الأعمال بسرعة الخاطرة - بيل جيتس (4)
اتخاذ نهج موضوعي قائم على الحقائق
الخطوة الأولى في الإجابة على أي سؤال صعب متعلق بالأعمال هى اتخاذ نهج موضوعي قائم على الحقائق. هذا المبدأ، الأسهل قولاً عن العمل به، موضح في كتاب الأعمال الذي أفضله: "سنواتي مع جنرال موتورز" لألفريد ب. سلون، الابن. إذا كنت تقرأ كتاباً واحداً عن الأعمال فعليك بكتاب سلون (ولكن لا تترك هذا الذي في يدك لتفعل ذلك). إن من الملهم أن يرى المرء في رواية سلون عن حياته العملية كيف أن القيادة الإيجابية الرشيدة المركزة على المعلومات يمكن أن تقود إلى نجاح ساحق.
أثناء فترة إدارة سلون التي امتدت من 1923 إلى 1956 أصبحت جنرال موتورز إحدى أوائل مؤسسات الأعمال المعقدة حقاً في الولايات المتحدة. لقد فهم سلون أن أى شركة لا يمكنها تطوير استراتيجية كاسحة أو الاضطلاع بمشروعات مناسبة دون أن تبني على حقائق ورؤى من الأشخاص في المؤسسة. وقد طوّر فهمه الخاص به للأعمال من تعاونه الشخصي اللصيق مع الفنيين واختصاصي الأعمال من معاونيه وبزياراته الشخصية المنتظمة لمرافق الشركة الفنية، غير أن تأثيره االأكبر كمدير جاء من الطريقة التي أقام بها علاقات عمل مع موزعي جنرال موتورز على امتداد القطر؛ فقد دأب على جمع معلومات من موزعي جنرال موتورز وأنشأ معهم علاقات وثيقة مثمرة.
استفاد سلون كثيراً من رحلات لتقصي الحقائق. لقد أعد ّعربة خصوصية من عربات السكة الحديد كمكتب له وجاب كل أرجاء البلاد زائراً موزعي الشركة، وكان في الغالب يلتقي ما بين خمسة وعشرة منهم يومياً. كان يريد أن يعرف ليس فقط ما تبيعه جنرال موتورز للموزعين بل وما يباع من الحصص المخصصة لهم. وقد ساعدت هذه الزيارات سلون على أن يدرك في أواخر العشرينيات أن الأعمال في مجال السيارات آخذة في التغيير؛ فالسيارات المستعملة باتت الآن وسيلة المواصلات الأساسية، وبات المشترون من ذوي الدخل المتوسط يبتاعون سيارات جديدة أفخر بفضل نظم البيع بالتقسيط والمقايضة الجزئية [شراء سيارات جديدة بقديمة مع دفع الفرق]. أدرك سلون أن هذا التغيير يعني أن لب علاقة جنرال موتورز بالموزعيين يجب أن يتغير أيضاً بانتقال الأعمال في مجال السيارات من مسألة بيع إلى متاجرة. لقد بات على الصانع والموزع تطوير علاقة أشبه بالشراكة. قام سلون بإنشاء مجلس موزعين يتقابل بانتظام مع كبار تنفيذيي جنرال موتورز بمقر الشركة، كما أنشأ هيئة لشؤون الموزعين تتولى شكاوى المزعين وأجرى دراسات اقتصادية لتحديد أفضل المواقع لإقامة مراكز توزيع جديدة، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك بإرساء سياسة مفادها المجازفة بتمويل أكفاء الرجال ممن لم يكن لديهم رأس مال جاهز لإنشاء مراكز توزيع.
بيد أن المعلومات الدقيقة بشأن المبيعات ظلت عسيرة المنال؛ فقد كانت أرقام مبيعات جنزال موتورز غير متسقة وغير مستحدثة وناقصة. كتب سلون: "عندما كان الموقف الربحي للموزع يعتل لم يكن أمامنا سبيل لمعرفة ما إذا كان ذلك بسبب مشكلة سيارة جديدة أم مشكلة سيارة مستعملة أم مشكلة خدمة أم مشكلة قطع غيار أم مشكلة أخرى. وبدون حقائق كهذه كان من المستحيل وضع أي سياسة توزيع سليمة موضع التنفيذ." قال سلون إنه كان على استعداد لأن يدفع "مبلغاً ضخماً" ويحس بأنه "محق تماماً في ذلك" إذا كان كل موزع "يستطيع معرفة الحقائق المتعلقة بأعماله ويتعامل مع التفاصيل العديدة… بطريقة ذكية". كان سلون يعتقد أن مساعدة الموزعين في مسائل المعلومات هذه "سيكون أفضل استثمار قامت به جنرال موتورز إطلاقاً".
من أجل مواجهة هذه الإحتياجات وضع سلون نظاماً قياسياً للمحاسبة على نطاق جنرال موتورز وكل مراكز توزيعها. والكلمة المهمة هنا هي كلمة "قياسي"؛ فكل موزع وكل مستدخَم على كل مستوى في الشركة كان يصنِّف الأرقام بنفس الطريقة تماماً. وبحلول منتصف الثلاثينيات بات بوسع موزعي جنرال موتورز وأقسامها الخاصة بالسيارات ومكاتبها الرئيسية اأن تقوم جميعاً بتحليل مالي مفصَّل باستعمال نفس الأرقام. فمثلاً كان باستطاعة مركز للتوزيع أن يقيس ليس فقط أداءه هو بل أداءه إزاء متوسطات المجموعات الأخرى.
لقد كان من شأن بنية تحتية أتاحت معلومات دقيقة أن أدت إلى مؤسسة متجاوبة لم تستطع الشركات الأخرى لصناعة السيارات أن تدانيها مثيلاً لعقود من الزمان. ساهمت تلك البنية التحتية، التي أسميها "جهاز الشركة العصبي"، في هيمنة جنرال موتورز على صناعة السيارات طوال حياة سلون المهنية. ولم تكن حينذاك رقمية بعدُ إلا أنها كانت ثمينة للغاية. كانت معرفة مخزون الموزع أمراً تجيده جنرال موتورز أكثر من غيرها، وقد نالت جنرال موتورز مزية تنافسية هائلة من استغلال تلك المعلومات. وتجاوزت هذه الاستفادة من المعلومات جدران جنرال موتورز؛ فقد استعملت جنرال موتورز نظم معلومات كُتيبية لبناء أول "اكسترانيت"ـ شبكة تربط الشركة بمورديها وموزعيها.
بالطبع لم يكن في إمكانك الحصول على معلومات تتدفق خلال شركتك آنذاك بمثل الكم الذي يمكنك الحصول عليه الآن؛ فالأمر كان سيقتضي مكالمات هاتفية جد كثيرة وأناساً جد كثيرين يتناقلون أوراقاً وينكبون على سجلات ورقية محاولين الربط بين البيانات والعثور على الأنماط. كان ذلك سيكلف باهظاً. وإذا أردتَ اليوم إدارة شركة ذات مستوى عالمي فعليك أن تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير وتنجز بأسرع من ذلك بكثير. إن الإدارة بقوة الحقائق ـ والتي هو أحد أساسيات الأعمال لدى سلون ـ تتطلب تقنية المعلومات. لقد تغير تغييراً درامياً ما تطيق الشركات القيام به وما ترى أنه يستحق القيام به وما بمقدورها تنافسياً القيام به.
تستعمل جنرال موتورز الآن تقنية الحاسوب الشخصي ومقاييس الإنترنت للاتصال بعملائها؛ فحلها المتمثل في منظومتها المسماة "جي ام أكسس" يستعمل شبكة للشركة واسعة النطاق تستخدم الأقمار الصناعية للتعامل بين مقر الشركة ومصانعها وموزعيها البالغ عددهم 9000، والذين لديهم أجهزة متصلةعلى الخط الإلكتروني ((online لأغراض الإدارة المالية والتخطيط التشغيلي بما في ذلك إدارة الطلبات الإجمالية وتحليل المبيعات والتنبؤ بها. وتقوم أداة بيع تفاعلية بالجمع بين سمات المنتجات ومواصفاتها وتسعيرها وغيرها من المعلومات. ويحظى فنيو خدمة المنتجات بوصول فوري إلى أحدث المعلومات عن المنتجات وقطع الغيار من خلال كتيبات الخدمة الإلكترونية والنشرات الفنية وتخطيط قطع الغيار وإعداد تقارير المخزون على الخط الحاسوبي. يربط البريد الإلكتروني الموزعين بمقر جنرال موتورز ومصنعها وببعضهم بعضاً. يتم دمج الحل الذي يأتي به الموزع الخاص في موقع جنرال موتورز العام على الإنترنت حيث يجد العملاء معلومات تفصيلية عن السيارات. توفر تقنيات الإنترنت الأساس لتحول جوهري في الطريقة التي بها يتسوّق المستهلكون السيارات، فلا غرو أنهم يضعون جنرال موتورز كهدف للتجارة الإلكترونية. وبالطبع عمدت شركات صناعة السيارات الأخرى كذلك إلى تحسين أنظمة معلوماتها؛ فتويوتا تحديداً استخدمت تقنية المعلومات لتطوير انتاج صناعي على مستوى عالمي.
ساحة النقاش