حري بنا أن نبحث عن أسباب الغضب في مصر، بدلا من أن نحاول إجهاض وإفشال جمعة الغضب. خصوصا أن المجتمع المصري لم يعد أمامه سبيل للتعبير عن غضبه إلا أن تخرج جماهيره إلى الشارع في تظاهرات سلمية لكي ترفع صوتها معبرة عما يجيش في صدورها.

وهذا منطوق يحتاج إلى بعض التفصيل، الذي أرجو أن يضع الأمر في نصابه الصحيح.
قبل أي كلام في الموضوع ينبغي أن يكون واضحا أننا تجاوزنا لغة العهد السابق الذي دأبت أبواقه على القول بأن الناس في مصر مسالمون وطيبون، وأنهم حين يخرجون إلى الشارع فإنهم ينطلقون من مشاعر بريئة وحسنة النية،

ولكن المشكلة تكمن في أن ثمة فئات مندسة تستغل تلك البراءة، وتحرف الخروج عن مقاصده النبيلة، بحيث يصبح الاحتجاج تخريبا والهتاف قذفا وتنديدا والمسيرة السلمية عملا عدوانيا يعطل مصالح الخلق ويلحق أبلغ الضرر بالممتلكات العامة.
كما تخلصنا من النظام السابق يفترض أننا تخلصنا أيضا من ذرائعه التي كان يتعلل بها لتكميم الناس وقمعهم، بدعوى حمايتهم من الأشرار الذين يريدون استغلال طيبتهم ونبل مقاصدهم.

بالتالي فليس مفهوما ولا مقبولا أن يجري تخويفنا من خروج الناس في جمعة الغضب، استنادا إلى ذات الحجة القديمة التي لوحت بلافتة الفئة المندسة ذاتها، الساعية إلى إحداث التخريب وإشاعة الفوضى.

لا أنفي أن هناك أشرارا أو مندسين، لكن التعامل معهم لا يكون بمقاطعة الخروج أو استنكار الغضب. ولكنه يكون بالاتفاق على أهداف واضحة للخروج تغلق الباب في وجوههم، بحيث يصبح الخروج بمثابة دفعة قوية لتقدم الثورة على طريق إقامة المجتمع الديموقراطي المنشود، وليس لغما يوقف التقدم ويخرب المسيرة.
لم أنس أنني كتبت ذات مرة محذرا من الخروج حين لم أكن مقتنعا بأسبابه، لكنني أزعم الآن أن ثمة حالة من البلبلة في البلد تكمن وراء الدعوة إلى إقامة ما سمي بجمعة الغضب الثانية غدا.

ولا أستبعد أن يكون صدور قرار إحالة الرئيس السابق إلى محكمة الجنايات أمس الأول (24/5) محاولة لامتصاص بعض ذلك الغضب. يشجعنا على ذلك الظن أننا لاحظنا أن بعض القرارات المهمة أصبحت تصدر قبل حلول يوم الجمعة، سواء لتهدئة المشاعر أو للتدليل على أن ثمة تجاوبا وتفاعلا مع رغبات الجماهير وتطلعاتها.
إن تحرير ذلك الغضب في اللحظة الراهنة من الأهمية بمكان، ولا يقل عن ذلك أهمية أن نتفق في ذات الوقت على ضوابط وحدود ذلك الغضب، ما يجوز منه وما لا يجوز،

أدرى أن ثمة اجتهادات كثيرة في تحري أسباب الغضب، بعضها محق ومقبول وبعضها تجاوز حدود المقبول والمعقول. ولا ينبغي أن يزعجنا ما فيه من شطط لأن ارتفاع صوت المجتمع وتعدد الآراء فيه من فضائل ثورة 25يناير،

كما أن استدعاء الشرائح التي خاصمت السياسة وعزفت عنها واتجاه الجميع إلى الاهتمام بالشأن العام فضيلة أخرى، ناهيك عن أن وسائل الاتصالات الحديثة أتاحت لكل صاحب رأي أن يجهر بما عنده وينقله إلى محيطه، الأمر الذي يسوغ لنا أن نقول بأن عصر تكميم الأفواه قد انتهى إلى غير رجعة.
لقد أتيح لي أن أطلع على أغلب البيانات التي صدرت داعية إلى جمعة الغضب، وهو ما يسوغ لي أن أقول إن ثمة أسبابا ثلاثة معقولة وراء حالة البلبلة والغضب هي:
< إن ثمة إهانات وانتهاكات تعرض لها الناشطون ما كان لها أن تحدث في ظل الثورة. وما سجلته في هذا الصدد منظمات حقوق الإنسان المصرية فضلا عن المنظمات الحقوقية الدولية يؤكد وقوع تلك الانتهاكات، ولعل أقربها ما حدث للمتظاهرين أمام السفارة الإسرائيلية يوم 15 مايو، وهي الوقائع المشينة التي جرى تعميمها على الكافة، مما أعتبره إهانة للثورة ذاتها وليس للناشطين وحدهم. صحيح أن التعذيب توقف تقريبا، لكن الإهانة والإذلال لا يزالان كما كانا في عهد العادلي وزبانية أمن الدولة.
< إن أزمة الثقة في جهاز الشرطة لا تزال مستمرة. وهناك انطباع عام بأن أصابع الجهاز القديم لا تزال تتحرك في مواقع متقدمة بوزارة الداخلية، وإذا صح ذلك فإنه يعني أن تطهير الداخلية لم يتحقق بالشكل المطلوب بعد، وقد ذهب سوء الظن بالبعض إلى حد القول بأن اللواء العادلي ــ الوزير السابق ــ لا يزال يمارس مهام منصبه من سجن طرة.
< إن ثمة شعورا بأن هناك تراخيا في محاسبة رموز الفساد في العهد السابق، في حين أن المحاكم العسكرية تتعامل بشدة وبقسوة مشهودة مع المتظاهرين والناشطين.
فالأولون يدللون ويستجوبون خلال أسابيع أو أشهر، في حين أن الآخرين تصدر بحقهم الأحكام العسكرية بسرعة مدهشة.
وهو وضع لا يخلو من غرابة، لأنه يجعل نظام ما بعد الثورة مترفقا وحنونا على الظالمين والفاسدين، وشديدا وقاسيا على الناشطين والثائرين.
وتلك لعمري مفارقة لو أدركها السابقون لتلبستهم الدهشة واعتبروها من علامات الساعة الصغرى.

 

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 44 مشاهدة
نشرت فى 26 مايو 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

121,300