ماذا نعني بالإعلام البديل؟ ولماذا نلجأ إليه؟
الإعلام البديل ليس إعلاما مستحدثا، بل هو إعلام متطوّر ومتجذّر في تجربة الشعوب والأمم، ويتميّز بجملة من الخصائص التي من بينها: القدرة على التكيّف مع تطوّر وسائل الاتصال وتطوّر أدوات الرقابة والضغوطات الاجتماعيّة والسياسيّة، فالمتمعّن في الحياة اليوميّة للشعوب والجماعات يلاحظ تزامنه مع ظهور الإعلام الرسمي. وأيضا القدرة على التشكّل فكثيرا ما يظهر الإعلام البديل في الساحة الإعلاميّة في أشكال مختلفة وذلك حسب المرحلة التاريخيّة التي يمر بها المجتمع ونوعيّة الفاعلين الذين يستعملون الإعلام البديل، ومن أبرز تلك الأشكال نذكر:
أوّلا، الإشاعات والنكت الشعبيّة والسياسيّةوالتي تعتمد عليها بعض الفئات الاجتماعيّة عندما تشعر أن الإعلام الرسمي لا يمنحها فرص التعبير عن مواقفها وتطلّعاتها، أو لا تستجيب لرغباتها، أو عندما تجرّم القوانين حريّة الرأي والتعبير، وتجعل صاحب الرأي الحر عرضة للمسائلة القانونيّة... فتصبح عبارة عن محاولة لإيجاد مخرج لتلك الضغوطات. لأجل ذلك ترتبط الإشاعات والنكت الشعبيّة والسياسيّة بالظروف الاجتماعية والسياسيّة لمستهلكي ومنتجي تلك النكت والإشاعات ومن بين الأمثلة نذكر ظاهرة بروز وانتشار النكت الشعبية التي اتخذت من البلدية (أهل العاصمة) موضوعا لها، فبعد التهميش الاجتماعي وعدم تكافؤ الفرص والاحتقار الذي شعرت به فئة "النزوح" في فترة الستينات والسبعينات لم تجد هذه الفئة أمامها سوى النكت التهكّمية والاستهزائيّة من "البلدية" لتدافع عن وجودها. وفي نفس السياق التحليلي نجد النكت الشعبية الحالية والتي تتخذ من أهالي المناطق الراقية (المنزه والمنار...) موضوعا لها والتي تندرج هي الأخرى ضمن آليات التعبير الرمزي لدى الفئات الفقيرة والمهمشة اجتماعيا وسياسيّا.
أمّا بالنسبة للنكت السياسيّة فإنّ أهم ما يتميّزها هو الظهور الموسمي والمرتبط أساسا بالتظاهرات السياسيّة الكبرى مثل الانتخابات والاستفتاءات وأحيانا ببعض الزيارات الرسمية التي يقوم بها الحكّام، وهذا التزامن والترابط لاحظناه في كل الدول العربيّة التي منحت لنا فرصة عيش أجواءها الانتخابيّة مثل الانتخابات الرئاسيّة والتشريعية التونسية في سنة 2004 والرئاسيّة ثم لبرلمانيّة المصرية في 2005 والرئاسيّة اليمنية في 2006 ثم البرلمانيّة البحرينية في نفس السنة، في كل هذه الدول التجأت الفئات المهمّشة إلى إنتاج وإعادة إنتاج النكت السياسيّة المتضمنة للعديد من الدلالات الاجتماعيّة والسياسيّة...
ثانيا، الإرساليات القصيرة الـ message (SMS):
الإرساليات القصيرة هي شكل آخر من أشكال الإعلام البديل، تمكن من خلالها الفاعل الاجتماعي تحقيق هامشا لابأس به من الحريّة، إذ لم تعد اليوم وظيفة الهواتف الجوّلة تقتصر على وظيفة التخاطب والتواصل عن بعد بل أصبحت تقوم بوظائف أخرى مثل إرسال دعوات التظاهرات السياسيّة والحقوقيّة والتعبير عن التضامن مع بعض الضحايا، أو نشر المعلومات بطريقة سريعة وغير مكلّفة، وبذلك لم يعد احتكار وسائل الإعلام االرسمية من طرف جهة معينة وحرمان بقيّة مكوّنات المجتمع المدني منها عائقا أمام نشاطها، وذلك بفضل هذه الارساليات القصيرة، بل أصبحت إحدى الوسائل الفعالة المستعملة في الحملات الانتخابيّة كما هو الحال بالنسبة للانتخابات البرلمانيّة البحرينيّة، والتي تمكّنت من الإطاحت ببعض المرشحات في الانتخابات البرلمانيّة البحرينية الأخيرة، أو في الحملات التضامنيّة كما حدث في اليوم العالمي لمساندة الأستاذ محمد عبّو يوم واحد سبتمبر 2005.
ثالثا، الانترنت:عندما نتحدّث عن الانترنت وعن الثورة الاتصاليّة والمعلوماتيّة وعن كيفيّة استثمارها وتوظيفها من قبل مكوّنات المجتمع المدني، فإنّنا نتحدّث بالضرورة عن الصحف الالكترونيّة والتي لم تعد تنتظر الحصول على التأشيرة الحكوميّة ولم تعد الضغوطات والقيود القانونيّة عائقا أمام تحرّكاتها، بل أصبحت اليوم تشكّل أهم مجال لتجاوز كل تلك الخطوط الحمراء المفروضة من قبل السلطة التي تتخذ من الرقابة ومن تجريم الرأي المخالف ومن تضيق الخناق على الأقلام الحرّة آليتها لفرض شرعيتها ونزع الشرعيّة من كل من فكّر في تجاوز تلك العراقيل والصعوبات، ولكن بفضل هذه الصحف الالكترونيّة انقلبت المواقع والمفاهيم وأصبح الضحية هو الذي يقوم بمراقبة ومحاسبة من كان بالأمس القريب يراقبه ويحاكمه ويتتبع خطاه.
ونفس الشيء بالنسبة للمواقع الالكترونيّة والتي رغم الإمكانيات الضخمة المسخرة من أجل مراقبتها وحجبها إلاّ أنّ حسن استغلال وتوظيف أصحاب المواقع جعلها تصمد وتواصل نشاطها وتقوم بدورها. فأصحاب المواقع تمكّنت من التحرّر من حالة الدفاع عن نفسها، بل صارت هي التي تهاجم، وانقلبت أيضا المعادلة بعد أن أصبحت السلطة التي كانت في السابق تقوم بدور المهاجم أصبحت هي التي تدافع عن موقعها وصورتها في الداخل والخارج. كما لم تنجح عمليّة حجب المواقع وتعطيلها من قبل السلطة الحاكمة، فعبر استعمال "البروكسي" Proxy" تمكّن أصحاب المواقع وزوّارها من الإبحار في هذا العالم بعيدين عن أعين الرقابة.
أمّا رسائل البريد الإلكتروني email فرغم قدرة السلطة عبر التقنيات المتطوّرة المستعملة على فتحها وتشويه رسائلها وتحويل وجهتها إلاّ أنّ متقني فنّ التعامل مع عالم الانترنت أصبحوا قادرين على إعاقة كل المجهودات التي تقوم بها السلطة، وحتى العاجزين عن استعمال البروكسي في الولوج للمواقع المحجوبة أصبحت تصلهم العديد من الصحف الالكترونيّة ومحتويات المواقع المحجوبة ضمن الرسائل الالكترونيّة، مثل "تونس نيوز" و"أقلام أون لاين" و"كلمة تونس"، بيانات المجلس الوطني للحريات بتونس والجمعية الدوليّة لمساندة المساجين السياسيين وغيرها.
ومن بين التطوّرات الأخيرة في عالم الانترنت وعالم الإعلام البديل نجد المدوّنات Blog والتي هي عبارة عن مواقع الكترونية شخصية، يمكن توظيفها واستغلالها في كتابة المنشورات الكتابات الشخصيّة أو الصور التي يتم تسجيلها ووضعها في المدوّنة أو توظيفها في نشر الأخبار والأحداث الهامة التي يتابعها ويرصدها صاحب المدوّنة، ونظرا لنجاحها وقدرتها على التعبير عن مطالب وتطلّعات الفئات المهمّشة تشهد المدوّنات تزايد هائل في عددها وعدد مستعمليها، فمثلا مع الضغوطات التي تقوم بها السلطة الإيرانيّة وصل عدد المدوّنات بإيران إلى ما يقارب 250 ألف مدوّنة وفي مصر ما يقارب 30 ألف مدوّنة، كما تجاوز عدد زوّار وقرّاء بعض المدوّنات عدد قراء بعض الصحف الشعبيّة (أمّا في تونس فلازال عدد مستعملي المدونات محتشما).
من يستعمل الإعلام البديل؟
نجد على الأقل 3 أصناف لمستعملي الإعلام البديل:
الصنف الأوّل، وتمثله الطبقات أو الفئات الشعبيّة المهمشة والفاقدة للزاد المعرفي أو التعليمي والذين يستعملون في العادة الإشاعات والنكت الشعبية والسياسيّة كإعلام بديل لها، وذلك لما يفره لهم من حصانة وعدم المسائلة القانونيّة لأنّ عمليّة تناقل النكت والإشاعات لا تتضمّن اسم منتجيها، إضافة إلى إمكانية تحويرها من متقبّل إلى آخر، وبذلك نصبح لا نميّز بين الراوي والمنتج...
الصنف الثاني، وتمثله فئة النخب سواء أكانت منتمية للأحزاب السياسيّة أو لمنظمات المجتمع المدني أو كانت مجرّد شخصيات مستقلّة. ونظرا لامتلاكها للزاد المعرفي والمستوى التعليمي والموقع الاجتماعي المتميّز فإنّ إعلامها البديل يكون في العادة أكثر تطوّرا وأكثر انسجاما مع مستحدثات المجتمع الذي يعيشون فيه، لأجل ذلك نراهم يستعملون الانترنت ويوظفون كل التطوّرات التقنيّة خاصة وأنّهم يشكّلون الركيزة الأساسيّة للمجتمع المدني بصفة عامة.
الصنف الثالث، ويتمثل في فئة النخب الشبابيّة المهمّشة أي أصحاب الشهادات وخرّجي الجامعات والفئات الشبابيّة داخل المجتمع المدني والتي عرفت شكلين من التهميش، تهميش السلطة لها وتهميش المجتمع المدني لذلك تجد نفسها في مفترق الطريق إذ لا تنمي للصنف الأوّل نظرا للزاد المعرفي والتعليمي الذي حصلوا عليه ولا للصنف الثاني وذلك لحرمانها من المواقع الاجتماعيّة المرموقة سوى داخل المجتمع أو داخل المجتمع المدني، فمثلا معدل السن في المجتمع التونسي لا يقل عن 50 سنة في أحسن الحالات وتقريبا باستثناء المجلس الوطني للحريات بتونس لا نكاد نجد تأثيرا ملحوظا للفئات الشبابيّة داخل مكوّنات المجتمع المدني... ونظرا لحساسيّة موقعهم فإن العديد منهم يستعملون الإعلام البديل بأسماء مستعارة إمّا خوفا من السلطة أو خوفا من المجتمع المدني ذاته.
ردود فعل السلطة تجاه الإعلام البديل:
لقد حاولت السلطة خلق إعلام بديل للإعلام البديل حتى تحافظ على موقعها، فمثلا بالنسبة للإشاعات أصبحت السلطة تنتج إشاعات ونكت مضادة لما يشاع داخل المجتمع وكثيرا ما تسخّر وسائل الإعلام الرسميّة لهذا الغرض. كما حاولت بدورها توظيف الانترنت وخلق صحف ومواقع الكترونيّة لتقوم بوظيفة الرد على كل ما ينشر في الإعلام البديل، ولكنها رغم المجهودات التي تقوم بها لم تتحرّر من الطابع الدفاعي وظلّت حبيسة قوانين اللعبة التي فرضتها الفئات المهمّشة، وبالتالي حقّقت الفئات الاجتماعيّة المهمّشة أهمّ انتصار لها في هذا المجال، وقد لعبت بعض المنظمات الدوليّة والإقليميّة والوطنية دورا كبيرا في تحقيق هذا النجاح، عبر الدورات التدريبية لضحايا حرية الرأي والتعبير وكيفية استعمال آخر التقنيات المستحدثة في عالم الانترنت ومن هذه المنظمات نذكر منظمة الصف الأمامي Front Line ومنظمة الصف الأوّل Front First والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان