الشيخ علي متولي: 

 

 

 

 

 

 

 

 

- دونت السيرة النبوية في قصيدة واحدة في سجن طره

- الصبر والثبات والمثابرة كان حال أسرتي أثناء اعتقالي

- جلست في القضاء العرفي لحل المنازعات وعمري 14 عامًا

- توقعنا خلف القضبان أن يأتي الله بالفتح والثورة فاقت أحلامنا

حوار: الزهراء عامر

لم يعاصر الإمام البنا، لكنه سجَّل تاريخ الإمام البنا في 65 قصيدةً شعريةً، وكأنه يعيش معه ويشاهد حياته لحظةً بلحظة، عاش في بحور الشعر والأدب واستطاع أن يفتح أقفال القلوب المغلقة بلسانه الفصيح، وسيرته الطيبة بين الناس.

نشأته الأزهرية وحب الدعوة إلى الله كانت أهم أسباب التحاقه بجماعة الإخوان المسلمون.

وُلد الأديب والعالم الأزهري الحاج علي متولي في 6 مارس 1940م، بإحدى قرى التل الكبير محافظة الإسماعيلية، وكانت حينها تابعة لمحافظة الشرقية، والتحق بالمعهد الديني بالزقازيق عام 1954م بعد أن أتم حفظ القرآن بالتحفة والجذرية، ومكث فيه 9 سنوات، ثم التحق بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وتخرَّج فيها سنة 1967م، عمل بالتدريس في المدارس الخاصة بالزقازيق لمدة عام، وعُيِّن عام 1968 مدرسًا للإعدادي في قرية مشتول السوق حتى عام 1972 ثم انتقل إلى مدينة أبو حماد مدرسًا بالثانوي في عام 1978م.

تزوَّج عام 1964م وهو ما زال طالبًا في الجامعة، ولديه 5 أولاد "3 بنين وبنتان"، و 17 حفيدًا وحفيدة.

(إخوان أون لاين) التقى به في حديث الذكريات، فإلى تفاصيل الحوار:

* بدايةً كيف عرفت جماعة الإخوان؟

** عرفت دعوة الإخوان بعد أن عرفت الدعوة الإسلامية ومارستها على وجه العموم، فقد كنت أزهريًّا وأعتلي المنابر وأخطب في المساجد، وأتكلم في المناسبات الدينية وأًُعلق على بعض الآيات الاشتراطية بأنه "لم يكن محمد رجل دين، إنما كان رجل دولة، وأدلل على ذلك بأن الإسلام يحل دقائق المشكلات الاقتصادية التخصيصية جدًّا، وأجلس في القضاء العرفي لحل المنازعات بين الناس وأنا ابن الرابعة عشرة من عمري".

* ومتى التحقت بجماعة الإخوان؟

** في أواخر الستينيات التقيت ببعض الشخصيات الإخوانية وتصادقنا وتحالفنا كثيرًا للعمل من أجل الإسلام والقرآن، وشاركتهم في ندوات ودورس في المساجد، ولم يحدثوني عن الإخوان من ضمن هؤلاء زميل لي في العمل يُدعى محمد سعيد فرحات، ثم خرج من السجن في هذه الأونة رجلاً كبيرَ السن، وكان شيخًا أزهريًّا وعالمًا وأديبًا وزاهدًا، وله نظرات إسلامية في القرآن، وكان يقطن في قرية "كفر الحمام" إحدى قري مدينة الزقازيق، ولم يتحدث أيضًا "الشيخ حسن صالح" رحمه الله عليه في قضية الإخوان؛ ولكني تأثرت به كثيرًا.

وعندما انتقلت بعدها إلى مدينة أبو حماد في عام 1972م، التقيت بشخصية إخوانية أخرى لم يكن قد دخل السجن وقتها، وحدثني عن جماعة الإخوان وقرأ عليَّ رسائل الإمام البنا كلمةً كلمة قبل أن أعرفه، وتعجبتُ من هذا الأمر وهذه الكلمات، وقلتُ للشيخ "محمد كامل عبد الستار"، أنا أتحدث مع الناس عن هذه الدعوة بطبيعتي الأزهرية.

توحد الفكر

* ولماذا تعجبتُ من كلمات الأمام؟

** كان الغريب عندي أن يكون لهذا الفكر وهذه الدعوة التي أعيش من أجلها نظام وجماعة ومستهدفات تهدف إليها وتربية تقوم عليها الأصول لهذا الهدف، وتطمح لعودة الخلافة الإسلامية والوصول لأستاذية العالم، ولهذا صرتُ في هذا السبيل، وأسأل الله عز وجل أن ألقى الله وهو عني راضٍ، وكنتُ أعرف قضية الشمولية التي يُنادي بها الإخوان والتي تعني أن الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاق ومعاملات وجهاد ودولة ونظام وسياسة، ووجدت دعوة الإخوان تطابق تمام التطابق ما أتعلمه وأُدرِّسه.

* كتبت الأنظمة المستبدة على أعضاء جماعة الإخوان مصير الاعتقال والمطاردة، فكيف مررت بهذه المرحلة؟

** تم اعتقالي 5 مرات ومن أبزها أول اعتقال عام 1981" لمدة عام، وعام 1995م لمدة 3 سنوات محاكمة عسكرية.

 وتم الاعتقال بعد قضية التحفظ التي أصدرها أنور السادات وبعدها قتل، ومكثت عامًا كاملاً أتنقل بين ليمان طره، وأبو زعبل، والقلعة، ثم أبو زعبل مرةً أخرى وليمان طره، ومن هناك خرجت، ولم تكن هناك تهمة موجه إلى وقتها غير أنني أخطب في الناس وأتكلم العديد من القضايا.

وعندما وصلنا لمزرعة طرة جرى حوار بيني وبين مأمور السجن، وكان سبب هذا اللقاء أن هناك أشخاصًا يأتون إلى السجن لتوعية المساجين، وتغيير آرائهم ونظرتهم للحياة، وتحدثت إليهم بالحكمة والمنطلق فاندهشوا من وجود أشخاص مثلنا في المعتقلات فأرسل إلى مأمور السجن بعدما سمع كلامي مع الضيوف، وقال أنا لا أري فيك إلا النور، وقالي لي تمنى عليَّ فحينها كنت أتمني أن أخرج من المعتقل، ولكني طلبتُ منه تحسين الطعام والخدمة لنا في السجن ففعل.

وفي سجن القلعة كانوا دائمًا يوقظنونا ليلاً للتحقيق معنا كنوعٍ من التعذيب غير المباشر بحرماننا من النوم، وكانون يأخذوننا ونحن معصوبو العينين، وفي إحدى الليالي أقعدني العكسري أمام الضابط، وقال لي مد يدك يا شيخ علي، فمددت يدي فوجدته يمسك في يده شريط كاسيت، فما إن لمست الشريط قال لي كل اعترافاتك مسجلة عليه، فمددت يدي مرةً أخري ولمست الشريط قولت له هذا ليس صوتي، ولم يعلق ولم يضحك فكانوا مطموسين ومن أكبر الرزيا جهاز أمن الدولة المنحل.

التعامل بالحب

* وكيف كنتم تتعاملون مع غيركم من المساجين الجنائين في المعتقل؟

** الحمد لله استطعت أن أضع "سيمفونية" حب، وأسن لهم قانونًا يسيرون عليه داخل السجن، وهو عندما يريد أحد أن يجادلك فامتثل بقول الله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)) (القصص)" ولا تقل لهم لا نبتغي الجاهلين، فكان عندما يحاول أحد التعرض لنا نقول له سلامًا، ونبتسم في وجهه ابتسامة رقيقة ويتركه، وكان بجوار عنبرنا كان هناك عنبر لشخص يسمى "طه السماوي" صاحب فرقة غناء، كان مبتغي الفتنة، وأصحابه يرمون بعضهم بزجاجات الكوكاكولا، وأرادت إدارة السجن أن تقضي على جو الحب، فأحضروا لنا من هذا العنبر واحدًا منهم يسمي الشيخ "عبد المجيد" وكان رجلاً طليق اللسان، وقال لي أحد أفراد الأمن: "يا ريت تحجمه" كمحاولة للوقيعة، وفي إحدى المرات أحضر الأخوة المنبر الذي صنعوه من أجلي لكي أخطب الجمعة، فقلت له: تفضل، أنت الذي ستلقي الخطبة اليوم، فأكبر المسألة وقال:" لا أفعل، ذلك وأنت موجود"، وكنا في التحقيقات نقابل بعض عناصر الجهاد والسلفيين، وكأني كنت أمهم يأوون إلى صدري، ويجدون فيه الأمان، فكان الإسلام يجمعنا جميعًا وهذا يكفي.

* ومن كان معك من إخوانك في الزنزانة؟

** في الأساس كان معي الدكتور محمد طه وهدان، ومحمد سويدان، والحاج أمين سعد وهذا الرجل كان دائمًا لطيفًا وظريفًا، من أهل القرآن، نقوم بالليل نجده ينام وهو جالس، ونقول له: لما لا ترتاح وتنام يقول لنا: إن ارتحت سأستيقظ، وكان يقوم بإعداد باقات الزهور من الحديقة يوم الزيارة يضع على كل منضدة باقة، وعندما توفي كتبت فيه رثاءً بعنوان في رحيل الأستاذ "أمين سعد".

* كيف كنتم تقضون رمضان داخل السجن؟

** كان رمضان في المعتقل لذيذًا وممتعًا، وكنا نحرص على الخلط بين الأخوة بعضهم وبعض عن طريق عمل شيء مثل البوفيه المفتوح أثناء الإفطار؛ ليأكل الجميع من طبق واحد، وتزيد الألفة والمحبة، وألفت هناك قصيدة بعنوان "دموع رمضان"

رمضان مالك والأنين  ألما علا الوجه الحزين

ماذا دهاك وأنت نور  الحـق والذكـر المبين

ما للأذان غدا نواحا  رجع صوت لا تبين

رمضان لا تفزع ففيك  سيبرم الأمر المكين

ستعود بدرا ثم فتـح  رغم آهات الأنيـن

رمضان رتل :إن نصر  الله للمستضعفين

وغدا قرآن وقـدر  قد علا هام السنيـن

والله بالغ أمره  قدر الدعاة الصابـرين

* حدثتنا أنه جرى حوار قصير مع أحد ضباط أمن الدولة بعد خروجك من المحاكمة العسكرية، فما فحوى هذا الحوار؟

** بعد خروجي من السجن عام 1998م بعد قضاء 3 سنوات سألت أحد ضباط أمن الدولة بالزقازيق ولا يزال حي يرزق وأختصمه وغيره إلى الله مع مبارك وجلاديه عن أسباب سجني 3 سنوات محاكمة عسكرية، هل لأني أدعو إلى الله، وأتكلم تحت المجهر طوال اليوم، أم أنني أصلح بين الناس ومساهمتي في إنهاء مقتلة منطقة الزهراء وبردين التي راح ضحيتها 5 وجرحي آخرين؟، فرد على قائلا: "لما أنت تصلح بين الناس الشرطة تعمل إيه؟"، فرديت عليه أنا أساعدكم، قال إننا لا نحتاج لمساعدتك علمًا بأن هذه المعركة عجزوا عنها، وعندما دخلت فيها بدأ أمن الدولة والحزب الوطني المنحل يحاربوننا لكي لا نصلح بين الناس؛ ولكن الله نصرنا وأصلحنا وراضينا أهل القتلى بقليل من المال، فهؤلاء يسوءهم الإصلاح.

* دعوة الإخوان، من وجهة نظرك لماذا يهاجمها الآخرون؟

** دعوة الإخوان دعوة لها نظام وتريد أن تقيمه في دنيا الناس، ولذلك فلا بد أن تصطدم بواقع الناس وجهلهم ثم بالسياسة والسياسيين الذين يكرهون تجمع الناس على منهاج الحق؛ لأنهم ليسو على هذا المنهاج، وبالتالي تحاربها الحكومات المحلية والعالمية؛ لأنهم يدركون معنى أن تقوم للإسلام دولة تبنى على العدل والعزة والقوة وكرامة الإنسان، وهم يقومون على استبعاد الشعوب، فابتلينا كما أبتلي غيرنا بالسجون والمعتقلات.

الصبر والمعاناة

* كيف كان حال الأسرة طوال فترة الاعتقال؟

** عانت الأسرة كثيرًا جراء عمليات المداهمات المستمرة للمنزل، وصبرت كثيرًا على الابتلاءات، وفي أثناء معتقل 1981م كانت ابنتي سمية عندها عام، كانت تأتي مع والدتها للزيارة ويمشون لساعات طويلة في الصحراء، وفي إحدى المرات كادت تموت طفلتي من شدة العطش، فقام أحد الإخوة بملء مياه من إحدى الترع المارين عليها، وبالرغم من معاناتهم في كل شيء، كانوا لا يتحدثون عنها، وتسقط أمام السجن بمجرد مقابلتنا.

فهم كانوا صابرين ونحن كنا صابرين ويكفي الحرمان والأنس بالأب عن البيت، وما أن أقوله السعادة لا ترتبط بأي وضع إلا أن يكون الإنسان مع ربه على مستوى الفرد والأسرة، وعلى مستوى أوسع، المهم أن نحسن معية الله عز وجل.

وفي إحدى المرات مع ضيق الحالة المادية عندما أخبروني بذلك طرحت عليهم أن يعرضوا فرش البيت للبيع بعد إغلاق المكتبة، ومطاردتي وظيفيًّا وحتى الآن اتقاضى نصف راتب زميلي، ومن يرعاه الله لا أحد يذله.

* هل أثر الاعتقال بشكل مباشر على أسرتك؟

** نعم ابني الأكبر أسامة كان الأول على دفعته في كلية التربية وحصل على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف وعين معيدًا، ولكن القرار لم ينفذ، وقال له وقتها ضابط أمن الدولة "فؤاد زكي"، يكفي أنك ابن علي متولي، وبدأت التضييقات واقتحام البيوت والإضرار والإجرام في عهد أمن الدولة البائدة، التي نسأل الله أن لا تعود مرة أخرى، وأن يولي أمورنا خيارنا.

حب الإخوان

* كتبت قصيدة من أجل ذلك أحبهم فمن هؤلاء؟

** ذكرت في القصيدة نوعين ممن أحب، النوع الأول هم عامة الإخوان وقلت فيهم:

إن تسألوا عنّى فإني هائمٌ في  حبّ هذا النبّل في إخواني

أهواهمٌ متبتلين لربهم عٌبـادَ  ليلٍ ساجـدي الأركـان

أهواهمٌ أهلَ الصيامِ تطهرًا  وتبتلاً في ساحةِ الرضوان

وأحبهم متواضعين لربهم  لا كبرَ لاستخفافَ بالإنسان

وأحبهم طٌلاب علمٍ نافعٍ قد  زادهم قربًا من الرحمـن

ولسانٌهم عفٌٌٌ وطٌهٌر نفوسِهم  يعلو بهم عن بؤرة الشنآن

في رقة الأنسامِ في فيحِ الرٌّبا  في عِطر زهرٍ في شذا الريحان

متطهرينَ عن المنافعِ عفة  طلبًا لأجرٍ سابغٍ بِجنَــانِ

والنوع الآخر: بصفة أخص هما المرشدان العنصر الرباني الأساسي في جماعة ودعوة الإخوان المسلمين

* وكيف كانت علاقتك بمكتب الإرشاد؟

** أول من التقيت معه الأستاذ عمر التلمساني وعايشته كثيرًا عن طريق الحفلات التي كانت تقام في الشرقية، وحينما أبعدت عن العمل 17 مارس 1980م كان مشغولاً جدًّا بقضيتي وكان يتابعها، وعندما فشلت القضية أشفقت عليه ولم أخبره عن ذلك، وكان يتميز بالليونة مع القوة الشديدة المدهشة جدًّا، وأوذي إيذاءً شديدًا وهو ابن الطريق.

وبعده التقيت الإمام محمد حامد أبو النصر في الزقازيق وفي مكتب الإرشاد في التوفيقية، كنت أتوارى منه حتى لا أتعبه؛ ولكنه كان يلتقطني ويجلسني معه، وكان يتحدث مع ابني أسامة ويقول له: "أنت تخطب مثل أبيك، والحنجرة مثل حنجرته".

وكان للأستاذ مصطفى مشهور مواقف كثيرة لا تنسى معه، فلقد التقيته كثيرًا في الفعاليات والعديد من اللقاءات، أبرزها حرصه على الاطمئنان علي، وعلى أسرتي، وأنا في المعتقل، فاتصل بزوجتي وقال لها سلمي لي عليه واشكريه.

* ولماذا كان يشكرك الأستاذ مصطفى مشهور؟

** كان يشكرني على قصيدة الرثاء التي كتبتها عندما ماتت زوجته، هذه المرأة عانت عناء شديدًا لم يعانيه أحد قبلها، وكانت صابرة ولم يتركا معًا صلاة الليل ليلة واحدة، وأيضًا عندما تكلمت في جريدة القدس عن الحرس القديم، ألفت قصيدة وأنا في السجن عنهم، وأرسلتها إليه، وبعده الأستاذ الهضيبي زارني في مستشفي مصر القديمة عندما كنت مريضًا وكان رفيقًا وقويًّا، وبعدها كان الأستاذ مهدي عاكف وأنا عايشته لسنوات في سجن طره، والتقيت بالدكتور بديع كثيرًا؛ ولكن ليس قبل أن يكون مرشدًا، ولكنه قرآني وفيه بصر وربانية.

إني عرفت النبل مع إخواننا  يوم التقــيت بقادة الإخوان

التلمساني فاقـها ومؤدبـا  سيظلٌ نبراس الهدى بجنانـي

ورأيت مرشدنا ابن نصر  صابرًا طودًا تشامخَ لم يلن لجبان

أما ابن مشهورٍ فقاتٌ ليلهٌ  وبحكمةٍ يقتادٌنـا لأمـان

إخوانهم معهم ربابنة الهدى  من قبلهم صاغوا على الإيمان

الله غايتهم وطـه قـدوة  نعم الزعيـم نبينـا الرباني

مواقف لا تنسى

* مواقف لا تنسى في حياة الداعية الإسلامي الشيخ علي متولي، أذكر لنا بعض هذه المواقف؟

** في الحقيقية من المشاهدات الجميلة التي لا يمكن أن أنساها، في عام 1973م كان هناك ضابط طيار، وكان من رواد المسجد ويحضر الدروس فاجأني إلى بيتي وقال لي: أريد تعلم اللغة العربية حتى أستطيع أن أدرس في كتب التراث، وفي رمضان قبل الحرب مرَّ علينا في المسجد وقال لي أدعو لي وأنصرف وأقلع بطائرته وأصيبت، ورفض الهبوط عندما وجد طائرات صهيونية في طريقها للإقلاع، وبشهادة من كان معه في الطائرة أنه فضل الجنة لأنه أحسن يقينًا باليوم الآخر الذي يجلب النصر.

* بالرغم من الظلم الذي عايشته في المعتقل هل كنت تتوقع حدوث ثورة 25 يناير؟

** ونحن في السجون كنا نقول في أشعارنا أن الفرج قادم، وكنا على يقين أن الله سيأتي بالفتح أو أمر من عنده ولم نتعجل؛ ولكن سقف توقعاتنا لم يصل إلى ما نحن فيه فضلاً من الله؛ لأن الله عز وجل هو الذي رفع دماء وسجون وعقود من العذاب، وهذا الأمر تكرر في عهد هارون الرشيد عندما سأل يحيى بن خالد البارمكي في السجن عن طول فتره مكوثه في السجن قال: لعلها كانت دعوة مظلوم علينا.

* وهل شاركت في الثورة؟

** نظرًا لكبر سني لم أتمكن من الذهاب لميدان التحرير، ولكني كنت متابعًا جيدًا لها، وشاركت في العديد من المؤتمرات في الشرقية، ولعبت دورًا إرشاديًّا فيها.

* عصر الحرية والدعوة بلا حدود هل أثر على الداعية الإسلامي علي متولي؟

** تحررت من القيود منذ زمن طويل، وكنت أتحرك وأتكلم ولا أحد يمنعني؛ ولكن بعد الثورة زادت الحرية وكثرت الدروس وأعباء الدعوة اليومية، واستطعنا أن ندخل قرى لم نتمكن من زيارتها في السابق بفضل التضييقات الأمنية.

* إذن كيف ترى مصر بعد الثورة؟

** مصر بعد الثورة تنفست الصعداء مهما كان وكسبت كثيرًا، الأمل في الله كبير وهو الغالب، ولو صبرنا وأخلصنا وصدقنا ورشدنا واسترشدنا بمنهج الله عز وجل ورشد أمتنا وكنا مع العقلاء منهم، وكنا معًا، فسوف نتغلب على هؤلاء الطامعين والمتعجلين في موضع العجلة والمتباطئين في موضع البطء.

*وكيف ترى موقف الإخوان قبل الثورة وبعدها؟

** الإخوان موقفهم عاقل ومعتدل، فهم ثائرون وقت الثورة، وهم عقلاء لا ينجرون إلى استفزازات لن تجدي شيئًا.

المحاكمة العسكرية

* وماذا عن المحاكمة العسكرية 1995؟

** تمت المحاكمة في 23 نوفمبر عام 1995 واعتقل 33 قياديًّا في جماعة الإخوان المسلمين حكم على 20 منهم بالسجن بمدد تتراوح بين الثلاث والخمس سنوات، وكنت أنا واحدًا منهم وحصل 13 معتقلاً على البراءة، وكان الحكم بخمس سنوات من نصيب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمود عزت، وكانت التهمة إعادة إحياء جماعة محظورة.

* وكيف كنتم تقضون أوقاتكم داخل السجن؟

** انصرفنا بالكلية للقرآن الكريم ومحاضرات علمية جادة في شتى التخصصات، وكان الطعام  يأتينا رغدًا من كل مكان بخيرات لا يتخيلها أحد، أغنى الأغنياء لا يمكن أن يكون عنده مثل هذا الخير، واعتدت كل يوم عقب صلاة الفجر أن أدعو:" اللهم صب علينا الخير صبًّا" ثلاثًا، فجاءني أحد الإخوان وقال لي: أستحلفك بالله قلل من الدعاء لا نعرف أين نضع الطعام  لا يوجد مكان، وفي إحدى المرات وأنا أدعو اللهم صب علينا الخير صبًّا كعادتي كل مرة، وقال أشبعنا العساكر والقطط وألقينا الباقي في القمامة، فرددت عليه وقلت له طيب اضبطوا أنفسكم أقولها كام مرة.

 وأقمنا حديقة كبيرة في السجن للزهور ليس لها نظير في الشرق الأوسط، وكان دائمًا يجلس بها الأستاذ محمد مهدي عاكف، وفي إحدى المرات كان يجلس جوار صنبور الحديقة  فقلت ما رأيك في السجن الجميل، تحب أن أذكر هذه الجلسة في الأمسية الشعرية اليوم، فرد علي قائلا: "يغور السجن ولو كان فيه جنينة" فكتبت قصيدة بعنوان " السجن سجن"

السجن سجن وإن طابت معايشه     والحبس للحر إهدار وتنكيـل

لا ينسل البلبل الصداح في قفص     من النضار وتجفوه التهاليـل

ياحابس الحر ما أبقيت موهبـة     تصبو إلى المجد والعليا أكاليل

خلفتهم ههنا في محبس خربــ    وهم هداة الورى يحيا بهم جيل

أسعدت بالحبس "صهيونًا" وزمرته   أثلجت صدر الخنا والكيد تضليل

وبعدها كتبت قصيدة بعنوان" حوار مع الزهور بحديقة الإخوان" تقول:

لغة الزهـور تشـدنـي     وبدون صوت تنطق

في روضة السجن انتشت     ميـاسة تتــأنق

وطفقـت أسمـع همسها     وبشدوهـا أتعلـق

ميلاد موهبة الشعر

* ما قصتك مع الشعر؟

** الشعر جرى على لساني وأنا صغير، وأول قصيدة كتبتها كانت لعروستي؛ ولكنه لم يتفجر إلا في فترة سجن المحاكمة العسكرية، فكان هذا العطاء الكريم، فكان الأخوة مهتمين بحفظ القرآن وكنت لا أجد أحدًا أتحدث إليه، فما كان أمامي سوى أن أكتب، وكم الشعر الذي كتبته في المعتقل من أروع وأغرب ما كتبت، وهناك دونت السيرة النبوية من الميلاد إلى  الانتقال إلى الرفيق الأعلى في قصيدة واحدة، أكبر قصيدة في الشعر الجاهلي والإسلامي، مكونة 1225 بيتًا، وهذه القصيدة أجلتها 12 عامًا، ولم تر النور وأطلقت عليها "الموءودة" كما قال حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية التي تتحدث عن نفسها: 

ولدت ولما لم أجد لعرائسي         رجالاً وأكفاء وأدت بناتي

 وشاء الله أن يخطبها أحد السعوديين ويعد بنشرها، ولكنها حتى الآن لم تزل في فترة الخطوبة، وهناك العديد من الأشعار التي كتبتها نشرت في دوريات في جريدة آفاق عربية.

* ولماذا لم تفكر في تجميع  ذلك  في ديوان واحد ؟

** ما عندي أكثر مما كتب ومما قيل، ووددت أن تجمع أشعاري وخاصة التي كانت في السجن لتكون تأريخًا لهذه المرحلة في ديوان، لكن تقدم السن يحول بيني وبين كتابة الديوان.

* قرأنا لك العديد من الأشعار للإمام حسن البنا.. فما السبب ؟

** لم أعاصر الإمام البنا؛ ولكن في إحدى المرات طلب مني أحد الكويتيين أن أؤرخ تاريخ الإمام في 50 قصيدة، ووقتها رفضت لأني لم أعاصر حقبة البنا؛ ولكنه أصر ثقة منه أني أستطيع القيام بذلك، وبدأت أقرأ تاريخ البنا، وبفضل الله كتبت 65 قصيدة شعرية في الإمام.

* ومن الذين تأثرت بهم في أشعارك؟

** كان معنا في السجن شاعر مبدع يسمى الشيخ سليمان محمد سليمان، وأعجبت به وبأشعاره، ومن أكثر القصائد التي أعجبت بها قصيدة تسمى العصفورة، التي كتبها أثناء محبسه، فكانت له عصفورة تدخل عليه يوميًّا من فتحة شباك الزنزانة تأكل وتشرب، وكان يجهز لها الطعام، وفي إحدى المرات دخلت لتأكل مثل عادتها ووقفت تنظر إليه وبقيت  بجواره  فكتب فيها قصيدة، وكان يرددها السجناء في محبسهم.

* وتأليف الكتب؟؟

** كان لي كتيبات سريعة أذكر منها شخصية الأخت المسلمة في ضوء الكتاب والسنة، "الدعوة في موكب الأنبياء"، و"للمعلم وصايا عشر" تمت طباعته وأنا في المعتقل عام 1995 ووزعت منه آلاف النسخ ووزعت جميعها قبل خروجي، و"يوم في حياة المسلم" وسلسلة كتيبات "في واحة الإسلام"، و"كلمات في الربانية"...  وغيرها، وأتمني لو أجد منها نسخة لإعادة طباعتها مرة أخرى.

* كيف كانت العلاقة بالله في المعتقل؟

** عندما تكونين طائعة وخاشعة لله بعيدة عن المعاصي تجدين اندماجًا بينك وبين هذا الكون، ومن هنا يعتبر السجن روعة وعطاءً وبرًّا ورحمه واتصالاً بالملأ الأعلى، بل لقد كنا ننظر إلى السماء نجدها قريبة جدًّا منا، فكان يرتفع من هذه البؤرة يوميًّا ما لا يقل عن تلاوة 300 جزء من القرآن، ولهذا لابد أن تفتح لنا السماء وتعطينا كل ما نحتاجه.

وأذكر موقفًا يدل على معية الله للأخ وأسرته أن ابنتي سمية كانت في المرحلة الثانوية وأنا في السجن، والتحقت بكلية العلوم وكانت تحسن الثانوية العامة، وألغى الوزيرفي ذلك العام  التحسين قبل الامتحان بأسبوع واحد وبالرغم من كونها لم تنجح  في كل المواد، فإنها وجدت ضمن أسماء الناجحين.

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 109 مشاهدة
نشرت فى 31 يوليو 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

121,070