إنك إمرؤ فيك جاهلية ".. عبارة خالدة قالها النبي صلى الله عليه وسلم لرجل حين سب رجلا قائلا له : ( يا بن السوداء ) ..
عبارة خالدة تمثل علامة فارقة بين عصر جاهلي كان التمييز فيه بين الناس بسبب اللون أو المكانة والقوة هو القانون المعتمد في تصنيف البشر والتعامل معهم ، وبين عصر الإسلام الذي أعلن نبيه الكريم أن " الناس سواسية كأسنان المشط " .. مسقطا وواضعا تحت الأقدام كل أعراف الجاهلية وأحكامها .
ولو سألنا أحد الليبراليين ..( وليكن خبير الحريات عمرو حمزاوي أو خبير المعمار ممدوح حمزة على سبيل المثال ).. ما المرجعية القانونية التي تستند إليها بحكم ليبراليتك في تقرير المساواة بين البشر ؟ لقال واثقا : " الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ".. وما هي هذه الشرعة الدولية يا مولانا ؟ سيقول مباهيا : " هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 ، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966 ، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 " .
ممتاز يا مولانا .. وبغض النظر عن مضمون ومحتوى هذه الاتفاقيات .. ألا تخبرنا من القائم على أمر هذه المواثيق وأمر تنفيذها وحمايتها ؟ .. سيجيب مفاخرا : " إنها الأمم المتحدة " .. وقد يستطرد أحدهم وقد تقمص دور الحكيم سقراط : " و بالمناسبة ، ميثاق الأمم المتحدة 1945 قد منح هو الآخر عناية خاصة لحقوق الإنسان وعلى الرأس منها الحق في المساوة ؛ فقد جاء في ديباجته : " نحن شعوب الأمم المتحدة ... نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان ، وبكرامة الفرد وقدره ، وبما للرجال والنساء ، والأمم ، كبيرها وصغيرها ، من حقوق متساوية ، ... " .. رائع يا مولانا .. ولكن هل هذا يتحقق في الواقع ؟ .. أم أنه مجرد حبر على ورق .. وأن قضية المساوة بين الناس والشعوب لم تتحقق في واقعنا المعاصر ؟ !
أنظر يا مولانا ( وشغل مخك معايا ) .. فبينما تنص المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ـ الذي ذكرته ـ على احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب ، وبأن يكون لكل منها حق تقرير المصير .. تأتي المادة ( 77 ) منه لتضع بعض الشعوب تحت الوصاية .. وبموجب المادة (79) فإن شروط الوصاية لكل إقليم يُتفق عليها ليس برضا شعب هذا الإقليم .. بل برضا الدول التي يعنيها هذا الأمر بالذات ! .. فأين هي المساواة يا خبير الحريات ؟!
ثم أنظر إلى السخرية من الإيمان بما للأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ، والذي تنص عليه الديباجة .. حيث تأتي المادة ( 23 ) لتعطي خمس دول فقط دون غيرها ـ الخمسة الكبار ـ العضوية الدائمة في مجلس الأمن .. أما المادة ( 27 ) فتعطي هذه الدول دائمة العضوية ما يعرف بحق النقض أو الفيتو (Veto ) .. وما أدراك ما الفيتو في انتهاك الحقوق الإنسانية للمقهورين والضعفاء .. واسأل شعب فلسطين وشعب العراق .. ولا ينبئك مثل خبير !
ثم دقق النظر يا أيها الليبرالي في الفصلين السادس والسابع من الميثاق .. تجدهم يعطيان مجلس الأمن دون الجمعية العامة ـ أي كل الدول ـ سلطات هائلة فيما يتعلق بالمنازعات الدولية ، بما في ذلك فرض العقوبات واستخدام القوة .. وفي حالة استخدام القوة فإن أعضاء الأمم المتحدة ( ذوي الحقوق المتساوية !! ) يتعهدون بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها حسب ما تقضي المادة ( 25) .. وعليهم تقديم المعونة لتنفيذ التدابير التي يقررها المجلس حسب المادة ( 49 ) من الميثاق .. ولضمان عدم الخروج على انتهاك الحق في المساواة ، وهذا الجور الذي يقرره ميثاق الأمم المتحدة جاءت المادة ( 108 ) و المادة ( 109 ) ليقررا أن أية تعديلات على ميثاق الأمم المتحدة لا تسري إلا إذا صدق عليها كل الأعضاء الدائمين الكبار بمجلس الأمن !! .. فهل العقلية التي صاغت هذا الكلام الصارخ بالتمييز لصالح الأقوياء تؤمن بالديمقراطية أصلا يا خبير المعمار العظيم ؟!
هذه هي مرجعيتك القانوينة يا أيها الليبرالي في تقرير المساواة .. وذاك هو ميثاق الأمم المتحدة التي تفاخر بها !
.. فهل أدركت أنك حين أعرضت عن المساواة المطلقة بين الناس التي يقررها الإسلام ، ولجأت للأمم المتحدة وتشريعاتها المحكومة بأهواء البشر قد استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير ؟ .. و هل لاحظت أنك امرؤ فيك جاهلية تماما كأبو لهب وأبي جهل !!
ساحة النقاش