مفكرة الاسلام: جاءت مليونية الإرادة الشعبية ووحدة الصف التي دعت إليها التيارات الإسلامية في مصر مفاجأة بكل المقاييس .. مفاجأة أذهلت بشكل أساسٍ جميع التيارات الليبرالية والعالمانية ومن جرى في فلكها، والذين بدأت فرائسهم ترتعد لما رأوه من حشود عارمة ملأت ميدان التحرير عن آخره حتى لم يعد فيه موضع قدم، فضلا عن الشوارع الجانبية المتفرعة منه.
وبالنظر إلى المشهد العام منذ تنحي مبارك عن حكم مصر في 11 فبراير الماضي، نجد أن هذه هي الجولة الثانية التي يخسر فيها الليبراليون أمام الإسلاميين هزيمة قاسية لم يكونوا يتوقعونها .. الأولى كانت في استفتاء مارس الماضي، عندما نجح الإسلاميون في حشد جماهير الشعب المصري لتأييد التعديلات الدستورية، حتى جاءت نتيجة الاستفتاء قاسية على رؤوسهم، وبأغلبية ساحقة قالت نعم للتعديلات.
ويشتد غيظ الليبراليين من لدن هذا الاستفتاء وتتصاعد محاولاتهم المتتابعة للالتفاف على نتائجه، بالسعي إلى إلغائها مرةً، وبدعوة "الدستور أولا" أخرى، وبوضع "مبادئ فوق دستورية" ثالثة .. وإزاء ما يملكون من آلة إعلامية ضخمة تزيّف الحقائق وتزيّن الباطل، لم يكن أمام الإسلاميين سوى النزول إلى الشارع .. إلى الميادين وخاصة "ميدان التحرير" رمز الثورة المصرية .. ليَرى القومُ قوتهم الحقيقية على الأرض بعيدًا عن زيف الإعلام وسَحَرته.
وفي هذه التقرير، نتناول مليونية الإرادة الشعبية من عدة جوانب، أبرزها القوى الداعية لها وأهدافها، ثم نعرج على أهم ما شهدته من فعاليات، قبل أن نتوقف مع تناول وسائل الإعلام لها على اختلاف توجهاتها. ونختم بقراءة في أصداء المليونية.
القوى الداعية والأهداف المطروحة:
بعدما شهدت الفترة الماضية حالة من التخبط السياسي لدى القوى الليبرالية التي وجدت نفسها غير قادرة على التأثير في جموع الشعب المصري لتغيير إرادته التي عبر عنها من خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية في التاسع عشر من مارس الماضي والتي اختار الشعب فيها مسارًا واضحًا للحياة الديمقراطية في المرحلة المقبلة من تاريخ مصر، وجدت القوى الإسلامية بمختلف شرائحها وأطيافها نفسها في حالة تلزمها بالتدخل لتصحيح مسار الزخم الثوري في البلاد ومنع العديد من الأصوات النشاز من التحدث بلسان الشعب المصري.
وأكد العديد من المتحدثين باسم القوى الإسلامية أن الدعوة لمليونية حقيقية ومحددة ترمي إلى تحقيق غرضين أساسيين الأول هو التأكيد على الثورة التي انطلقت في كل أرجاء مصر كانت ثورة سلمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى وأنها تسعى لاستكمال مطالبها من خلال آليات سليمة وذلك بعد أن تجرأ البعض في الفترة الماضية على إغلاق مجمع التحرير والتلويح بإغلاق مترو الأنفاق أو إغلاق الممر الملاحي في قناة السويس، فأراد الإسلاميون من خلال الحشد لهذه المليونية أن يؤكدوا على الطابع السلمي والحضاري لثورة الشعب المصري حتى وهي على طريق استكمال مطالبها.
أما الغرض الثاني الذي سعى الإسلاميون من أجل تحقيقه إلى إطلاق هذه الفعالية الحاشدة فهو إعادة المسار السياسي الصحيح للثورة والذي يعبر عن رغبة الشعب المصري والمتمثل في إجراء الانتخابات البرلمانية ثم اختيار لجنة تأسيسية تشرف على إعداد دستور جديد للبلاد ثم إجراء الانتخابات الرئاسية، وذلك بعدما كانت أصوات قد ظلت تردد في الفترة الماضية دعوات تحرض المجلس العسكري على اختيار لجنة لتشكيل ما يسمى بالمبادئ فوق الدستورية والتي يمكن من خلالها أن ينفرد التيار الليبرالي بوضع الأسس الحقيقية للدستور المرتقب، وهي خطوة تعني في حقيقتها تفريغ الدستور من مضمونه وتعبيره عن إرادة الشعب المصري.
ولقد بدأت التيارات الإسلامية منذ فترة استعداداتها للمشاركة في مليونية أسمتها في البداية "الهوية والاستقرار" قبل أن تتفق في النهاية على تسميتها بجمعة "الإرادة الشعبية" وذلك في ميدان التحرير بالعاصمة المصرية القاهرة ومحافظات مصر.
وأكد الدكتور طارق الزمر، المتحدث الإعلامي للجماعة الإسلامية أنه تم مسبقًا تحديد المشاركين على المنصة الرئيسية من قبل القوى والتيارات الإسلامية، فيأتي الدكتور عبدالرحمن البر، عضو مكتب الإرشاد، ممثلاً عن جماعة الإخوان المسلمين، والدكتور صفوت عبدالغني، عضو مجلس الشورى العام، ممثلاً عن الجماعة الإسلامية، والدكتور ياسر برهامي والدكتور عماد عبد الغفور، ممثلين عن التيار السلفي.
وأوضح الزمر أن اللجنة التنسيقية اتفقت على فكرة التأمين بحيث يكون الاحتواء لأي مشكلة أو أي احتكاك أو إثارة فتنة أو وقيعة، الهدف الأسمى للمتظاهرين والجماهير الزاحفة لهذا الميدان.
وأشار إلى أن القوى المشاركة في المليونية أرسلت رسائل تطمينية للمعتصمين بأنه لا مساس بهم، ولهم كل الحق في التعبير عن رأيهم بالصورة التي يرونها مناسبة، فهم شركاء في الثورة، وإن اختلفت الآراء ووجهات النظر، فالثورة تحتاج مجهود الجميع حتى تنتصر وترتفع رايتها.
وكان التيار الإسلامي على وعي كبير وحذر كامل بتحركات وردود أفعال فلول الحزب الوطني الهاربة وضباط أمن الدولة الذين مازالوا يديرون ثورة مضادة من أجل إفشال الثورة التي ألقت بهم في غياهب النسيان وفرقت بين سلطتهم وفسادهم والشعب المصري.
وتوقع الزمر أن تستخدم هذه الفلول نفس الطريقة البدائية في حربهم مثل البغال والحمير، ووجه تحذيرًا من أنه وقتها سوف يرد الإسلاميون بقوة، وسوف يقطعون أعناق الحمير ويكسرون أرجل الحمير، حتى تأخذ الثورة مكانها وتصبح مسارًا واحدًا نحو تحقيق دولة العدل والحرية والطمأنينة.
وشدد أكثر من صوت إسلامي على أن الهدف من هذه الفعالية هو ضمان نجاح الثورة ومن ثم تقرر أن تخرج النساء والأطفال والشيوخ من أجل الضغط على المجلس العسكري لمنعه من الرضوخ للأصوات التي تحاول القفز فوق الإرادة الشعبية ومن أجل التأكيد على مطالب الثورة.
وعلى رأس القوى الأساسية التي دعت لمليونية يوم الجمعة ائتلاف القوى الاسلامية الذي دعا جماهير الشعب للخروج في مظاهرة مليونية تحت مسمى ''مليونية إرادة الشعب'' للمطالبة بتحقيق مطالب الثورة بسرعة محاكمة قتلة الثوار، ورموز الفساد، وللمطالبة بألا يلتفت المجلس العسكري لما يسمى وثيقة مبادئ حاكمة للدستور.
ويتكون ائتلاف القوى الإسلامية من جماعة الإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية، والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، والدعوة السلفية، وجبهة الإرادة الشعبية.
وقد أكد حزب النور السلفي أن هناك تأكيد كامل على الالتزام التام بسلمية المظاهرة، وعدم الالتفات إلى أي نوعٍ من الاستفزاز يهدف إلى صرف المظاهرة عن طبيعتها السلمية.
وأعرب الشيخ ياسر برهامي، أحد قيادات الدعوة السلفية عن ضرورة عدم السماح بوقوع أي معركة داخل ميدان التحرير، وشدد على أن جميع التيارات الإسلامية التي اتفقت على المشاركة في هذا اليوم حريصة على تحهيز فرق لتأمين جميع مداخل ومخارج الميدان.
وكان لجبهة الإرادة الشعبية، الممثلة لعدد من التيارات الإسلامية والتيارات السلفية وشباب الإخوان وشباب ائتلاف الثورة، دور كبير في الإعداد لهذا الحشد حيث أعلنت أنه تم الاتفاق على أن تكون جمعة 29 يوليو لوحدة الصف والإرادة الشعبية.
وقالت الجبهة إنها تسعى لإعادة المشهد الرائع الذي كانوا فيه خلال 18 يومًا، معبرين عن أفضل ما في الشخصية المصرية من رقي في الممارسات والأخلاقيات.
لقد كان من الواضح بعد مليونية الأمس التي تخطت في حشدها بميدان التحرير وحده عدة ملايين أن القوى الإسلامية قادرة على التنظيم والإعداد وممارسة إحدى صور الديمقراطية بأسلوب حضاري سلمي معبر عن ضمير هذا الشعب، وهو ما شهدت به كل الأصوات المحايدة والموضوعية.
أحداث يوم المليونية:
تدفق الملايين من ربوع مصر أمس الجمعة على ميدان التحرير ـ الذي أصبح رمزا للثورة المصرية التي أطاحت بنظام حسني مبارك الذي استمر ما يقرب من 30 عاماـ وجاء ذلك تلبية لدعوة التيار الإسلامي الذي سعى للتأكيد على ضرورة احترام "الإرادة الشعبية ووحدة الصف" كما أطلق على هذه المليونية. وقد شارك في المظاهرة أكثرمن 15 حزبا وحركة سياسية من بينها, الاخوان المسلمين, وحزب الحرية والعدالة, وحزب الإصلاح, وحزب النور, والتيار السلفى, والجماعة الإسلامية, واللجنة الشرعية للدفاع عن الحقوق والإصلاح, وائتلاف شباب الثورة, والجبهة القومية للعدالة الديمقراطية, وحركة المصرى الحر, وحركة مشاركة, وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي, وحركة بداية , وحزب العمال الديمقراطى, الاشتراكيون الثوريون, وحزب الوعي, ورابطة الشباب التقدمي, وتحالف حركات توعية مصر, وحركة صحوة , وائتلاف ثورة اللوتس, واللجان الشعبية للدفاع عن الثورة وحزب المصرى الديمقراطى. وشهد الميدان حضور طاغ للتيار الإسلامي الذي أثبت تأثيره بقوة على الساحة؛ فقد شهد ميدان التحرير منذ الصباح الباكر توافد المشاركين, ونصبت في الميدان 3 منصات للاسلاميين من سلفيين واخوان وايضا حزب العدالة والحرية المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين، ورفع الاسلاميون لافتات تؤكد رفضهم للمبادئ فوق الدستورية، كما رفعوا لافتات تطالب بتطبيق الشريعة الاسلامية مثل" احكمونا بالشريعة الاسلامية- اذا لم تكن مصر اسلامية فماذا تكون- احكمونا بالقرآن" بالاضافة لشعار "الشعب والجيش ايد واحدة" ، وطافت مسيرات الميدان تردد "الشعب يريد مصر اسلامية".
واجمعت الأحزاب والحركات السياسية المشاركة فى جمعة "الإرادة الشعبية وتوحيد الصف"على خمسة مطالب رئيسية, وهي القصاص للشهداء وتقديم قتلتهم للمحاكمة, وفتح ملف القناصة, وعمل إجراءات مناسبة لتسريع الحكم فى قضايا قتل الشهداء وحماية أسر الشهداء مما أسموه ب" ابتزاز" ضباط الشرطة المتهمين, بالإضافة الى سرعة محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك وأعضاء نظامه وتفعيل قانون الغدر وتطهير المؤسسات المختلفة ممن أفسدوا حياة المصريين.
كما طالب المشاركون فى جمعة (الإرادة الشعبية وتوحيد الصف) بإيقاف المحاكمات العسكرية بحق المدنيين, والغاء كافة الأحكام الصادرة عنها وإعادة محاكمة المحكوم عليهم مرة أخرى أمام المحاكم المدنية, بالإضافة الى تحديد جدول زمنى واضح لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بما يضمن تسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة.
ودعوا المجلس الأعلى للقوات المسلحة الى التشاور مع مختلف القوى السياسية قبل سن القوانين وإصدار التشريعات, مثل قانون انتخابات مجلسي الشعب والشورى, وقانون تجريم الاعتصامات, وكذلك إنفراده بوضع المبادىء فوق الدستورية .
وقالت تقارير صحافية مصرية إن أعداد المصريين المحتشدين في ميدان التحرير وسط القاهرة في جمعة الإرادة الشعبية ووحدة الصف، بلغت أكثر من ستة ملايين متظاهر، غالبيتهم من الإسلاميين الذين دعوا إلى هذه المليونية.
من جانبه، أكد الدكتور صفوت حجازى الداعية الإسلامي وعضو مجلس أمناء الثورة أن سبب خروج التيارات الإسلامية فى مظاهرات ميدان التحرير الجمعة، هو تصدر النخبة الليبرالية لبرامج التوك شو والصحافة، والذى أدى لشعور الإسلاميين بأنه لا وجود لهم فى الشارع، ولذلك أرادوا أن يبعثوا رسالة من ميدان التحرير لأنهم لم يجدوا مكاناً فى وسائل الإعلام، التى من حق الجميع أن يعبر بها عن رأيه، ومفتوحة فقط للقوى الليبرالية والتيارات الأخرى.
وأضاف حجازى أن الجميع توافق على جمعة وحدة الصف والإرادة الشعبية لكل من أراد أن يتوحد، إلا أن بعض القوى السياسية مثل الجمعية الوطنية للتغيير وحركة كفاية، رفضت المشاركة فى هذه الجمعة، ولم يخرجهم أحد من وحدة الصف بل هم من أخرجوا أنفسهم.
وأشار حجازى إلى أن الطابع الإسلامى المسيطر على اللافتات والهتافات فى ميدان التحرير بسبب طبيعة المتواجدين فيه، وفرضهم للهوية الإسلامية، مضيفاً أن هتاف "مصريين مصريين.. كلنا هنا مصريين" كان الهتاف السائد فى الميدان، مشيراً إلى أن الأحزاب والقوى السياسية التى خرجت من وحدة الصف لم يجبرها أحد على المشاركة.
وقد وجه الشيخ يوسف القرضاوى 10 رسائل لكل من الشعب والحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والثوار نقلها نيابة عن الشيخ عصام تليمة عبر المنصة الرئيسية للإخوان المسلمين، وطالب القرضاوى فى مقدمة رسالته المجلس العسكرى بتحقيق الأهداف الأساسية التى طالبت بها جموع الشعب المصرى وفق جدول زمنى محدد، وألا يحيد عنها تحت أى ضغوط، ويظل منحازا وراعيا لها، وعلى رأسها صرف مستحقات أسر الشهداء وتكريمهم والإسراع فى محاكمة القتلة وملاحقة الفاسدين والعلاج الكامل على نفقة الدولة لمصابى الثورة.
ووجه القرضاوى رسالته الأولى إلى قوى الثورة التى طالبها بالتوحد والوقوف معا فى صف واحد كالبنيان المرصوص، بحيث لا يسمحون لـ"الوساوس" على حد وصفه، للتفرقة بينهم، والثانية لشباب الثورة التى طالبهم خلالها بالحفاظ على روح ميدان التحرير، وألا يسمحوا لأحد بتشويه صورتها، والرسالة الثالثة طالب فيها الحكومة بالاستجابة لإرادة الشعب، وأن تكون معبرة عن آمالها لتحقيق أهداف الثورة.
وفى الرسالة الرابعة طالب القرضاوى الشعب المصرى بأن يؤدى كل منهم دوره على أكمل وجه لبناء مصر التقدم والحضارة، كما طالب القرضاوى فى رسالته الخامسة التى وجهها للقوى السياسية باستحضار المصلحة الوطنية قبل أى مصالح فئوية، للوقوف معا لتحقيق أهداف الثورة، أما الرسالة السادسة فوجهها القرضاوى للأزهر الشريف الذى ذكره بدوره فى دعم الثورات على غرار المؤسسات الدينية ووقوفها مع الثورات العربية، مؤكدا أهمية إتباعه منهج الوسطية.
ووجه القرضاوى رسائل متعددة، حيث طالب الجميع بالبعد عن التخوين أو التكفير أو الإقصاء قائلا: "الدين والوطن ليس حكرا على فصيل معين، كما طالب باستقلال الإرادة المصرية عن أى ضغوط أو إملاءات خارجية".
وأخيرا هنأ القرضاوى المصريين بشهر رمضان، حيث حسن الصيام وفعل الخيرات والتوحد قائلا لا مجال للفرقة أو التشذرم فأهدافنا واحدة.
أما الشيخ أحمد المحلاوى خطيب مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، فقد طالب المواطنين بالتوحد، والترابط بين جميع القوى السياسية والأحزاب حتى لا يستطيع أحد مهما كان أن يتوسطهم، ويحدث فرقة وشغبا وفوضى بينهم.
كما دعا أن تكون الثورة فى جميع الميادين وليس فى ميدان واحد، لافتاً إلى ضرورة أن تكون التظاهرة سلمية مهما حدث، متمنياً أن تصل الطلبات إلى المجلس العسكرى، وأن يعمل على تنفيذها فى أسرع وقت.
وطالب المحلاوى بأن تخلى وزارة الأوقاف يدها عن مسجد النور فى القاهرة، وتسلمه إلى بانيه، والذى خلعوه من عليه، لأن سفيرة أمريكا لا ترضاه.
من جهته, أكد خطيب جمعة التحرير الشيخ مظهر شاهين على هوية مصر الإسلامية ووصف المادة الثانية من الدستور بأنها كجبل المقطم, وأكد أن الميدان كان وسيظل ملكا لجميع المصريين, مشيرا الى أنه ليس من حق فصيل أن يطالب بإقصاء فصيل آخر أو أن يزايد على وطنيته فالجميع مصريون تحت سماء هذا الوطن.
وشدد الشيخ شاهين على ثقة الشعب المصرى فى قواته المسلحة التى تحمى الوطن طوال الدهر وكانت أحد الأسباب الرئيسية فى نجاح ثورة 25 يناير من خلال حمايتها لها وانحيازها الى الشعب والشرعية, محذرا من محاولات الوقيعة بين الشعب والجيش, مطالبا فى الوقت نفسه المجلس العكسرى بتحديد جدول زمنى لتسليم السلطة الى سلطة مدنية.
وأكد الشيخ مظهر شاهين على أن هذه الجمعة تعد خطوة أصيلة وفعالة فى إذابة الفوارق بين مختلف القوى والحركات والأحزاب السياسية فى مصر, موضحا أن هذه الوحدة تعد الخطوة الأولى الى تحرير بيت المقدس.
وأشار إلى ضرورة الاسراع فى محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك وكافة رموز نظامه البائد, وكذلك تطهير جميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الصحفية من فلول النظام السابق التى مازالت تحاول إجهاض ثورة مصر العظيمة.
وناشد الشيخ شاهين وسائل الإعلام المختلفة بالكف عن إثارة الإشاعات المغرضة التى تهدف الى الوقيعة بين أبناء الوطن الواحد, مؤكدا أن تواجد المصريين اليوم بمختلف تياراتهم وطوائفهم وقواهم السياسية على هذا النحو الرائع والمتسامح هو الرد الحقيقى على كل تلك الإشاعات التى تهدف الى دس نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
ودعا الشيخ شاهين جميع طوائف الشعب المصرى الى العمل على استقرار البلاد خلال الأيام المقبلة والتوجه الى الله عز وجل بالدعاء فى شهر رمضان المعظم لكى يكمل على مصر فرحتها بالثورة من خلال تحقيق كافة مطالبها.
ومن أعلى منصة نصبها السلفيون داخل ميدان التحرير دعا الداعية السلفى المعروف حازم شومان إلى تحكيم الشريعة الإسلامية على أرض مصر.
واعتبر "شومان"، خلال كلمته، أن كل الموجودين فى ميدان التحرير خلال هذه الساعات جنودٌ فى جيش الإسلام، وقال "هؤلاء يجاهدون فى سبيل الله حتى تتحقق مطالب الثورة"، مطالباً بإلغاء وثيقة المبادئ فوق الدستورية وتخليص مصر ممن سماهم مخربين وبلطجية ومأجورين.
وقد ظهر الداعية السلفى المعروف الشيخ أبو إسحاق الحوينى فوق سطح بناية مطلة على شارع طلعت حرب لتحية السلفيين الذين توافدوا بكثافة على ميدان التحرير.
وبمجرد ظهور الشيخ الحوينى ارتفعت حدة الهتافات الرافضة لـ "علمنة الدولة المصرية"، وردد السلفيون هتافات "ارفع راسك فوق أنت مسلم"، وأكد السلفيون على أنهم نزلوا اليوم من أجل مطلب رئيسى وهو أن تتحول مصر إلى دولة إسلامية تحكمها الشريعة، ويحصل فيها غير المسلمين على حقوقهم وفق الكتاب والسنة.
أما القيادي الإخواني الدكتور عصام العريان فقال: ان هذة المليونية لها اكثر من سبب واهمها هى توجية رسالة لمن اراد التفرقة والوقيعة بين الجيش والشعب مشيرا الى ان الشعار الاساسي لهذه المليونية هو "الجيش والشعب يد واحدة" مضيفا انه غير مقبول على الاطلاق المطالبة باسقاط المجلس الاعلى فهو العمود الفقري لمصر .
وقال عصام انه يوجد رسالة اخرى للمجلس الاعلى مفادها تنفيذ وعده باجراء الانتخابات البرلمانية فى الموعد المحدد لها وتسليم السلطة الى السلطة المدنية .
وقد أكدت التيارات الإسلامية في نهاية اليوم الرسالة المستهدفة قد تحققت ألا وهى أنه لا يمكن إقصاء قوى لصالح الأخرى والجيش خط أحمر، لأنه حمى الثورة وهو الدرع الحامى للبلاد.
كما أكدت الصحف الصادرة اليوم أن الإسلاميين سيطروا أمس على ميدان التحرير، كما سيطروا في مدن اخرى خصوصا الاسكندرية، وقالت صحيفة الحياة: كان أمس يوم الإسلاميين بامتياز، إذ أحكموا سيطرتهم على الميدان، وتبدل حال الميدان أمس فاستبدلت الشعارات والهتافات التي كانت تحمل انتقادات للمجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد منذ تنحي الرئيس حسني مبارك في 11 شباط (فبراير) الماضي بهتافات وشعارات تؤكد احترام المجلس واختياراته وبدلاً من المطالبة بإقالة رئيس الوزراء عصام شرف كان استمراره في منصبه مطلباً رئيسياً أمس.
وأشارت إلى رفع شعارات «الدولة الإسلامية» والمصاحف واللافتات التي تؤكد رفض المبادئ فوق الدستورية «فلا شيء فوق الدستور إلا كتاب الله». وظلت منصات الميدان على مدار اليوم تردد شعارات: «إسلامية إسلامية... مصر حتفضل إسلامية» و»لا للاشاعات المغرضة نحو التيار الإسلامي... لا للمبادىء الحاكمة فوق الدستورية» و»شرع الله سبب الحياة» و»الشعب يريد تطبيق الشريعة».
كذلك سلطت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" الامريكيتان اليوم السبت الضوء على مظاهرة الجمعة المليونية التي شهدها ميدان التحرير أمس ووصفت الصحيفتان مظاهرة أمس بأنها أكبر مظاهرة يشهدها الميدان منذ رحيل الرئيس السابق حسني مبارك.
ومن جانبها، قالت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير بثته على موقعها الالكتروني بشبكة الانترنت إن مظاهرة الاسلاميين التي اعتبرتها الاكبر من نوعها منذ رحيل مبارك تعد بمثابة أحد الاختيارات التي تم وضعها امام المصريين للاختيار بين ما ستخلص اليه الحالات العديدة التي تشهدها البلاد ما بين سيطرة العلمانيين او الاسلاميين او الليبراليين.
وقالت إن جمعة الوحدة اظهرت القدرة التنظيمية الكبيرة للاسلاميين التي من شأنها أن تساعد وتساهم بشكل كبير في تحديد نتائج الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في شهر نوفمبر القادم.
ولفتت الى أن الاحزاب الاسلامية -التي طالما طالبت بتطبيق الشريعة الاسلامية- قد قاطعت المظاهرات الاخيرة التي شهدتها مصر إلا ان قادة الاسلاميين قرروا النزول هذه المرة بعد أن رأوا محاولة المجلس العسكري وبعض السياسيين الليبراليين اجراء تعديلات دستورية لجعل مصر دولة علمانية في سرية وهدوء.
ما بعد المليونية:
هل صح قول من الحاكي فتقبله أم كل ذاك اباطيل وأسمار
أما العقول فآلت أنه كذب ، والعقل غرس له بالصدق إثمارُ
بيتان من الشعر يقفزان للوهلة الاولى الي رأس اى قارئ يتابع ما نشرته الصحف العلمانية عن مليونية الشريعة بميدان التحرير في قلب مدينة القاهرة ، وفي سائر مدن واقاليم مصر والتي جرت امس الجمعة 29/7 .
فالصحف العلمانية لم تثبت فقط انها خالفت كل الشروط المهنية للصحافة ، بل وخالفت كل بديهيات العقل السليم الصحيح ، في متابعتها لاحداث مليونية الشريعة ، وذلك في محاولة يائسة لنقل صورة مغلوطة عن المليونية ، مرة بتصويرها انها فتنة سياسية ، ومرة بتصوير اصحابها بانهم قلة ، حيث يلحظ القارئ ذلك بوضوح في الجريدة الواحة ، بل احيانا في الموضوع الواحد .
فنجد ان تلك الصحف تصف شعار المليونية " اسلامية .. اسلامية " هو السبب في تفريق شمل المصريين ، دون ان تذكر لنا صحيفة واحدة سببا واحدا يجعل هذا الشعار سببا في تفريق المصريين ، ودون ذكر لنسبة الرافضين لهذا الشعار ، ممن شاركوا في مليونية الامس ، بل اننا نجد ان بعض هذة الصحف تذكر ان نسبة من اعترضوا على الشعار لا تتجاوز نسبة 5% ، فهل اعتراض 5% على شعار ما يعني انشقاق الصف وتفريق الشمل ؟!
وتحاول بعض الصحف الاخرى التلبيس على القارئ ، فتقول ان 33 تياراً وائتلافاً سياسيا انسحبوا من المليونية اعتراضا على الشعار ، دون ذكر للنسبة التي يمثلها مجموع تلك التيارات بالنسبة للمجموع المشاركين في المليونية .
بعض الصحف العلمانية لجأت الى اسلوب اخر لمهاجمة المليونية ، ولكن دون تصريح مباشر ، فسترت الهجوم خلف النقل عن الصحف العربية والعالمية ، حيث تصيدت تلك الصحف ، الموضوعات التي تهاجم المليونية ، واعتبرتها هي الرأي العام العربي والعالمي تجاه المليونية .
بل ان احدى الصحف نقلت عنوان مقال للكاتب والباحث المتأمرك مأمون فندي ، صاحب الاجندة المشبوهة ، واعتبرت ان مقاله تعبير عن الرأي العام العربي تجاه مليونية الشريعة ، وبعضها نقل عن صحف يعرف عنها انه تمول من اجهزة استخبارات اجنبية ، واخرى تمولها اقليات دينية في بعض البلدان العربية ، كل هذا لكي تعطي القارئ انطباعا مضللا عن مليونية أمس .
حتى مقالات الرأي فقد استكبت تلك الصحف كتبا علمانيين ، معروف عنهم عدائهم الشديد للاسلام ، وذلك لاكمال حالة الجنون الصحفي التي اعترت تلك الصحف .
اكثر العناوين استفزازا : -
"التحرير يتألم " - الاهرام المسائي
دون ان تذكر لنا الصحيفة ما هي المقاييس التي يقاس بها فرح وحزن ميدان التحرير حتى نستطيع انعرف هل كان التحرير حزينا ام سعيدا ، وهل الصحيفة صادقة أم ......؟؟!!
" جمعة تفريق الشمل " – المصري اليوم
دون ان تذكرا الصحيفة سببا واحد يجعل شعارات المليونية سببا في تفريق شمل المصريين ، او تذكر لنا من الذين تفرقوا وما هو وزنهم في الشارع السياسي المصري .
مليونية 29 يوليو.. مكاسب وأهداف
لم تكن مليونية الجمعة 29 يوليو، استعراضًا للقوة كما حلا لمراقبين كثّر وصفها، بقدر ما كانت تأكيدًا ودلالة على تلك الروح الإسلامية الممتدة في ربوع مصر من أقصاها إلى أقصاها، والتي يستمد منها الشعب المصري نبضه ووعيه، وعكست الأرضية الواسعة التي يحظى بها الإسلاميون في داخل الشارع المصري، وأنهم وكما نجحوا في قيادة المصريين إلى تمرير التعديلات الدستورية برهنوا على نجاح مماثل في حشد الشارع للخروج في أكبر مليونية تشهدها مصر منذ الإطاحة بالنظام السابق، وأكدوا بما لا يدع مجالاً للشك أنهم يملكون الشارع بينما "الحنجوريين" الذين أرادوا فرض رؤيتهم وتوجهاتهم محاولين الالتفاف على الإرادة الشعبية لا يملكون إلا "الصوت العالي"، والهيمنة على وسائل الإعلام، محاولين دفع البلاد إلى منحى آخر غير الذي صوت عليه المصريون في استفتاء مارس والقفز على استحقاقات المرحلة الانتقالية، تارة عبر الدعوة إلى "الدستور أولاً" وأخرى عبر وضع ما تسمى بوثيقة "مبادئ حاكمة للدستور الجديد".
ولم يكن انسحاب تلك القوى من ميدان "التحرير" متذرعة بخروج الإسلاميين على "الاتفاق" بعدم استخدام شعارات دينية برأي الكثيرين إلا محاولة لتبرير "هزيمتهم" بالضربة الشعبية القاضية بالميدان، وإدراكهم أنهم لا وزن لهم في حقيقة الأمر، فقد حاولوا في بادئ الأمر التظاهر بوجود اتفاق مع الإسلاميين على أهداف مليونية "الإرادة الشعبية"، أو "جمعة وحدة الصف" وأنهم سيشاركون تحت قائمة من الأهداف المعلنة، والتي تمثل قواسم مشتركة بين مختلف القوى السياسية، وعلى رأسها الإسراع بمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ورموز نظامه، لكنهم سرعان ما تراجعوا عن المشاركة وأعلنوا انسحابهم، بعد أن شعروا بضآلة حجمهم جماهيريًا، وانعدام وزنهم شعبيًا، تحت ذريعة رفع شعارات إسلامية، خروجًا – كما يقولون- على الاتفاق المسبق من توحيد شعارات المليونية.
وهذا ما يؤكده الكاتب الإسلامي جمال سلطان في مقاله بجريدة "المصريون" السبت، إذ يرى أن "جوهر سبب الانسحاب هو وضوح هامشية تلك القوى ومحدودية تواجدها وسط هذا الطوفان البشري الذي لم تر العين مثيله منذ جمعة الرحيل"، وقال إن هذه المليونية "أفزعت قطاعات عديدة من اليساريين والليبراليين، لأن الحشد كان مذهلا والملايين التي تسد عين الشمس أحرجت الجميع، من تاجروا بالميدان، ومن تاجروا بالفضائيات، ومن العيب أن يحاول بعضهم تفسير فزعه بأنها رفعت شعارات إسلامية بدعوى أنها غير توافقية وعليها خلاف، وهذا كلام خطير للغاية، فهل هوية مصر العربية الإسلامية أصبحت محل خلاف بين المصريين، وهل احترام مرجعية الشريعة الإسلامية أصبحت محل خلاف بين المصريين ، إن مثل هذا الكلام يعطي مشروعية كاملة لمخاوف الإسلاميين وإصرارهم على التأكيد على هذه المطالب".
وأعرب عن تقديره بأن هذه المليونية ـ برغم روحها الإسلامية وربما بسبب تلك الروح التي هيمنت عليها ـ ستكون إيجابية للغاية في تجديد روح الثورة المصرية، وإعادة التوازن والاعتدال إلى قواها السياسية المختلفة، وتقليل نزق بعض الشباب وتطرفهم، لأنها كافية وزيادة لإقناع الجميع بأن مصر أكبر من أي فصيل له صخب في بعض الأوقات أو نفوذ في بعض الفضائيات، وأن صمت بعض القوى الوطنية والشعبية لا يعني أنها غير حاضرة، وأنه ينبغي احترام صمتها أكثر من احترام غضبها"، وأن هذا "هو الذي سيدفع كل تيارات الثورة المصرية إلى إعادة النظر في "شطط" الانفراد بحراك الثورة وقراراتها، ويلزم الجميع بالعودة إلى الائتلاف والتنسيق وجماعية القرار الثوري".
يضاف إلى جملة المكاسب في "مليونية الإرادة الشعبية"، مكاسب أخرى كثيرة، لكن أبرزها على الإطلاق هو أن ملايين الشعب التي انتفضت ملبية الدعوة للانتصار لإرادته واحترام خياراته سيكون جاهزًا للرد بقوة للتصدي لأي محاولة للانقضاض على مكتسبات الثورة ونتائجها والالتفاف على نتائج التعديلات الدستورية تحت ذرائع وحجج يبدو القصد منها واضحًا والغاية منها معلومة؛ فمزاج الشارع المصري يبدو أقرب ميلاً إلى الإسلاميين، بعد سنوات عانى فيها الشعب من مصادرة رأيه وتجاهل خياراته بدعوى أنه لم يبلغ سن الرشد سياسيًا، ولم يسمح النظام البائد للإسلاميين أن يعلنوا عن أنفسهم بحرية كما كانت تفعل التيارات الأخرى.
فتلك الحشود الضخمة في مليونية الجمعة 29 يوليو، سواء التي زحفت إلى ميدان التحرير وفي ميادين المحافظات الأخرى صاغ حضورها القوي رسالة واضحة قوية الدلالة بليغة المعنى، ستجعل أولئك الذين يثيرون الضجيج يتوقفون كثيرًا أمام ذلك المشهد، لإعادة النظر في حساباتهم ومواقفهم، لكن هذا يتوقف على القراءة الصحيحة للرسالة، وعدم التمادي في الغي والعناد والمكابرة وسياسة "الصوت العالي"، لأن هذا لن يكون مجديًا بالنسبة لهم، بل العكس سيضاعف من مأزقهم وسيجعلهم أكثر عزلة عن محيطهم الشعبي، خاصة بعد أن عمدوا إلى استفزاز المجلس العسكري خلال الفترة السابقة محاولين جره إلى مواجهة، من أجل إعادة الوضع إلى المربع صفر.
التأكيد على الهوية الإسلامية في مصر، كان واضحًا وبقوة في الشعارات التي رفعها الإسلاميون خلال المليونية، والتي أثارت غيظ أولئك الساعين لفصل مصر عن هويتها، محاولين التستر وراء شعارات من قبيل "الدولة المدنية"، فالملايين التي هتفت بصوت عال مدو: "إسلامية.. إسلامية" ردت على أولئك الذين حاولوا عزل مصر "الدولة" عن مصر "الشعب"، فأي دولة تقوم على احترام رغبة شعبها، والانصياع لإرادته تكتب لنفسها شهادة النجاح وتضمن لنفسها البقاء، بعكس الدولة التي تتجاهل تطلعات الجماهير، وأهدافهم المشروعة في قيام نظام يعبر عن هويتهم، وهو أحد أسباب القوية التي أسهت في تأجيج كراهية المصريين للنظام السابق.
وهذه إحدى أهم الرسائل التي وجهتها وجهت مليونية الجمعة 29 يوليو، فالكاتب والمحامي الإسلامي ممدوح إسماعيل يرى إنها وجهت رسائل إلى العلمانيين والشيوعيين والليبراليين وكل المناوئين للمشروع الإسلامي أن المسلمين في مصر لن يتنازلوا عن هويتهم ومرجعيتهم الإسلامية مهما كان الثمن.
والرسالة الثانية للسلطة في مصر حتمية الحساب الدقيق للقوى الإسلامية في أي قرار أو منظومة سياسية أو قانونية يتم تفعيلها وإلا فالرد سيكون غاضبًا، الرسالة الثالثة إلى القوى الغربية المراقبة للمليونية أن المسلمين والسلفيين خاصة في أعلى مظاهر الحضارة والرقى فلم تقع حادثة واحدة من خمس مليون وبدون أي عسكري أمن استطاعوا تنظيم صفوفهم حضورًا وانصرافًا وبين كلمات وخطب وهتافات لم يحدث أي احتكاك ولا أي مشكلة في بانوراما رائعة.
فالذين يتجاهلون هوية مصر الإسلامية ويتطلعون لاستمرار الوضع كما كان عليه قبل ثورة يناير عميت أبصارهم عن قراءة المشهد بشكل صحيح، ويتغافلون عن حقيقة أن ما كان يتم فرضه بالأمس بعصا القهر والديكتاتورية التي كان يستخدمها النظام السابق يصعب إن لم يكن من المستحيل تكراره، بعد أن خرج المارد من قمقمه، وأصبح التغاضي عنه كمن ينكر حقيقة وجود الشمس في السماء، ويصطدم بالغالبية الساحقة من المصريين.
وهو ما يؤكده الدكتور صفوت حجازي، الداعية الإسلامي المعروف وأحد قادة ثورة 25 يناير بلغة أخرى، قائلاً: "هناك دين وهوية وإرادة لهذا الشعب والدين مكون أساسي من مكونات هذا الشعب، ومن يريد أن يتجاهله فلن يكن له مكان بين الشعب، (....) جئنا هنا لنوجه رسالة للجميع نحن مصر دولة مسلمة لن يغير أحد ديننا جئنا لنقول نرفض: "الدستور أولاً" من حقنا أن ننادي بالانتخابات أولا ولا شيء اسمه مبادئ فوق دستورية".
وإلى هذا أشار أيضًا الكاتب فراج إسماعيل، قائلاً: "أحسب أن الملايين التي احتشدت في ميدان التحرير وأعلنت تمسكها بالهوية وبالتعديلات الدستورية وبخارطة انتقال السلطة التي صوت لها الشعب بالأغلبية في 19 مارس، كافية جدا لتؤكد من هو الشعب، ومن هي الأقلية الطفيلية التي لا تتجاوز آلافا ومع ذلك تريد فرض وصايتها وفكرها على شعب قال أمس بحزم وحسم إن مصر دولة مسلمة.
ويحسب لتلك الملايين عدم سقوطها في فخ أراده العلمانيون لإفقاد مليونيتهم بريقها وقوتها بتسميتها "جمعة لم الشمل والإرادة الشعبية"، فمن الذي فرق الشمل حتى يتم خداع من خرج أمس متمسكًا بالديمقراطية الحقيقية التي تعني احترام الأقلية لإرادة الأغلبية وعدم الالتفاف عليها؟!
تصحيح مسار الأحداث الأخيرة، كان أحد الأهداف التي سعت إليها مليونية "الإرادة الشعبية"، كما يؤكد الشيخ أحمد المحلاوي، الداعية الإسلامي الشهير، وأحد أقطاب التيارات الإسلامية بعد أحداث العباسية بالقاهرة، وتحقيق الاتفاق علي مبادئ تحقق الاستقرار للمجتمع، مبديًا رفضه للمبادئ فوق الدستورية، لما فيها من عدم التزام بنتائج الاستفتاء على الإعلان الدستوري.
المحلاوي شدد في خطبة الجمعة التي ألقاها بمسجد "القائد إبراهيم" بالإسكندرية على أهمية تحقيق التوافق في هذه المرحلة، قائلاً إن الاختلافات السياسية التي لا تزال قائمة يجب التوصل إلي حلول لها من خلال العقل عبر النقاش والحوار الوطني بين مختلف الأطياف والقوي السياسية.
فالحديث عن "التوافق" حتى تتجاوز مصر المرحلة الانتقالية والتغلب على مصاعبها يمثل بنظر الكثيرين ومن بينهم الكاتب الإسلامي فهمي هويدي ضرورة ملحة، عبر تجاوز حالة الاستقطاب التي تشهدها مصر وتصاعدت بوضوح فيما قبل وبعد التصويت على التعديلات الدستورية في 19 مارس.
فقد أعاد الحشد الكبير الذي اجتمع بميدان التحرير – برأي هويدي- إلى الأذهان فكرة "التوافق" التي كادت تتراجع، منذ برز في الأفق مشهد التراشق والتنابذ، وذلك تطور مهم للغاية، ينبغي أن يسعى الجميع للحفاظ عليه، ببساطة لأنه يحقق مصلحة أكيدة للجميع، ذلك أن تجارب كثيرة علمتنا أن مصر التي ننشدها أكبر من أي فصيل بذاته، مهما بلغت قوته، أعنى بذلك مصر الديمقراطية المستقلة التي يديرها أهلها ولا تخضع لوصاية أي أحد في داخل البلد وخارجه".
وفي حين يشدد على أهمية التوافق بين الفرقاء السياسيين خلال هذه المرحلة، يقول هويدي: "أحسب أن هذا المعنى كان واضحا في رسالة الذين أرادوها مليونية الإرادة الشعبية والوحدة الوطنية، وهو عنوان عريض تطل منه بادرة التوافق الذي اهتزت صورته في الساحة المصرية".
لكنه يؤكد أن "التوافق كما أفهمه لا يعنى الاتفاق في كل شيء. ولكنه يعنى إدارة الاختلاف بوعي ورشد. بما لا يطمس خصوصية أي طرف، ولا يطالبه بالتنازل عن مبادئه أو شعاراته. وإنما يهتدي بأمرين هما: المصلحة الوطنية العليا، والتفرقة بين نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف، وتقديم الأولى على الثانية في الوقت الراهن".
ساحة النقاش