مما لا شك فيه أن الإعلام في عصرنا الراهن يشكل عصب الحياة ومحركها الأساسي على كافة الأصعدة، وقد ساهمت التقنيات الحديثة على إتاحة الفرص أمام الوسائل الإعلامية لتتخطى الحدود وتعبر القارات، متجاوزة بذلك القيود السياسية والاجتماعية التي تفرض على وسائل الإعلام التقليدية.
ويشكل الشباب العربي شريحة واسعة من المستقبلين الذين يتعرضون يومياً لكمٍ كبير من الرسائل الإعلامية التي تختلف في مضمونها ومحتواها وأهدافها، لكن الواقع يشير إلى أن هذه الفئة رغم اتساعها هي فئة هشة يسهل التأثير عليها، ما يستدعي الاهتمام الكبير بها من قبل وسائل الإعلام المحلية والاقليمية.
سنتوقف هنا على بعض الجوانب في الإعلام المرئي ممثلاً بالقنوات الفضائية والمحلية والإعلام المطبوع والصحافة الإلكترونية، وسنعرض بعض الأمثلة من الواقع السوري الذي يعتبر الإعلام الخاص ظاهرة حديثة نسبياً فيه.
الفضائيات العربية والشباب:
بنظرة سريعة على عدد من المحطات الفضائية العربية نلحظ مدى الغياب أو التغييب للبرامج الشبابية الجادة التي تناقش وتحلل وتقترح الحلول وترصد المشاكل لقضايا الشباب العربي، ولا تحتل البرامج الجادة والهادفة سوى مساحات بث قصيرة لحساب برامج أخرى لا تعبر عن واقع واهتمامات الشباب الحقيقية وهمومه وهواجسه، وتأتي بمعظمها على شكل برامج منوعات ودردشة وفيديو كليب وما سمي مؤخراً برامج تلفزيون الواقع غالباً ما تناقش قضاياه بسطحية ومن وجهة نظر استهلاكية يغيب عنها عمق التحليل والإحاطة بجوانب القضية وإبداء الرأي من قبل المختصين والخروج بتوصيات تطرح على أصحاب القرار لتحقيقها على أرض الواقع.
هذا التجاهل والقصور والقطيعة بين وسائل الإعلام وقضايا الشباب وخاصة فيما يتعلق منها بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كمشاكل البطالة وارتفاع سن الزواج وغياب المشاركة الشبابية في صنع القرار يؤدي بكل تأكيد إلى حدوث نوع من الإحباط واللامبالاة قد تصل في مراحل متقدمة إلى المشاركة السلبية في أعمال قد تنعكس ضد مصلحة المجتمع.
ويرى الصحفي مضر الحجي أن حال التلفزيون المحلي لا يختلف عن الفضائيات العربية، وفي دراسة نشرتها مجلة شبابلك (العدد 35 - نيسان 2008) يذهب إلى أبعد من ذلك حيث يرى أنه لا زال في بعض برامجه يعتمد قوالباً أكل الدهر عليها وشرب، وغالباً ما تقدم هذه البرامج بأساليب ركيكة، وحتى عندما يعمل القائم عليها على إحداث تغيير فيها، فإن محاولته تنطوي على تقليد غير متقن، ينتهي بها إلى الركاكة، وخاصة تلك البرامج التي تدّعي أنها موجهة للشباب.
وفي استطلاع رأي أجرته صحيفة الثورة السورية أظهر الاستطلاع تراجع أولويات المعرفة والإعلام لصالح تقدم التلفزيون وطغيانه على ممارساتهم الحياتية فهو وسيلة لقتل الملل والاطلاع على ماهو جديد ومسلي، والبعض يرى أنه يقدم معلومات تضاهي معلومات الكثير من الكتب والمجلات، كما أنه " جاء متناسبا مع حالة الاسترخاء التي يبحث عنها الناس اليوم نتيجة الضغوط التي يعيشونها والزحام الذي لا يطاق في كل مكان من المدينة لذلك ستكون قنوات الأغاني والأفلام هي الأكثر مشاهدة والأفضل".
الإعلام المطبوع:
وربما يختلف الأمر مع وسائل الإعلام المطبوعة نظراً للخصوصية التي تتمتع بها الصحف، واختلاف جمهور الصحيفة عن جمهور التلفزيون، لذلك فإن القضايا المطروحة في الصحف المطبوعة غالباً ما تتميز بعمق التحليل والتحقيق ودقة ومصداقية الشواهد والبراهين، كما أنها موجهة لجمهور أكثر ثقافة من جمهور الفضائيات.
وتفرد صحف كثيرة سواء المحلية منها أو الواسعة الانتشار صفحات شبابية وملاحق أسبوعية لمناقشة قضايا الشباب في أكثر من مجال، وتتضمن عادة تحقيقات صحفية وآراء لمختصين من مختلف الدول العربية، ولاتزال هذه الصفحات هي الأكثر اقتراباً من قضايا الشباب ومشاكله رغم أن انتشارها لا يمكن أن يقارن بانتشار الفضائيات.
وبعيداً عن الصحف اليومية فإن المجلات الشهرية والمطبوعات الدورية أبعد ما تكون عن مشاكل الشباب الحقيقية، ولا تتعدى هذه المطبوعات - رغم الأسماء الشبابية التي تحملها - أخبار الفن والأزياء والأبراج والتسلية والترفيه، ما يعكس حجم المشكلة الحقيقية في غياب الشباب العربي عن منابر إعلامية يمكن أن تستثمر لإيصال صوته وحل مشاكله وتحقيق مشاركته الفعلية في التنمية والحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع..
وفي سورية التي أظهرت دراسة قامت بها اليونيسكو بالمشاركة مع اتحاد شبيبة الثورة (منظمة شعبية رديفة للحزب الحاكم) أن 17% فقط من الشباب السوري يقرأ الجرائد، فيما أظهر استفتاء قامت به اللجنة العربية لحقوق الإنسان أن 64% من الذين شاركوا بالتصويت اعتبروا أن الصحافة السورية لا تقوم بدورها تجاه القراء.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته الصحفية لينا ديوب في صحيفة الثورة السورية فراقاً وقطيعة بين الشباب والصحافة المطبوعة فمعظم من شملهم الاستطلاع لا يهتمون بمحتوى الصحف المطبوعة التي غالباً ما تقع بين أيديهم مصادفة، ويرون أنها لا تعالج مشكلات الناس ولا تحوي عناوين جذابة، كما أن كثافة المناهج الدراسية تمنع معظم الشباب من الاهتمام بالمطالعة عموماً وقراءة الصحف بشكل خاص، فيما اعتبر البعض أن وجود الانترنت والفضائيات قلل من عدد المتابعين للصحف والمجلات، وهناك من يرى أن الصحف الحكومية "تفتقد إلى الوضوح والجرأة بعرض المشكلات، وغالبية الصحف الشبابية تافهة وسطحية، أو تخصص زوايا صغيرة للمشكلات الجدية".
الإعلام الإلكتروني
لا شك أن ثورة الاتصالات قد فرضت ذاتها على مختلف جوانب الحياة في السنوات الأخيرة الماضية، وكان للوسائل الإعلامية نصيب كبير منها، فشبكة الانترنت تعتبر وسيلة إعلامية كبيرة تضاهي من حيث سرعة إرسال وتلقي الرسالة الإعلامية الوسائل المقروءة والمرئية التقليدية.
ويعتبر الشباب من أكثر الشرائح الاجتماعية قرباً واستخداماً لشبكة الانترنت، فهم أقدر من غيرهم على استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة التي لا يجيدها كثيراً من هم أكبر سناً، إضافة إلى هامش الحرية الكبير الذي تتمتع به شبكة الانترنت والذي ربما وجد فيه الكثيرون ضالتهم.
وتعتبر المنتديات الإلكترونية والشبكات الاجتماعية وغرف الدردشة أكثر ما يجذب الشباب بشكل عام إلى شبكة الانترنت، فالمنتديات الإلكترونية تؤمن للشباب ساحات حوار مباشرة يمكنهم من خلالها طرح أفكارهم ومناقشتها مباشرة وبمعظم الأحيان دون رقابة مسبقة على محتوياتها، مما جعل المحتوى العربي يذخر بأعداد هائلة منها.
ويتفاوت دور هذه المنتديات بين احتضان للإبداع الفكري والثقافي والعلمي وتبادل المعارف والخبرات وتناول القضايا السياسية والاجتماعية بحوار جاد وهادف، وبين احتضان "للمهرجين" ممن تغص بهم هذه الشبكة العنكبوتية، فهناك الكثير من المنتديات الإلكترونية التي يشكل الترفيه السخيف عمادها الأساسي، وتعتمد بمعظم محتواها على المواد المتكررة والمبتذلة والمسروقة وعبارات الشكر والترحيب.
من جانب آخر برزت على الساحة الإعلامية العربية الكثير من المواقع الإخبارية والمجلات الإلكترونية ، وإن كان عدد المواقع الإلكترونية المتخصصة بقضايا الشباب ومشكلاتهم الحقيقية مازال قليلاً، فإن بعض المواقع الإخبارية والبوابات الإلكترونية تفرد مساحات لا بأس بها لهذا الجانب.
وقد برزت في سورية مؤخراً الكثير من المواقع الإخبارية المحلية التي تغطي جوانباً كبيرة من حياة المجتمع السوري، وكان للشباب السوري حصة لا بأس بها، عدا عن ذلك فإن هناك بعض المواقع المتخصصة بجانب معين من قضايا الشباب، فهناك ما يختص بالتعليم الجامعي أو قضايا المرأة والعنف الموجه ضدها أو الجوانب الثقافية والفنية في حياة الشباب، لكن أكثر ما يميز الصحافة الإلكترونية أنها فتحت المجال أمام الكثير من المواهب الإعلامية الشابة للظهور وممارسة دورها في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع، كما أنها فتحت الطريق أمام الكثيرين لنشر أفكارهم التي قد لا تجد طريقها للنشر في الصحف المطبوعة والحكومية، عدا عن ذلك فإن سهولة النشر الإلكتروني وانخفاض تكاليفه وسهولة إنشاء موقع إلكتروني جعلت من الصحافة الإلكترونية ربما الوسيلة الأكثر قرباً من اهتمامات الشباب، والأكثر تأثيراً وفاعلية في مناقشة قضاياهم ومشكلاتهم وإيجاد الحلول والـتأثير على أصحاب القرار.