يحاول الإنسان أن يفهم كيف انتهينا إلى ما انتهينا إليه سياسيا واقتصاديا عبر استغلال فرصة الالتقاء بعدد من المسئولين السابقين ممن لم يتلوثوا بالفساد الشخصى الناتج عن تعمد التربح من المنصب أو إساءة استغلال النفوذ. وهؤلاء، على قلتهم، مخزن خبرة مهمة لمعرفة ما خفى من كواليس الماضى. وهى مقدمة ضرورية من أجل التخطيط للمستقبل. والمجتمعات الأكثر تقدما منا، تسعى للاستفادة من خبرات المسئولين السابقين من خلال التحاقهم بمراكز الأبحاث والتفكير كى يروا الشق الخاص بهم من حدوتة الوطن. لا يمكن تصور أن كل شىء قبل ثورة 1952 كان سلبيا، وأن كل شىء قبل عام 1970 كان سلبيا، وأن كل شىء قبل 2011 كان سلبيا. لابد أن نستخدم المايكروسكوب مع التليسكوب، وألا نجعل أحدهما بديلا عن الآخر، لابد أن نعى أن لمشرط الجراح مكانه ودوره، وأن ساطور الجزار له مكانه ودوره. الجراح يزيل الورم مع حرصه على بقاء المريض حيا، والجزار يبدأ بذبح ضحيته. الحرص واجب إذن. أقول ذلك مع يقينى أن هذه الثورة كان ينبغى أن تحدث وأن حدوثها فى هذا العام أوقف النزيف والهدر أسرع من حدوثها بعد بضع سنوات. المهم أن الإنسان تعرف على ما لم يكن يعرف، وسمع ما لم يكن يتوقع. مثلا فاجأنى أحد المسئولين السابقين بواقعة ارتبطت بدخوله إلى موقع مسئولية، ليسأل عن الوضع الراهن فى المؤسسة المعنى بها، وكانت النتيجة أن أحد الموظفين أوضح له أن الأرقام المعلن عنها أرقام «سياسية» أى أنها لا تعكس بالضرورة الحقيقة على الأرض لأنه لا يوجد إنسان يعرف الحقائق على الأرض. هى قطعا مسئولية مشتركة بين المسئولين والموظفين من ناحية والإنسان المصرى الذى يتعامل مع «الحكومة» كأنها حكومة احتلال وأن ذكر المعلومة الصحيحة وكأنه فخ أو من الممكن أن يؤدى إلى مشاكل لمن قال الصدق. مثلا فى فترة انفلونزا الطيور، كان السؤال للكثير من أهلنا من الفلاحين عن عدد ما يمتلكون من الطيور، حتى يتم حصر الحالات المحتملة للمرض، فكان واضحا أن أغلب الناس تقول أرقاما أقل كثيرا من الحقيقة سواء خوفا من الحكومة أو الحسد أو هو نوع من الاعتياد على «الضحك على الحكومة». المعضلة أن هذا يبدو وكأنه نمط متكرر فى العديد من المؤسسات الحكومية والتى لا يبدو أن أرقامها تعبر بالضرورة عن الحقيقة. ومن المعلوم بالضرورة أن الرقم أو البيان أو المعلومة الصحيحة هى المرتكز الأساسى فى أى تحليل علمى. لكن محاولة استخدام العلم فى علاج مشاكل مجتمع لا يعترف بالعلم هى محاولة غير علمية فى حد ذاتها. وبالمناسبة المجتمع حاضن لحكومته، وما يسرى على الكل ينسحب على الجزء، ما لم تكن الحكومة متقدمة عن مجتمعها بلا عجرفة وإنما بالعلم والعطاء. ما الحل؟ نخبة العلم والكفاءة عليها أن تقود. فى كل منصب حكومى لابد من الاستعانة بعدد من الخبراء الأصغر سنا وتحديدا من أولئك الذين تلقوا تعليما راقيا سواء فى الداخل أو الخارج. العباقرة العشرة الذين استعان بهم مهاتير محمد من خريجى أفضل جامعات العالم كى يساعدوه على التخطيط للمستقبل ليسوا حالة استثنائية. من الممكن الاستعانة بأمثالهم فى رسم طريق المستقبل.
نشرت فى 14 يونيو 2011
بواسطة BADRFOUDA
ابو استشهاد
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
121,373
ساحة النقاش