authentication required

عندما تتولى الأسرة دورها في تشكيل التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام لدى أولادها, وتستشعر مسؤولياتها, لابد أن تلتفت إلى الجوانب الثلاثة للإنسان:الجانب المعرفي (التفكير) والجانب الانفعالي (المشاعر والعواطف) والجانب السلوكي,وذلك لتحقيق أفضل النتائج بإذن الله, والاكتفاء بواحد دون الآخر لن يحقق النتيجة المرجوة لأن " القيم الخلقية تتكون عند الإنسان عن طريق العمل ومواقف الخبرة, وذلك أنه لا يجب أن تنحصر الاهتمامات الأخلاقية على العقل فقط, بل يجب أن تكون لنا بمثابة طرق العمل نجربها في إزالة أسباب الشرور, ومصادر المتاعب والتناقض في مواجهة المواقف المختلفة , فهي وإن كانت غايات إلا أنها أدوات ووسائل للعمل"
فبعد أن يتم شرح الفكرة الطيبة وغرسها في النفس غراسا صحيحا، ستثمر عنها عواطف ومشاعر نبيلة تحرك الإنسان (في الغالب ) دون مؤثر خارجي للقيام بسلوك إيجابي يترجم تلك الفكرة و هذه المشاعر. والجوانب الثلاثة للإنسان متداخلة تداخلاً كبيراً، ويؤثر الواحد منهما بالآخر.
وفيما يلي تستعرض الدراسة بعض الإرشادات والخطوات التي تراعي الجوانب الثلاثة لدى الإنسان حتى تطبقها الأسرة مع أطفالها لتكسبهم مهارة التفاعل الواعي مع التلفاز.
وهذه الخطوات والإرشادات منها ما يختص بتهيئة الأبوين أنفسهما ( أو الراشد الذي يتولى التربية ) لتولي مسؤوليته المُكلف بها، ومنها ما له علاقة بإدارة التلفاز ذاته كجهاز، ومنها ما يختص بالطريقة التي يشاهد بها الطفل التلفاز. وهذه الأمور الثلاثة لا يمكن الفصل بينها، إنما تم تقسيمها ليسهل متابعتها وتطبيقها، ومن البديهي أن الاعتناء بها جميعاً يحقق نتائج أفضل.
لعل من أول ما يعتني به الأبوان، أن يكونا قدوة حسنة لأطفالهما. وهذا الجانب من الأسبقيات التي دأب المسلمون على التواصي بها. فقد روى الجاحظ أن عتبة بن أبي سفيان " لما دفع ولده إلى المؤدب قال له ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بنيّ إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما استقبحت " وقد أثبتت الدراسات أن هناك علاقة وثيقة بين مشاهدة الكبير في البيت للتلفاز وبين مشاهدة الطفل له.
والوالدان اللذان يوجهان أولادهما للإقلال من مشاهدة التلفاز، ويمارسان هذا الفعل لن تلق كلماتهما وقعاً طيباً في نفوس الأطفال، حتى لو نفذ الطفل الأمر يبقى غير مقتنعاً بما يفعله، وما أن يغيب الرقيب عنه غالبا سيعود للمارسة السلوك الذي توقف عنه دون قناعة داخلية منه، وكم هي جميلة هذه العبارة ( لا تتكلم فسلوكك يسمعني )! إن الآباء يدركون تماماً أن هناك فرق بين خبرة وثقافة الراشد و بين ثقافة وخبرة الطفل، ولكن الطفل لا يفهم هذا و بالتالي لا يفهم لماذا يمنعه والداه من فعل سلوك، ثم يقومان بممارسته.
ومن الأخطاء الجسيمة التي تقع فيها الأمهات هي استخدام التلفاز بمثابة (جليس أطفال ) لانشغالها وعدم تمكنها من اللعب مع طفلها أو الاهتمام به. ولتصحيح هذا الخطأ نوصي الأم بأن تضع في متناول طفلها الصغير بدائل آمنة كالمكعبات، والألوان، والتراكيب، والكتب، والقصص، والصور وأطقم السفرة الخاصة بالأطفال بحيث يشغل الطفل بها نفسه وتنصرف الأم لشؤونها، دون أن تلجأ للتلفاز لأنها أن فعلت عودت طفلها ( دون أن تقصد) بأن تكون شاشة التلفاز هي أولى اختياراته في وقت الفراغ، معللاً نفسه أن هذا هو سلوك والدته من قبل.
والحديث عن خطورة أن يتحول التلفاز إلى ( جليس أطفال ) في السن الصغيرة يقودنا إلى ضرورة أن تُوجد الأسرة لأولادها بمرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة المبكرة بدائل وأنشطة متنوعة ومتعددة وممتعة تغنيهم عن هذه الشاشة، وتعمق عندهم مفهوم العبودية لله جل وعلا وأن الوقت أغلى ما يملكون، وعليهم استثماره بما يسعدهم بالدنيا والآخرة .
وقد يعمد بعض الآباء والأمهات إلى مشاهدة برامجهم الخاصة بهم, بينما أولادهم الصغار في صحبتهم. ظناً منهم أن الأولاد لا يلتفتوا ولا ينجذبوا لهذه البرامج لعدم فهمهم لها, والواقع المعايش والمشاهد يثبت عكس ذلك. فمن المهم أن ندرك أن الأطفال اليوم يعرفون أكثر مما يفهمون, وإنهم يحبون أن يظهروا بمظهر الكبار, وأن يتحدثوا مثلهم, غير أن تفكيرهم ومستوى فهمهم ما زال طفلاً كأعمارهم, والسماح لهم بمشاهدة البرامج الموجهة والمعدة للكبار يعزز من هذه النزعة لدى الأطفال, خاصة أنهم سيشاهدون في البرامج الخاصة بالكبار ما يغريهم بتقليده فهم لا يفرقون بين الحقيقة والخيال.
وعندما نستخدم مصطلح (إدارة التلفاز) فإننا نعني أن تختار الأسرة بعناية وقت المشاهدة ومحتوى المشاهد (بضم الميم وفتح الهاء). فبعض الأسر تتبع أسلوباً رسمياً نوعاً ما فهي تقوم بتحديد الوقت والمحتوى بداية مع أطفالهم, وبعض الأسر تقوم بإطفاء التلفاز حينما تشعر أن أولادها قد مكثوا وقتاً طويلاً أمامه, أو أنهم يشاهدون مالا يناسبهم.
ولتسهيل المهمة نقترح أن تضع الأسرة مسبقاً هدفها من (إدارة التلفاز), هذا الهدف الذي قد يتغير أو يتطور تبعاً لسن الطفل وكأمثلة لهذه الأهداف نورد ما يلي:- (الإقلال من مشاهدة أطفالي لمشاهد العنف ),(ألا يتعود أولادي على الشاشات لملء وقت فراغهم),(أن يمارس أولادي أنشطة أخرى تنشط خلايا دماغهم وتحرك عضلاتهم), (أن أقلل من الجمود الذي يعتري الأولاد أثناء مشاهدة التلفاز ولأن يتواصلوا أكثر), (أن أحمي أولادي من تأثير الإعلانات التجارية) وهكذا. ولا يكتفى بوضع الهدف (وفرضه) على الأطفال من قبل الأسرة, إذ لا بد من الحوار والنقاش معهم حول هذا الهدف, ومن البدهي أن تستخدم الأسرة مع أطفالها الصغار اللغة التي يفهمونها لإيصال هذه المعاني لهم. ومن ثم يعمل أفراد الأسرة على استخلاص الإرشادات التي تعينهم على تحقيق هدفهم الذي اتفقوا عليه جميعاً. على أن تصاغ الإرشادات بأسلوب الإثبات وليس النفي, ويتم إخراجها بشكل جميل, وتعلق قرب التلفاز, وفي غرف الأطفال حتى يقرئونها باستمرار, وتنتقل إلى عقلهم الباطن الذي يقوم بترجمتها سلوكاً وممارسات.
ولابد للأبوين – بطبيعة الحال – من متابعة الأطفال لقياس مدى تطبيقهم لهذه الإرشادات ومدى فعالية الإرشادات لتحقيق هدف الأسرة. وكمثال على هذه الإرشادات إن كان الهدف (أن يمارس الأطفال أنشطة حركية تمرن عضلاتهم) فمن غير المجدي أن يقال للأطفال (لا تشاهدوا التلفاز) بل تكون التعليمات شبيهة بـ (بعد أن تفرغوا من اللعب بالحديقة, أو بعد عودتكم من النادي الرياضي بإمكانكم مشاهدة التلفاز).
ومن أهم نقاط (إدارة التلفاز) اختيار وقت ومدة المشاهدة, ويساهم استخدام جهاز التسجيل في مساعدة الأسرة على التحكم بالوقت, فإن كان وقت البرنامج غير مناسب لجدول الأسرة, يتم تسجيله وعرضه في الوقت المناسب، وإن كان البرنامج جيداً في مجمله لكنه يتضمن بعض اللقطات والمشاهد التي تتعارض مع أخلاق الأسرة يقوم الأبوان بحذف هذه المشاهد ثم عرضه لأطفالهم.
وينصح باستخدام (دليل قنوات التلفاز) إن توفر أو الرجوع إلى مواقع القنوات عن طريق الانترنت لمعرفة البرامج وأوقات عرضها, فمن الخطأ أن تتعرف الأسرة على البرامج وأوقاتها عن طريق تقليب القنوات, فقد يشاهد الأطفال ويتعرضوا لما لا يناسبهم. ولإثراء خبرات الأطفال وتعليمهم مهارة الاختيار وتنظيم الوقت يطلب منهم إعداد دليل خاص ببرامجهم, بحيث يتم اختيار البرامج بعد مشاورة الأبوين بم يتفق وعمر وقدرات الطفل, واحتياجاته ومشاعره.
ومن الأدوات الفعالة والمفيدة للأسر لإكساب أطفالها مهارة التفاعل مع التلفاز تصميم واستخدام (ملف الأسرة التلفزيوني) حيث يسجل يومياً على مدار الأسبوع: وقت تشغيل التلفاز, وقت إطفاءه, البرامج التي شوهدت, من الذي شاهدها, ثم بنهاية الأسبوع يتم رصد ما يلي:-
عدد ساعات المشاهدة، من شاهد أكثر، من شاهد أقل، متى تواجدت الأسرة معاً، وما الذي تم مشاهدته. ثم يدور نقاش مع الأولاد حول رصيد الأسبوع, بحيث يتم توجيههم وتحفيزهم ومكافئتهم, وليس بالضرورة أن يتولى إدارة النقاش أحد الأبوين, بل يمكن إسناده لأحد الأطفال (جميل أن يكون مدير الحوار هو الطفل الأقل مشاهدة), ومن الأسئلة التي توجه في النقاش للطفل الأقل مشاهدة: ماذا فعل بالوقت الذي لم يشاهد به التلفاز, وماذا اكتسب خلال هذا الوقت , وما أنجز وما هي مشاعره بهذا الانجاز, وعلى الأبوين إدارة دفة الحوار بشكل غير مباشر لتبيين للأطفال الجدوى والمكسب من ممارسة أنشطة غير مشاهدة التلفاز.
أما عن الطريقة التي يشاهد الأطفال بها التلفاز, فقد أكدت الأبحاث والدراسات المختصة على ضرورة مرافقة الراشد للطفل, والحديث معاً عن برامج التلفاز, حيث يؤدي هذا إلى جعل الطفل يفكر بمنطقية تجاه ما يعرض ويقلل من مخاطر تفسيره لكل ما يعرض له على أنه حقيقة وليست خيالاً. إثارة الحديث مع الطفل من شأنه أيضاً ردم الفجوة بين ما يراه الطفل وبين خبرته غير المتكاملة وغير الناضجة خاصة عند مشاهدته الثالوث المخيف (الرعب, والإثارة, والعنف): "إنني أنصح أن يشاهد الآباء والأطفال معاً البرامج التلفزيونية عندما يكون الأطفال تحت سن السابعة, وأن يعتادوا الحديث عن البرامج التي شاهدوها. وبمجرد أن يعتاد الطفل على هذا الأسلوب في المشاهدة يصبح من السهولة إجراء حوارات مثمرة ومفيدة,كما أن المشاهدة المشتركة مجزية, وإن كان بدرجة أقل في المرحلة الواقعة ما بين سن السابعة والحادية عشرة". وأسئلة مثل (هل ما تراه حقيقياً, ما الذي تشعر به عندما ترى هذا المشهد, هل تحبه, ما الذي لا تحبه به؟ لماذا؟ ما الذي سيحدث بعد ذلك؟، لو كنت مكانه كيف ستتصرف؟ هل تعتقد أن هذه هي النهاية المناسبة؟ هل تعتقد أن هذا هو الحل الأفضل ؟ هل لو كنت أنت الأب وأنا الابن ستسمح لي بمشاهدة هذا البرنامج ؟ لماذا نعم ولماذا لا ؟ ما الذي ستنبهني منه ؟ هل ما تراه يُرضي الله جل وعلا ؟ هل يتفق مع أخلاقنا ؟ كيف نعدله؟) وغيرها من الأسئلة عندما يطرحها الأبوان على الطفل تدفعه للتفكير بمضمون البرامج التليفزيونية ولا يأخذها مُسلمات. وبذلك يتحول (التلفاز) إن اضطررنا إليه أداة توفر فرصاً إضافية للحوار ولنقاش الآباء مع الأبناء وذلك يزيد من فهم واستيعاب الأطفال.
كما أن من واجب الأبوين إرواء الطفل بالإجابة على الأسئلة التي يلقيها وعدم تأجيل ذلك مطلقاً. " إن تدريب الطفل وإكسابه مهارة المشاهدة الناقدة لبرامج التلفاز تجعله أقل عرضه لأخطار التلفاز" "وإذا ما كان الآباء مستعدين لترك أطفالهم يشاهدون الدسائس والمكائد في المجتمع بدون تعليق، فيجب ألا يلوموا سوى أنفسهم عندما يتقبل الطفل القيم الثابتة التي قدمتها برامج التلفاز أكثر من تقبله القيم التي يؤمن بها والديه".
واستخدام جهاز التسجيل قبل عرض البرامج على الطفل، يساعد الأبوين في إعداد الأسئلة التي يريدان إلقاءها على الطفل ليثري تجربته، ويجعل الأبوين أكثر استعداداً لأسئلة الطفل إن ألقاها عليهما.
يقول جيري ماندر الخبير الأمريكي ملخصاً تجربته في حقل الإعلام أنه ربما لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد الهندسة الوراثية والقنابل النيتروجية، ولكننا نستطيع أن نقول (لا) للتلفزيون، ونستطيع أن نلقي بأجهزتنا في مقلب الزبالة ويؤكد ماندر أن العالم سيكون مليئاً بالفائدة لأن الشعوب ستعوض فقدان التلفاز باتصال بشري أكبر يبعث النشاط من جديد
وبما أن أجهزة التلفاز لم ترم بعد، فلا أقل من أن يتولى الأبوان مسؤولياتهما في أن يكونا قدوة لأطفالهما بالإقلال من المشاهدة، وأن يدربا أطفالهما على إدارة التلفاز باختيار محتوى ووقت ومدة المشاهدة بذاتية من لدى الأطفال، وأن يجلسا مع أطفالهما أثناء المشاهدة بحيث تكون هذه الأوقات أوقات حوار ونقاش، وليس أوقات جمود لا فائدة منها.
ولكن من المسئول عن إيصال هذا الوعي للأبوين ؟ وللأسر ؟

المصدر: www.ahlabaht.com
Arabmedia

ان تعثرت فلا تقعد... بل قم وانطلق نحو القمه

  • Currently 91/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
29 تصويتات / 412 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2010 بواسطة Arabmedia

صفاء السيد

Arabmedia
صفاء السيد باحثة ماجستير قسم الإعلام - كلية التربية النوعية - جامعة المنصورة , اهتم بكل ما هو جديد ومثير فى مجال الاعلام عموما والصحافه على وجه الخصوص تم انشاء الموقع 2010/2/11 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

548,629

لا حياة مع اليأس

عندما تيأس، وتقرر الاستسلام والتوقف، فاعرف أنك على بعد خطوات من هدفك. استرح، فكر في شيء آخر، ثم عاود المحاولة من جديد
د. ابراهيم الفقى