نشوء وتطور الخط العربي:
على الرغم من اختلاف الآراء في شأن الأصل الذي اشتقت منه الكتابة العربية الشمالية، فثمة حقيقة لاتقبل الجدل هي أنه وجد خط يقال له الخط النبطي، نسبته إلى الأنباط ذلك الشعب العربي الذي أسس في قرون سبقت ميلاد المسيح وامتدت بعده مملكة تتسع من شمال الحجاز إلى أطراف دمشق، وقد اشتق الخط النبطي من الخط الآرامي ثم زالت مملكة النبط من الوجود في أوائل القرن الثاني الميلادي، إلا أن طريقتهم في الكتابة ظلت باقية يكتب بها الأعراب النازلون في أقصى شمال شبه الجزيرة زهاء ثلاثة قرون.
إن الصورة الأولية للخط العربي لاتبعد كثيراً عن صورة الخط النبطي، ولم يتحرر الخط العربي من هيئته النبطية، بحيث أصبح خطاً قائماً بذاته إلا بعد أن استعاره العرب الحجازيون لأنفسهم بقرنين من الزمان، وقد سُمي هذا الخط الذي انتهى إلى العرب بالخط الحيري أوالأنباري، وكان هذا الخط على شكلين: الخط "المقور" وهو الخط اللين المتداول في المراسلات والكتابات المعتادة، والخط "المبسوط" وهو الخط اليابس المستعمل في النقش على المحاريب وأبواب المساجد، وجدران المباني وفي كتابة المصاحف، ولما بنيت الكوفة سنة 18ه. نزح إليها من بقي من أهل الحيرة والأنبار لحلولها محل مدينتهم، وانتشر الخط بين سكانها، وجوّدوه وبرعوا فيه فنسب إليها، فقيل الخط الكوفي بدلاً من الحيري والأنباري، وكان الخط الكوفي يقف في صدارة الخطوط المتميزة بقدرتها على التأليف المستمر فيه والإبداع في أشكاله لكثرة زواياه وأقواسه وحسن انسجامه مع الزخارف المضافة إليه، وكان لخط "الثلث" لحد ما مثل هذه الخطوة بعد أن انتشرت كتابة المصاحف الكريمة به، وقل مثل ذلك بالنسبة لخط "الديواني" وكان الخط في مكة يسمى بالخط المكي، وفي المدينة كان يسمى بالخط المدني على حسب المدن التي كان يكتب فيها هذا.. ولعل أشهر كتّاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وأبو سفيان وابنه معاوية، وسعيد بن العاص وولداه، وزيد بن ثابت، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وشرحبيل بن حسنة، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح، والعلاء بن الحضرمي، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم.
وكان العرب يكتبون بقلم من الغاب وبمداد مصنوع من السناج على جريد النخل بعد تهذيبه وعظام الجمال وقطع الخزف والفخار والرق والبردي المصري الذي كان استخدامه أول عهد العرب باستعمال الورق، وكان ذلك حوالي السنة العشرين من الهجرة، وفي نهاية القرن الأول الهجري تعلم العرب صناعة الورق على يد صناع من الصين أسرهم العرب حين فتحوا سمرقند، والكثير من المخطوطات التي لاتزال محفوظة إلى اليوم ترجع إلى القرن الثالث الهجري، وكان استخدام الورق قد عم جميع الأقطار الإسلامية، ولقد كانت الكتابة العربية بصورتها المعروفة للعرب تلبي احتياجاتهم وتوضح أغراضهم في سهولة ويسر لسلامة فطرتهم، لكن الاختلاط بين العرب الفاتحين وغيرهم من الأمم أدى إلى تسرب اللحن إلى ألسنة الكثيرين منهم، من أجل ذلك وخشية من وجود اللحن عند قراءة القرآن الكريم طلب أمير العراق زياد بن أبيه في عام 67ه من أبي الأسود الدؤلي معالجة هذه الظاهرة، فبدأ بوضع علامات الإعراب بأن جعل نقطة حمراء فوق الحرف علامة الفتحة، ونقطة قبلها في أسفل علامة الكسرة، ونقطة أخرى على يسار الحرف علامة الضمة، كما وضع نقطتين معاً علامة التنوين، وترك السكون بلا علامة، وكان هذا أول تطور في الخط العربي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإصلاح لم يف بالغرض، إذ وقع اللبس في الحروف المتشابهة كالدال، والذال، والصاد، والضاد، والباء، والثاء، فسارع الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبدالملك بن مروان إلى تكليف اثنين من تلاميذ أبي الأسود الدؤلي هما: نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر لعلاج هذا الأمر، فانتهيا إلى تنقيط الباء بنقطة في أسفلها والتاء بنقطتين فوقها والثاء بثلاث نقط فوقها، وهكذا فعلا ببقية الحروف المتشابهة، واختلفا في تنقيط حرفي الفاء والقاف فقد قرر نصر، وهو من المشرق، وضع نقطة واحدة فوق الفاء ونقطتين فوق القاف، وفي الوقت نفسه قرر يحيى وهو من المغرب نقطة للفاء تحتها ونقطة للقاف فوقها، وأخذ المشرقيون برأي عالمهم، وكذلك فعل المغربيون (اخذوا برأي عالمهم) ثم جاء الخليل بن أحمد (94 162 ه)، (712 778م) وهو الذي سجل بحور الشعر فابتكر طريقة لسد جميع الثغرات بوضع ثماني علامات: هي الفتحة والكسرة والضمة والتنوين والتشديد وهمزتا الوصل والقطع والسكون، وبذلك استكمل الخط العربي مقوماته التي تلزم للقراءة الصحيحة، وبعدها ظل الخط العربي يرتقي ويزداد كل يوم حسناً وبهاءً وتنوعاً حتى صارت أنواعه إبان الدولة العباسية أكثر من عشرين نوعاً، مما جعل الوزير محمد بن مقلة المتوفى 328ه يحصر هذه الأنواع في أواخر القرن الثالث الهجري، حيث استخلص منها ستة هي: الثلث، والنسخ، والتعليق، والريحان، والمحقق، والرقاع.
نشرت فى 22 ديسمبر 2009
بواسطة Calligraphy
عدد زيارات الموقع
32,802
ساحة النقاش