فى الحقيقة العنف ظاهرة عالمية لا تقتصر علي دولة بعينها أو إقليم أو بقعة جغرافية دون أخري . والعنف كما عُرف في النظريات المختلفة: هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، قد يكون الأذى جسمياً أو نفسياً. فالسخرية والإستهزاء من الفرد وفرض الآراء بالقوة وإسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة. .ولكن من الملاحظ زيادة عدد حالات العنف يوم بعد يوم داخل مجتمعنا ففى بعض أقسام الشرطة وجدنا أن عدد البلاغات التى تتسم بالعنف تزيد عن خمسين بلاغ يومياً . هذا بالإضافة الى مايحدث يومياً بالشارع . ومن العجيب أنه أصبح لفئة البلطجية تسعيرة معينة . فالسرقة تختلف عن الضرب , والضرب العادى يختلف عن ضرب أفضى الى موت أو عن غيره فلكل عمل تسعيره خاصة به . كما ظهر أيضاً نوع أخر بعد الثورة من العنف ألا وهو عنف التغيير فالكل يريد التغيير ولكن البعض قد يستخدم العنف بصور مختلفة للتعبير عن رأيه. وهنا يتبادر الى الأذهان بعض الأسئلة الهامة حول ظاهرة العنف وقد وجهنا مجموعة من الأسئلة لبعض رموز الإخوان والمعارضة داخل المحافظة وخارجها لنعرف ماهى الأسباب وكيف نواجه هذه الظاهرة الخطيرة . • هل أصبح العنف ظاهرة في المجتمع المصري؟ وماهى صوره ؟ يقول أ. بدر محمد بدر - مدير مركز البدر للاستشارات الإعلامية والتدريب - بالفعل أصبح العنف ظاهرة مجتمعية غريبة على المجتمع المصري المسالم، ومعروف أن مصر كمجتمع زراعي أكثر ميلا إلى الهدوء والتسامح والرفق، لكن مع الأسف الواقع الآن تغير بشكل يدعو للقلق. أما عن صور العنف فيكفي أن نطالع صفحات الحوادث في الصحف اليومية لنكتشف أن الأسرة أصبحت تتعرض للكثير من العنف بين أبنائها وبينها وبين المجتمع وبين المجتمع والدولة، وهذا بالتأكيد أصبح يقلق الكثيرين من استمراره واستشرائه دون حل. ويضيف د. محمد جمال حشمت – عضو مجلس الشعب السابق - نعم يوجد عنف داخل المجتمع المصرى و زادت هذه الأيام والسبب هو عسكرة المجتمع المصرى وتحويله الى دولة بوليسية من النظام السابق الذى كان يمارس القمع مع الشعب حتى وصل الى التعذيب الممنهج والقتل فى الشوارع . وأكدت على ذلك وبشدة أ.منال اسماعيل – مرشحة مقعد المرأة عن محافظة البحيرة 2010 – حيث قالت .. العنف ظاهرة واضحة وموجودة منذ فترة فى المجتمع المصرى وأعتقد أن العنف فى أبسط صوره يبدأ عندما ينقطع الحوار ونفقد القدرة على سماع الطرف الأخر .أو من رب الأسرة عندما لا يستطيع توفير قوت أولاده نتيجة للظروف الصعبة فيتولد لديه غضب مكبوت يخرج فى صورة عنف فى وقت من الأوقات . ومن صورالعنف الكثيرة داخل المجتمع الرشوة والواسطة للحصول على حق غير مشروع . مما أدى الى ظاهرة أولاد الشوارع والبلطجة ،فمن وجهة نظرى أرى أن كل انسان يعمل عمل على غير رغبته وتخصصه يعتبر صوره من صور العنف لأنه يترتب عليه كبت داخلى وغضب متراكم سيأدى الى العنف بصورة أو بأخرى . وعلى عكس ذلك يرى أ. شعبان بلتاجى – المحامى - أن المجتمع المصرى بطبعه مجتمع عاطفى سموح يكره العنف ويحب الاستقرار والهدوء . والعنف لم يكن ابدا ظاهره فى المجتمع المصرى وانما دخل اليه حديثا فى الأونه الأخيره مع انتشار ظاهرة تشجيع البلطجه واستخدامها فى الأغراض الشخصيه والدليل على ذلك أن البلطجى ومن يستخدم العنف منبوذ من المجتمع كله . أما أ. أحمد ميلاد - المحامي ورئيس اللجنة العامة لحــزب الغــد بالبحيرة – فله وجهة نظر مختلفة بعض الشىء فيقول .. أعتقد أن القياس في الظروف الحاليه و التي هي ظروف أستثنائية سيضعنا في فخ عدم مراعاة ظرف الزمان و المكان فنحن الأن في اعقاب ثورة و وجود حالة انسحاب أمني و لهذا قياسا بالظرف الحالي لا اعتقد أن العنف ظاهرة فى مصر ومدينة دمنهور التي ما زالت تحمل طابع المدن الصغيرة مازال تاثير العنف ليس ضخما بها . أما عن أسباب هذه الظاهرة ؟ يرى أ. أحمد ميلاد أنه مازالت الشرطة لم تقم بالواجب الملقى عليها كما أن بعض ضعاف النفوس استغلت هذا الإنسحاب لتفرض قيمها و سطوتها . أما أ . بدر فيرى أن أسباب هذا العنف من وجهة نظره كثيرة منها ما يعود إلى ضعف الإيمان وثقافة التدين، خصوصاً بعد أن سيطرت الدولة على المساجد وأصبحت بوقا للجهات الرسمية بغض النظر عن احتياجات المجتمع الدينية فى ظل النظام البائد. ومنها ما يعود لانتشار الانحلال والتفسخ في وسائل الإعلام وبخاصة التليفزيون والإنترنت والسينما، مما يكون أجيالاً تستخف بالقيم والأخلاق والدين والعادات. ومنها غياب القانون وانتشار الفساد والوساطة والمحسوبية وغياب العدل وسعي المواطن بالتالي للحصول على حقه دون خوف من عقاب. وبالطبع شيوع ثقافة الحصول على الحق بالقوة وحماية النفس والممتلكات بشكل شخصي بعيدا عن هيبة الدولة ونظامها يفتح الباب واسعا أمام انتشار أعمال البلطجة والتهديد والاستيلاء على أملاك الغير بالقوة وهذا بالتأكيد سوف يعيد المجتمع إلى الوراء مئات السنين . فهناك بالتأكيد خطورة حقيقية على النشء الذي يتربى على ثقافة العنف وعدم الالتزام بقوانين المجتمع وأعرافه ومبادئه. وفى نفس الإطار أكدت أ.منال – أن أسباب العنف ترجع الى انهيار منظومة الأخلاق فى ظل النظام البائد وزيادة الظلم بشكل غير عادى . فهناك انعدام للغة الحوار والعدالة وتفشى الظلم ومما زاد الأمر سوء انتشار ثقافة تفادى العنف لا مقاومته فنجد البعض يهيأ نفسه قبل الخروج من المنزل ماذا سيقدم للبلطجى اذا تعرض له؟ من نقود أو غيره حتى لا يلحق به الأذى وهو أمر خطير جداً ويعمل على زيادة انتشار هذه الظاهرة .وأرى من وجهة نظرى أن العنف أخطر على المجتمع من المخدرات والبطالة . بينما يرى د. حشمت أن من أهم أسباب هذه الظاهرة أنه كان هناك حلفاً استراتيجيا بين الشرطة والبلطجية فى عهد مبارك . كما قال أ . شعبان أن اسباب العنف ترجع الى الأتى : اولا - تشجيع الأمن للبلطجه واستخدامها فى اغراض خاصه . ثانيا - الضغوط الحياتيه التى يتعرض لها الناس . ثالثا - الاعلام ودوره المؤثر فى غرس ثقافة العنف والبلطجه فى اخذ الحق . رابعا- تباطؤ القضاء وتواطؤ اجهزه الأمن فى تنفيذ الاحكام . وهذا الأمر فى غاية الخطوره على النشئ أن يتحول اخذ الحقوق بالذراع والقوه وهنا يتحول المجتمع الى غابه . اذاً ما الحل وكيف نواجه ظاهرة العنف ؟ من الناحية القانونية يرى أ. أحمد ميلاد ..أن مواجهة هذه الظاهرة بالدرجة الأولى أمني في هذه المرحله . و لابد أن يشعر المواطن بسيادة القانون و فاعليته و هذا ما سيجعل القانون هو الطريق الوحيد لحل المشاكل فلا نريد أن يتحول الأمر الى أن يشعر النشئ أن استخدام القوة و البلطجة هو الحل . و هو ما كان من سمات النظام المخلوع و لكننا الأن نقدم دولة القانون و دولة الحق و العدل . وأكد على ذلك أ. بدر حيث قال أن الحل لا بد أن يكون فى استعادة هيبة الدولة باحترام القانون والتأكيد على العدل ومنع الظلم واسترداد الأمن الشخصي لكل المواطنين وإلا سوف يغرق المجتمع أكثر في مستنقع العنف. كما يرى د.حشمت أن تأثير تلك الظاهرة خطير لأنه لا يمنح إحساسا بالأمان ولا الاستقرار. والحل هو تفكيك هذا النظام الفاسد الظالم المستبد أو ما تبقى منه , وإعادة صياغة الحياة فى مصر وانهاء وجود كل الوجوه الفاسدة التى أجرمت فى حق الشعب المصرى . ومن وجهة نظر أ.شعبان أن الحل يتلخص فى عدة نقاط : - التوجيه الصحيح للاعلام وغرس قيم التسامح والمعامله بالحسنى . - تخلى رجال الأمن عن الاستعانه بالبلطجيه وتشجيعهم كما فعل النظام السابق . - الاهتمام بالتعليم وتصحيح المناهج . - غرس القيم الدينيه وتربية النشئ تربيه اسلاميه . ومواجهة هذه الظاهرة من وجهة نظر أ. منال .. فى تغيير ثقافة المجتمع من خلال وضع برامج ومناهج تعليم صحيحة ، توجيه أسرى ، وتتساءل أين دور المجلس القومى للمرأة والمجلس القومى لحقوق الإنسان؟ .. ماذا يفعل فى المجتمع أيعقل فى عهد سوزان مبارك (النظام البائد) أن تلجأ المصريات للعمل فى البلدان العربية والسفر بدون محرم وتعرضها للمخاطر بالخارج، وأن نرى المراة تعمل بمسح الأحذية والسيارات بإشارات المرور أيعقل هذا .أين دور هذه المنظمات ؟. وفى كلمة أخيرة لها أضافت .. لابد من تفعيل منظومة العمل الخيرى داخل مصر عموماً . وداخل جماعة الإخوان خصوصاً ولابد من وضع رؤية جديدة لذلك ولا يكون الحل بالإطعام أو الكساء فقط ولكن لابد من ربطه بالقيم والأخلاق ووضع ألية للمحاسبة والمتابعة حتى نصل بهم الى أن تصبح الأخلاق عندهم منهج حياة وهذا مما دعا اليه الإسلام فلقد جاء الرسول (صلى الله عليه وسلم ) لحماية ورعاية الضعفاء والعبيد ولتحقيق العدالة الإجتماعية للقضاء على تلك الظاهرة الخطيرة . فى الحقيقة ومن خلال الأراء السابقة يتضح لنا أن العنف بالفعل أصبح ظاهرة خطيرة على مجتمعنا . ونحن نطلق عليها ظاهرة لأنها أصبحت تتكرر بشكل ملفت للنظر ومؤثر في حياتنا كشعب على كل المستويات, فهي قد تجاوزت أحداث العنف الاستثنائية والمتوقعة. وهذه الظاهرة قد دخلت مرحلة الخطر الحقيقي فمنذ السبعينيات ونحن نعيش هذه الظاهرة . وهذه الزيادة في الكم والكيف تدل على وجود العديد من عوامل الخطورة , والتي تحتاج لحلول حقيقية, وليست حلول اسمية أو شكلية . وتحتاج الى عدد من الإجراءات العلاجية والوقائية للحد من مستويات العنف في المجتمع المصري عن طريق تضافر كل الجهود الحكومية والمدنية داخل المجتمع . كما نحتاج لدراسة حالات العنف دراسة علمية مستفيضة لاستكشاف الجوانب النفسية والاجتماعية التي تحتاج إلى علاج والتدريب على المهارات الاجتماعية، وتشديد العقوبة لتلك الجرائم, والعمل على زيادة الوعي الديني والأخلاقي والتربوي, وتعزيز الدور الإعلامي في محاربة ظاهرة العنف, وتقنين العمل التطوعي . حتى نرتقى بمجتمعنا ونتخطى هذه الأزمة ونقضى على هذه الظاهرة داخل مصر . |
ساحة النقاش