مؤشرات التأثير على السلوك
بالرغم من أن الأنشطة المرتبطة بالسلوك يمكن ، من الناحية النظرية رؤيتها وملاحظتها إلا أنه ومع ذلك فإن الدراسات العلمية حول تأثير الاتصال الإنساني على السلوك معقدة لعدة أسباب ، لعل من أهمها مشكلة إيجاد مؤشرات عن تغيير السلوك . فمن الطبيعي أن الإنسان وهو يعيش حياته اليومية يمارس أنشطة سلوكية متعددة مما يجعل مسألة دراسة التغيير المرتبط بهذه الأنشطة أمراً عسيراً . ويتضح ذلك من عرض الأسئلة التالية :
· أين يحدث هذا التغيير ؟
(هناك أنشطة يقوم بها الشخص في منزله وفي مقر عمله وفي النادي وفي الطريق ...)
· وفي أي نشاط من تلك الأنشطة ؟
· وكيف يحدث هذا التغيير ؟
ومما لاشك فيه أن الإجابة على تلك الأسئلة ليست بالسهولة التي قد يظنها البعض .
ويمكن أن تقسم مؤشرات التغيير في السلوك إلى ثلاث أنواع رئيسية يرتبط كل نوع منها بسلوكيات معينة :
· المؤشرات المرتبطة بالعادات.
· المؤشرات التي تتطلب إنتباه معين.
· والمؤشرات المرتبطة بالاختراعات والأفكار المستحدثة .
النوع الأول : المؤشرات المرتبطة بالعادات :
يتصل هذا النوع من مؤشرات تغيير السلوك بالحياة اليومية للإنسان وبالارتباطات والإلتزامات التي يقع عليه عبئ القيام بها يومياً . ومن الأمثلة على هذه الارتباطات أو الإلتزامات استخدام وسائل الإعلام (غالباً يتم الإعتياد على هذا الاستخدام) ، مشاهدة برامج معينة في التليفزيون والاستماع إلى برامج إذاعية معينة وقراءة صحف ومجلات معينة ...، شراء (أو الإعتياد على شراء) الحاجات الضرورية اليومية كمستلزمات البقالة والمستلزمات الشخصية ..، النشاط الترفيهي كالذهاب إلى دور السينما والمسرح وممارسة الرياضة والرحلات . وهذه الأنشطة ترتبط بأذهاننا إلى درجة أنها تشكل إلتزاماً شبه مستمر علينا القيام به . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن لكل شخص أنشطة معينة تحددها شخصيته .
النوع الثاني : المؤشرات المرتبطة بإنتباه معين :
ليس المقصود بتلك المؤشرات أنها ترتبط بأنشطة لابد وأن تتم بصفة دورية كل أسبوع أو كل شهر أو كل سنة ، وإنما المقصود أنه عندما تظهر تلك الأنشطة يمكن ملاحظتها والإنتباه إليها بسهولة ويسر ، ويستثنى من ذلك السلوك الذي ليس مجالاً للملاحظة لأسباب دينية أو أخلاقية أو قانونية أو السلوك المرتبطة بأسباب ثقاقية . ومن الأمثلة على هذه الاستثناءات "سلوك" الناخب ، أحياناً ، عند الإدلاء بصوته في الانتخابات (لأي من الطلبة المرشحين للجنة الرياضية سيعطي للطالب الناخب صوته) وعند شراء منزل (لأن قيمة المنزل ضخمة ، عادة ومن ثم فهو يخشى الإفصاح عن حقيقتها أو عن عمليه الشراء ذاتها خوفاً من الحسد أو الطمع أو خلافه) ، وأي سلوك آخر يرتبط بالإلتزام مالي طويل الأجل .
النوع الثالث : المؤشرات المرتبطة بالاختراعات والأفكار المستحدثة :
كما وأن مؤشرات تغيير السلوك ترتبط بالعادات فإنها ترتبط أيضاً بالأحداث الجديدة أو غير المعتادة التي تجابه الفرد بحيث يعتبرها إلتزاماً عليه . ومن المفترض فيه أنه كلما ارتبط الفرد بالحدث الجديد (أو بالفكرة المستحدثة) فإن سلوكه نحوه لن يعتبر سلوكاً جديداً وإنما سيشكل ارتباطاً أو إلتزاماً طويل الأجل . فمثلاً نجد أن الفلاح قد يغير سلوكه عندما يتبنى حدثاً جديداً كاستعمال نوعاً جديداً من الكيماويات لمقاومة الآفات الزراعية أو عند استخدامه آلات زراعية جديدة . وبمجرد أن يتبنى الفلاح هذا الحدث فإنه يرتبط به ، بما يصبح إلتزاماً عليه ، ويستمر في استخدامه . وهو أول ما يبدأ في استخدامه لا يصبح سلوكه هذا سلوكاً جديداً . والواقع فإن هذا الاستخدام يدوم طويلاً وإلى أن تأتي اخترعات جديدة يتبناها ويلتزم بها بدلاً من السابقة . وعلى هذا فإن السلوك يعتبر جديداً فقط وقت التبني ثم يصبح سلوكاً معتاداً بعد التبني . كذلك الحال عندما يصف الطبيب للمريض دواء لعلاجه ، وعند تعديل التعليم الابتدائي من 4 سنوات إلى 6 سنوات ..
والواقع فإن مؤشرات "نغيير السلوك" ، المشار إليها ، يمكن أن تعتبر مصدر من المصادر المتعددة للمعلومات والبيانات في خدمة الباحثين والدارسين في تأثير الاتصال الإنساني على "السلوك" .
وبصفة عامة فأن هناك فرق كثيرة من فرق البحاثه ، في دراسة تأثير الاتصال على السلوك الإنساني والاجتماعي ، تركز اهتماماتها على هذه المؤشرات وكنتيجة لذلك نجد أن دراسة النوعين الأولين من المؤشرات (مؤشرات تغيير السلوك المبني على العادات ومؤشرات تغيير السلوك المرتبطة بتركيز الإنتباه الدوري) تقع في نطاق الأبحاث التي تجرى عن وسائل الإعلام الجماهيرية ، في حين أن الدراسة في النوع الثالث من المؤشرات (مؤشرات "تغيير السلوك" المبني على الاختراعات والأفكار المستحدثة) تكون أساس الأبحاث التي تجري عن نشر الأفكار المستحدثة وتبنيها .
· معوقات عملية تغيير السلوك :
تعتبر عملية "تغيير السلوك" ، عملية صعبة وهي عادة تتم في بطئ . وهناك عدة معوقات تقابلنا في تلك العملية أهمها ما يلي :
1. المعوقات النفسية : رغبة الإنسان في المحافظة على قيمه ومعتقداته دون تغيير . (وألا يتعدى عليها أحد) .
2. المعوقات الاجتماعية : الارتباط القوي (والحلقة الضيقة) بين الإنسان والبيئة الاجماعية .
3. معوقات السلوك الاتصالي : (التي لا تحقق أهداف الإنسان ورغباته) .
رغبة الإنسان في المحافظة على قيمه ومعتقداته دون تغيير :
اتفق كثير من علماء العلوم الاجتماعية والنفسية أن التكوين النفسي للإنسان يؤدي به ،عادة، إلى مقاومة التغيير . وقد أشار واضعوا نظريات الإدراك ،مراراً، إلى أن الإنسان ، بصفة عامة ، يجاهد لإبقاء الحياة التي يحياها على ما هي عليه . ويجاهد أيضاً حتى يوازن بين القيم والاتجاهات والمعتقدات وغيرها في داخلياته بما يتناسب ورغباته .
وقد يتبادر إلى الأذهان أن واضعي تلك النظريات يرون أن الإنسان منغلق ذهنياً (أو غير متفتح العقل) ولا يقبل الطرق والأفكار المستحدثة على إعتبار أنها تتعارض مع معتقداته الأولية (أو الرئيسية) ومع نظام القيم الموجود في نفسه ، إلا أن ذلك ليس صحيحاً على علاته بصفة مطلقة .
"فالتغيير في السلوك" يعني وجود اختلاف ظاهري لسلوك الفرد نحو مسألة معينة سبق وأن واجهها في الماضي وبين سلوكه الحالي عنها . يؤدي إلى اختلاف في داخل نفس الفرد كما يولد ،فيها، أيضاً ، عدم توازن في تلك الداخليات (نظام المعتقدات والنظام النفسي بصفة عامة) مع عدم وجود تناسب واحتياجاته .
والواقع فإن هذه المرحلة النفسية يصعب على الفرد ، في معظم الأحوال ، إن يصبر عليها وأن يحتملها ، ومن ثم فيجب تجنبها .
· معوقات البيئة الاجتماعية :
ومن المعروف أن هناك تداخلات ديناميكية عامة بين الحالة النفسية للفرد وبين بيئته الاجتماعية تؤدي به إلى الاعتماد على هذا المجتمع . فهو يعيش وينتعش في ظل تلك البيئة . وهي التي يستقي منها معتقداته وقيمه ،وهي التي تقوي من تلك المعتقدات والقيم . وهو يشير بالسعادة والاطمئنان عندما يساهم ،بجهده وماله وعلمه، في تلك البيئة الاجتماعية وبالطرق التي تتلائم ومعتقداته وقيمه .
هذا وتتكون العلاقة الأساسية بين الفرد وبين العالم الخارجي ، الذي سيتخذ بالنسبة له نماذج معينة من السلوك ، عن طريق الاتصال الدائم المستمر بينه وبين المقربين إليه مثل عائلته وأصدقائه وزملائه في العمل . هذه "الاتصالات المقربة" لها طبيعة نشطة وتعطي رجع صدى فوري ، واستجابة لرجع الصدى ، وإثابات تعتبر خاصة (شخصية) ومقربة .
· إشباع رغبات الإنسان :
يسعى الإنسان عن طريق العوامل النفسية والاجتماعية ، وفقاً لما أشرنا إليه ، إلى تكوين سلوكه الاتصالي وتنظيمه بحيث يتجنب التعرض إلى الرسائل التي تتضمن تضارب في مضامينها ، وتتضارب مع اهتماماته . ومن ثم فهو يتعرض فقط إلى المصادر والقنوات التي ترسل الرسائل التي تساعده على تحقيق أهدافه وإشباع اهتماماته في حين إذا تعرض الفرد للرسائل المتعارضة مع اهتماماته فإنه يسعى إلى محوها من ذاكرته .
وعلى هذا فإنه في إدراكه للرسائل المختلفة يختار من بينها تلك التي تحقق له رغباته ، ويقوم بتفسيرها بالطريقة التي تؤدي إلى هذا الغرض ، إلى الدرجة التي قد يجد نفسه عندها مضطراً إلى تفسير تلك الرسائل تفسيراً خاطئاً (حتى تتناسب واهتماماته) .
أى أن الفرد يستطيع من خلال تعرضه الاختياري ، وتذكره الاختياري ، وإدراكه وتفسيره الاختياري أن يكون حاجزاً يحميه من احتمال تدخل الرسائل التي لا تتفق وبنائه النفسي والاجتماعي (إليه) .
ويمكن أن نعرض النظام النفسي للفرد في عملية تغيير السلوك بصورة مبسطة في الشكل رقم ( ) حيث تظهر العوامل الاختيارية (التعرض ، والتذكر , والإدراك ، والتفسير الاختياري) . وفي هذا نجد أن اتجاهات الشخص تضم معتقداته ، وعلى حدود هذا النظام النفسي للشخص نجد العائلة والأصدقاء وزملاء العمل يعيشون معه (مع الشخص) في بيئة اجتماعية واحدة هي البيئة الاجتماعية المباشرة المقربة له ويحيط بها البيئة الاجتماعية الأكبر وهي المجتمع ككل .
الدكتورة شاهيناز طلعت : الرأى العام ، ( مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة )
ساحة النقاش