمر غير مرفوض كمبدأ. بل أن بعض هذه الافلام قد تحول عبر الزمن إلى كلاسيكيات سينمائية يعشقها الجميع مثل معظم أفلام هيتشكوك والكثير من أفلام فطين عبد الوهاب. ولكن الشرط الرئيسي لرفع قيمة هذا النوع من الأفلام هو التجديد.. أن يقدم الفيلم جديدا على صعيد الشخصيات والعلاقات بينها (وهو عامل الحكم الأهم عندما نتحدث عن فيلم لا يقدم طرحا فكريا موازيا). فتكون الشخصية المبتكرة والغير مطروقة هي سر النجاح والجاذبية. وهو الأمر الذي عجز (ابراهيم الابيض) عن تقديمه في كامل الأحداث. فبالرغم من جاذبية الديكورات والملابس والصورة والتي تحمل كلها قدرا من الإبداع أو لنقل التجديد لم يكن الأمر كافيا لخلق (شيئ) جديد نراه على الشاشة. وبدت كل العلاقات داخل الفيلم وكأنها قد شوهدت من قبل في العديد من الأعمال. فعلاقة ابراهيم بعبد الملك زرزور والتي تجمع بين الاعجاب والأبوة والتخوف من جانب، والرهبة والكراهية والرغبة في الانتقام من جانب آخر شاهدناها من قبل كأفضل ما يكون في رائعة سكورسيزي (Gangs of New York). وخيانة عشري لابراهيم جاءت مشابهة بصورة كبيرة لما حدث في (Casino). وبالمثل في علاقة الكبير المهاب بالفتاة التي يصغر أمامها، وعلاقة الحب بين الفقير / الضعيف ومحبوبة سيده.. كلها تنويعات شوهدت من قبل بصورة أفضل. وجمعها معا في شريط سينمائي لا يجعل من الفيلم عملا مميزا. فلم تفلح الصورة والديكورات والانتاج الضخم بشكل عام في جعل الفيلم مثيرا في كامل أوقاته بل بدا باهتا ورتيبا ومتوقعا في بعض الأوقات.
مشكلتان أخرتان عابتا السيناريو..أولهما كثرة الحكي اللفظي على حساب السرد البصري. فكنت أرغب على سبيل المثال في مشاهدة ما يدل على اعتبار حورية ملكية خاصة لزرزور ينكل بمن يجرؤ على الاقتراب منها. كنت ارغب في أن يصلني هذا الأمر بشكل بصري بدلا من أن تصلني الحكاية كمونولوج على لسان نضال الشافعي (والحكي هو عدو السينما الأول لأنه ببساطة يسلبها لأعظم ما فيها). قس على هذا المثال العديد من التفاصيل والتي اكتفى المخرج بذكرها شفويا.
المشكلة الثانية هي نوعية الحوار نفسه، والذي جاء فلسفيا بصورة مبالغة فيها خاصة وهو يأتي من شخصيات عشوائية بكل ما تحمل الكلمة من معان شكلية ونفسية ولغوية. بدا لي أن عباس أبو الحسن قد أغرم بالحوار الذي كتبه وأراد أن يجعله علامة مميزة للفيلم. وعندما قرأنا في فن كتابة السيناريو علمنا أنه على المؤلف أن يدعم فيلمه ببعض الاقتباسات القوية Memorable Quotes والتي يحبها الجمهور ويمكن استخدامها كوسيلة لترويج الفيلم وتوثيقه في ذاكرة مشاهديه. ولكن أن يتحول الأمر لأن يصبح كامل حوار الفيلم اقتباسات قوية فالأمر يخرج
من نطاق تدعيم الفيلم لإضعافة ووضعه في إطار التفلسف.
كما يتضح مما سبق فمعظم مشاكل الفيلم تتعلق بالسيناريو (المُنفَذ). فباقي العناصر كانت مميزة..صورة قوية مليئة بالتفاصيل في أغلب الكادرات، وديكور رائع التصميم والتنفيذ من أنسي أبو سيف، وأداء تمثيلي متميز من كامل طاقم الفيلم (باستثناء احمد السقا الذي لن نحمّله أكثرمن قدراته التمثيلية). ويبقى السيناريو هو العائق الوحيد الذي منع الفيلم من أن يكون ممتازا. وقد تعمدت وضع كلمة المُنفَذ بين قوسين لما علمته من أن كل هذه العيوب هي من صنع المخرج مروان حامد. وأن السيناريو الأصلي المكتوب كان أفضل من ذلك بكثير (والعهدة على المصدر). وهو الأمر الذي لا ينفي المسئولية من على عباس أبو الحسن ففي كل الأحوال كان ينبغى أن يصرّ على تقديم سيناريو جيد أو تنفيذ السيناريو الجيد الذي كتبه.
المصدر: SHAW - CINEMANIA
ساحة النقاش