يقع قصر عروة بن الزبير بالطرف الغربي من الحرة الغربية على يسار الذاهب إلى ذي الحليفة (أبيار علي ميقات أهل المدينة) على طريق مكة القديم قرب الجسر المقام على وادي العقيق ويبعد عن المسجد النبوي حوالي 3.5 كم وولي عروة بن الزبير عمر بن عبد الله بن عروة بناء قصره وقال له: أنفق ولا تحسب فو الله لأبنيه بناء لا يبلغونه إلا بشق الأنفس ثم قال: بنيناه فأحسنا بناه بحمد الله في خير العقيق يراه كل مرتفق وسار ومعتمر إلى بيت العتيق اسمه ونسبه هو عروة بن حواري رسول الله [ الزبير بن العوام وأمه هي ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق إحدى عجائز الجنة، وجدته هي السيدة صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول [ وأخوه هو عبد الله بن الزبير، وجده من أمه هو أبو بكر الصديق، وخالته هي السيدة عائشة رضي الله عنها. مولده اختلف في سنة ولادته - قيل: ولد في آخر خلافة عمر وكان أصغر من أخيه عبدالله بعشرين سنة، ورجح ابن كثير: أنه ولد في سنة ثلاث وعشرين بعد وفاة ومقتل عمر بن الخطاب ]، وقيل: ولد سنة تسع وعشرين (8)، وهو الراجح. تزوج عروة يرحمه الله أربع زوجات وأنجب منهن، وكذلك أنجب من عدد من الإماء، وهن: 1- فاختة بنت الأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، وأنجب منها: عبد الله وعمر والأسود وأم كلثوم وعائشة وأم عمر. 2- أم يحيى بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، ومنها أنجب: يحيى ومحمد وعثمان وأبي بكر وعائشة وخديجة. 3- أسماء بنت سلمة بنت عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد من بني مخزوم، ومنها أنجب عبيد الله بن عروة. 4- أم ولد اسمها واصلة، ومنها: مصعب بن عروة وأم يحيى. 5- أم ولد: ومنها هشام بن عروة وصفية. طلبه للعلم وحرصه عليه يروى أن: المسجد الحرام جمع بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير وأخويه مصعب وعروة وعبد الله بن عمر أيام تآلفهم بعهد معاوية بن أبي سفيان، فقال بعضهم: هلم فلنتمن، فاجتمعوا في الحجر . فقال عبد الله بن الزبير: أمنيتي أن أملك الحرمين وأنال الخلافة، وقال مصعب: أمنيتي أن أملك العراق وأجمع بين عقليتي قريش سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، وقال عبد الملك بن مروان: أمنيتي أن أملك الأرض كلها وأخلف معاوية. وقال عروة: لست في شيء مما أنتم فيه، أمنيتي أن يؤخذ عني العلم.. وقيل: إنه قال: أمنيتي الزهد في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة، وأن أكون ممن يروى عنهم هذا العلم، وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. فصرف الدهر من صرفه إلى أن بلغ كل واحد منهم أمله، ولعل ابن عمر قد غفر له. وكان عبد الملك بن مروان يقول: من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير؛ لأنهم اجتمعوا وتمنوا فلما نال كل امرئ منهم أمنيته كان في ذلك دليل على نيل عروة أمنيته. علمه وفقهه قال أبو الزناد: كان فقهاء أهل المدينة أربعة سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان . وقال ابن عينية: إنّ أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن. وقال ابن سعد عن عروة: كان ثقة كثير الحديث فقيهاً عالماً مأموماً ثابتاً. عبادته كان عروة ممن عرف عنه الإكثار من قراءة القرآن حتى أنه كان يقرأ كل يوم ربع القرآن ويقوم به الليل، وكانت قراءته للمصحف نظراً بالتدبر والتفكر حتى يُذهب عامة يومه به ثم يقوم تلك الليلة بذلك الربع من القرآن على التدبر والتفكر حتى يُذهب عامة ليله به وما ترك ورده من الليل إلا ليلة قطعت رجله، وروي أنه لم يترك جزءه وورده حتى تلك الليلة. صيامه روي أنه كان يصوم الدهر ويسرده إلا يوم الفطر ويوم النحر، حتى أنه يرحمه الله صام يوم قطع رجله من المفصل فما تضور وجهه، ومات يرحمه الله تعالى وهو صائم، وجعلوا يقولون له: أفطر ولم يفطر. أخلاقه تميز عروة يرحمه الله بأخلاق حميدة وخصال جليلة جعلت منه ذلك الإمام المشار إليه بالبنان وذلك الإمام والعالم الذي ملأ به أهل السير سيرهم، واقتدى به المقتدون، ومنها: كرمه روي أنه إذا كان أيام الرطب يكسر حائطه (سور حديقته) فيدخل الناس فيأكلون ويحملون. وكان إذا دخله ردّد هذه الآية فيه حتى يخرج منه { $ّلّوًلا إذً دّخّلًتّ جّنَّتّكّ قٍلًتّ مّا شّاءّ پلَّهٍ لا قٍوَّةّ إلاَّ بٌاللَّهٌ}(الكهف39). وقيل: كان ينزل حوله ناس من البدو فيدخلون ويأكلون ويحملون، وما ذلك إلا لكرمه وإحسانه إلى الناس مما جعل الناس يذكرونه بخير حتى قال ابنه هشام: ما سمعت أحداً من أهل الأهواء يذكر أبي بسوء. ورعه قال أحمد بن عبد الله العجلي: عروة بن الزبير تابعيّ ثقة، رجل صالح، لم يدخل في شيء من الفتن. فلما اتخذ عروة قصره بالعقيق قال له الناس: جفوت مسجد رسول الله! قال: رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم عالية، فكان فيما هنالك - عما هم فيه - عافية. كان يتحلى بتواضع جمٍّ. فقد قال هشام بن عروة: كان أبي يدعوني وعبد الله بن عروة وعثمان وإسماعيل إخوتي وآخر سماه هشاماً، فيقول: لا تغشوني مع الناس لكن إذا خلوت فسلوني، وكان يأخذ بأحاديث في الطلاق ثم الخلع ثم الحج ثم الهدي ثم كذا ثم كذا .. فعروة يأمر أبناءه بألا يسألوه أمام الناس، لئلا يكون ذلك سبباً لأن يسأله الناس، وذلك مع علمه وفقهه الذي عُرِف ومُيِّز به، فكيف بحالنا؟! محنته وصبره إذا ذكر اسم عروة بن الزبير فإنه غالباً ما يذكر معه قصة بلائه ومحنته وصبره بعد ذلك؛ وهي قصة قطع رجله لما وقعت فيها الآكلة فنشرها فما زاد على أن قال: الحمد لله. نورد هذه القصة روي أن عروة خرج إلى الوليد بن عبد الملك، حتى إذا كان بوادي القرى، فوجد في رجله شيئاً، فظهرت به قرحة الآكلة، ثم زاد به الوجع، وقدم على الوليد وهو في محْمل، فقيل: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: إن شئتم، فبعث إليه الوليد بالأطباء فأجمعوا رأيهم على نشرها وإلا قتلته، فقال شأنكم فقالوا: اشرب المُرقد، فقال: امضوا لشأنكم، ما كنت أظن أن خلقاً يشرب ما يزيل عقله حتى لا يعرف ربه عز وجل، ولكن هلموا فاقطعوها. وقال ابن قتيبة وغيره: لما دعي الجزار ليقطعها قال له: نسقيك خمراً حتى لا تجد لها ألماً، فقال: لا أستعين بما حرم الله على ما أرجو من عافية، قالوا: فنسقيك المرقد، قال: ما أحب أن أُسلب عضواً من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك فأحتسبه، قال: ودخل قوم أنكرهم، فقال: ما هؤلاء ؟ قالوا: يمسكونك فإن الألم ربما عَزَبَ معه الصبر، قال: أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي ... فوضع المنشار على ركبته اليسرى فنشروها بالمنشار فما حرك عضواً عن عضو وصبر حتى فرغوا منها ثم حمسوها وهو يهلل ويكبر، ثم إنه أغلي له الزيت في مغارف الحديد فحسم به، ثم غشي عليه، وهو في ذلك كله كبير السن وإنه لصائم فما تضور وجهه، فأفاق وهو يمسح العرق عن وجهه. وروي أنه لما أُمر بشرب شراب أو أكل شيء يذهب عقله قال: إن كنتم لا بد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة فأنا لا أحس بذلك ولا أشعر به، قال: فنشروا رجله من فوق الآكلة من المكان الحي احتياطاً أنه لايبقى منها شيء وهو قائم يصلي فما تضور ولا اختلج فلما انصرف من الصلاة عزّاه الوليد في رجله. وقيل: إنه قطعت رجله في مجلس الوليد، والوليد مشغول عنه بمن يحدثه، فلم يتحرك ولم يشعر الوليد أنها قطعت حتى كويت فوجد رائحة الكي.. وقال الوليد: ما رأيت قط شيخاً أصبر من هذا! ولما رأى رجله وقدمه في أيديهم أو في «الطست» دعا بها فتناولها فقلبها في يده ثم قال: أما والذي حملني عليك أنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام، أو قال: إلى معصية. ثم أمر بها فغسلت وحنطت وكفنت ولفت بقطيفه ثم أرسل بها إلى المقابر . وكان معه في سفره ذلك ابنه محمد، ودخل محمد إسطبل دواب الوليد، فرفسته خيول من الصافنات الجياد (الغر المحجلين) فخر ميتاً، فأتى عروة رجل يعزيه، فقال: إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها . قال: بل أعزيك بمحمد ابنك، قال: وماله؟ فأخبره، فقال: اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء، وأخذت ابناً وتركت أبناءً. فما سمع منه شيء في ذلك حتى قدم المدينة، فأتاه ابن المنكدر، فقال: كيف كنت؟ قال: {لّقّدً لّقٌينّا مٌن سّفّرٌنّا هّذّا نّصّبْا >62<}(الكهف). وكان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمد بن طلحة، فقال له: والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أربٌ في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع لبعض - إن شاء الله تعالى - وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء من علمك ورأيك نفعك الله وإيانا به، والله ولي ثوابك، والضمين بحسابك. وفاته بعد هذه المسيرة الحافلة بالعلم والعبادة، والحافلة بالدروس والعبر انطوت صفحة الإمام عروة بن الزبير وقد اختلف في سنة وفاته على أقوال عدة، فقد قيل: إنه توفي سنة إحدى وتسعين، و قيل: إنه توفي سنة اثنتين وتسعين، وقيل: إنه توفي سنة ثلاث وتسعين، والراجح أن وفاته كانت سنة أربع وتسعين من الهجرة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن كثير، ورجحه ابن سعد في طبقاته.
 
 إضافة تعليق   عودة

         
 

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 125 مشاهدة
نشرت فى 7 أغسطس 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

121,522