مفهوم : الإدارة في الإسلام .
* ـ تعرف الإدارة في الإسلام بأنها الولاية أو الرعاية أو المتابعة أو الأمانة، فكل منها يحمل معنى المسئولية والالتزام بأداء الواجبات والإحاطة بالأمور والحفاظ على الأمانة وبهذا المفهوم ينادي الإسلام على إسناد الولاية والرعاية إلى الفرد من أفراد الجماعة، وهو بذلك يرى أن القيادة من ضروريات الجماعة وذلك حرصاً على اجتماعات اعمل والحياة مع الناس، ويروى عن الرسول صلى الله علية وسلم (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم) .
● ـ مبادئ التنظيم الإداري :
1 ) مبدأ وحدة الأمر .
من مبادئ التنظيم المهمة مبدأ وحدة الأمر، والذي يقصد به ألا يتلقى المرؤوس أوامره إلا من رئيس واحد فقط، وكما يقول المثل العامي : (المركب التي بها رئيسين تغرق) .
ومما يؤكد على سلامة هذا المبدأ وجوده بشكل فطري في خلية النحل، فلا تجد لخلية أكثر من ملكة، وإن كان هناك أكثر من ملكة مرشحة فإنه يتم سباق تنافسي بينهما لتقضي أحداهما على الأخرى أو تطردها وتظل الرئاسة لواحدة فقط، فإن كان ولا بد من وجود ملكة قوية أخرى فإنها حينئذ يمكن أن تقود سرباً جديداً من النحل الصغير الناشئ وتنطلق به لبناء خلية جديدة وهكذا.
بل إنني علمت من علماء متخصصين في علم الحشرات وخاصة النحل، أن الشغالات تعمل على تغذية أكثر من نحلة ناشئة لتكون ملكة فإذا بدأت تظهر علامات النمو بوضوح عليها، انتخبت أقواها وقتلت الأخريات ..!!
ولعلنا نختم هذا الدرس العظيم في التنظيم بقول الله عز وجل : (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فسبحان الله رب العرش عما يصفون) (الأنبياء : 22).
2 ) مبدأ تكافؤ السلطة والمسئولية :
والذي ينطلق من قاعدة شرعية عريضة مؤداها أن يكون التكليف على قدر الوسع، “لا يكلف الله نفساً إلا وسعها” وذلك بألا يتم تحميل أحد الأفراد مسؤولية دون منحه سلطة مكافئة تمكنه من أدائها.
ولعل ما نلاحظه من لسعي كل نحلة وحركتها في أداء المهمة المنوطة بها على خير وجه، ينم عن توافر قدر كبير من السلطة والصلاحية المكافئة الممنوحة لكل نحلة للتصرف بحرية في ضوء المصلحة العليا للمملكة والرسالة التي نشأت وفطرت من أجلها والتحمل الواضح للمسؤولية.
3 ) مبدأ تفويض السلطة :
ومؤداه بإيجاز : أن السلطة تفوض والمسئولية لا تفوض .
ومنه تنشأ سلسلة مستمرة ومتدرجة من تفويض السلطة دون أن يفقد أي مستوى، قام بالتفويض مسئوليته أمام المستوى الأعلى الذي قام بتفويضه، ولعل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد في إيجاز بليغ جوهر هذه المبادئ حينما يقرر “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته …” ثم عدد أنواعاً متنوعة من المسئوليات التي لا تتم إلا بناء على تفويض السلطة.
4 ) مبدأ تبادل المشورة :
لقد حظيت الشورى بمكانة عظيمة في التشريع الإسلامي، وأصبحت من المبادئ التي يقوم عليها نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية في مختلف العصور.
ومما يؤكد ذلك أن الله سبحانه وتعالى أوجب الرجوع إلى الأمة أو الجماعة عند اتخاذ القرارات الهامة، فقال سبحانه وتعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) (آل عمران : 159).
وقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أثناء ممارستهم لكل شئون الحياة الدنيا بتبادل المشورة في أمورهم، فيقول سبحانه وتعالى (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) (الشورى : 38).
5 ) مبدأ المساواة :
لقد جاء الإسلام بمبدأ المساواة، وكان بذلك أسبق ـ في هذا المقام ـ مما هو معروف من التشريعات في العصر الحديث .
وفي الآيات القرآنية التي تدعو إلى المساواة قولة سبحانه وتعالى : (إنما المؤمنون إخوة).
وقوله سبحانه وتعالى : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات : 13).
6 ) مبدأ العدالة :
تقوم الإدارة في الإسلام على مبدأ (قاعدة) العدالة بين الجميع دون مراعاة للفروق الاقتصادية أو اللونية أو الجنسية، والتمييز يقوم على أساس التقوى، والعلم، والعمل الصالح، وأداء الواجب الشرعي.
يقول الله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ( الحجرات : 13 ) .
ومن الآيات القرآنية التي وردت في الحث على العدالة كثيرة ومن تلك الآيات قوله تعالى : (إن الله يأمركم أن تؤذوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (النساء : 57).
كما تتمثل العدالة في الإسلام في إسناد الأعمال والمهام المناسبة لقدرات الفرد واستعداداته وعدم تكليفه فوق طاقته، فقد قال سبحانه وتعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) (البقرة : 286).
7 ) مبدأ الجدارة :
لقد طبقت الإدارة في الإسلام مبدأ الكفاءة والجدارة والأمانة والقدرة على الأداء في العمل وتولية الوظائف العامة قبل أن تأخذ به النظم الإدارية الحديثة، ومعنى ذلك أن الإدارة الإسلامية ربطت بين السلوك التنظيمي وبين الإنتاج في العمل.
وقد التزمت الإدارة الإسلامية بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فقد قال سبحانه وتعالى (إن خير من استأجرت القوي الأمين) (القصص:26).
8 ) مبدأ الرقابة :
تعني الرقابة في الإدارة الإسلامية الإشراف والمتابعة من سلطة أعلى بقصد معرفة كيفية سير الأعمال والتأكد من أن الموارد المتاحة تستخدم وفقاً للخطة الموضوعة، وكل ذلك وفق مبادئ الشريعة الإسلامية ونجد في كتاب الله وسنة رسوله ما يوجب الرقابة، فالقران الكريم يقول (ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) (الشعراء : 151-152).
9 ) مبدأ تسلسل الرئاسة :
لقد طُبقت منذ صدر الإسلام ظاهرة ما يعرف في الإدارة الحديثة بمبدأ التدرج الرئاسي أو ما يسمى بالتسلسل الهرمي الهرمي للمكاتب وهو يعني أن لكل وظيفة مجموعة من الواجبات والمسئوليات ولقد تحدد مفهوم (مبدأ) تسلسل الرئاسة في الإدارة الإسلامية بما قاله الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام (لا يحل لثلاثة يكونون في الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم).
10 ) مبدأ تخصصية المهام وتفويض السلطات :
لقد كان أسلوب العمل الإداري في الدولة الإسلامية يقوم على فكرة لا مركزية التنفيذ مع تحديد مهمة وواجبات واختصاصات الوالي مع تفويضه السلطات المناسبة من هنا فإنه ينبغي على الإدارة التعليمية أن تأخذ بهذه الخاصية وهي تحديد المهام وتفويض السلطات في التنظيم الإداري التعليمي، كما كان مأخوذاً به في الإدارة الإسلامية.
11) مبدأ الالتزام بالمسئولية :
تعني المسئولية في الإسلام التزام الشخص بأن ينتهض بالأعباء الموكلة إليه وتحمل التزاماته واختيارته أمام الله وقد وضح الإسلام ذلك في قول الرسول عليه الصلاة والسلام (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته … ).
ثم تأتي مسئولية التنفيذ التي تقوم على مبدأ الالتزام الشخصي، والإعلام والبيان فيقول سبحانه وتعالى (هذا بيانٌ وهدى وموعظةٌ للمتقين) (آل عمران : 138).
إن الإدارة التربوية الإسلامية تستند على التعاون والمشورة الصادقة المخلصة، وعلى العدل والمساواة، وعمادها الشعور بالمسئولية كل فرد في حدود مسئولياته وميزتها عن غيرها أنها لا تسعى لتحقيق الأهداف الدنيوية فحسب، بل وتسعى لتحقيق الفلاح في الآخرة .
ساحة النقاش