كان فن العمارة في صدر الإسلام غاية في البساطة ، ولم يهتم الخلفاء الراشدون ببناء القصور، فكانت مساكنهم عبارة عن حجرات قليلة لا تفترق عن بيوت الناس إلا بما فيها من الدواوين، حتى إن دار الإمارة وهي أهم ما في المدينة الإسلامية بعد المسجد كانت بسيطة في أول الأمر ثم تدرجت إلى الفخامة خصوصاً لما تعددت دول الإسلام وتنافس الحكام في البناء فأصبح يعرف من دون المباني الأخرى بأسماء تدل عليه وتميزه. وأصبحت في عهد الأمويين ومن أتى بعدهم قصوراً كثيرة الأبنية ، أسوارها مرتفعة وأبوابها عديدة حتى بلغت العشرة أبواب فأصبحت تشمل على أبهاء واسعة وقاعات للجلوس ذات أعمدة عرفت باسم إيوان، ودهاليز ودور خاصة للخلفاء وعائلاتهم ومستخدميهم وحريمهم. ومخططات القصور الإسلامية متشابهة، مسقطها مربع يحيط بها سور تعلوه أبراج ركنية وضلعية دائرية أو نصف دائرية لها مدخل واحد يوصل إلى فناء مكشوف تحيط به كل المرافق كالأروقة والمساكن والسلالم والأحواض، وقد تميزت تلك الأبنية بالاتساع والرحابة وكادت تقارب المدن بمقاساتها فقد بلغت مساحة قصر الزهراء خمسة وعشرين ألف متر مربع. لقد كانت القصور الإسلامية نماذج رائعة للبناء المتين والزخارف الجميلة والذوق الرفيع فحوت أجمل ما في العمارة والجمال من رسوم للجدران والمقرنصات والخزف والبرك والواحات والشبابيك والسقوف بألوانها المميزة وأشكالها الأنيقة، وانتشرت تلك القصور في أرجاء المدن الإسلامية وبواديها. كانت قصور الخلفاء الأمويين في البوادي حيث يقيمون فيها لبعض الوقت للاستجمام فاهتموا بإنشاء القصور المزينة بالزخارف النباتية والهندسية والصور والتماثيل، وتمثل قصور الأمويين التي بنوها في بادية الشام الفن الإسلامي في شكله المدني، ومن المرجح إن هندسة هذه القصور تجمع بين الفن الروماني والغساني والفارسي. بنيت القصور الأموية وفق شكل معماري متماثل في كثير من تفاصيله التي تبدأ من السور المحيط بالمبنى ثم الصحن الداخلي الذي تشرف عليه أروقة تعقبها غرف في طبقة واحدة أو طبقتين. وما يميز فن العمارة الأموي هو أصالته في النشأة المأخوذ من التقاليد العربية والظروف المناخية. ومن أشهر قصور الأمويين قصر عمره المنسوب إلى الوليد بن عبد الملك ويقع على بعد مئة كيلو متر شرق عمان وفي هذا القصر تظهر آثار فنون ما قبل الإسلام البيزنطية والساسانية وخصوصاً في زخرفة التصاوير البشرية على الجدران وهو مكون من طابق واحد ويقسم إلى قسمين قاعة الاستقبال وأفنيتها والحمام وأفنيته. ومنها قصر (خربة المفجر) ويبعد حوالي خمسة كيلو مترات شمال أريحا بناه عبد الملك بن مروان ويتميز بسعته وينفرد بأساليب معمارية فنية لايوجد لها مثيل في سائر القصور فهو يتكون من ثلاثة أبنية ضخمة هي مبنى السكن ويشمل قاعة البلاط وغرف الإدارة وغرف الحريم ويتوسطها بناء مكشوف ومسجد الصلاة، والحمام. والقصر مؤلف من طبقتين بدون فتحات خارجية، وامتاز بزخارفه الفسيفسائية المؤلفة من مكعبات حجرية ملونة تشكل صوراً وزخارف رائعة التصميم والتنفيذ، كما يحتوي على منحوتات حجرية لتماثيل رجال ونساء موجودة في المدخل المسقوف. ومن روائع القصور الأموية قصر المشتى الذي ينسب إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويقع في الصحراء الأردنية قرب عمان ويتألف من مجلس أمامي مزود بغرف جانبية وفناء كبير يتوسطه حوض ماء وتتوزع من القاعة الرئيسية ثلاثة أروقة تمتد عمودية على الجدار الرئيسي وللقصر بوابة واحدة وهو مبني من الآجر المشوي أما واجهة القصر ففيها زخرفة فنية رائعة. وقصر الحير الغربي قرب تدمر المنسوب إلى هشام بن عبد الملك وهو أشبه بالحصن له سور عال مزود بالأبراج وفيه زخارف متنوعة ذات رسوم هندسية ونباتية. وهناك قصور أخرى تشهد إلى ما وصل إليه الأمويون في الفن المعماري وتشترك جميع هذه القصور في تصميم واحد تقريباً لا يختلف إلا في التفاصيل وهي مشيدة بالحجارة، وتتميز بكبر حجمها ومتانة جدرانها، كما توفرت فيها وسائل الراحة والرفاهية من حمامات مزودة بغرف الاستحمام بالماء البارد والساخن وهكذا أصبحت البادية عامرة بهذه القصور وغيرها كثير. القصور العباسية نشطت حركة العمارة المدنية نشاطاً كبيراً في العصر العباسي ، حيث اهتم الخلفاء بتشييد قصور لهم في المدن التي أنشأوها، ففي بغداد بنى المنصور قصر الذهب المشهور وقصر الخلد وشيد الرشيد قصراً في الرقة في سورية، وبنى المعتصم قصر الجوسق سنة 221هـ في سامراء وكان لهذا القصر مدخل واحد كبير ويتألف القصر من واجهة تطل على نهر دجلة وخلفها ثلاث قاعات تغطيها قبوات نصف اسطوانية ثم صحن مربع في وسطه فسقية وعلى كل جانب من جوانبها ثلاث غرف ثم قاعة الخليفة. وقاعة العرش بهو مربع يحيط به من جهاته الأربع قاعات وجد على جدرانها كثير من الزخارف الجصية التي امتاز بها الطراز العباسي وعثر في قسم الحريم على قاعات صغيرة للنظافة، وكان الماء يصل إليها في أنابيب من الرصاص، وعثر على سرداب صغير في مدخله قاعة مربعة يزين جدرانها نقوش على الجص تمثل إبلاً ذات سنامين تسير في هدوء. وبنى المتوكل في سامراء قصور العروس والمختار والوصيد والقصر الجعفري، وشيد المعتمد في سامراء قصر المعشوق سنة 266هـ. وشيد أحمد بن طولون قصراً وميداناًً للعبة الصولجان في مدينة القطائع التي شيدها عام 256هـ، بجوار مدينة الفسطاط ويعتقد إن هذه المدينة بقصورها قد تأثرت بفن عمارة سامراء. وفي شمال أفريقيا شيدت العديد من القصور لعل أهمها قصر (رقادة) جنوب مدينة القيروان وهو بناء مستطيل يحيط به سور خارجي تدعمه أبراج نصف دائرية ويتجه مدخل القصر إلى الشرق وقد فرش صحنه بالآجر وبه ماجن كبير لخزن الماء تتخلله الكثير من السواقي التي كانت تجلب له ماء السطوح وتفتح أبواب الغرف كلها إلى الصحن. واعتمد في بناء مواده على قوالب الطين الني، واستحكمت أسسه بالأخشاب، ووجد به كسرات من الفخار تحمل زخارف نباتية وفي بعضها الآخر بقايا من صور حيوانية واستعملت فيها الألوان الأخضر والأصفر والأسود، ووجدت أيضاً بعض الزخارف الجصية على الجدران داخل الغرف تمثل وريدات وزخارف نباتية وهندسية محفورة ملونة بالأحمر والأخضر. وفي الأندلس اشتهر من قصورهم قصر الخليفة الناصر بمدينة الزهراء وكان يمتاز بزخارفه الجميلة المنحوتة على جدرانه وتتكون من عناصر نباتية يبدو فيها الأثر البيزنطي والقوطي بينما لايظهر الفن العباسي المنتشر في الشرق، وبجانب قصر الزاهرة هناك قصور قرطبة ومنها قصر الرصافة الذي بناه الناصر وقصر دمشق وقصر الزهراة والقصر الفارسي وقصر حير الزجالي. ويظل قصر الحمراء النموذج الفاخر الذي شيده ملوك الأندلس بنو الأحمر في القرن السابع الهجري وقد جاءت تسميته من التربة الحمراء التي شيد عليها القصر. والقصر قوامه ثلاثة أقسام: الأول هو (المشور) الذي يجلس فيه الملك، والثاني قسم الاستقبالات الرسمية ويشمل الديوان، أما الثالث فخصص للحريم ومساكن النساء، وقاعة السفراء تدخل في برج قمارش ويتصل بهذا الجزء من القصر صحن السباع وفي وسطه فسقية رخامية من عدة أحواض أكبرها قائم على تماثيل سباع من الرخام عددها اثنا عشرة، ويحوي القصر مسجداً وحماماً، وفي المسجد زخارف تشبه أجزاء القصر، أما الحمام ففيه غرفة أولى ذات مسطبتين رخاميتين تتوسطهما فسقية رخامية تحيط بها أربعة أعمدة من المرمر تحمل سقفاً في دوره العلوي. وتعد قاعة السفراء أفخم أجزاء القصر فعلى جدرانها إبداع الطراز المغربي وفي قبتها الخشبية النقوش المذهبة، الغالب على قصر الزهراء الإسراف في الزخرفة وليس العناية بمتانة البناء لذا تهدمت بعض أجزائه وأعيد إصلاحها وبُني عليها. وخصص الفاطميون أموالاً طائلة للصرف على العمائر والقصور ومن أشهر القصور الفاطمية في القاهرة قصر القبة الذي أسس عام 1180مسيحي، وسمى كذلك لوجود قبة تعلو القاعة الرئيسية في وسط البناء، ويتكون القصر من بناء مستطيل وفي الوسط القاعة الرئيسية العالية التي تغطيها قبة القصر وزينت الجدران بزخارف خاصة تنتشر في كل مكان من القصر.

المصدر: جمعية الدعوة الاسلامية العالمية
  • Currently 139/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 4111 مشاهدة
نشرت فى 1 يونيو 2010 بواسطة Architecture

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

439,975