احمد زكي عبقري الاداء وصائد الجوائز
<!-- AddThis Button END -->
|
الدستور ـ طلعت شناعة
تمر ذكرى رحيل الفنان احمد زكي الذي اطلق عليه لقب "امبراطور السينما العربية" ، ويفتقد الوسط الفني والثقافي موهبة فنية نادرة التكرار. كان احمد زكي نجما رغم اختلاف صورة النجم. وهو ما لفت الانظار اليه حين شارك مع نجوم الكوميديا في مسرحية "مدرسة المشاغبين" وقام بدور الشاب البسيط "غير المشاغب" الذي يستعين به "المشاغب الاكبر" في المدرسة ـ عادل امام ، لكي يكتب له قصيدة رومانسية الى حبيبته. كان دوره في "المشاغبين" قليلا ، لكنه لفت الانظار وسرعان ما تحول الى بطل ونجم تتنافس الافلام لمشاركته فيها.
ولم يعتمد احمد زكي على وسامته ، كما كانت العادة في اتجاهات السينما العربية ، واستطاع ان يشكل مدرسة في الاداء المسرحي والسينمائي.
توفي الفنان احمد زكي قبل (5) سنوات ، اي عام 2005 في مثل هذا اليوم بعد صراع طويل مع المرض الذي حرمه من اكمال دوره في فيلم "حليم" الذي اكمله عنه ابنه هيثم.
وعاش الفتى الاسمر في غرفة في فندق بعد رحيل زوجته الممثلة هالة فؤاد والتي انجب منها ولدهما الوحيد هيثم. وكان يمضي عدة شهور في التحضير للشخصيات التي يجسدها. وكان مقلاّ في اعماله السينمائية وشارك البطولة مع ابرز نجمات السينما: سعاد حسني ويسرا ونجلاء فتحي ومديحة كامل وغيرهن من نجمات الشاشة العربية. كما قدم القليل من الاعمال الدرامية ابرزها تجسيده لدور عميد الادب العربي طه حسين في مسلسل "الايام" ، كما قدم مع سندريلا الشاشة سعاد حسني حلقات مسلسل "هو وهي". بينما قدم للمسرح مسرحية "العيال كبرت" و"مدرسة المشاغبين".
واعتبر كثير من الاعلاميين والمثقفين وفاة احمد زكي بمثابة خسارة كبيرة لكونه لم يعش اكثر من (56) عاما فقط. وهنا نشير الى ما قاله الاعلامي عماد الدين اديب الذي انتج له فيلمه الاخير "حليم":
"أنه قاتل حتى النهاية وفى كل مرة كنا نتوقع نهايته التى كان الطب يعلمها جيدا كان يعود من جديد ويقول "أنا قاعد على قلبكوا" .
وكان يطمئن على العمل فى فيلم "حليم" والمدى الذي وصلنا إليه وعن اللحظات الأخيرة قبل دخوله في الغيبوبة. واضاف عماد أديب أنه قبل يدي أحمد زكي فجذبه أحمد زكي من رأسه ووضعها على صدره وأوصاه بعدة أشياء ، وقال أنه اعتاد فى الأيام الأخيرة استقبال الشيوخ وقراءة القرآن الكريم وأنه صلى الجمعة السابقة صلاة الجمعة جماعة قبل الدخول في الغيبوبة .
كان الفنان الراحل احمد زكي قد تعرض خلال قيامه بتصوير فيلم عن الفنان عبد الحليم حافظ الذي كتب له السيناريو محفوظ عبد الرحمن وقام بإخراجه شريف عرفة الى جلطات في اوردة الركبة والساقين الا انه كان يعود لاستكمال التصوير الذي انهى منه ما يقارب %90 من المشاهد التي يتضمنها الفيلم باستثناء مشهد الوفاة. وكانت الشركة المنتجة (جود نيوز) اقامت حفلا حاشدا بمناسبة بداية تصوير الفيلم حضره غالبية نجوم السينما المصريين وبعض النجوم العرب وكانت مناسبة لاظهار الحب الذي يكنه اصدقاؤه وزملاؤه.
وفي الكلمات الاخيرة للنجم الراحل قال "إنه استعان في معركة المرض الشرسة بحلفاء كثيرين من الزملاء (الفنانين) والجماهير كل لحظة قاومت فيها المرض كانت حياة. هذه دعوة ونصيحة لنحب الحياة".
وأضاف أن لحماسه لتجسيد شخصية عبد الحليم أسبابا فنية وشخصية منها التشابه بينهما في الإصابة بمرض البلهارسيا وموت أبويهما ، مشيرا إلى أن المطرب الذي نشأ يتيما "استطاع أن يشق طريقه من الملجأ إلى أن أصبح سيداً للغناء العربي".
ويعد أحمد زكي من وجهة نظر السينمائيين أهم موهبة في فن التمثيل في مصر خلال الاربعين عاما الأخيرة من خلال أفلام منها (البيه البواب) و(سواق الهانم) و(أرض الخوف) و(شفيقة ومتولي) و(كابوريا) و(هستيريا) و(ضد الحكومة) و(الهروب).
ويعد أحمد زكي من أكثر الممثلين المصريين تجسيدا لحياة المشاهير منذ قدم قبل أكثر من ربع قرن مسلسل (الأيام) عن حياة عميد الأدب العربي طه حسين وجسد دور الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر في مرحلة صعوده في فيلم (ناصر )56 الذي تناول مقدمات تأميم شركة قناة السويس عام 1956 وانتهى الفيلم بإعلان العدوان الثلاثي (البريطاني الفرنسي الإسرائيلي) على مصر.
كما جسد "زكي" حياة الرئيس المصري السابق أنور السادات في فيلم (أيام السادات) ومنحه الرئيس المصري حسني مبارك وساما عن أدائه. وكان زكي مغرما بتقليد السادات حتى في حياته.
واكتسب الفنان أحمد زكي شعبية كبيرة لدرجة انه تلقى على مدار ثلاثة اشهر( فترة مرضه) حوالي مليون رسالة ما بين مكتوبة عبر الهاتف أو إلكترونية أو بالبريد العادي في مقر إقامته بالجناح 2007 بفندق رمسيس هيلتون على نيل القاهرة ، وقد شملت الرسائل خليطا من الدعوات بالشفاء ووصفات علاج بالطب التقليدي والشعبي وقصائد شعر واطمئنان على صحته وغيرها.
وطبقا للإحصائية التي أجرتها إدارة فندق رمسيس هيلتون عبر منظومة الـF.C.S الإلكترونية التي تتولى إدارة جميع أنواع الرسائل التي تصل لنزلاء الفندق ، فإن أحمد زكي استقبل خلال الفترة من 18 نيسان وحتى 18 تموز 422 ألف رسالة إلكترونية من جميع دول العالم 187و ألف رسالة بالبريد منها حوالي 50 ألف رسالة من داخل مصر فقط ، في حين تلقى 391 ألف رسالة خطية عبر الهاتف ، هذا بخلاف 17 ألف باقة ورد وصلت زكي من معجبيه من المصريين والعرب بالإضافة إلى 3250 طردا من جميع أنحاء العالم يحمل بعضها "حبة البركة" من اليمن ومياه زمزم من السعودية وأعشابا طبية من الصين والسودان ونباتات برية للعلاج من موريتانيا وغذاء ملكات نحل أرسله عربي مقيم بالدنمارك جلبه من أوزبكستان ، بالإضافة إلى آلاف المصاحف والسبح والتعويذات.
ميلاده ونشأته
هو أحمد زكي عبد الرحمن بدوي ، ولد في الثامن عشر من (تشرين الثاني) 1949 ، لازمه سوء الحظ منذ لحظة ميلاده ، فقد توفي والده وهو بعد لم يكمل عامه الثاني ، ولم تنته المأساة بموت الأب ، بل كان من المحتم أن تتزوج الأم كعادة أهل الريف ، خاصة إذا كانت صغيرة في السن ، ليحرم الطفل من حنان الأم وهي على قيد الحياة ليلازمه الشعور باليتم طوال حياته.
وتمثل علاقة احمد زكي بأمه رتيبة السيد محمد بؤرة تجمع فيها الكثير من العواصف والغيوم ، فبلحظة تخليها عنه فقد بوصلة التواصل التي غالباً ما تربط الأم بطفلها ، حيث قدر له أن يقابل أول أيام عمره ويعيش طفولته الحائرة في بيت جدته لأمه ، ويكبر بلا أخوة ، وكانت أول مرة يرى فيها أمه بعد زواجها وعمره سبع سنوات ، ولم يستمر اللقاء بينهما لحظات ، ويصفه احمد زكي بمرارة قائلا: قبلتني ثم اختفت،
انفجرت موهبة الطفل الأسمر احمد زكي كما تنفجر مواسير المياه في الأحياء الفقيرة ، فتغرق البيوت وتوقظ الأحياء والأموات ، ففي تحول مفاجئ وجدت العائلة أن هذا الطفل يقلد الغائبين من العائلة ، فصار وسيلة تسرية للنفوس من القلق وتسلية للعقول من الهموم ، وانفجرت الضحكات وبدأ الفتى الأسمر يشعر بالأنس لأول مرة ، وتحولت حياته إلى قناع ضحك يخفي به ألمه الدفين ، واستطاع أن يتجاوز أصعب اللحظات بالتقمص ، حيث يدخل في شخصية أخرى ويستعير انفعالاتها ويهيم بين الناس. هو أحمد زكي وليس أحمد زكي ، قال في حوار: أنا هارب على طول ، نفسي أجد نفسي.
بعد أن أنهى أحمد زكي المرحلة الإعدادية التحق بمدرسة الزقازيق الثانوية الصناعية واجتاز كافة الاختبارات وعمل كحداد ، ولم تمنعه الدراسة الصناعية من ممارسة هوايته المفضلة وهي التمثيل ، فقد كان بداخله إحساس دفين بأنه سيصل في يوم من الأيام للصفوف الأولى.
وقد بدأ أحمد زكي تاريخه الفني عقب التحاقه بمدرسة الصنايع ، حيث وجد ضالته في ناظر المدرسة المحب للفن بدرجة كبيرة ، حيث كان يحرص الناظر على أن تقدم المدرسة 12 حفلا خلال شهر رمضان من كل عام ، وبذلك تتحول ليالي رمضان إلى مهرجان مسرحي صغير داخل هذه المدرسة.
وفي إحدى الحفلات قام ناظر المدرسة بدعوة صلاح منصور وزكريا سليمان وحسن مصطفى ، ليكونوا لجنة التحكيم ، وبعد انتهاء العرض الذي قدمه وأخرجه أحمد زكي استمع من هؤلاء الفنانين الكبار إلى كلمات الإعجاب والتشجيع ونصحوه بالالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية فزرعوا في أعماقه الأمل وبذور الإصرار على استكمال طريق الفن.
بعد حصوله على الدبلوم كان من المفترض أن يكمل دراسته بالمعهد العالي الصناعي ولكنه اتجه لأكاديمية الفنون بالهرم وقدم أوراقه لمعهد الفنون المسرحية ونجح في الاختبارات وجاء ترتيبه الأول ، وبدخول أحمد زكي المعهد أعاد الدكتور رشاد رشدي النظر في بعض قوانين المعهد ، حيث كان زكي يحصل على الدرجات النهائية في جميع المواد بينما يرسب في اللغة الإنجليزية.
وفي السنة الثانية بالمعهد أسند إليه الدكتور رشاد رشدي دوراً مهماً في مسرحية "القاهرة بألف وجه" ولكن اعترض طريقه الفنان سعيد أبو بكر ، مؤكداً أنه لا يصلح للدور ، ورغم ذلك تمسك به رشاد رشدي ، ولم يكن هذا هو الاعتراض الوحيد الذي واجه أحمد زكي في مشواره ، ولكنه تحمل وصمد أمام قسوة الظروف واشترك في مجموعة أعمال بسيطة حققت نجاحاً كبيراً مثل أبناء الصمت ، و العمر لحظة ، حتى جاءته فرصة ثانية أمام سندريللا الشاشة سعاد حسني ليكون بطلا في فيلم شفيقة ومتولي .
طوال مشوار احمد زكي وخاصة مرحلة البطولات السينمائية والتلفزيونية كان يتعامل مع شخصياته المختلفة مثل الطبيب النفسي يدرسها جيداً ويحللها ثم يأتي دور التشخيص وهي المحطة النهائية لاكتمال الرؤية ووضع اللمسات الأخيرة.
وتعتبر أشهر ثلاث شخصيات لعبها احمد زكي في مشواره هي: طه حسين في "الأيام" ، جمال عبد الناصر في "ناصر "56 ، والرئيس السادات في "أيام السادات". ورغم أنهم الأشهر ولا شك ، إلا أنهم لا يمثلون الابداع في مشواره. لقد كانت شخصية الدكتور طه حسين في الأيام هي الشخصية التي وضعته على أول درجات سلم النجومية وفتحت أمامه طريق البطولات المطلقة على الشاشة الكبيرة ، وعوامل كثيرة ساعدت أحمد زكي في التعبير الصادق عن معاناة الدكتور طه حسين ولا سيما في مرحلة الشباب المبكر منها ، ذلك الرصيد الضخم من الألم والمعاناة والأحزان المختزنة في اللاشعور وعندما تم ترشيحه للدور اعترض كثيرون ولكن المخرج يحيى العلمي راهن عليه وكسب الرهان بعد أن قالت ابنة طه حسين لأحمد زكي أهلا بابا لقد شاهدتك على الشاشة .
وقد ظهرت براعة أحمد زكي في التوحد مع الشخصيات وخاصة التاريخية من خلال تجسيده لشخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في فيلم "ناصر "56 ونفس الشيء حدث أثناء تقمصه لشخصية السادات.
واحمد زكي شلال من الموهبة توقف برحيله ، فهو الكوافير في موعد على العشاء ، والمحامي في ضد الحكومة ، وعسكري الأمن المركزي في البرئ ، وضابط أمن الدولة في زوجة رجل مهم ، خريج الملجأ في أحلام هند وكاميليا ، مدرس الفلسفة والدجال في البيضة والحجر ، الصعيدي المتمرد في الهروب ، البواب في البيه البواب .
وإذا كانت الواقعية هي المدرسة التي يمكن أن تصنف المخرجين بها ، فإن احمد زكي هو الفنان الوحيد الذي يمكن أن تنسبه إليها ، ففي معظم أفلامه كان يرفض الدوبلير لأنه كان يريد أن يعيش بكيانه المشاهد الصعبة ، ففي النمر الأسود رفض الاستعانة بـ "خراط" ، وفي أحلام هند وكاميليا قفز من الأتوبيس أثناء سيره عدة مرات ، وفي الهروب أصر على التصوير على سطح القطار وهو منطلق ، وفي موعد على العشاء نام بنفسه داخل ثلاجة مشرحة حقيقية ، وفي فيلم ولاد الإيه صور مشهداً وهو يجري عارياً في شوارع القاهرة. وقد كان الفنان الراحل بمثابة الملهم في الشعر بالنسبة لجيل من المخرجين مثل محمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد وصولا إلى شريف عرفة ، فقد كان هو الحلم الذي يتجسد أمامهم كلما داعبتهم شخصية درامية يجدون المفتاح وفك الشفرة عند أحمد زكي ، ولكن كان الأقرب لأحمد زكي المخرج محمد خان ، الذي يصف أحمد زكي علاقته به بأنها عبارة عن حبل سري ، أما عاطف الطيب فهو المخرج الذي تستطيع أن تضبط موجة أحمد زكي السينمائية عليه.
واشتهر أحمد زكي خلال مشواره بعصبيته الشديدة وكان ينفعل كثيراً وقد برر زكي ذلك قائلا: "أنا عصبي لأنه لسه عندي ضمير".
التاريخ : 28-03-2010
|
ساحة النقاش