الارتياح الذى يستشعره كثيرون إزاء التحقيقات التى تجريها النيابة العامة بشأن الفساد والجرائم التى ارتكبت فى ظل النظام السابق، يقابله قلق البعض من الخطوة التالية التى بمقتضاها يحاكم المسئولون عن كل ذلك أمام القضاء، ولئن بقى القضاء إحدى القلاع الحصينة التى ظلت صامدة أمام ضغوط وإملاءات ذلك العهد.
إلا أن أحدا لا ينكر أن تلك القلعة شهدت اختراقات أمنية ظلت بمثابة البقع السوداء فى الثوب الأبيض. وهو أمر مفهوم، لأن النظام البوليسى الذى استمر ثلاثة عقود لم يترك مؤسسة فى مصر إلا واخترقها وحاول تجنيدها لحسابه، بصرف النظر عن حجم تلك المؤسسة أو مجال عملها، حتى لو كانت جمعية لدفن الموتى.
وما استعصى على الاختراق إما حوصر وجُمِّد، أو هدم بالكامل. بل أزعم أنه ما من شخصية عامة ظهرت فى مصر إلا وتعرضت لذلك الاختبار.
ولى تجربة شخصية فى هذا الصدد. لا مجال للتفصيل فيها الآن.
مؤسسة القضاء عانت لما تعرضت له بقية مؤسسات المجتمع، ولابد أن نحمد الله على أن «ثوبها» ظل على نقائه، وأن ما أصابها لم يتجاوز «البقع السوداء»، على العكس مما جرى لمؤسسات الإعلام ـ مثلا ـ التى حدث فيها العكس تماما.
إذ نظرا لقوة تأثيرها فإنها خضعت للهيمنة الأمنية، حتى تحولت إلى ثوب داكن السواد.
وأصبحت البقع البيضاء ـ النقط إن شئت الدقة ـ استثناء يحتاج إلى منظار مكبر لرصده.
ما دعانى إلى هذا الاستطراد هو ذلك اللغط عالى الصوت الذى يدور فى أوساط أهل الغيرة والقانون فى مصر، منذ أعلن أن أحد قضاة جهاز أمن الدولة سيتولى محاكمة وزير الداخلية الأسبق، الذى يتصدر قائمة المسئولين عن الجرائم التى أهانت وأذلت ملايين المصريين، وتلك التى استهدفت جماهير 25 يناير الذين قتل منهم نحو 850 شخصا وأصيب أكثر من ستة آلاف، طبقا لما أعلنته لجنة تقصى الحقائق فى الأسبوع الماضى.
أثار الموضوع فى صحيفة «المصرى اليوم» الدكتور حسن نافعة، مشيرا بوجه أخص إلى حالة القاضى عادل عبدالسلام جمعة الذى كلف بنظر قضية وزير الداخلية الأسبق، فى الوقت الذى يرعاه جهاز أمن الدولة، الذى اشترى له سيارته البيجو «رقمها ذكره الدكتور نافعة» وعين له سائقا، إضافة إلى طاقم للحراسة مكون من 11 شخصا.
والسائق والحراس يتقاضون رواتبهم من وزارة الداخلية. وتلك كلها ملابسات تستوجب أمرين فى ظل أى ظروف طبيعية هما: محاسبة الرجل وتحديد موقف حازم منه بواسطة مجلس القضاء الأعلى، الذى يعد فى الصف الأول من حراس القضاة وضمان نزاهته.
الأمر الثانى الذى هو من قبيل أضعف الإيمان، أن يتنحى الرجل عن نظر قضية وزير الداخلية، كى لا تبدو محاكمته وكأنها تمثيلية مكشوفة. الكلام الذى نشر عن هذه الحالة بالغ الأهمية والخطورة. وهو يصدمنا مرتين، مرة لأن وقائعه كاشفة للمدى الذى ذهب إليه جهاز أمن الدولة فى سعيه لاستغلال القضاء ومحاولة تجنيد القضاة واستخدامهم لتغطية ممارساته القذرة.
ومرة ثانية لأن الوقائع التى ذكرت قوبلت بصمت مدهش يتعذر تفسيره أو قبوله. فلا حقق مع الرجل الذى نسبت إليه الوقائع الخطيرة. ولا حقق مع الكاتب الذى نشرها على الملأ.
معلوماتى أن مذكرة بالوقائع قدمت إلى مجلس القضاء الأعلى. وأن بعض كبار رجال القانون طلبوا من المجلس اتخاذ موقف يحفظ للقضاء كرامته وللعدالة حرمتها، وفى مقدمة هؤلاء المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض، والمستشار محمود الخضيرى والمستشار سمير حافظ، المحاميان الآن.
فى المذكرة التى قدمها المستشار الخضيرى طالب بمحاسبة القضاة الذين ثبت بحقهم التواطؤ مع أجهزة الأمن فى ظل النظام السابق، كما طالب بإحالة كل من ثبت عليهم الاشتراك فى تزوير انتخابات 2005 من القضاة إلى الصلاحية. أما الأستاذ سمير حافظ فقد حذر من سكوت القضاة على ما نشر بهذا الخصوص، لأن من شأن ذلك أن يفقد ثقة الأمة فى قدرة القضاة على تطهير مجتمعهم، الأمر الذى يطعن مرفق القضاء فى مقتل، إذ لم يهلك الذين قبلنا إلا لغيبة العدل بينهم. على حد تعبيره.
لأننا نريد أن نحتفظ بنصاعة الثوب، فلنا أن نرفع الصوت عاليا بالهتاف: الشعب يريد تطهير القضاء.
نشرت فى 26 إبريل 2011
بواسطة BADRFOUDA
ابو استشهاد
ندعوا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والى تكوين الفرد المسلم والاسرة المسلمة والمجتمع المسلم والى الحكومة المسلمة والى الدولة المسلمة والخلافة الاسلامية والى استاذية العالم »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
121,243
ساحة النقاش