لما نزل الوحي على رسول الله ( ص) ظل مايقرب من ثلاث عشرة سنة يدعو المشركين إلى التوحيد الخالص ويقرب من آمن به من خالقهم عز وجل رافعا شعار المرحلة المكية ( كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ) وتعرض رسول الله وصحبه الكرام لأقسى أنواع التضييق والتعذيب والاضطهاد مما ألجأهم في معظم الأحيان الى تأدية الصلاة وهي عماد الدين فى البيوت بعيدا عن أعين الناس .
وبعد هذه المدة الطويلة أذن الله عز وجل لرسوله بالهجرة إلى يثرب والتي سميت بعد ذلك بالمدينة المنورة وكان أول مافعله رسول الله (ص) فى المدينة مايلي :
1. المؤاخاه بين المهاجرين والأنصار .
2. وضع دستور الدولة الوليدة ليحدد العلاقات بين المسلمين وغيرهم كاليهود مثلا .
3. بناء المسجد .
والذي يعنينا هنا هو بناء المسجد , فرسولنا (ص ) يدرك الدور العظيم للمسجد فى الاسلام فهو منارة العلم ومشعل الهدى وملتقى الأصحاب ففيه تؤدى الصلوات وفيه تعقد المعاهدات وفيه تتم مجالس الصلح ومنه تنطلق الجيوش الفاتحة التى تنشر العدل والهدى فى ربوع العالمين وببركته تتم فيه الزيجات ويأوي اليه كل محتاج .
والمسجد في الإسلام بهذا الدور كان محفزا لكل خير، وائدا لكل شر ولذا ظلت أبوابه مفتوحة لاتغلق على مدار الأيام والأزمان.
ومع التراجع الرهيب للدول الإسلامية في عصرنا الحديث تم تهميش دور المسجد وتحول إلى مجرد مكان تؤدى فيه الصلاة فقط لدقائق معدودة ثم سرعان ما توصد أبوابه ولولا الملامة لأغلق تماما حتى أمام المصلين , واستسلم المسلمون لهذا الدور الباهت للمساجد فى ظل الأنظمة الدكتاتورية وأصبحت كل علاقتهم مع حبيبهم المسجد مجرد زيارات خاطفة يؤدون خلالها ركعات سريعة .
ولكن حكمة الله عز وجل أبت إلا أن يعود للمسجد بريقه ولهذا المكان الطاهر دوره الرائد والمعجز فارتبط المسجد بثورات الربيع العربية التى شاهدناها ونشهدها خلال هذا العام (2011م ) فكنا ننتظر على أحر من الجمر يوم الجمعة فهو اليوم الذى يتم فيه حشد الملايين من المتظاهرين المصلين والذي لولاه ما استطاعت أي قوة في بلدان الثورات أن تحشد هذه الأعداد الهائلة .
والمشهد الرائع الذى عشناه أيام الثورة المجيدة أنه بمجرد أن يسلم الإمام في صلاة الجمعة ينطلق المتظاهرون من جميع المساجد ويتدفقون فى الشوارع كالسيل الهادر حتى يتجمعوا فى الميادين فى منظر عجيب ومؤثر فيقف المرء حائرا من أين أتت هذه الجموع الغفيرة ولكن سرعان ماتأتى الإجابة إنها المساجد .....إنها المساجد .
بل ان فضل الله عز وجل كان علينا عظيما بأن كافأنا بأغلى هدية وهي تنحي الرئيس السابق غير مأسوف عليه وعظمة هذه الهدية انها كانت فى يوم جمعة ليبقى فضل هذا اليوم ممتدا وماثلا لنا على الدوام وليضاف هذا الفضل للأفضال التي ذكرها رسول الله (ص) والخاصة بيوم الجمعة حيث قال (ص) : إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي.. قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ أي بليت... فقال : إن الله جل وعلا حرم على الأرض أن تأكل أجسامنا . وقال "خير أيامكم يوم الجمعة" وقال "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة .وقال أيضا : اليوم الذي فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة .
( وما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة ) .
وإذا كان هذا هو حال المسجد وذاك أثر الجمعة فحري بنا أن نولي مساجدنا ماتستحقه من الاهتمام والرعاية وهذا يتأتى بحسن تشييدها ودوام زيارتها وصدق عمارتها فنعيدها كما كانت على عهد رسول الله (ص) منارات للعلم ومشاعل للهدي , كما أنه من واجبنا أن نتمسك بدور المسجد الحقيقي ولانفرط فيه ليكون هذا الدور من أهم مكتسبات ثورتنا العظيمة . فنعلم فيه الناس قيم الإسلام الأصيلة كالعدل والحرية والتكافل والمؤاخاه وحب الوطن والصدق والأمانة كما نعلم رواده قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كلفهم ذلك .
وإذا كان هذا هو حالنا مع المسجد طوال أيام الأسبوع فإن يوم الجمعة يمثل لنا شأنا خاصا فعلينا أن نتبع هدي نبينا فى هذا اليوم حيث قال : من اغتسل يوم الجمعة، ومسّ من طيب كان له، ولبس من أحسن ثيابه،ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له، ولم يؤذ احداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي، كانت كفارة لما بينهما. وأن يبقى تجمع المسلمين فى هذا اليوم المبارك تجمعا يقض مضاجع الظالمين وينهي أحلام المفسدين .
وأختم بذكرى طيبة لن أنساها ماحييت وهي مساء يوم الخميس الموافق ( 10/2/2011م ) لما وقفت مصر كلها على قدم وساق فى انتظار كلمة الرئيس المخلوع والتى أحدثت هزة ومفاجأة عنيفة بسبب ماورد فيها من كلمات عمقت الأسى والحزن والألم فى نفوسنا جميعا وسقط الكثير مغشيا عليه وبكى البعض وكان يقف ابنى بجوارى فقلت له بثقة مطلقة غدا لن يستمر هذا الرجل فى حكم مصر فتعجب ابنى وقال لى مامصدر هذه الثقة فقلت له ألا تدري أن غدا يوم الجمعة فإنني أراهن على يوم الغد فمصر ستخرج غدا من جميع المساجد إلى الميادين فى جميع المحافظات لتطالب بعدم استمراره ولو لساعات . ولما قرب نهار يوم الجمعة من الانتهاء غادرنا أنا وابنى التحرير وفى طريق عودتنا الى الشرقية اتصلت بى زوجتى لتهنئنى ( بتخليه ) فانكب عليٌ ابنى يقبلنى فقلت له ألم اقل لك إنه يوم الجمعة .
بارك الله لنا في إسلامنا العظيم وزادنا قربا من مساجدنا العامرة ونفعنا دوما بيوم الجمعة .

 

 

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

121,438