يحيى الجزار.. تمنَّى الشهادة فنالها
- شقيقه عبد الله: كان مثالاً ونموذجًا للأخلاق في كلِّ شيء
- جاره: تصرفاته كانت توحي بأنه شهيد يمشي على الأرض
- صديقه: حاله في شهر رمضان كان "زي ما بيقول الكتاب"
كتب: إسلام عادل
وردة أخرى تفتحت في بستان شباب الإخوان المسلمين في أحداث ثورة 25 يناير 2011م من أجل هذا الوطن ورفعته، ومن أجل أن نحصل على حريتنا وكرامتنا المفقودة، ولم تكن الزهرة المفقودة هذه المرة من القاهرة؛ ولكنها من شجرة في غرب بستان مصر الغدير من محافظة البحيرة، اسمه "يحيى الجزار" ابن "حوش عيسى" بمحافظة البحيرة.
وهو المركز الذي شهد أحداث إطلاق النار على مسيرة الإخوان في انتخابات الشورى 2010م، والشهيد خريج كلية التجارة بجامعة دمنهور عام 2010م، ويبلغ من العمر 23 عامًا، وكان يعمل بإحدى المدارس الخاصة كمدرس رياضيات للمرحلة الإعدادية، ولم يمض على عمله سوى فصل دراسي واحد فقط، استشهد يوم 2 فبراير بموقعة الجمل بفعل رصاصة قناصة أُطلقت عليه واخترقت رأسه فأردته شهيدًا في الحال، وخلف وراءه الألم والحزن الشديد الذي أعقبه الفرح بعد سقوط الطاغية حسني مبارك.
(إخوان أون لاين) التقى عددًا من المحيطين به من أفراد عائلته وأصدقائه وإخوانه المقربين؛ للتعرف أكثر على أسباب اختيار الله له للشهادة، وعرض قصة استشهاده وبرنامجه لشهر رمضان، وكانت محطة البداية مع شقيقه عبد الله زكريا الجزار؛ حيث امتنع باقي أفراد العائلة عن الحديث حول الشهيد لتأثرهم الشديد بفراقه، خاصة في ظل شهر رمضان المعظم.
ويروي عنه شقيقه أنه كان مثالاً ونموذجًا للأخلاق في كل شيء، وأننا إذا أردنا أن نذكر الأخلاق فلا بدَّ أن نذكر يحيى، فقد كان نعم الشخص الخلوق المهتم بدينه المحافظ عليه، وكان لحسن خلقه مردود عند الناس حينما فوجئوا بنبأ استشهاده؛ حيث خرج الأهالي للمشاركة في جنازته بأعداد مهولة تشيع جثمان الشهيد الطاهر الذي ضحى بحياته من أجل أن يحيوا هم بكرامة.
ويتعمق عبد الله أكثر داخل حياة الشهيد ليكشف لنا مزيدًا من أسرارها؛ حيث إنه فوجئ بعد عودته من السفر خارج البلاد أن أخاه الشهيد ومجموعة من أصدقائه مسئولون عن أحد المساجد يقومون فيه بتحفيظ الأطفال القرآن الكريم، كما كانوا يقومون على المسجد أثناء الاعتكاف في رمضان، ويعدون البرامج والمسابقات به من أجل الترويح عن المصلين أثناء الصلاة، ولذلك كان الأهالي المحبون له يقبلون على الذهاب إلى المسجد بسببه هو وأصحابه.
ويضيف سامي أنه أيقن أن الله استجاب لدعوة الشهيد حينما رآه في غيبوبة تامة في المستشفى، وأنه على مشارف جنة النعيم ليلقى الله شهيدًا، ويؤكد أن يحيى كان شخصية محبوبةً حبًّا شديدًا من قِبَل أصدقائه وزملائه في البلدة، وحتى في المدرسة التي يعمل بها، على الرغم من قصر مدة العمل، واعتبره كل تلامذته مثالاً لخير قدوة وخير معلم جاء إليهم.
إن لحزن الجيران الشديد على فراق الشهيد دلالة على حسن تواصله الاجتماعي معهم، وكذلك حسن خلقه، فقد هاتفنا سامي زايد "جار الشهيد" ليحكي لنا عن تعاملات الشهيد مع جيرانه، وقال: لو كنا نريد أن نقدم شهيدًا للوطن ونرى في أخلاقياته الشهادة ما وجدنا أفضل من يحيى لهذه الشهادة، فقد كان أفضل مثال للشهيد الذي يمشي على الأرض، وهذا كان واضحًا من أمنياته ورغباته عامة، ومن فحوى مذكراته التي ذكر بها رغبته الشديدة في أن يرزقه الله الشهادة وحسن الخاتمة".
وحول علاقته برمضان علق سامي قائلاً: إن يحيى كان مسئولاً عن أحد المساجد بالقرية، وكان يضع هو برنامج المسجد في رمضان، وكان لا يبخل عليه سواء كان بالجهد أو بالمال، كما كان هو مسئول الاعتكاف في رمضان الماضي، وكان يحث المصلين على التزام القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، كما كان يحفظ قدرًا كبيرًا من القرآن الكريم، وكان مداومًا على قراءة وِرْده حتى إنه كان يختم القرآن الكريم أكثر من مرة في الشهر الواحد، وخاصة في شهر رمضان.
ولصحبة الخير ركن خاص في حياة الشهيد، رأت فيه من الصفات ما لم يره المقربون، هكذا عبر لنا مسعد الحداد "المسئول التربوي للشهيد"، مشيرًا إلى أن يحيى كانت له ملامح في شخصيته لم تكن تتوفر في كثير من الإخوة، فقد كان هادئ الطباع، ولم يكن متعصبًا، وكان بطيء الغضب فلم يكن متسرعًا، سريع الرضا وقنوعًا؛ فلم يكن ساخطًا على ما قسمه الله له، وكان كريمًا فلم يبخل على أحد أبدًا؛ حتى ولو كان به خصاصة، وكان حسن الوجه طيبًا، وكانت نغمة صوته منخفضة فلم يكن جهوري الصوت، وكلماته معدودة، فلم يكن ثرثارًا، وقد كان بشوش الوجه، ولينًا مع الناس وإخوانه.
ويضيف أنهم كانوا يعملون معًا في "مدرسة عكاشة للتعليم الأساسي"، وكان يراه محبوبًا حبًّا شديدًا بين زملائه وتلامذته، فقد كان يحبهم ويحبونه؛ حتى إن أحد زملائه لم يكن يعرف خبر استشهاده، فلما رأى جنازته الحاشدة ورأى صوره مرفوعة عالية، وعلم أنها جنازته وقع مغشيًّا عليه من هول الخبر وصدمته، حتى إن الأهالي قاموا بحمله إلى أحد الطرق الجانبية لإفاقته.
ويرى "مسعد الحداد" أن سلوك "يحيى" الرمضاني كان "زي ما الكتاب بيقول"، فقد كان مداومًا على ورده القرآني، وكان يختم القرآن أكثر من مرة خلال الشهر، كما كان يكثر من قيام الليل والحفاظ على صلاة الجماعة في المسجد، كما كان يجلس بعد صلاة الفجر في المسجد يتلو الأذكار في سكون تام، ويذهب إلى عمله ليعود بعدها إلى المسجد يربي أشباله ويعلمهم القرآن.
وحول مجهوده ونشاطه الدعوي فكل من تواصلنا معهم أجمعوا على أن الشهيد كان مسئولاً عن أحد المساجد هو ومجموعة من إخوانه، وفي إحدى المرات وأثناء التحضير للبرنامج الرمضاني حدث خلاف بين مجموعة من الإخوان المسئولين عن المسجد على ترتيب برامج اليوم وتطور الأمر إلى سوء تفاهم، وظهر في هذا الوقت خلقه العظيم ألا وهو اللين والرفق والمحبة، حتى بادر بنزع فتيل هذا الخلاف؛ حتى لا يترك أخًا له في الله بينهما سوء تفاهم، وقد كان ذا مبادرات وابتكارات في برنامج المسجد.
ساحة النقاش