يرى البعض أن كل مادة مسرحية قابلة للتشخيص وتؤدي دورا تثقيفيا وتربويا وترفيهيا ولها تطلعات في مجال أو عدة مجالات حياتية , تصلح لتكون تربوية وتوجه للطفل وإلى التلميذ ولكني أرى أن المادة المسرحية الموجهة إلى الطفل عامة " أي في مسرح الطفل " والتلميذ خاصة " أي في المسرح المدرسي " لا بد لكاتبها أن يكون متسلحا بعدة معارف ذات صلة بالتربية . أولها علوم التربية . وعلم النفس . وعلم الاجتماع وحتى البيولوجيا . لتؤدي كتابته المسرحية رسالتها الإصلاحية والتطهيرية والعلاجية . وتكون وسيلة إبداعية جمالية . ووسيلة نقل المعرفة والمهارة . وتؤدي أيضا إلى إشباع حاجات الطفل والتلميذ كي يحقق التوازن من أجل التكيف مع الذات والموضوع

وقد رأى آخرون أن للتنشيط التربوي دور المقاربة التي تطوع المادة المسرحية لتصبح في خدمة الأهداف التربوية , غير أن هذه الإمكانية تبدو ناجعة في مسرح الأطفال لإرضاء شريحتهم بشكل عام ضمن حدود وأهداف ومنطلقات يحددها القائمون على هذا النشاط بفنية وتخطيط . أما المسرح التربوي المدرسي . فإن الأمر يختلف . لأن أهداف هذا الأخير مستمدة من أهداف المدرسة وموقعها والفئة المخاطبة والمحيط البيئي والاجتماعي لبلوغ ما ينسجم مع مواد التلميذ المدرسية ومستواه ومرحلته العمرية والمدرسية . أي ما يراعي البعد الخاص للتلميذ في مجمل علاقاته في المدرسة والأسرة والمجتمع

لعل المسرح المدرسي . وإن كان رافدا من روافد المسرح فإن عمله يتجاور مع مسرح الطفل والراشد . إلا أن لكل رافد أهدافا محددة يصبو إليها جماليا وإبداعيا واجتماعيا . كما أن المسرح التربوي يؤطر مسرح الطفل والمسرح المدرسي والمسرح التعليمي – إذا أردنا مزيدا من التدقيق- فإذا كانت المسرحية التربوية نموذجا أدبيا فنيا يحدث تأثيرا تربويا في المتلقي . فإن أشكاله قد تكون غير تربوية وذات طابع هزلي بعيدة عن الأساليب التربوية – كما هو الشأن في المسرحية الكوميدية – أو تمزج بين الحوادث المأساوية والجادة وتنتهي بنهاية سعيدة وحمولة تربوية – كما في المسرحية التراجيكوميديا – أو تبتعد عن الهزل وتشكل مأساة . تنتهي برسالة النصح والوقاية – تراجيدية – أو تكون مسرحية غنائية ذات حوار غنائي وأناشيد شعرية لها مرامي تربوية

1 – مسرح الطفل

في المجتمعات التي تطبق مبدأ إجبارية انتساب الطفل لمؤسسة تعليمية " روض أطفال . كتاب . مدرسة ...الخ " يصعب الحديث عن مسر ح خاص بالطفل كما لو أنه غير متمدرس . إلا من حيث أنه مسرح مرتبط بحياة الطفل سواء من الناحية الشخصية أو الاجتماعية أو المدرسية , وذلك لأنه وازى ظهور مسرح الطفل وعي دولي بأهمية إعداده للحياة , فكان الاعتناء بتربيته وتعليمه وتهيئة الظروف ليكون متوازنا . وجاءت الدراسات , وأوجدت القنوات المناسبة للتواصل معه ومن بينها كان المسرح التربوي بفروعه – مسرح الطفل – المسرح المدرسي – المسرح التعليمي – خيال الظل – مسرح العرائس – لإشباع حاجاته وتوفير عمليات تربوية متكاملة له , مع الأخذ بالاعتبار المرحلة العمرية فيما يقدم للطفل / التلميذ . حيث يسهل عليه تقبله . لكن ماهي هذه المراحل العمرية وما خاصياتها ؟



الطفل فوق 12 سنة الطفل من – 9 – إلى 12 سنة الطفل من 6 – إلى – 8 سنوات

- يسعى وراء القصص المثالية

- متشبع بالعاطفة والتضحية

- يعجب بالشخصيات التاريخية ويحب المغامرات

- يجب مراعاة أن النمو الفكري لا يتم منعزلا عن الجانب العلمي - معجب بمغامرات البطولة والشجاعة

- يريد معرفة الأسرار العلمية

- يحب بطولات الدفاع عن القيم

- يحتاج لنصوص تنمي مهارات التفكير وأنشطة الابتكار - له خيال جامح

- متعطش لمعرفة الأشياء الجديدة

- راغب في قصص الخيال والخرافة

- يحتاج لوضوح الفكرة ببساطة وبلغة مباشرة



فمن هذه التعاريف نسلم أنها ليست جامعة . وأنها تأخذ في الاعتبار الاختلافات التي يمكن الرجوع إلى تفاصيلها لاستخدامها في مسرح تربوي ما . كي يملأ المساحات الفارغة في حياة الطفل وفي أية مرحلة عمرية وحسب خاصياتها

وقد عثرت على من يعرف المسرح عموما بأنه ذلك الفن الإبداعي الذي يقصد المساحات الفارغة لينفد من خلالها . والمسرح التربوي ولد للقيام بهذا الدور ويؤدي هذه الرسالة تحت أي تسمية " مسرح الطفل – المسرح المدرسي – المسرح التعليمي – مسرح العرائس – خيال الظل - . لأنه في البداية والنهاية هو تكوين للناشئة انطلاقا من مرتكزات جوهرية في التربية الحديثة والمجتمع الحديث

2 – أما المسرح المدرسي فهو تقنية بيداغوجية تؤثر في صياغة وتشكيل عقول الناشئة المدرسية بأساليب تفكير ونمط سلوك ونظرة للأمور تعالج كثيرا من القضايا الحياتية , خصوصا وأنه من أهم قنوات التواصل واكتساب المعرفة والاكتشاف , نظرا لما يقدم من تجارب إنسانية معيشة

أي لا بد أن يتضمن هذا المسرح وجبات فكرية مستمرة وغير منقطعة , تغرس القيم الدينية والاجتماعية وروح المشاعر الوطنية واحترام النظام وانضباط للقوانين واحترام الوقت والجماعة والآخر , وذلك من أجل أن تفتح الباب واسعة للطفل كي يعبر عن نفسه وأفكاره , إذ يمكن أن يصبح ممثلا محترفا إلا أنه ليس ذلك بالضرورة

3 – أما المسرح التعليمي . فهو الذي يجعل كل النصوص المشخصة والقابلة للتشخيص في خدمة تقريب عملية التربية والتعليم والتوعية والتثقيف والترفيه لتجديد الحيوية والنشاط

إذن . فالمسرح في أبعاده التربوية . هو كل هذه الأشكال وهذه التقنيات . فهل مسرحنا المغربي – وهو أبو الفنون كما يقولون عنه – مسرح تربوي ؟ أو على الأقل لا يخلو من جرعات تربوية وأخلاقية تساعده على استرداد الحلقة المفقودة . التي جعلته لا يراوح مكانه واتسعت الهوة بينه وبين تحقيق النهضة المسرحية ؟

سيكون من الشجاعة أن يعترف مسرحيو المغرب أنهم لم يمتلكوا جمهورا مسرحيا حقيقيا , لأنهم لا زالوا في دائرة شبه مغلقة . ذلك أن العروض التي كانت تقدم على خشبات القاعات السينمائية في ظل غياب مسارح . ولا سيما في المهرجانات والمناسبات . لم تحاول النجاح في استقطاب جمهور ولم تحافظ على جمهورها في أوائل الاستقلال . أصبحنا نشاهد المقاعد وقد شغلها المسرحيون أنفسهم . يتفرج بعضهم على بعض , أو لنقل يشجع بعضهم بعضا . ولا نشاهد الجماهير الشعبية إلا في العروض الاستهلاكية . يحضرونها فقط بحثا عن المتعة العابرة هروبا من الوضعية الاجتماعية والسياسية المضطربة . حتى إذا تجددت خيبة أمله فضل متابعتها على الشاشة الصغيرة في كثير من الأحيان

إن المسرحي ملزم بإعادة تأهيل جمهوره عن طريق الاقتراب من همومه وقضاياه ومن خلال الارتقاء بذوقه ولو بالتدريج . إضافة إلى أنه ملزم بالانخراط في تهيئ جمهور مسرح ما يستقبل من الزمان . وأعتقد أن هذا لا مجال لتحققه إلا من خلال :

* تغعيل المسرح التربوي وبصفة خاصة المسرح المدرسي والجامعي . فمن تلاميذ وطلبة اليوم يأتي الجمهور لسنة 2012 فمل فوق

* تفعيل مسرح الطفل وفق تخطيط وتوجيه يبعده عن العشوائية

* انخراط المسرحيين – رجالا ونساء – المتشبعين بالأهداف التربوية – في تأطير الفاعلين في مسرح الطفل والمسرح المدرسي باقتناع تأكيدا منهم على أن النهوض بالمسرح مسئولية مشتركة تبتدئ من المؤسسة ومحيطها والفاعلين التربويين والمثقفين والأسرة والمجتمع المدني زيادة على الإدارات القطاعية المعنية

* فلعله بالعمل الجماعي المشترك . لا ينكفئ أي فاعل على نفسه , ولا تبقى العروض متقوقعة في الذاتية أو السطحية – كلما كان لها مجال للعرض – أو محجمة غائبة بحجة غياب الجمهور

* تنشيط الأداء النقدي البناء للمساعدة على امتلاك الكفاءة والحركية الدائمة والبحث المستمر عن الأدوات المعرفية والمنهجية والمسرحية بعيدا عن تكرار الأخطاء المميتة وبعثا لروح الإقبال على العطاء الجيد والجاد واستحالة الخوف من الفشل إلى حافز لتخطي الكسل والاتكال

* تحويل الصراع إلى منافسة , وإن كان لا بد من صراع فليكن بين الضحالة والجودة , واستحضار إعادة إنتاج الذات كسبيل لإعادة إنتاج الأفضل . سيما وأن عولمة المسرح لا تحتاج الآن إلى تأشيرة ليدخل المسرح العالمي إلى بيوتنا وعقول أبنائنا بعروض هي لغة قائمة بذاتها . والأطفال بين البيت والمدرسة يتأثرون ويؤثرون في المجتمع . ومنهم يتكون جمهور مسارح المجتمع . فهل ينجح مسرحنا المغربي في جذب هذا المتلقي / المتفرج / الناقد / المنتمي إلى شرائح اجتماعية وفكرية مختلفة . هي ذخيرة وأمل مسرح المستقبل ؟ - وأخيرا . لا بد أن يعمل الجميع – كل من موقعه – على استرداد ما فقدناه في مسرحنا – في محليته ومصداقيته – بتخليه عن دوره المعتاد كأداة ثقافية تربوية وكوسيلة تعليم جادة وكمنبر للفن السامي

فلم يعد لنا خيار آخر إذن . إلا التخلي عن الانقياد الأعمى الذي جعل أطفالنا وتلامذتنا وطلبة جامعاتنا فريسة للامعنى ولشظايا الأفكار المهدمة وللشوفينية

ولم يعد لنا خيار سوى ترسيخ الثقافة المسرحية وتوضيح رؤية ما نريد بإمعان , لواقعنا المجتمعي ومواكبة همومه في العصر الذي نعيشه . حتى نستبصر المستقبل ونهيئ جيلا وأجيالا تعشق المسرح وتنميته ممارسة ومشاهدة

ليس لنا خيار آخر سوى أن يمارس المسرحي رقابة ضمير المبدع على إبداعه وطرق إيصاله إلى المتلقي دون إلقاء اللوم على أحد , وإلا فرحمة الله على قيم الأجيال كما ترحمنا على قيم الأجداد يوم ماتت فينا الأخلاق وانتحرت مواقف الشهامة واحتجبت البطولات خلف الستارة

وليس لنا إلا انخراط المؤسسات الاجتماعية والمنظمات في تبني العمل الإبداعي الهادف . وتوسيع دائرة الدعم المطلوب من الوزارات المعنية " ثقافة . تربية وطنية . شباب . اتصال . تضامن اجتماعي . مال واقتصاد " ولا نغفل الصناديق الأخرى

أعتقد أنها عناوين خيارات التحرر من السلبية والخروج من مرحلة البكاء والتفكك , إلى مرحلة البناء التربوي بدءا من المسرح التعليمي ومسرح الطفل والمسرح المدرسي والجامعي والعمالي . وصولا إلى مسرح الشباب والهواة والمسرح الاحترافي

المصدر: موقع دنيا الرأى
Arabmedia

ان تعثرت فلا تقعد... بل قم وانطلق نحو القمه

  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 408 مشاهدة
نشرت فى 12 فبراير 2010 بواسطة Arabmedia

صفاء السيد

Arabmedia
صفاء السيد باحثة ماجستير قسم الإعلام - كلية التربية النوعية - جامعة المنصورة , اهتم بكل ما هو جديد ومثير فى مجال الاعلام عموما والصحافه على وجه الخصوص تم انشاء الموقع 2010/2/11 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

526,553

لا حياة مع اليأس

عندما تيأس، وتقرر الاستسلام والتوقف، فاعرف أنك على بعد خطوات من هدفك. استرح، فكر في شيء آخر، ثم عاود المحاولة من جديد
د. ابراهيم الفقى