صحيح أن رحلة «رجب طيب أردوغان»، رئيس الوزراء التركي، إلى مصر كانت مقررة قبل سقوط الرئيس المصري السابق «حسني مبارك»، وتأجلت بسبب اندلاع الثورة الشعبية في مصر، إلا أن اتساع نطاق الزيارة الجغرافي، والتي شملت تونس وليبيا، أي الدول الثلاث التي تغيرت أنظمتها بفعل الثورات الشعبية أعطى للزيارة أهمية إستراتيجية قصوى خصوصاً وأنها تمخضت عن نتائج سياسية واقتصادية مهمة ستؤثر بالإيجاب على علاقات تركيا مع الدول الثلاث، وستخلق تكتلاً ديمقراطياً إسلامياً جديداً في الشرق الأوسط تقوده تركيا بإرادة شعبية جارفة، وبالتالي لم تعد تركيا بحاجة لقيادة مشروع الشرق الأوسط الموسع الذي كانت ترعاه أمريكا كوسيلة لاختراق العالم الإسلامي وإخضاعه للكيان «الإسرائيلي».

وكان لـ«أحمد داود أوغلو» الفضل في رسم توجهات تركيا السياسية الجديدة وعودتها إلى إطارها الإقليمي والإسلامي التي بدأت قبل اندلاع الثورات العربية، وتم تفعيلها عملياً أثناء المخاض الثوري، حيث لم يكن «أردوغان» محايداً أو منتظراً لرؤية النتائج قبل أن يعلن موقفه السياسي، بل أعلن اصطفافه بجانب الجماهير في مصر، ووجّه خطاباً لاذعاً لـ«حسني مبارك» يحثّه فيه على الاستقالة؛ لذا احتفى به الشعب المصري احتفاءً بالغاً.

لكن هل حققت زيارته الأهداف المرجوة منها؟

نتائج زيارة مصر بقراءة نتائج الزيارة وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها «المجتمع»، فإنها لم تحقق النتائج المنتظرة، ربما بسبب عدم قدرة الإدارة الحاكمة في مصر على اتخاذ القرارات المطلوبة لتحقيق الآمال التركية في توسيع نطاق التعاون المشترك، وذلك بسبب تحكم جهاز «الأمن الوطني» في صناعة القرار السياسي وليس الأمني فقط في مصر، ودليل ذلك رفض «القاهرة» طلب «أنقرة» إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين..

فـ«أنقرة» ومنذ فترة طويلة سعت لتحقيق ذلك أثناء تولي المخلوع «مبارك» السلطة، لكن توصيات «مباحث أمن الدولة» في ذلك الوقت قضت بعدم الموافقة لظروف أمنية؛ وبالتالي فإن عدم موافقة «القاهرة» ثانياً على الطلب التركي يؤكد ضلوع «الأمن الوطني» في عملية اتخاذ القرار؛ وبالتالي حرمان المصريين من حرية الحركة وضمان استمرار حبسهم داخل الوطن.

 كما أن «أردوغان» أشار في كلمته أمام مجلس رجال الأعمال التركي المصري أنه سيتم بحث موضوع رفع التأشيرات بعد تشكيل حكومة مصرية منتخبة.

أما التوقيع على إنشاء المجلس الإستراتيجي التركي المصري تحصيل حاصل؛ لأن هذا المشروع تم الاتفاق عليه أثناء تولي «مبارك»، كما أن التخطيط لزيادة حجم التبادل التجاري ليس بالأمر الجديد، بل إن «أنقرة» تسعى لذلك منذ سنوات، كما أن الرئيس التركي «عبدالله جول» افتتح منذ سنتين تقريباً المدينة الصناعية التركية في مصر، والتي تضم مئات المصانع التركية، وبالتالي فإن وفد رجال الأعمال الكبير الذي اصطحبه «أردوغان» في زيارته سيساهم في تفعيل الاستثمارات التركية في مصر، والتي تصب دون شك لصالح الشعب المصري.

 إلغاء زيارة غزة

ووفقاً للمعلومات، فإن «القاهرة» كانت وراء إلغاء زيارة «أردوغان» لقطاع غزة، إذ كان يسعى للقيام بالزيارة عبر معبر «رفح» لتأكيد دعمه الكامل والفعلي لأهالي القطاع المحاصرين.. وعلى ما يبدو، فإن «القاهرة» رغبت في عدم التصعيد مع «الكيان الإسرائيلي» خصوصاً عقب أحداث اقتحام «السفارة الإسرائيلية» في القاهرة، وربما لقطع الطريق على «أردوغان» لتحقيق المزيد من الانتصارات ضد الكيان الغاصب وإحراج الأنظمة العربية الحاكمة؛ لذا اضطر «أردوغان» في اللحظات الأخيرة إلى تأجيل الزيارة لوقت لاحق، ومواصلة هجومه على «الكيان الإسرائيلي» من القاهرة أيضاً. وبالتالي، فإنه يجب انتظار الحكومة المصرية المنتخبة لتحقيق حلم «أنقرة» بالتعاون الإستراتيجي الوثيق مع «القاهرة»، وإن كان قد تم الاتفاق على إقامة مناورات عسكرية مشتركة، في الوقت الذي ألغت فيه «أنقرة» مناوراتها مع «الكيان الإسرائيلي»، كما تم الاتفاق على تنسيق التحركات البحرية في شرق المتوسط. أخطاء غير مقصودة وبالطبع.

لم تخلُ زيارة «أردوغان» من اللغط، خصوصاً عندما تحدث عن أهمية «الدولة المدنية»، لكنه استخدم مصطلح «الدولة العلمانية» دون أن يدري أن هذه الكلمة تعني في الدول العربية «العداء للدين»، لذا انتقدته القوى الإسلامية ورحبت به القوى الليبرالية، إلا أنه اعتذر عن الخطأ غير المقصود وصحّح تصريحه بهذا الشأن..

بالطبع، لا يمكن لـ«أردوغان» انتقاد العلمانية؛ لأن هذا محظور دستورياً وقانونياً في تركيا، بل كان يمكن مقاضاته وإغلاق حزبه، لذا ركز على فكرة أن الإنسان لا يمكن أن يكون علمانياً بل الدولة هي التي توصف بذلك، مؤكداً أنه مسلم يحكم دولة علمانية، وأكد عدم تعارض الإسلام مع الديمقراطية.

نتائج زيارته لتونس وتركزت زيارة «أردوغان» إلى تونس - والتي تشبه تركيا إلى حد كبير من ناحية النظام العلماني - حول الترويج إلى مفهوم عدم تعارض الإسلام والديمقراطية؛ إذ أكد «أردوغان» في تصريحاته أن نجاح العملية الانتخابية في تونس ستؤكد للعالم أنه يمكن للإسلام والديمقراطية أن يسيرا معاً، وأنه يمكن للمسلم قيادة الدولة باقتدار..

وأكد المراقبون أن زيارة «أردوغان» لتونس في هذا التوقيت تصب لصالح حركة «النهضة» الإسلامية التي تتبنى النموذج التركي بصيغته «الأردوغانية»؛ ما يعني احتمال فوزها في الانتخابات المقبلة، بل كان الشيخ «راشد الغنوشي» في استقبال «أردوغان» مع الآلاف من منتسبي «النهضة»، كما التقى «أردوغان» على هامش زيارته قيادات «النهضة»؛ في إشارة إلى دعمه لهذه الحركة التي اختارت السير على نهج حزب «العدالة والتنمية»؛ لذا لم يكن ترحيب الأوساط العلمانية بزيارة «أردوغان» كبيراً، رغم أنه تم التوقيع على مجموعة من اتفاقيات التعاون بين البلدين.

كما أن «أردوغان» كان من أوائل المؤيدين للثورة الشعبية التونسية، وهو ما أثنت عليه الخارجية التونسية بالقول: إن الزيارة تعبير عن إرادة لتعزيز علاقات الأخوة والتعاون التونسية التركية، خصوصاً وأن تركيا كانت من أوائل الدول التي أعلنت دعمها للشعب التونسي، بل كان وزير خارجيتها أول مَنْ زار تونس عقب الثورة، لكن الوفد المرافق لـ«أردوغان» أعرب عن ارتياحه لنتائج الزيارة. ليبيا مسك الختام وكانت زيارة «أردوغان» إلى ليبيا - التي سبقها إليها بيوم واحد الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني في محاولة لتحقيق سبق غربي - هي الأكثر إثارة، خصوصاً وأنه صمم على زيارة طرابلس وتاجوراء والزاوية وبنغازي، ودعا الليبيين إلى الحفاظ على ثرواتهم الطبيعية، ونصحهم بالوحدة، وأبدى استعداده لتقديم العون اللازم لليبيين؛ لذا قرر إرسال مهندسين أتراك لإعادة تشغيل وإصلاح شبكات الكهرباء المدمرة، وناقش مع أعضاء المجلس الانتقالي سبل استعادة الهدوء والأمن والاستقرار إلى ليبيا التي أكد المسؤولون فيها تمسكهم بالهوية الإسلامية مع تطبيق الديمقراطية، وهو النموذج الذي يسوقه «أردوغان» في المنطقة، ليكون «أردوغان» بذلك قد حقق اختراقاً لمحاولات الغرب للاستئثار برسم مستقبل ليبيا، بل وحصل على وعود لتنفيذ مشروعات اقتصادية عملاقة فيها.

 مكاسب إستراتيجية

لذا، اعتبر المسؤولون الأتراك أن زيارة «أردوغان» لدول الربيع العربي تمخضت عن تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وإستراتيجية.. خصوصاً وأن شعوب الدول الثلاث أعربت عن محبتها لـ«أردوغان»، لذا لم يكن من المستغرب أن يطلب الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» موعداً للقاء «أردوغان» على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ليبحث معه مستقبل المنطقة بعد الثورات العربية. بل إن هذه الجولة أعطت لـ«أنقرة» الشجاعة لإعلان تجميد جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إذا تولت قبرص الرئاسة الدورية للاتحاد قبل حل المشكلة القبرصية، فهي وجدت البديل الإستراتيجي للغرب في محيطها التاريخي والإقليمي، والذي سيكون لتركيا فيه دور القيادة .

  • Currently 16/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 71 مشاهدة
نشرت فى 29 سبتمبر 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

121,165