كان عثمان عبقريا فى اختيار معاونيه .. نظرته فى الرجال كثيرا ما كانت تصيب .. .. وضع لنفسه قاعدة رئيسية لطريق النجاح : ان يختار معاونيه حسب الكفاية والقدرة على الادارة .. الصدق فى القول .. والاخلاص فى العمل .. وضّع تحت ما سبق ما تستطيع من خطوط .. هل تجد نجاحا يتحقق دون وجود مثل هذه الصفات ؟ .. رغم نشأته الدينية واقترانه بـ  جماعة" الاخوان المسلمون " الا ان مهندسا مثل  " ميشيل باخوم " كان فى مقدمة معاونيه الكبار .. بل كان يعهد اليه باختيار المهندسين الاكفاء والمهرة حتى يبعد الشبهة عن نفسه فى اختيارهم لعلمه بانهم من الاخوان .. وحتى يكون معيار الكفاءة والقدرة على الانجاز هو المعيار الوحيد للاختيار وليس بحسب الانتماء الحزبى او المعتقدات الدينية

مات الاب وعثمان طفلا .. فى الثالثة من عمره .. اسرة من ثلاثة اولاد وبنتين بلا عائل او مورد .. اعتمد الاخ الاكبر على " محل بقالة " كان يملكه الاب الى ان افلس .. فانصرفت الام الى تربية الطيور .. ونجح الاخ الاكبر فى ان يعمل فى بنك التسليف الزراعى بالاسماعيلية .. الام لا تقرا ولا تكتب لكنها كانت تصلى الفروض فى اوقاتها وترتل ايات القراءن الكريم فى كل وقت .

كان يحيط بالمنزل "حوش صغير " فكر عثمان فى زراعة هذا الحوش ببعض الفاكهة والخضروات فـ جمع المعلومات من الفلاحين .. وقام بتسوية الحوش .. وبذر البذور فـ تعهدها بالرعاية فـ اعطت ثمارها .. فـ قالت له امه قولا اثر فيه طوال حياته " عثمان ايده خضرة "

تربى عثمان فى بيت فى حارة عبد العزيز المتفرعة من شارع مكة بحى العرب بالاسماعيلية .. بيت يتكون من طابق واحد مبنى بالدبش والطين وسقفه عبارة عن " تعريشة " من الخشب والعروق والجليد وعشة الطيور .. وطبق الفول المدمس الذى كانت الاسرة تلتف حوله مع اطلالة كل صباح جديد .

قرر عثمان ان يعمل " صبى ميكانيكى " لبضع ساعات بعد انتهاء اليوم الدراسى .. باجر اسبوعى قدره " خمسة وعشرون قرشا "

حصل عثمان على الابتدائية وبفضل تفوقه فيها انتقل للقاهرة حتى يلتحق بمدرسة ثانوية .. والتحق بالقسم الداخلى بالمدرسة السعيدية والتى حصل منها على البكالوريا والتحق بكلية الهندسة وطلبوا منه شهادة فقر لان المصروفات كانت 40 جنيه  وهو لا يملكها .. وكان يقطع المسافة يوميا من باب الخلق الى مبنى كلية الهندسة بالجيزة سيرا على الاقدام كل يوم مرتين .

بدا عثمان حياته العملية بتنفيذ عمليات محدودة للاهالى لا يزيد حجم اكبر عملية فيها عن انشاء منزل .. ثم بحث عن العمليات التى تسندها الشركات الى المقاولين فكان اول تعامل له مع شركة عبود باشا .. واصبح اسمه من ضمن اسماء المقاولين المقيدين .. ثم تولى عملية انشاء مدرسة البنات الابتدائية بالاسماعيلية .. وعندما اصبحت المدرسة جاهزة للتسليم قامت قوات الاحتلال البريطانى بالسيطرة عليها نتيجة لقيام حكومة النحاس باشا بالغاء معاهدة الحماية .

سافر عثمان الى السعودية ليشارك فى عملية تابعة لـ وزراة الدفاع السعودية فالتقى بجلالة الملك عبد العزيز ال سعود وتوطدت علاقتهما واعمالهما المشتركة .. ثم ذهب الى الكويت .. ثم العراق .. ثم ابو ظبى .. ثم ليبيا .. ثم لبنان .. ثم قطر .

تعاطف عثمان مع الفدائيين فى منطقة قنال السويس وبدا فى اعادة بناء " كفر احمد عبده " الذى كانت قوات الاحتلال قد خربته .. وعاد ذات مرة من السعودية الى القاهرة خصيصا ليسهم فى اعادة بناء بور سعيد بعد عدوان 1956 ثم تقدم بعد ذلك لبناء اعظم مشروعات القرن العشرين " السد العالى " وكانت شركته " المقاولون العرب " هى التى قادت معركة انشاء قواعد الصواريخ .. واسهمت فى توسيع قناة السويس .. وانجزت كوبرى 6 اكتوبر ونفق الشهيد احمد حمدى واعادة تعمير منطقة القنال بعد حرب 73 .

انه المعلم " عثمان احمد عثمان " الذى اصبح من اثرى اثرياء العالم خلال فترة السبعينات .. والذى ضرب اروع الامثلة فى معانى الكفاح والكّد والتعب  والعرق والشقاء الى ان حصد فى النهاية النجاح الذى يتمناه اى انسان .. ولم ينسى يوما اصله او تنكر لبداياته المتواضعة بل يذكرها بكل الفخر والاعتزاز فى صفحات سطرها لنا من تجربته العظيمة .

وختاما اسرد هذه الواقعة من خلال كتابه " مرت الايام لتتسع دائرة اعمالى بحيث اصبحت فى حاجة الى من يعاوننى خاصة فى الامور الادارية فى المكتب .. فاتصل بى زوج شقيقتى قائلا وجدت من يعاونك .. فذهبت اليه فالتقيت مع " رياض يوسف اسعد " اول موظف انضم الى فريق الشركة بعد عثمان احمد عثمان وكان يعمل موظفا لدى الجيش البريطانى بدخل مضمون لذلك تردد فى بداية الامر ان يقبل العمل فى القطاع الخاص ومع شاب ناشئ مثلى .. الا انه وافق واععدت له مكتبا فى نفس حجرة مكتبى والتى هى مقر الشركة .. وكان اول يوم يتسلم فيه العمل هو يوم احد .. انتظرت يومها فى المكتب حتى الساعة الحادية عشر دون ان يحضر فتصورت انه رجل ليس على المستوى الذى اريده وعندما حضر سالته عن سبب تاخره فقال انه كان فى الكنيسة .. هنا اطمأن قلبى فقد عرفت انه رجل يعرف الله .. ويرعى الله فى امور دينه فلابد ان يراعى امور الاخرين ومصالحهم ولابد ان يكون امينا فى علاقاته معهم ( وضع سطورا اخرى تحت ما سبق ) وكم كنت سعيدا بنشاطه الذى ظل يلازمه طوال فترة عمله حتى احيل الى المعاش وهو يشغل منصب مدير خزائن شركة المقاولون العرب .. وبقيت العلاقات الطيبة بينى وبينه لا تنقطع كما ان ولديه البير ولطيف وابنته مارسيل انضموا لفريق العمل فيما بعد "

رحم الله " المعلم " " عثمان احمد عثمان " فـ كم يفتقد هذا الجيل رجلا مثل هولاء .

 

المصدر: موسوعة " رجال ونساء من مصر " لمعى المطيعى
  • Currently 63/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 153 مشاهدة
نشرت فى 17 يوليو 2010 بواسطة AshrafSalah

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

4,599