عندما خرج الدكتور عصام شرف ليلة السبت ٩/٧/١١٠٢ للحديث إلي الشعب عقب جمعة "الثورة أولاً" في ٨/٧/١١٠٢ م كنت في استديو برنامج "مال مصر" في حلقته الأولي مع الأخ المهندس أشرف بدر الدين نتحدث عن رؤية حزب الحرية والعدالة للاقتصاد المصري بعد الثورة.
قطع الأستاذ : حازم شريف الحديث وراقبنا كلمة رئيس الوزراء وطلب مني تعقيباً سريعاً علي وعود د. شرف. قلت ببديهة سريعة: نحن نريد أن يتحدث إلينا أحد أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وحديث د. شرف مهما كان ملبياً لبعض طلبات الشعب لن يشفي الغليل.
وتساءلت لماذا لم يخرج عضو من المجلس العسكري ليقول بوضوح " ومازلنا عند وعدنا بتلبية مطالب الشعب وحماية إرادته وأننا نرفض الضغوط الخارجية والداخلية التي تريد تعويق مسيرة الثورة وتهدد البلاد بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا تمت محاكمة العهد السابق بعدالة " .
السبب أن الأصيل هو المطالب وليس الوكيل، فمهما كان دور د. عصام شرف فلن يتعدي حدوده، وقد فرض عليه أكثر من نصف الوزراء من العهد السابق، وهم شركاء متشاكسون.
وليس له أن يعد بشئ لا يستطيع الوفاء به، وإذا كان المجلس العسكري وهو رأس المؤسسة العسكرية الوطنية يجد صعوبات في الوفاء بما تعهد به، فكيف يستطيع د. شرف أن يحقق آمال الشعب وهو لا يملك كافة السلطات ولا الصلاحيات ؟!
إن رسالة يوم 8 يوليو كانت موجهة إلي المسئولين عن إدارة البلاد، المجلس العسكري والوزارة جميعها ووزارة الداخلية بالذات والقضاء المصري الذي هو محل ثقة الشعب.
أهمية رسالة 8 يوليو أنها جاءت من كل القوي السياسية والوطنية في اتفاق طال انتظاره لمدة شهور بعد أن حاول البعض الالتفاف علي إرادة الشعب الواضحة في استفتاء 19 مارس ولا يزالون يصرون علي تحدي الإرادة الشعبية ومحاولة شق الصف الوطني من جديد حتي وصل الأمر ببعضهم إلي الإعلان أننا سنعلن عن موقف منفرد في منتصف الليل بعد انتهاء المليونية وأننا سنعتصم من أجل مطالبنا القديمة وليس المطالب التي أصر عليها الملايين ويتناقلون إشاعات عن إجراءات وتمنيات سرعان ما يكتشف الجميع زيفها وعدم صدقها.
ووصل الأمر ببعضهم إلي استمرار الإنسياق وراء كذب إعلامي مقصود ولم يتبينوا صدق ما نسب إلي رئيس حزب الحرية والعدالة وكذب بعضهم عندما قال إنه اتصل برئيس الحزب وأكدّ له الأكاذيب المنشورة، بينما قدّم بلاغاً ضد الصحيفة الكاذبة التي تدلس علي الرأي العام وتصر علي ممارسة غير مهنية مما سيؤدي بها إلي أن تتحول من صحيفة رصينة إلي صحيفة فضائحية إذا لم تصحح طريقة أدائها وتراجع نفسها وتحرر إرادة الصحفيين من سطوة رأس المال وطموحات المالكين وتفصل بين الخبر الذي هو حق القارئ وبين الرأي الذي هو حق الكاتب.
كان يوم 8 يوليو مشهوداً بحق، وكنت في ميدان التحرير أصلي الجمعة مع ابني، والتقيت في الميدان بحشود قدمت من كل المحافظات، وعادت إلي الميدان روح يناير وفبراير من جديد، ويصر البعض علي قتل هذه الروح من جديد بإثارة القضايا الخلافية ورفع مطالب لم يتم الاتفاق عليها.
الجديد الذي وصل إلي عين وأذن وأنف المجلس العسكري أن مصر كلها كانت في الميادين، وأن الشعب هو الذي يريد ، وأن القوي الوطنية لم تنقسم علي المطالب الرئيسية وأن المطلوب هو رد الرسالة، أين الجواب ؟
السادة أعضاء المجلس العسكري: نعلم أنكم لستم ثوراً، وأنكم تربيتم علي الانضباط العسكري والالتزام الوظيفي واحترام الأقدميات. نعلم أنكم أكثر منا علماً بخفايا وخبايا النظام السابق وأنكم تملكون الأدلة والبراهين والمعلومات حول جرائم تصل إلي الخيانة العظمي.
نعلم أنكم كنتم شركاء في الثورة عندما نزلتم يوم ٨٢/١ ورفضتم إطلاق رصاصة واحدة علي الشعب، وأنكم ظللتم علي الحياد لمدة أيام حتي يوم 2 فبراير ، تحمون حق الشعب في التظاهر السلمي، وتضغطون علي النظام للاستجابة إلي مطالب الشعب لتجنيب البلاد فوضي عارمة وتجنيب الجيش مسئولية خطيرة.
نعلم أنكم بعد موقعة الجمل تبين لكم بوضوح انتصار إرادة الشعب علي أخطر محاولات النظام لإجهاض الثورة، وعندها وبعد سقوط مئات الشهداء قررتم أن الوقت حان للانحياز ضد رأس النظام وأولاده ورجاله وحزبه وبرلمانه.
نعلم أنكم تركتم فرصة لنائب الرئيس ليتسلم السلطات التي لم يتسلمها أبداً وبعد أسبوع أدركتم أنه لابد من رحيل الرئيس مبارك ونائبه وتولي إدارة البلاد بأنفسكم رغم أنكم رافضون لذلك، راغبون في تجنيب المؤسسة العسكرية التورط في حكم البلاد عسكرياً ، وأنكم إذا خيرتم بين الحفاظ علي المؤسسة وتماسكها وانضباطها وبين أي أمر آخر تختارون الحفاظ علي المؤسسة درعاً للوطن وحماية للبلاد.
نعلم أنكم في حيرة من أمر البلاد التي خرج الملايين بدون قيادة واضحة، تقودهم أهداف تتعالي أسقفها يوماً بعد يوم، ولهم أحلام طال بهم انتظار تحقيقها طوال 30 سنة كبيسة علي البلاد، وأن البديل لنظام بائد لن يكون إلا بتوافق وطني عام علي تقاسم الأعباء وتحمل الهموم والخروج بالبلاد من عنق الزجاجة.
ونعلم أيضاً انكم تتعرضون لضغوط هائلة من أمريكا التي استثمرت في مصر 60 بليون (مليار ) دولار علي مدار 35 سنة وتريد أن تجني الفوائد بتبعية مهينة وسياسة خارجية تضمن لها الاستسلام لإرادة العدو الصهيوني، والحفاظ علي الأنظمة الموالية لها من تأثير الثورة المصرية (كما حدث من قبل بعد ثورة 1952) واستمرار تدفق البترول بأسعار زهيدة، والحفاظ علي الهيمنة الأمريكية علي أفريقيا وأواسط آسيا وأوربا الشرقية.
كما نعلم أنكم تتابعون باهتمام رفض العدو الصهيوني لأي تغيير في معادلة العلاقات المهينة المذلة التي حولت رئيس مصر إلي كنز استراتيجي ، وأنهم قد يكونون وراء تفجيرات أنبوب الغاز ليدللوا علي ضعف قبضة الحكم علي البلاد ويرسلوا الجواسيس تلو الجواسيس لتخريب الثورة وتقسيم الثوار، وتأليب الشعب علي بعضه البعض.
نعلم أنكم تخافون علي عجلة الإنتاج وإدارة الاقتصاد من رجال العهد السابق الذين سيطرت 500 عائلة منهم علي معظم ثروات البلاد ويحتاج الخروج من عنق الزجاجة إلي حكمة وروية .
كما نعلم أنكم تتعرضون لضغوط من رجال حبيب العادلي في وزارة الداخلية الذين ناصبوكم العداء لسنوات وكتبوا عنكم التقارير لإيغار صدور مبارك علي المؤسسة التي انتمي لها وليتحيّز للشرطة ضد الجيش، وأن هؤلاء ربوْا جيوشاً من البلطجية والمفسدين في العشوائيات والمحليات.
ولكننا نعلم أنكم أبناء هذا الشعب، من رحمه خرجتم، ومن لبن أمهاته رضعتم، ومن نيله شربتم، وعلي أرضه ترعرعتم ، وتحت سمائه أقسمتم الولاء للوطن وليس للرئيس، للشعب وليس للنظام، وأنكم ستكونون عند عهدكم مع الشعب، وقد تابعنا بياناتكم المتتالية وكنتم في غاية الوضوح أثناء الثورة، فهل تغيرتم؟ أم
تغيرت الظروف ؟ وهل ما زلتم عند وعودكم أم حدثت في الأمور أمور ؟
نريد أن نسمع منكم جواباً واضحاً ، ونحن علي يقين من انحيازكم لضميركم الإيماني، وضميركم الوطني، وفطرتكم السليمة.
ونقول لكم: إن الشعب أقسم علي تطهير البلاد وإسقاط النظام وتحقيق العدالة، وهذا الشعب سيبر بقسمه، ويريد منكم أن تكونوا في صفه.
ساحة النقاش