النظــرية الوظيفية
لو كـــوربوزييـه


مقدمة عن النظرية الوظيفية



- الوظيفية بمعناها الواسع هي أن تؤدي الأشياء المصنوعة الأغراض التي تصنع من أجلها .. وأن يكون لها من الأشكال ما يأتي تبعاً لهذه الأغراض أو الوظائف.

- الوظيفية بمعناها الواسع موجودة في كل الثقافات وفي عمارة كل العصور ويعرفها المعماريون .. وكتب عنها وعن المنفعة كل كتاب العمارة منذ فيتروفيس .. كما أنها موجودة منذ عهد الكهوف عندما بدأ الإنسان يصنع لنفسه الأدوات ويختار لها من الشكل ما يتوافق مع تلك الوظيفة.


- أول من نادي بهذه النظرية في العصر الحديث هو المثال الأمريكي Horatio Greenough (1805 – 1852م) حيث نادي بأن الشكل المعماري لابد وأن يكون رد فعل طبيعي للمنفعة كما حادث في كل المخلوقات.


- جاء من بعده Louis Sullivan حيث نادي بأن يتيع الشكل الوظيفة.


- نادي بهذه النظرية مجموعة من المعماريين ورغم اختلاف وجهة نظرهم حول المفهوم إلا أنهم اجتمعوا على الاعتراف بالاتجاهات العلمية والصناعية الحديثة وترك الاتجاهات الرومانتيكية والبعد عن الزخرفة.


- النظرة الأوربية جامدة .. النظرة الأمريكية عضوية .. في تفسير النظرة الوظيفية.


- ماهية النظرية الوظيفية:-


- هي نظرية عظيمة الفائدة أوجدت دقة في التحليل الكثير من المشاكل النظرية والعملية وكانت عاملاً منقياً حررت المعماريين من التقليد والاقتباس وحررت المباني من الزخارف.

- لم يوجد منافس لها سوى النظرية العضوية في أمريكا .. وكانت المخرج الوحيد من أزمة التخبط التي سادت القرن التاسع عشر.


- كان فيها الكفاية بعد الحروب في الأزمات الاقتصادية والحاجة العاجلة للبناء والتعمير فكانت أحسن حل لتلك الظروف المتطرفة عن طريق كفاءتها في العمل وتخليصها للمباني من كل ما ليس له فائدة عملية.


- رفعت المستوى العام للتصميم المعماري وأمكن بها إنتاج أعمال جيدة حتى في أيدي المعماريين العاديين.


- كانت تثبت صحة التصميم .. ففي أي عمل جديد ليس له مثال سابق كانت الوظيفية هي مقياس الحكم على مدى صلاحية العمل .. وكانت في فترات التكوين والتأسيس لنوع جديد من العمارة أهم من أي اعتبارات أخرى .. لكنها في حالة تعدد الحلول لا يمكنها أن تحدد الحل الجيد بل تعزل الرديء فقط.


- تمثل التدريب المناسب لطلبة العمارة ولشبان المعماريين.


وجهات النظر المختلفة في الوظيفية


1 :أن تصمم المباني كما تصمم الآلات

- منذ أن بدأ عصر العقل أو الفكر في القرن 18 وأثبت العلم تفوقه على العواطف صارت النظرة إلى الأمور علمية في المقام الأول وصارت الآلات هي أدوات العصر في العمل والإنتاج.



- يطالب أصحاب هذه النظرة أن تصمم المباني كما تصمم الآلات بالعلم والمنطق والدقة والحساب .. ويكون كل شيء موجود لسبب وبكمية مطلوبة ويؤدي عملاً خاصاً به.


- فهذا ”جروبيوس“ يطالب بعمارة تلائم عصر الآلات والراديوهات والسيارات السريعة .. وهذا ”لوكوربوزييه“ يصف البيت بأنه أله للعيش فيها The Home as a Machine to Live in.


- إلا أن هذه النظرة عاطفية ليس لها ما يبررها ولا تستند إلى سبب فكري معقول يتوافق مع عصر المنطق والعلم الذي تواجدت فيه .. ورغم هذا تأثر المعماريين كثيراً بها وعملوا بمنطقها حتى ولو تحت مسميات آخرى.


2 :تقليد أشكال الآلات في المباني


- بسبب الإمكانات الهائلة للآلات فقد اندهش لها معاصروها والمهندسون وأصبحت موضع الاحترام للجميع.

- افتتن الناس بالآلات وتعلقوا بها وجعلوها مادة للتأمل .. وعرفوها ”خطأ“ بأنها أهم شيء في الحياة وكل شيء في الحياة.


- لم يكن الفنانون بعيدين عن هذا .. فقد أخذوا منها إلهامات في فنونهم المختلفة .. منهم الرسامون ”أوزنفان“ و ”لوكوربوزييه“ و ”ليجيه“ الذي جعل الأشخاص في لوحاته كالمصنوعات المعدنية .. وكذا في فن النحت.


- جاء الدور على العمارة .. رغم ما لها من تعقيدات وعوائق أكثر مما للفنون الآخرى .. ولماذا لا تستخدم العمارة أشكال الماكينات وقد سبق وأن استخدمت أشكال النباتات في الفن الجديد Art Nouveau.


- استخدم بعض المعماريون بعض أجزاء الماكينات ومنهم من جعل مبانيه على شكل آلة بأكملها .. فقد أخذ لوكوربوزييه عناصر مأخوذة من البواخر كالسلالم البحاري والشبابيك المستديرة والبلكونات الصغيرة .. أيضاً ”رايت“ الذي له بيت ذو أسقف ممتدة من الجانبين يسمى الطائرة وآخر يسمى البارجة.


- كانت هذه نظرة سريعة وسرعان ما تغيرت بعد ما وجد المعماريين أن أشكال الآلات تتغير.


3 :استخدام الآلات ومنتجاتها في العمارة


- هذا هو الحل المعقول والسليم .. حيث يستفيد المعماري مما تحققه إمكانات العصر الحديث .. وأن يراعي ما يعنيه هذا من تغير في أساليب التنفيذ والإنشاء والمواد .. وتأثير كل ذلك على الشكل المعماري في النهاية.

- وبهذا يمكن للعمارة أن تنتمي للعصر الحديث ويكون التعبير المعماري فيها حقيقياً لا مصطنعاً.


- هذه النظرة هي التي استمرت في العصر الحديث .. حيث أصبحت الآلة تحقق ما لم يحققه الإنسان وبسرعة فائقة ..فكان الأجدى الاستفادة من ذلك في تصنيع أجزاء وعناصر المباني .. فلماذا لا نستخدم الآلة في تصنيع الأبواب والشبابيك وكسب الوقت وتوفير المال الذي كانا يستهلكها في الطرق التقليدية القديمة.


- كل هذا مقبول بشرط ألا تغطى الآلة على فكر الإنسان والمعماري بشكل خاص .. وتتحول القيم الفنية والأحاسيس إلى أحاسيس صناعية لا تقبل إلا بما تقدمه الآلة ولا تعجب إلا بدقة الآلات .. (جمال ما تصنعه الآلة وجمال ما تصنعه اليد)


لوكوربوزييه (1887 – 1965م) Le Corbusier

- سويسري الأصل .. فرنسي الجنسية .. كان فناناً موهوباً له أعمال كثيرة في مجال الرسم والتصوير مما قوى لديه الملكات الفنية الخاصة كالخيال الخصب والقدرة على تصور الأفكار في مخيلته قبل أن يضعها على الورق.
- تميز بشخصية متفردة ومسيطرة وكان يرى أنه المعماري الوحيد الفذ في ذلك الوقت!!
- ترك بصمات واضحة على العمارة الأوربية والعالمية بشكل خاص من خلال الأعمال الكثيرة التي تركتها والتي تمثل توجهه بالبحث في حقيقة الهيئة المعمارية وفقاً للظروف الجديدة والإمكانات التي أتاحها التقدم التكنولوجي الجديد .. فقد كان يرى أن على العمارة أن تستخدم الوسائل التي تعمل على تحقيق الراحة للإنسان.
- له الكثير من الأفكار المعمارية التي لم يكتب لها الظهور على أرض الواقع بسبب الصراع ما بين التقليديين والحدثيين ومن أهم هذه الأفكار ما كان في مسابقة مبنى هيئة الأمم المتحدة.
- امتزج مع عمارة الشرق العربي وله أعمال منها ما نفذ ومنها ما لم ينفذ مثل بعض الأعمال في بغداد وتخطيط مدينة الجزائر .. وقد وضح تأثره الكبير بالأفكار المعمارية التي احتوتها عمارة الشرق الإسلامية على وجه الخصوص.
ملامح الفكر المعماري عند لوكوربوزييه
1 :تفريغ المبنى الصندوقي

كان للوكوربوزييه وجهة نظر مختلفة في الصندوق الكلاسيكي وإن كان لم يهاجم المباني الصندوقية بشكل كبير .. وتتلخص في الحفاظ على شكل الصندوق ولكن بعد عمل تفريغات في الصندوق تسمح باندماج الفراغات الداخلية مع الفراغ الخارجي وكل ذلك داخل الهيئة الهندسية النقية التي تحدد ملامح الصندوق.
كما ساهمت هذه الفكرة في تحقيق هيئة جديدة للحيز المعماري الداخلي .. صحيح أنها تختلف عن الهيئة التي قدمها ”رايت“ من قبل ولكنها لا تقل عنها من ناحية الإثراء الفكري والفراغي والتشكيلي.
وجهوده في هذا المجال كثيرة وشملت كل جوانب الفراغ.
أولاً: الفراغ المعماري: في هذا الإطار لم يعمد ”لوكوربوزييه“ إلى أن يذهب الفراغ الداخلي إلى الفراغ الخارجي بفكر الانسيابية الذي حققه ”رايت“ من قبل ولكنه اعتمد على أن يأتي الفراغ الخارجي لكي يندمج مع الفراغ الداخلي من خلال التجويفات التي فعلها في الصندوق .. أضف إلى ذلك قدرته على وضع الحوائط الداخلية في أي مكان بغض النظر عن اختلاف طوابق المبنى.

ثانياً: الحدود الخارجية (الحوائط): عمد ”لوكوربوزييه“ إلى تفريغ الصندوق عند الأركان بشكل خاص مما ساهم في الاتصال بين الفراغ الداخلي والخارجي .. كما أنه تمكن من تحرير الحوائط الخارجية من الإنشاء وبالتالي تمكن من وضعها في أي مكان.

ثالثاً: الفتحات: باعتماد مبدأ الفتحات الطويلة فقد تمكن ”لوكوربوزييه“ من تحقيق الاتصال بين الفراغ الداخلي والخارجي من خلال هذه الأشرطة الممتدة.

رابعاً: السقف: حاول ”لوكوربوزييه“ معالجة أسقف الفراغات الداخلية عن طريق الفتحات التي عملها في هذه الأسقف وقد اشتهرت أعماله بالفراغات المرتفعة بارتفاع طابقين ”الميزانين“ حيث ينساب الفراغ بين الطابقين.

2 :مبادئ العمارة الحديثة عند لوكوربوزييه

أولاً: المسقط الحر Free or Open Plan: بحيث يمكن وضع الحوائط في أي مكان من دون الارتباط بالنظام الإنشائي .. عكس النظام القديم الذي ارتبطت فيه الوظيفة بالإنشاء.

ثانياً: الواجهات الحرة Free Facade: بحيث يمكن وضع الحوائط في أي مكان من دون الارتباط بالنظام الإنشائي .. عكس النظام القديم الذي ارتبطت فيه الوظيفة بالإنشاء.


ثالثاً: الشبابيك الأفقية الطويلة Ribbon Windows: حيث تمتد النوافذ أفقياً من أول الواجهة حتى آخرها فساعد ذلك على تحقيق ارتباط قوي بين الفراغ الداخلي والخارجي.


رابعاً: رفع المبنى على أعمدة Pilots: بدلاً من أن يغوص المبنى في الأرض كما هو في الفكر العضوي .. حيث يسمح للأرض بأن تمتد تحت المبنى وتستغل في أغراض كثيرة.

خامساً: حديقة السطح Roof Garden: وبهذا يتحقق مجموعة من الفوائد الفنية والاقتصادية والوظيفية والروحية.

3 :سيطرة المبنى على الطبيعة

- اختلف ”لوكوربوزييه“ عن ”رايت“ في علاقة المبنى بالطبيعة .. حيث رأى ”لوكوربوزييه“ أن تسيطر المباني على الطبيعة.
- كان يقول: ”إن المسكن الذي نبنيه يرغب في أن يرى الريف أكثر من أن نضعه بين الأشجار والحشائش“.
- بالطبع فإن هذا يتوافق مع فكره حول حديقة السطح ورفع المبنى على أعمدة وحول تفريغ المبنى الصندوقي والحفاظ على الحدود الخارجية له.
4 :تقنيات جديدة لمعالجة المناخ الحار
- كان ولابد من حل لموضوع النوافذ الطويلة وخصوصاً في حالة المناخ الحار.
- كانت فكرة كاسرات الشمس والتي طورها في أعماله بشكل كبير.
- يقول ”هنري – روسل هتشكوك“: ”إن كاسرات الشمس التي استخدمها لوكوربوزييه قد أجرى بها تصحيحاً وظيفياً للصناديق الزجاجية“.
- يعتبر البعض هذه التقنية هي النقطة السادسة ضمن مبادئ العمارة الحديثة التي أعلنها ”لوكوربوزييه“


5 :تقنيات جديدة في طرق ومواد الإنشاء

- تميز ”لوكوربوزييه“ باستخدام الخرسانة المسلحة كمادة بناء بإمكانها أن تحقق رغباته في التشكيلات والإنشاءات التي قدمها.
- اقترح ”لوكوربوزييه“ عام 1914م هيكل بيوت الدومينو وهو يتكون من بلاطتين محمولتين على ستة أعمدة ومتصلتين بسلم خارجي.
- يقول ”كريستيان نوربرج – شولز“ نقلاً عن ”لوكوربوزييه“: ”نحن نستطيع أن نقدم نظام الإنشاء - إنشاء العظم - وهو مستقل تماماً عن الاحتياجات الوظيفية لمسقط المسكن يسمح لنا بمجموعات متعددة من التنظيم الداخلي وعمل المعالجات الممكن تخيلها للفتحات في الواجهات“.
- نجح ”لوكوربوزييه“ في أن يحول الإنشاء إلى وظيفة تعبيرية بتحويله من كونه وسيلة تقنية إلى نظام معماري .. وكما يقول عنه ”سيجفريد جيدين“: ”إن لوكوربوزييه عرف كيف يوضح السر المدهش للصلة بين الإنشاء الخرساني واحتياجات الإنسان والرغبات الملحة التي تأتي على الأسطح .. لقد كانت فكرة لابتكار المساكن بخفة غير مسبوقة“.



المصدر: النظــرية الوظيفية لو كوربوزييـه
  • Currently 104/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
33 تصويتات / 11774 مشاهدة
نشرت فى 31 مايو 2010 بواسطة Architecture

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

445,464