لا شك أن الفنَّ هو نشاط إنساني يسمو بالمشاعر الإنسانية النبيلة إلى آفاق الفضائل والرقي، يقول الأستاذ محمد قطب: "الفن في وسائله المختلفة هو محاولة البشر تصوير الواقع الذي يتلقونه في حسِّهم من وقائع الوجود في صورة جميلة موحية مؤثرة، والفنان شخص موهوب ذو حساسة خاصة تستطيع أن تلتقط الإيقاعات الخفية اللطيفة التي لا تدركها الأجهزة الأخرى في الناس العاديين، وذو قدرة تعبيرية خاصة تستطيع أن تحول هذه الإيقاعات إلى لون من الأداء الجميل يثير في النفس الانفعال، ويحرك فيها حاسة الجمال".

 

وإذا كان الفن في صوره المستحدثة قد خطت خطوات كبيرة وقفز في سلم الحضارة قفزات هائلة، فإن ذلك لا يمنعنا من أن نذكر هنا أن الحضارة الإسلامية قديمًا قد كانت لها الكرة في هذا الميدان، فهناك الأدب شعرًا ونثرًا، وهناك الأناشيد والموشحات، وهناك القصة بأنواعها، وهناك العمارة الإسلامية.

 

كما لازمت الفنون الجميلة والموسيقى والغناء العصور الإسلامية جميعًا، وكانت في قصور خلفاء الإسلام، ولكن لم تلههم عن إقامة الشعائر، والذود عن صيانة الدين الحنيف.

 

ولقد أدى انحطاط العالم الإسلامي في العصور المتأخرة إلى فقرها الفني والإبداعي على، وتنكر البعض من أبنائها لمنجزات الحضارة الغربية لا سيما لمجال الفن، فحُرِّم على الشعوب الإسلامية أن تشتغل بالفنون أو تشاهدها؛ لأنها تدمر الفضائل الإنسانية بما تعرضه وبما تبثه من مواد إباحية قاتلة تسلب أفضل ما في الإنسان روحه وأخلاقه.

 

فماذا كان موقف الإخوان المسلمين من الفنون بوصفهم طليعة الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي؟

 

لقد آمن الإخوان بأهمية الفن في عملية الإصلاح، لذا رأوا ضرورة أن تُعْنَى الحكومات بتهذيب الفنون، واستخدام الإذاعة استخدامًا ثقافيًّا وتهذيبيًّا وإصلاح شأنها، وكذلك العناية بالسينما والتمثيل عناية صالحة، ومراقبتها مراقبة دقيقة، واستبدال الأفلام والروايات الخليعة بكلِّ ما يرمي إلى أهداف قومية، وتشجيع المؤلفين المسرحيين والسينمائيين على اختيار الموضوعات، وتأليف هيئة خاصة بذلك، والعناية بالأغاني والأناشيد، وصبغها بالصبغة الحماسية مع الروحية، وإبعادها عن العاطفة الغرامية التي تنافي الرجولة.

 

يقول الإمام البنا في رسالة (هل نحن قوم عمليون): "رأى قوم أن يصلحوا من أخلاق الأمة عن طريق العلم والثقافة، ورأى آخرون أن يصلحوه عن طريق الأدب والفن، ورأى غيرهم أن يكون هذا الإصلاح عن طريق أساليب السياسة، وسلك غير هؤلاء طريق الرياضة، وكل أولئك أصابوا في تحديد معاني هذه الألفاظ أو أخطئوا، وسددوا أو تباعدوا، وليس هذا مجال النقد والتحديد، ولكن أريد أن أقول: إن الإخوان المسلمين رأوا أن أفعل الوسائل في إصلاح نفوس الأمم: (الدين) ورأوا إلى جانب هذا أن الدين الإسلامي جمع محاسن كل هذه الوسائل وبعد عن مساويها، فاطمأنت إليه نفوسهم وانشرحت به صدورهم".

 

وفي مناسبة أخرى، أكد الإمام البنا أهمية أن يختار المراقبون من الأمناء على دينهم الموثوق بأخلاقهم بحيث لا تكون الناحية الفنية وحدها هي الأساس في الاختبار، فكم يحارب الفن باسم الفن، وكم يعدل الفنيون عن الحقائق إلى الأهواء، وما كل فن يذاع، وليس في كل ما درس في أوروبا يطبق في مصر، فلتختر الحكومة لجان المراقبة على أسس صالحة؛ لننتج مراقبة صالحة، ولتوضع مناهج الإذاعة بدقة وإحكام، فإن (الراديو) بقدر ما أفاد غيرنا بقدر ما جنى على أخلاقنا، وحرام أن يستخدمه هتلر في إنهاض شعبه وإلهاب شعور الحماسة فيه ونستخدمه نحن في الحب والغرام، وأدوار العبث والهيام، وهذه الأنواع الرخيصة من الأغاني التي تذاع، ولتصادر الصحف الماجنة الخليعة، التي يتشرب روحها أبناؤنا الأطهار وفتياتنا الصغار؛ فتفسد عقولهم وأرواحهم وعواطفهم، وشعورهم سواء كانت أجنبية أو مصرية، ولتهتم الحكومة بحركة التأليف والنشر، فتشجع المؤلفين الذين يعالجون النواحي الإصلاحية النافعة، وتعين اللجان لوضع البحوث والرسالات في هذه النواحي.. ولتهتم كذلك بتهذيب الأغاني والأناشيد، فأثرها في تكوين الشعب الروحي جد خطير، بل لعلها أقرب الوسائل في هذا الباب.

 

بذلك وأمثاله تصلح منابع الثقافة، ونقدم للشعب غذاءً شهيًا صالحًا ينمو به أفضل النماء، وتزكو عليه العواطف والعقول والأرواح.

 

الفن والمثل الأعلى:

وركز الإخوان على رسالة الفن السامية التي ينبغي أن يكون عليها، فشتان بين فن يدمر الأخلاق والرجولة، ويهيج الغرائز الكامنة في النفوس، ويشغل الشباب عن معالي الأمور ومستقبل الأوطان، وبين فن يبني أمة، ويُقَوِّمُ خلقا، ويحض على الفضائل.. يقول أنس الحجاجي عن رسالة الفنون في الأمم: "لسنا نعرف شيئًا يمكن أن يسمى فنًا إلا أن يكون هدفه تحقيق مثل أعلى، وغايته تبليغ الناس رسالة سامية، وغرضًا إنسانيًا جليلاً، ولا ذنب علينا إذا كان ما يميزنا عنكم هو تباين المعيار في قياس المثل الأعلى، ولا بأس علينا في هذا ما دامت المثل العليا- قد فرغ الناس- وفرغت الأجيال من تحديدها والاصطلاح عليها..!!علينا أن نبرأ وإياكم من الفن الزائف، ونتحرر من "الصبغة الدخيلة" واللون المتداول الرخيص..!! لنطهر "البذرة" ولننعم بالوليد، فذاك هو اللحن الجديد..!!

 

وعلينا كفنانين أن نسمو بالفن، وهذا الفنان الذي يخضع لهوى الجمهور وشهواته تاجر وضيع، فإذا انحدر إلى إرضاء المنازع الدنيا فهو المجرم الرقيع!!

 

إنما الفنان مبعوث الموهبة لأداء رسالة تهذيبية.. إنما الفنان مَن يسمو بنفسه وبفنه وبالناس.. وهو من يفنى في فنه بهذا المعنى، ويندمج فيه بحسه وروحه!

 

الفن مثلاً أعلى.. رمزه الفنان الملهم الذي يئن أو يبتسم فيكتب للفن كلمة خلود... الفنان هو ذاك الذي يفرض نفسه على الجيل والعصر فرضًا، ويقوده ويوجهه بما يقدم له من أطايب الطيبات!

 

أما أن يقول قائلهم إن الجمهور يريد (اللب والحمص) فخطأ وغباء أن نقدم له (الفستق واللوز) فهذا كلام معناه (ليست لنا عقول) إلا أن تخلعوا الثوب المستعار، وتسفروا على حقيقتكم.

 

قولوا إننا (تجار) فنحن معكم، وإلا فليس منا هذا الفن؛ لأنه ليس من المثل العليا في شيء، وسيفتح الحق بيننا وبينكم، وستحتضن كل نهضة، وسننتقي البذرة، ونجني الطيبات، وإياكم إياكم أن تتخلفوا، وانتبهوا فالقافلة تسير!

 

علاقة الفن بالمجتمع:

في الوقت الذي يعتبر كثير من الناس أن الفنون الجميلة ليست سوى كماليات قد يمكن الاستغناء عنها، رأى الإخوان عكس ذلك تمامًا فالفنون أنشطة إنسانية واجتماعية لصيقة بحياة الناس ومتطلباتهم وطموحاتهم.. يقول الأستاذ حسين محمد يوسف المدرس بمدرسة الفنون التطبيقية: "إن الاعتقاد السائد بأن الفن لا وطن له، أو أنه يجب أن يظل بعيدًا عن أي دعوة سياسية أو اجتماعية هو اعتقاد فاسد لا يرتكز على أي أساس تاريخي.. ولو أنه ظلَّ بعيدًا عن هذه الأحداث ما كان معبِّرًا عن روح البيئة".

 

كما تحدث عن النهضة الفنية في مصر مبينًا أن نهضة الفنون في مصر بدأت ضعيفة هزيلة، لا لأن المصريين قد ضعف استعدادهم أو إحساسهم بالجمال- فقد كانت مصر دائمًا مهد الفنون والحضارة وكان المصريون هم أولئك الذين أوجدوا ذلك الفن الذي يخر له اليوم الغربيون سجدًا، ويعترفون له بالسيادة ويقتبسون منه لتجديد فنونهم، فلما جاء الإسلام كانوا هم الذين بنوا صرح الفن الإسلامي وثبتوا دعائمه- وإنما لأن هذه النهضة لم تمت إلى المصرية إلا بصلة ضعيفة، ولأنه عهد بالإشراف عليها إلى أيد أجنبيه، كانت تنقصها النزاهة من ناحية والكفاية.

 

كما تحدث عن الفن الفرعوني ودوره في تسجيل كل ما نعرفه، اليوم، عنها من مشاهد الحياة المختلفة في جميع الميادين.. فقد كانت الفنون في ذلك الحين تسير جنبًا على جانب أي تطور ديني أو فكري أو سياسي، وهكذا خدم الفن الدعوة الدينية في مصر القديمة أجل الخدمات، وساعد رجال الدين على تزويد النفوس بالإيمان، ومن هنا نرى المعابد المصرية وقد نجح المعماري المصري في جعلها شامخًا رهيبة، وأوجد لها طرازًا جمع إلى البساطة التي تمثلها الطبيعة المصرية الشموخ والعظمة التي نراها في نخيل مصر، ثم جاء المثال بعد والمصور كل منهما ينحت وينقش، مسجلًا الطقوس الدينية وممثلًا مختلف عبادتها، ومضيفًا إلى رهبة البناء رهبة وإلى جماله جمالًا.

 

ولقد خدم الفن الدعوة القومية في مصر القديمة، فأفاض في تسجيل بسالة الجندي المصري، وأشاد بفتوحاته، وسجل انتصاراته.

 

وخدم النهضة الزراعية والصناعية، وسجل جميع مظاهرها من حرث وحصد وبذر وصيد وخلافه.

 

وبوجه عام كان الفن المصري فنًّا قوميًّا له رسالة لم يقصر في أدائها، ولست مبالغًا إذا قلت أننا لم نرث عن أجدادنا إلا فنًا خالدًا، وإن ذلك الفن كان دعامة حضارتهم وسر عظمتهم..
وإذن فلاعتقاد السائد بأن الفنون الجميلة ليست سوى وسيلة للترفيه عن النفس والتعبير عن كمالات الحياة.. ليس إلا جهلًا بالغاية العليا منها.. كما أن اتخاذها وسيلة لتسجيل نواحي النقص ليس إلا هبوطًا بمستواها الذي يجب أن يظل ساميًا، كما أن الاعتقاد بأن الفن لا وطن له أو أنه يجب أن يظلَّ بعيدًا عن أي دعوة سياسية أو أخلاقية أو عسكرية، ليس إلا مكابرة لا ترتكز على أي أساس تاريخي؛ لأن الفنان إذا كان صادق الشعور لا بد وأن يتأثر بطبيعته بالأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية دون أي ضغط، ولو أنه ظلَّ بعيدًا عنها ما كان معبرًا عن روح البيئة.

 

ومن هنا كانت دعوتنا دائمًا للفنانين المصريين أن لا يسايروا الغرب في اتجاهه، وألا يقلدوا فناني الغرب فيما يتخذونه أساسًا لموضوعاتهم، فمهمة الفنان في مصر تختلف عن مهمة زميله الأوروبي.

 

فمصر أمة تريد الحرية.. وهناك أمم تتمتع بهذه الحرية.

 

ومصر أمة لها تقاليد شرقية إسلامية، وهناك أمم خلاف ذلك.

 

ولهذا فمهمة الفنان في مصر يجب أن تكون أخطر من مهمته في أوروبا، فلا يجب أن تنتصر على الموضوعات الوصفية وإنما يجب أن يجعل غايته الأولى تسخير فنه في بعث أمته وإحيائها.

 

حوار بين الدين والفن:

رغب أحد الإخوان أن يشتغل بفن التمثيل، ذلك الفن الذي عشقه منذ الصغر وما إن أعلن ذلك حتى هبَّت عليه ثورة جامحة من أفراد أسرته صارخين في وجهه مستنكرين كيف سمحت نفسه أن يندمج في هذا الوسط الذي لا يتفق وكرامة الأسرة، وقال له أخوه الأكبر مذهولاً كيف رضيت لنفسك هذا وأنت التقي الورع المتدين؟ أتريد أن تكون ممثلا؟

 

يا الله أين صلاتك وصيامك؟ أين جهادك الذي حدثتنا عنه في سبيل الله وفي سبيل الوطن وفي سبيل الإصلاح؟! سبحان مغير الأحوال.

 

فابتسم هذا الأخ وقال: يا إخواني وأهلي إنكم تعجبون لأني سأعمل بالتمثيل وأنا التقي الورع وتذهلون لأنني سأكون فنانًا وممثلاً وستكون هذه حرفتي وسيكون هذا جهادي في سبيل ديني وفي سبيل وطني، وسيصبح هذا ميداني الذي أصل بالجد فيه إلى أملي المنشود، وهو الإصلاح العام، وسأظل كما عهدتموني مسلمًا متدينًا فإنه لا تأثير للفن الحقيقي الذي يسمو بصاحبه على تدينه وتقواه.

 

وسوف تكون غايتي هي بعينها الغاية التي أنشدها، وهدفي هو الهدف الذي حدثتكم عنه وهو الجهاد في سبيل الله، والعمل على إصلاح المجتمع عن طريق الفن.

 

فسأعرف كيف أصور للناس هذا الرجل الغني حين يمتلئ قلبه بالإيمان ملبيًا دعوة الداعي إلى الحق والنور فيعمل بما أمر الله به عباده المخلصين، فيظفر بالسعادة في الدارين.

 

وسأصور للناس كيف يصبح حبيب أهله وذويه وإخوانه وجيرانه؟ وكيف يرضى عنه المجتمع ويقدره الوطن فيوقظ في الأغنياء ما هو كامن في قلوبهم من إيمان بالله واستعداد لتلبية دعوة الأخوة الإسلامية؟.

 

وسأعرف أيضًا كيف أصور ذلك الظالم المستبد كيف يطغى فيحلو له التمادي في الطغيان فيكرهه الناس، ويصبح ممقوتًا ومحتقرًا ومنبوذًا رغم غنائه وثرائه الذي لا يفيد به بني جنسه ودينه ووطنه.

 

وسأصور كذلك كيف يسعد الحاكم العادل بعدله في حكمه وخشيته لرب العالمين فيسعد الناس معه، ويظفر بحبهم وتقديرهم ثم يلقي ربه آمنا مطمئنًا.. وسأصور وسأصور وسوف أكون بإذن الله باحثًا منقبًا عن عيوب المجتمع في كلِّ مكان، وسوف أبرزها في الصورة التي تلفت أنظار أولي الأمر وذوي الشأن في هذا البلد، وتنبه المتمادين في الغي ليثوبوا إلى رشدهم ويعودوا إلى الطريق القويم.

 

أليس هذا ميدانًا من ميادين الجهاد!

 

أليس هذا إصلاحًا وتوجيهًا لا يتنافى مع الدين، وهذا هو الذي أسميه فنًّا ساميًا رفيعًا وهو الذي سأعمل لإحيائه.

 

بالفن الذي يرضي الدين نستطيع أن نضع له الدواء المر في شراب حلو محبب إلى النفس فيقبل عليه المريض راضي القلب فيشفى، وكل فنان يستطيع بفنه أن يجاهد في سبيل الله، وفي سبيل الوطن، وفي سبيل الإصلاح.

 

وانتهى هذا الأخ من حديثه وقد بدت دلائل الاقتناع على مستمعيه فوقف من بينهم شيخ وقور وهو كبير العائلة ثم ربت على كتف هذا الشاب الفنان المسلم وقال:

 

بارك الله فيك يا ولدي، إن كانت هذه غايتك وما دام هذا هو هدفك المنشود فإني أدعو لك بالتوفيق، وأتمنى لك مستقبلاً كم تمنيته لمثلك، وأرجو أن تكون كغيرك من المرتدين ثياب الفن المزيفة المتجرين باسمه المستغلين سذاجة الشعب وطيبته؛ ليربحوا منه الأموال باسم الفن وهم لا يعرفون عنه شيئًا، ولا يرجون من عملهم هذا إلا المال والشهرة.

 

وإني أحمد الله أن رأيت في أواخر أيامي فنانًا مسلمًا متدينًا يريد أن يستغل فنه للإسلام فحسب، وإني أعتقد أن مثلك كثيرون غير أنهم لأسباب تافهة يمتنعون عن الانتفاع بما وهبهم الله من قدرة على العمل بفنهم جهادًا في سبيل الله، وفي سبيل الوطن، وفي سبيل الإصلاح.

 

الإسلام والتمثيل:

وحول السؤال المطروح دائمًا على الساحة الفنية، والذي يثار عادة حينما يشرع بعض الفنانين في تمثيل دور الأنبياء والصحابة والملائكة، وجِّه سؤال لمجلة الإخوان المسلمين حول حكم الشرع في تمثيل الأنبياء والصحابة والملائكة؟

 

حيث رأى الشيخ أحمد الشرباصي أنه لا يجمل بالمسلمين أن يمثلوا أشخاص الأنبياء على المسرح أو فوق الشاشة البيضاء (السينما)؛ وذلك لأن هؤلاء الأنبياء والمرسلين معصومون يتعالون عن مستوى البشرية وإن كانوا منها، ويمتازون عن عامة الناس وإن كانوا من طينتهم، ولأننا حين نبيح لأنفسنا تمثيل هؤلاء الأنبياء على خشبة المسرح أو في الخيالة نفتح بابًا يظل يتسع معه خرق لا يرتق أبدًا، ونمهد السبيل أمام أعداء الإسلام والمسلمين بأن يصوروا الأنبياء كما شاءوا، بل ربما اجترأ بعض المسلمين من المتحللين على أن يضع قصة يصور فيها الرسول، ولا يلتزم في عباراتها أو حوادثها جانب الصدق وحق التاريخ.

 

أما إذا انتقل المرء من تمثيل الأنبياء إلى تمثيل عظماء الإسلام وأبطال التاريخ فقد هان الخطب، وسهل التاريخ، وسهل علينا حينئذ أن نسير بقدر، وأن نحتاط للأمر، وأن نتخذ الأسباب التي تجعلنا صادقين فيما نقول ونصور.

 

الإخوان والتزمت الفني:

يرمي البعض الإخوان بتهمة التزمت والتشدد الديني تجاه الفن، وهي فرية قديمة جديدة في آن واحد، وتدلنا الوثائق والنصوص على النضج الفني الذي تمتع به الإخوان في فترة مبكرة من الدعوة، فلقد ثار بعض الشيوخ المتشددين رافضًا التمثيل بدعوى أنه بدعة مستحدثة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وبدعوى أنه لهو وتسلية مرفوضة وضياع للوقت.. إلخ.

 

فتناولت مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية الرد على مثل هذه الدعاوى؛ حيث بيَّن كاتبها أن التمثيل وإن كان بدعة، ولكن ليس كل بدعة مكروهة، فهناك من البدع والمستحدثات ما لم يكن على عهد الرسول، ومع ذلك دعت إليه الضرورة، واقتضاه أسلوب العصر، فحمد المسلمون هذا اللون ولم يروا بأسًا أن يوجد بينهم ما دام يؤدي إلى منفعة أو يخفف من بلوى.

 

كما أنه ليس كل لهو باطلاً يحرم الاشتغال به، ولا يعد عرض التاريخ الإسلامي وتصوير بطولات المجاهدين من المسلمين وعرض المواقف النبيلة الرائعة التي تهز المشاعر وتنبه القلوب تدفع النفوس إلى التضحية ومكارم الأخلاق لهوًا محرمًا.

 

وكيف نسوي بين رواية خليعة تصور غرائز خبيثة ونزعات فاسدة وغرامًا مكشوفًا ورواية تاريخية تصور مجدًا أو تصور ماضٍ عزيز.

 

أما موضوع التسلية فما المانع أن يقضي المرء ساعة من يومه في تسلية بريئة طاهرة إن لم يُنْتِج عنها خيرًا فلا ينتج عنها شرًّا، ما المانع أن يروح الإنسان عن نفسه وقد ورد أن القلوب تحتاج إلى الترويح كما تحتاج الأجسام إلى الراحة، فإذا ملَّت هذه القلوب عميت.

 

جهود الإخوان في التصدي للفن الهابط:

هذا على المستوى النظري، أما على المستوى العملي فقد قام الإخوان بالتصدي للحفلات الماجنة التي كانت تقام باسم الفن، وتغص بالعديد من الراقصات والمغنيات بصور مزرية قبيحة يبرأ منها كل خلق فاضل كريم.

 

والحقيقة أن حفلات الرقص والغناء الماجنة قد انتشرت في فترة الثلاثينيات والأربعينيات في كلِّ المناسبات، حتى أصبحت سمة لأي احتفال، ودائمًا ما يرتبط الرقص بمحرمات أخرى مثل العري والخمر والميسر والميوعة والمجون والدعارة وغيرها من وسائل الفساد، ولذلك فالحفلات الماجنة أشد خطرًا وفسادًا.

 

فحينما علم الإخوان نبأ الحفل الذي اعتزم نادي الطيران الملكي إقامته وعلموا ببرنامجه الذي يقوم على الرقص والغناء حيث تحيي الليل "الراقصة بديعة مصابني"، إضافة إلى الرقص الأجنبي، بادر مكتب الإرشاد بإرسال خطاب بالبريد لسعادة محمد طاهر باشا رئيس النادي، وسعادة وكيل الديوان العالي يطلبون منهم إلغاء الحفل، وكان عجيبًا ومضحكًا ومبكيًا في نفس الوقت أن يجيب النادي على الخطاب بإرسال تذكرتين لحضور الحفل باسم الإخوان بالبريد المستعجل أيضًا.

 

وعند علم الإخوان بهذا البرنامج أرسلوا خطابًا إلى سعادة وكيل الديوان هذا نصه:

حضرة صاحب السعادة وكيل الديوان العالي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أما بعد، فقد اتصل بالإخوان المسلمين عزم نادي الطيران على إقامة حفلة ساهرة يوم السبت القادم 18فبراير بكازينو لطف الله، وتحييها الآنسة أم كلثوم، والسيدة بديعة مصابني، ويتوفر فيها الشرب والرقص.

 

ولقد ضرب جلالة الملك الصالح أروع الأمثال في خلقه وتقواه ودأبه على بثِّ روح الفضيلة في شعبه، فكيف يمكن لنادي الطيران الملكي أن يتمتع بالرعاية الملكية السامية أن ينقض بمثل هذه الحفلات، إن صح ما بلغنا ما يبثه جلالة المليك الصالح من تقوى، ويهدم ما يقوي دعامته من دين، وبخاصة بين الضباط وهم عماد الوطن ورجاؤه.

 

يا صاحب السعادة.. إنا لنذكر بهذه المناسبة مثلاً عاليًا ضربه جلالة المغفور له المليك الراحل حينما أخبره المغفور له أحمد تيمور باشا بإقامة حفل كهذا للجمعية اليونانية التي تتمتع بالرعاية السامية، فما كان من العاهل العظيم إلا أن أصدر أمره الكريم بإلغاء الحفل في آخر لحظة.

 

وإننا على أتم ثقة في أن ما فعله جلالة الوالد العظيم سيكرره جلالة الابن الكريم، لا سيما في حفل الضباط الذين نيط بهم حفظ الوطن وحماية الأخلاق.

 

وإنا لإلغاء هذا الحفل أو استبداله بما يتناسب مع دين البلاد لمنتظرون، مع رجائنا الحار في رفع آيات الولاء والإخلاص لسدِّة المليك المفدى حفظه الله.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

وقد رفض الإمام الشهيد حضور أية حفلة يعلم مسبقًا باحتمال وجود رقص بها، أو خمر، أو ما يخالف تعاليم الإسلام الواضحة، فبعد تولي الملك فاروق سلطاته الدستورية عام 1938م ببلوغه السن القانونية، وقد جعل من يوم توليه "يومًا وطنيًا" تحتفل به البلاد وتعطل فيه المصالح، واعتاد ضباط الجيش في مصر الاحتفال بهذه الذكرى، وقاموا بتوجيه الدعوة إلى كبار رجال الدولة ورجال السلك الدبلوماسي للحفلة الساهرة الراقصة التي يقيمها سعادة رئيس هيئة أركان حرب الجيش، وضباط القوات المسلحة بثكنات القلعة، وقد دعي فضيلة المرشد العام إلى هذه الحفلة! إلا أنه اعتذر واكتفى بإرسال البرقية التالية إلى سكرتير نادي الضباط:

 

حضرة المحترم سكرتير نادي الضباط بالزمالك بالقاهرة: أشكر لسعادة الفريق إبراهيم عطا الله باشا، وحضرات أعضاء النادي دعوتهم الموجهة إلى لحضور الاحتفال بمناسبة ذكرى تولي حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم سلطته الدستورية، وأعتذر عن عدم الحضور، وكنت أتمنى أن يكون هذا الاحتفال بعرض عسكري قوي يليق بحزم الضباط وشجاعة الجندي، ويبث في النفوس معاني الحماس والإقدام لا بحفل غنائي ساهر.

 

والله أسال أن يغير ما بأنفسنا، لتصلح أحوالنا، وأن يجعل عهد جلالة الملك حفظه الله عهد سعادة وإقبال وحرية واستقلال.

 

ورغم علاقة الإمام البنا الشخصية برئيس الوزراء علي ماهر باشا إلا أنه عندما دعاه لحضور حفل زفاف ابنه بالإسكندرية فوجئ إخوان الإسكندرية بحضور فضيلته إلى دار الإخوان على غير موعد، وكان على استعداد لتلبية الدعوة في حالة التزام الحفل بآداب الإسلام وخلوه من منكرات أفراح طبقة الباشوات من: رقص، وخمر.. إلخ، وتصرف الإمام البنا في هذا الموقف بذكاء فقد كلف أحد الإخوان الذين رافقوه من القاهرة بالانتقال لمشاهدة أوضاع الحفل وإحاطة الإمام هاتفيًا بما رأى، فإن لم يكن بالحفل مخالفة شرعية أتم الإمام ما جاء من أجله، وإن وجد الأخ ما يسبب حرجًا للمرشد قام هو بالواجب، وعندما وجد الأخ أن الحفل كباقي هذه الحفلات لم يتصل بالإمام ففهم الإمام ولم يذهب.

 

كما أنكر الإخوان بشدة أن تُجْمَع التبرعات لفلسطين بحفلات راقصة، فتحت عنوان: "لا ينال نصر الله بمعصية الله" كتبت "النذير": أقام النادي الفلسطيني العربي حفلته الساهرة لإعانة منكوبي فلسطين بزعامة بديعة مصابني وأمثالهن، وقد طربنا لإنشاء نادٍ للدعاية الفلسطينية في القاهرة، ولكن للأسف البالغ كان هذا النادي دعاية ضد الحركة الفلسطينية الطاهرة "وليتها لم تزن ولم تتصدق؟"

 

وقد سُرَّ الإخوان كثيرًا عندما وجدوا لأعمالهم صدى داخل البرلمان، معتبرين أن ذلك هو الطريق القويم، فعندما هاجم النائب سعد اللبان الجمعيات التي تطلق على أنفسها جمعيات البر والإحسان، وتقيم حفلات راقصة صاخبة يباح فيها الخمر والميسر أيده الإخوان في هذه الحملة، معتبرين أن هذه الجمعيات إنما تنشر الإثم والفسوق باسم البر والإحسان من: عرض فصول من الرقص، والتمثيل، والغناء.

 

كما شكر الإخوان في ذلك معالي وزير الشئون الاجتماعية فؤاد باشا سراج الدين لتصريحه على أثر هذه الحملة الصادقة بأن الحكومة لن تصرح بإقامة مثل هذه الحفلات، معتبرين أن هذه خطوة موفقة، راجين أن يتبعها بخطوات لتطهير سائر المجتمع المصري من المنكرات.

 

كما وقف طلاب الإخوان بالجامعة ضد الحفلات غير الأخلاقية التي لا تليق بمحراب العلم، واعتبروا أن ذلك أمر يخالف الشرع والعادات والعرف، ولذلك يجب وقفه والتصدي له من قبل المسئولين، فإن لم يقوموا بهذا الواجب فليتركوا مكانهم الذي قصروا فيه إلى من يستطيع أن يقوم بما تقتضيه المسئولية.

 

ولذلك عندما أقامت كلية التجارة حفلة سمر جمعت بين الأساتذة والطالبات والطلبة، وسادها المجون والعبث بين الطلبة والطالبات من خلال الألعاب المختلفة، تقدم أحد طلاب الإخوان المسلمين بالكلية بخطاب إلى عميد الكلية يعبِّر له فيه عن استنكار انتهاك حرمات العلم بمثل هذا العبث، وما وصلت إليه الكلية من تحولها لتصبح مسرحًا للهو بدلاً من أن تكون منارًا للعلم، رغم ما يعرف عن العميد من محافظة على الأخلاق الحميدة وحبه للشرع، وقد استقبل العميد الأخ استقبالاً جيدًا شاكرًا له غيرته على الدين والوطن والخلق، وقد شكر الإخوان العميد على قبول النصيحة وحسن التقدير للمحافظة على الأخلاق، آملين أن يضع حدًّا لهذا العبث الجامعي حرصًا على رجال العلم وكرامتهم.

 

نماذج من الفن الهادف:

قدم الإخوان المسلمون نماذج من الفن الهادف والنظيف الذي يبني ولا يهدم، ويصلح ولا يفسد، ففي سؤال وُجِّه للإمام البنا عن كيفية زفاف المرأة المسلمة ذكر أن زفاف المرأة المسلمة إلى زوجها المسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان على حالة بالغة من السهولة والبساطة، شأنهم في كلِّ أمور حياتهم من مأكل ومشرب ومسكن وملبس؛ تخطب المرأة ثم يعقد العقد، ويقدر الصداق بحسب مقدرة الزوج؛ نواة من ذهب أو درع أو سورة من كتاب الله أو غير ذلك من الأموال أو العروض، كلٌّ على حسب مقدرته، ثم تأتي المواشط من النساء فيجهزن العروس، ويصلحن من شأنها، وتحمل إلى بيت زوجها، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم  يستحب في المدينة أن يكون مع هؤلاء النسوة شيء من اللهو؛ حتى كان يعلمهن الغناء وأن يقلن:

أتيناكم أتيناكم                  فحيونا نحييكم

ولولا الحبة السمراء               لم ننزل بواديكم

 

إلى آخر هذا الغناء العفيف الجميل، ثم يدخل عليها زوجها، وتنتهى بذلك مهمة الزفاف ببساطة وسهولة وطهر وقصد، لا منكر ولا إثم ولا بغي ولا فحش ولا سكر ولا خمر ولا سرف ولا تبذير.

 

كما قدَّم الإخوان نماذج من الفن الهادف النظيف، وساهموا في عملية الإصلاح والنهوض من خلال أعمالهم ومساهماتهم الفنية؛ حيث كانت لهم مسرحياتهم وأناشيدهم وأزجالهم ويمكن أن نبيِّن ذلك على النحو التالي:

 

أولا: المسرح

كان للإخوان فرقهم المسرحية والفنية والتي مثلت العديد من مسرحياتها على مسرح الأوبرا ومسارح أخرى كثيرة، سواء في العاصمة القاهرة أم في الأقاليم، وقد أفرزت هذه الفرق العديد من الممثلين المشهورين فيما بعد، منهم على سبيل المثال الفنان: عبد المنعم مدبولي.

 

ولم يغفلوا كذلك المسرح المدرسي؛ حيث ألفوا كثيرًا من المسرحيات الإسلامية الهادفة التي تسهم في البناء الأخلاقي للناشئة.

 

ومن الأسماء التي برزت في تلك الفترة اسم الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي شقيق الإمام البنا عليه رحمة الله، ومن أشهر مسرحياته: جميل بثينة، وبنت الإخشيد، وغزوة بدر، وأبطال المنصورية.

 

وممن ألفوا مسرحًا للناشئة الأستاذ محمد يوسف المحجوب، ومن مسرحياته: عمر والعجوز، وبلال، والهجرة الأولى، وغزوة بدر، وهجرة الرسول، وأصحاب الفيل، وذات النطاقين، ومؤامرة دار الندوة.

 

وهذه المسرحيات أطلق عليها مؤلفها: "سلسلة مسرحيات إسلامية"، وله سلسلة أخرى أطلق عليها: "سلسلة مسرحيات عامة"، ومن مسرحياتها: بنات الشمس، وعاشق الذهب، والفيل والإنسان، والربيع، والشيخ الهندي والنمر، ومؤتمر الوحوش، وله كذلك- بعيدًا عن المسرح- قصص وأناشيد للأشبال، وكان يطلق على كلِّ هذه السلاسل والمجموعات أنها: "أول مكتبة للتلميذ في الشعر المسرحي".

 

وكثير من هذه الأعمال- إن لم يكن كلها- طبعتها "مكتبة مصر ومطبعتها"، ولم تكن الفرق الإخوانية متعلقة على مبدعي الإخوان بحيث لا تقدم عروضها الفنية إلا من إبداعهم، لكن كانت مهتمة بتقديم كل عمل متميز يحقق القيم والمثل التي يدعون لها، لذلك نجدهم يمثلون مسرحيات أبدعها شعراء مثل الشاعر الكبير الأستاذ محمود غنيم، ومن مسرحياته التي قدمتها "الفرقة الإسلامية التمثيلية" مسرحية: "المروءة المقنعة"، وقد تمَّ عرضها على خشبة مسرح كازينو حلوان، وأخرجها الأستاذ عبد الفتاح رمضان الحاصل على دبلوم اللغة العربية ودبلوم فن التمثيل، وعزف ألحانها المطرب الفنان الأستاذ محمد فرج مطرب الإذاعة ودبلوم معهد الموسيقى الملكي.

 

ومما يلاحظ على الكثير من هذا الإبداع المسرحي أنه يلجأ إلى التراث الإسلامي والعربي كاشفًا عن الكثير من موضوعاته الجذابة، والتي تسهم في إزكاء الشعور الإسلامي، بالإضافة إلى المتعة والاستفادة.

 

ولا يفوتنا في هذا العرض أن نذكر كلمة للإمام الشهيد حسن البنا تخص المسرح والإذاعة أوردها الأستاذ أنور الجندي في إحدى كتبه، يقول الإمام البنا موجهًا كلامه إلى الإخوان: "إن الناس يعيشون بغير قلوب، وقد ربطتم قلوبكم وجهادكم بالله العلي القدير الذي يقول: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾(البقرة: من الآية 152)، فادرسوا وتفقهوا في مبادئكم العالية، وتمعنوا في كتاب الله جيدًا، إن هذه الكتائب والفرق لم تجهز لبغي ولا لطغيان، وإنما أعدت لتكون سلامًا في النفوس، ونظامًا للمجتمعات، وقوة للحق، ومددًا لكتاب الله، إن الإخوان المسلمين لا يحاربون المسرح ولا المذياع؛ لأنهم ليسوا من الجمود بحيث يقفون هذا الموقف، وإنما يريدون أن يطهروهما من الشر والإثم، ويزيلوا أثرها السيء المنصب على نفوس الشباب والفتيات، ولذلك فهم قد أعدوا للمسرح قصصًا كريمة وأدبًا رائعًا ومثلاً وتوجيهًا صادقًا".

 

ثانيًا: الزجل:

يعد الزجل من الفنون الأدبية التي ظهرت مبكرًا لدى الإخوان، واشتهر منهم زجال قدير يدعى "أبو هندية سيد محمد الهندي" من الإسماعيلية، أوردت مجلة الإخوان إعلانات عدة عن دواوينه الزجلية وصلت في مايو 1936م إلى ثلاثة دواوين، ونشرت له ثلة معدودة نذكر منها زجلين بعنوان "لازم تخالف هواك":

جرى إيه يا سيدنا الأفندي           ما تفوق لدينك شوية

دا العمر منك معدي               والله انت صعبان علي

***

احفظ آداب الطريق                    دي الناس بتنظر إليك

بلاش مصاحبة صديق                يضحَّك الناس عليك

***

امنع هزارك وخلي                  نفسك ما بين الصحب

رزين وثابت تملي                    تعيش معزز مهاب

***

وإن شفت برضك وليـ                 ف السكة إوعى تشاغلها

يمكن تكون "فهلوية"                وماشية قدام راجلها

***

تقع وتاخد نصيبك                    من القلام والكفوف

وكل واحد يعيبك                       وتبقى حالتك كسوف

***

اوعك في مرة تدوق                 من الخمور أي نوع

أو تهوى فعل الفسوق                  وللشيطان تبقى طوع

***

لازم تخالف هواك                  وتمد حبل العبادة

تشعر بلذة هداك                         وتكون دي كل السعادة

***

واعلم بأن الضلال                        يودي صاحبه الجحيم

أحسن جميع الفعال                      تفوز بدار النعيم

 

كما كانت هناك مجموعة زجلية أخرى لأخ يُدعى عبد اللطيف العيلي.

 

ثالثًا: الأناشيد:

قدَّم الإخوان نماذج عديدة من الأناشيد المختلفة الوطنية منها والدعوية، والتي حفظها الإخوان ورددوها في حفلاتهم ومعسكراتهم ومن أبرزها:

نشيد الكتائب للأستاذ عبد الحكيم عابدين ومن أبياته:

هو الحق يحشد أجناده                ويعتد للموقف الفاصل

فصفوا الكتائب أساده                  ودكوا به دولة الباطل

تآخت على الله أرواحنا                 إخاء يروع بناء الزمن

وباتت فدى الحق آجالنا                 بتوجيه "مرشدنا" المؤتمن

رفاق إذا ما الدجى زارنا                 غمرنا محاريبنا بالحزن

ونحن شداد إذا راحنا                    لبأس رأى أسدًا لا تهن

إلى النصر في الموقف الفاصل

 

2- نشيد بعنوان (يا رسول الله) للأستاذ أحمد حسن الباقوري ويقول فيها:

يا رسول الله هل يرضيك أنا             إخوة في الله للإسلام قمنا

ننفض اليوم غبار النوم عنا                لا نهاب الموت لا بل نتمنى

أن يرانا الله في ساح الفداء

غيرنا يرتاح للعيش الذليل              وسوانا يرهب الموت النبيل

حيينا فعلى مجد أثيل                أو فنينا فإلى ظل ظليل

حسبنا أنا سنقضي شهداء

 

رابعا: فن الأوبريت:

الأوبريت هو نوع من المسرحيات الغنائية الغرض منه هو الترفيه وإدخال السرور على النفوس أو هو "مزج فني من الشعر والنثر، ويكون فيه حظ الشعر أوفى".

 

ولقد كان عبد الباسط عبد الرحمن- شقيق الإمام الشهيد حسن البنا مكثرًا من هذا اللون، ولقد قدَّم مجموعةً قيمة من الأوبريتات أهمها: القائد المنتصر: إبراهيم باشا (9-15)، الجندي المجهول (16-21)، مجد العروبة (22-28)، إكليل الغار (29-33)، الأنشودة الفائزة (34-41)، نشيد المبرة (43-47)، وفي ديوانه بالعامية: أوبريت: معجزة الزمان (48-51) وأوبريت: الزمان يتكلم (52-54).

 

وجدير بالذكر أن هذه المجموعات الفنية تعالج موضوعات متعددة: تاريخية، ووطنية، وعربية، واجتماعية، وفنية.

 

خامسا: الكاريكاتير:

الكاريكاتير (بالإنجليزية: Caricature‏) هو فن ساخر من فنون الرسم، وهو صورة تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما، بهدف السخرية أو النقد الاجتماعي والسياسي، وهو فن له القدرة على النقد بما يفوق المقالات والتقارير الصحفية أحيانًا.

 

ولقد ظهر الكاريكاتير في مجلات الإخوان في الأربعينيات، لا سيما مع اشتداد الحملة ضد الجماعة والتشهير بالمرشد العام، فكان الكاريكاتير في مجمله سياسيًّا ساخرًا يدور حول الانتخابات وأمور الحكم.. إلخ.

 

من الأسماء البارزة في فن الكاريكاتير التي حفلت بها مجلات الإخوان المسلمين؛ طوغان، وصاروخان، وزهدي، ورخا، الذين كانت إبداعاتهم بمبادرة شخصية، ودون تكليف من أحد، ودون مقابل، بل كان دافعهم الوحيد الحرص على تسجيل مشاعرهم وأحاسيسهم تجاه الإمام البنا، وتعبيرًا عما يكنون في قلوبهم من مشاعر المحبة والوفاء للإمام وللإخوان.

 

سادسًا: إذاعة الإخوان المسلمين:

وعلى نحو غير مسبوق أنشأ الإخوان المسلمون إذاعة خاصة بهم، وكان هذا الأمر في عهد الملكية المصرية قبل ثورة يوليو، وقد سلمتها الجماعة للحكومة بعد قرار الحل الأول في عهد النقراشي، وكانت إذاعة الإخوان أحيانًا تبث، وأحيانًا كانت جريدة الإخوان المسلمين اليومية تعيد كتابة ما تبثه من أحاديث الإمام البنا كمقالي (صور من الماضي) و(ثمن الحياة).

 

أهم المراجع:

* مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، شركة البصائر للبحوث والدراسات.

* أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دور الإخوان في المجتمع المصري، البصائر للبحوث والدراسات.

* د/ جابر قميحة، التاريخ الأدبي للإخوان المسلمين.

* محمود عساف، أيام مع الإمام الشهيد.

* أنور الجندي: الإخوان المسلمون في ميزان الحق، دار الطباعة.

* عباس السيسي: حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

* محمد قطب: منهج الفن الإسلامي، دار الشروق، القاهرة.

* بحث بعنوان البنا وتجربة الفن لعصام تليمة، منشور ضمن بحوث مئوية الإمام البنا، مركز الإعلام العربي.

* مقال بعنوان الإمام البنا، بريشة رواد الكاريكاتير المصري لعبد الحليم الكناني، موقع إخوان أون لاين.


  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 62 مشاهدة
نشرت فى 22 مايو 2011 بواسطة BADRFOUDA

ساحة النقاش

ابو استشهاد

BADRFOUDA
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

121,286