لكي يتم نضج طالب التمثيل ويصل إلى المستوى الفني الرفيع لابد من التزود بالثقافة النظرية بالإضافة إلى التطبيقات العملية.

فكثيرا ما يحدث على المسرح أن يطابق الدور لممثل الذي يؤديه ولكن ذلك الأداء يظل أقل من المطلوب وإذا بحثنا عن السبب سيتضح لنا أن الممثل ليس في حالة تسمح له بالارتفاع إلى المستوى الفكري الذي تتطلبه المسرحية والشخصية التي يجسدها، وعلى الممثل الذي يريد أن يبدع شخصية تحمل مضمونا فكريا عميقا أن يكون على المستوى الفكري لتلك الشخصية.

فالممثل الذي لا يبالي بالمواد النظرية من فلسفة وعلم جمال وعلم نفس وثقافة فنية واجتماعية وسياسية فإنه في الحقيقة يحد من إمكانياته الإبداعية.

وعلى الممثل المسرحي أن يكون نموذجا يحتذى، ومعلما للجمهور لأن المنصة التي يقف عليها هي مدرسة للجمهور.

ولابد للمثل أن يكون على اطلاع واسع على المذاهب والمدارس المسرحية، لذا فإن المواد النظرية ستساعده وتمده بذخيرة وافية ولكن في سير عملية الإعداد الفني لابد من منهج واضح يطبقه ليصل به إلى مرحلة النضوج.

ويعتبر منهج ستانسلافسكي من انجح المناهج في إعداد الممثل لأنه يعتمد على وحدة الفعل النفسي والجسدي وعلى الكشف عن الهدف الأعلى للعرض المسرحي.

وقد ظهر الكثير من المناهج التي حاولت أن تعطي صيغة جديدة إلا أنها لم تخرج عن نطاق منهج ستانسلافسكي. ومنهج ستانسلافسكي يتضمن البنود التالية:

1ـ الفعل المسرحي.

2ـ الخيال.

3ـ تركيز الانتباه.

4ـ الاسترخاء.

5ـ الوحدات والأهداف.

6ـ الإيمان والإحساس بالصدق.

7ـ الذاكرة الانفعالية.

8ـ الاتصال الوجداني بين الممثلين.

9ـ التكيف.

10ـ القوى المحركة الداخلية.

11ـ خط الفعل المتصل.

12ـ حالة الإبداع.

13ـ الهدف الأعلى.

14ـ العقل الباطن.

 

1ـ الفعل المسرحي:

إن كل شيء يحدث على خشبة المسرح لابد أن يحدث لغرض ما، حتى احتفاظ الممثل بمقعده لابد أن يكون لغرض. ولغرض معين، وليس لمجرد الغرض العام من وجوب أن يكون على مرأى من المشاهدين.. إن الممثل يجب أن يدرك سبب وقوفه أو حقه في أن يقف فوق المنصة وليس هذا بالأمر السهل.

لا يمكن أن يحدث على خشبة المسرح وتحت أي ظرف من الظروف أي فعل يقصد به الممثل أن يثير في الحال إحساساً ما وليس من أجل هدف معين.

 فعلى الممثل أن يتجنب أن يبدو غيورا ومحبا أو معذبا من أجل هذه المشاعر ومن أجلها فحسب.

إن أي فعل لا يستند إلى إحساس داخلي هو فعل لا يستدعي الانتباه، وإن أي فعل على خشبة المسرح لابد له ما يبرره تبريرا داخليا ولابد أن يكون فعلا منطقيا ومتصلا ببعضه اتصالا معقولا وواقعيا.

وإن استعمال كلمة (إذا) أو (لو) تعمل كرافعة تخرج بنا من العالم الواقعي إلى عالم الخيال. إنها كلمة سحرية تشحن المشاعر والخيال والسر فيها أنها لا تفرض بل تقترح.

فمثلا إذا وضعنا قلما في يد الممثل وقلنا له إن هذا ليس قلما؛ بل ثعبانا فإنه لن يصدق أما إذا قلنا له : إنه (لو) كان في كان في يدك ثعبان ماذا ستفعل؟ سنرى في الحال أنه سيسحب يده خوفا.

2ـ الخيال:

يجب على الممثل ألا يتخيل الأشياء دون أن يكون له هدف وراء هذا التخيل ومن أهم الأخطاء التي يمكن أن يقع بها الممثل هو أن يجبر خياله ويكرهه بدلا من أن يروضه ويلاطفه.

إن كل اختراع يقوم به خيال الممثل يجب أن يسبقه تفكير طويل في تفاصيله وأن يبني على أساس من الحقائق، بحيث يستطيع الممثل أن يجد فيه الإجابة على الأسئلة التي يوجهها إلى نفسه (متى وأين ولماذا وكيف) لكي يضع صورة أكثر تجديدا لكيان متوهم. وهو في بعض الأحيان لا يحتاج إلى كل هذا المجهود من المجهودات الذهنية الشعورية لأن خياله قد يعمل بالنظرة وبالبديهة، ولكن هذا لا يمكن الاعتماد عليه لأن التخيل بصورة إجمالية ومن غير أن يقوم على مشروع محدد تحديدا جيدا ويفكر فيه الممثل تفكيرا طويلا هو عمل عقيم!

هذا من جهة ومن جهة أخرى، إن أي تناول صادر عن وعي وتفكير منطقي لموضوع الخيال كثيرا ما يعطي للحياة صورة زائفة لا حرارة فيها.

وهذا شيء لا ينفعنا في المسرح لأن فننا يتطلب من الممثل أن يندمج بكل طبيعته اندماجا إيجابيا فيما يقوم به وأن يكرس نفسه كلها جسدا وروحا للدور الذي يؤديه لأنه لابد ان يحس بالدافع أو المادة ليستطيع بطريقة انعكاسية أن يؤثر في طبيعتنا الجسدية ويدفعها إلى العمل.

وهذه الملكة ذات أهمية عظمى في مهارتنا الفنية العاطفية من أجل هذا كانت كل حركة نقوم بها على خشبة المسرح وكل كلمة ننطق بها هي نتيجة للحياة الصحيحة لخيالنا.

وإذا كان الممثل يلقي أي كلام أو يفعل أي شيء بطريقة آلية وبغير أن يكون واعيا وعيا كاملا بمن يكون ومن أين أتى ولماذا وأي شيء يريد؟ وإلى أين يذهب وأي شيء يصنع إذا ذهب كان يمثل بدون أن يصدر عن أي خيال، وكان الوقت الذي يستغرقه على المسرح طال أو قصر وقتا غير واقعي. ولم يزد عن كونه آلة تتحرك وإنسانا آليا وإذا سئل هذا السؤال المتناهي في البساطة: هل الجو بارد في الخارج اليوم؟

فينبغي قبل أن يجيب (بنعم) أو (لا) أو إنني لم ألاحظ؛ أن يعود بخياله إلى الشارع ويتذكر كيف مشي أو ركب.. إلخ.

إنه لابد أن يختبر إحساسه بأن يتذكر ماذا كان الناس الذين قابلهم يلبسون والطريقة التي كانوا يمشون بها، وكيف كان الجليد ينسحق  تحت أقدامهم، وبعد ذلك يستطيع أن يجيب على السؤال.

3ـ تركيز الانتباه:

 

إننا في الحياة العادية نمشي ونجلس ونتكلم وننظر ولكننا على خشبة المسرح نفقد كل هذه الملكات.. إننا نشعر باقتراب الجمهور منا ونتساءل:

لماذا ينظر هؤلاء إلينا؟ ومن ثم يجب أن نتعلم من جديد كيف نقوم بكل هذه الأشياء أمام الجمهور.

إن جميع الأفعال التي نقوم بها وحتى أبسطها، وهي الأفعال المألوفة لنا غاية الألفة في حياتنا اليومية تغدو عسيرة عندما تظهر خلف الأضواء وأمام جمهور مكون من ألف مشاهد. وهذا هو السبب الذي كان من أجله ضروريا لنا أن نصحح أنفسنا، وأن نتعلم من جديد كيف نمشي وكيف نتحرك وكيف نجلس ونرقد.

إن اللسان الثرثار أو الأيدي والأرجل التي تتحرك بطريقة آلية على خشبة المسرح لا يمكن أن تحل محل العين المدركة.. إن عين الممثل التي تنظر إلى الشيء وتراه وتجذب انتباه المشاهدين وتستطيع بذلك أن تكون علامة تحدد له ما ينبغي أن ينظر إليه. أما العين الفارغة فعلى العكس من ذلك تشتت انتباه المشاهد وتصرفه عن خشبة المسرح.

إن الممثل على خشبة المسرح إما أن يعيش داخل نفسه أو خارجها، إنه يعيش حياة واقعية أو حياة متخيلة. وهذه الحياة المعنوية تقدم موردا لا ينضب من مادة التركيز الداخلي لانتباهنا. والصعوبة في استخدام هذه المادة إنما تنحصر في أنها مادة هشة غير متماسكة. إن الأشياء المادية التي تحيط بنا على خشبة المسرح تحتاج إلى انتباه مدرب. أما الأشياء المتخيلة فهي تتطلب قوة من التركيز أكثر تنظيما مما تتطلبه الأشياء المادية.

إن للتركيز الداخلي أهمية خاصة بالقياس إلى الممثل وذلك لأن جزءا كبيرا من حياته يقع في نطاق ظروف متخيلة.

ولتدريب التركيز يمكن للمثل إن يقوم بهذا التمرين مساء

(عندما يذهب على السرير ويطفئ نور الحجرة يحاول أن يستعيد ما حدث في يومه كله ويحاول أن يسجل كل جزئية ملموسة وممكنة فإذا كان يستعيد تذكر وجبة غداء فر يكتفي باستذكار الطعام فحسب، ولكن ليستعيد رؤية الأطباق التي قدمت إليه، وكيف كان ترتيبها العام، وليستعيد كل الأفكار والانفعالات الداخلية التي تضمنتها أحاديثه على المائدة، وليجتهد في أن يعاين بالتفصيل الأماكن المختلفة التي مشي فيها أو شرب فيها شايا، ثم ليتخيل جميع الأشياء الفردية المتصلة بألوان نشاطه وليحاول أيضا أن يتذكر بقدر ما يستطيع من وضوح أصدقائه والغرباء عنه وغيرهم ممن مروا به..إلخ)

كيف يتعلم غير القادرين على الملاحظة إلقاء البال إلى ما حولهم؟

إن أول شيء بالنسبة لهؤلاء هو أن يتعلموا النظر إلى الأشياء والإصغاء إليها والاستماع إلى ما هو جميل. فأمثال هذه العادات تتسامى بعقولهم وتثير مشاعرهم التي سوف تترك آثارا عميقة في ذاكرتهم الانفعالية.

إن الحياة ليس فيها ما هو أجمل من الطبيعة، ومن المجدي حقا أن تكون الطبيعة موضوع الملاحظة الدائمة. فإذا أخذنا زهرة صغيرة أو وريقة من وريقاتها أو رسما تركه الجليد على زجاج النافذة، ثم حاولنا أن نعبر في كلمات عن الأسباب التي من اجلها تبعث هذه الأشياء السرور في النفس، رأينا أن مثل هذا المجهود سوف يجعلنا نلاحظ الشيء الذي نراه عن كثب وبإمعان أشد لكي نتمكن من تذوقه وتحديد صفاته.

ثم علينا الانتقال إلى المادة الانفعالية التي هي أكثر الأشياء أهمية وأشدها ضرورة وأوفرها حياة والتي يقوم عليها معظم إبداعنا الفني وهي تلك الانطباعات التي نحصل عليها، لأنها في معظمها تكون مختلطة وغير محددة ولا يمكن إدراكها إدراكا باطنيا ولا شك أن كثيرا من تجاربنا الروحية غير المرئية تنعكس في ملامح وجوهنا وفي أعيننا وفي صوتنا وكلامنا وإشاراتنا. ولكن ليس من السهل علينا على الرغم من كونها كذلك أن ندرك أعماق غيرنا. وذلك لأن الناس في كثير من الأحيان لا يفتحون أبواب نفوسهم، ولا يسمحون لغيرهم بأن يروها على حقيقتها.

وعندما تتضح لنا الحياة الداخلية للشخص الذي هو موضوع ملاحظاتنا عن طريق أفعاله وأفكاره ودوافعه علينا أن نتتبع أفعاله عن كثب، وأن ندرس الظروف التي يجد نفسه فيها ولنسأل أنفسنا لماذا يفعل هذا وذاك، وماذا كان يتردد في نفسه؟

4ـ استرخاء العضلات:

لكي نثبت مدى ما يصيب التوتر العضلي إبداعنا بالشلل وبأنه مرتبط بحياتنا الداخلية، نقوم بالتجربة التالية: لنحاول أن نرفع ثقلا ما وليكن وزنه أقصى ما تحتمله طاقتنا وبنفس الوقت لنحاول أن نصف مشهدا معينا أو أن نغني أغنينة ما، لنحاول أن نتذكر طعم أكلة معينة أو لمس نسيج من الحرير أو رائحة شيء يحترق.

إننا سنرى أن لكي نستطيع تطبيق كل ذلك لابد أن ندع ذلك الثقل وبعد ذلك يمكننا أن نكرس أنفسنا لعمل حواسنا الخمس.

لذلك علينا قبل أن نحاول القيام بعملية الإبداع أن نجعل عضلاتنا في حالتها الطبيعية حتى لا تعوق أفعالنا.

وليس التشنج العضلي العام وحده هو الذي يعرقل أداءنا لوظيفتنا أداء سليما؛ بل إن أي ضغط طفيف في لحظة ما قد يعطل عمل ملكة الإبداع.

إن الممثلين يضغطون على أعصابهم عادة في لحظات التهييج والاستثارة، لذلك كان ضروريا في اللحظات ذات الأهمية الكبيرة بصفة خاصة أن يحرروا عضلاتهم من التوتر تحريرا تاما.

5ـ الوحدات والأهداف:

سئل ربان سفينة كيف يتأتى له أن يتذكر ـ خلال رحلة طويلة ـ جميع التفاصيل الدقيقة لساحل من السواحل بمنحنياته وأجزائه القليلة الغور وشعبه الصخرية فأجاب قائلا ليس ألقي لها بالا؛ وإنما أنا التزم خطة سير معين لا أحيد عنه.

وهذا هو المسلك الذي يجب أن يسلكه الممثل إذ يجب أن يتقدم في طريقه غير حافل بالتفاصيل العديدة وإنما يكون احتفاله بتلك الوحدات الهامة التي تعيق خط سيره وكأنها الإشارات. وتجعله لا يحيد عن الاتجاه الإبداعي الصحيح.

ولو تعين علينا أن نمثل مشهد العودة إلى البيت على المسرح لوجب علينا أن نسأل السؤال التالي: أولا ما الذي أفعل؟ فيكون الجواب: (أنا ذاهب إلى بيتي) وهو المفتاح الذي يدلنا على هدفنا الرئيسي. على أن الممثل في طريقه قد توقف عددا من المرات، فقد توقف بلا حراك عند نقطة معينة وفعل شيئا آخر. ولذلك فإن النظر إلى واجهة المحل، يعتبر وحدة قائمة بذاتها، وعندما يواصل المسير إلى البيت يعود إلى الوحدة الأولى.

وأخيرا يصل إلى حجرته ويخلع ملابسه، فيكون ذلك العمل وحدة ثالثة، وعندما يستلقي في الفراش ويبدأ التفكير يكون ذلك وحدة رابعة، وبذلك نكون قد أنقصنا بمجموع وحداتنا إلى أربع وحدات، وهذه الوحدات تحدد لنا خط السير.

وهذه الوحدات الأربع هي التي يتألف منها هذا الهدف الواحد الكبير وهو العودة إلى البيت).

ولكن لنتذكر دائما أن التقسيم إجراء مؤقت إذ يجب ألا يبقى الدور والمسرحية مقسمين إلى أجزاء متناثرة. ونحن نعلم أن التمثال المحطم ـ مثله في ذلك كمثل اللوحة الممزقة ـ ليس عملا فنيا مهما بلغت أجزاؤه من الجمال.

إننا لا نستخدم الوحدات الصغيرة إلا في مرحلة إعداد الدور.

إن الهدف هو الذي يمنح الممثل الإيمان بحقه في الصعود إلى خشبة المسرح والبقاء عليها.

إننا نجد مالا نهاية له من الأهداف على خشبة المسرح ولكن ليست كلها أهداف ضرورية أو وحيدة، بل إن الكثير منها ضار في الواقع ويجب على الممثل أن يتعلم كيف يميز بين الغث والثمين منها، وكيف يتجنب الأهداف غير المجدية، وكيف يختار الأهداف الصحيحة حقا.

 

6ـ الإيمان والإحساس بالصدق:

لكي يتمن الممثل من بلوغ الصدق يجب عليه أن يستخدم أداة ترفعه إلى مستوى الحياة التخيلية وهناك يخلق لنفسه ظروفا متخيلة، إن تخيل ظروف معينة ملائمة يعينه على الخلق والإبداع.

إن الصدق على خشبة المسرح هو كل ما يمكن أن نؤمن به إيمانا حقيقيا من أفعال أو أقوال تصدر منا أو من زملائنا. إن الصدق والإيمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، إذ لا يمكن أن يوجد أحدهما دون وجود الثاني.

إن كل ما يحدث على المسرح يجب أن يكون مقنعا للمثل نفسه ولزملائه وللجمهور. يجب أن يولد الإيمان بأن كل ما يعانيه الممثل على المنصة من انفعالات ومشاعر يمكن أن يتحقق نظيره في الحياة الواقعية، ويجب أن تكون كل لحظة مشبعة بالإيمان والصدق والعاطفة التي يستشعرها الممثل وصدق ما يصدر عنه من أفعال.

7ـ الذاكرة الانفعالية:

الذاكرة الانفعالية هي قدرة الممثل على استعادة شعور انفعالي لموقف معين والفرق كبير بين أن يعيش الإنسان الشعور الانفعالي لأول مرة وبين أن يستعيد ذلك الشعور، ففي المرة الأولى يكون الشعور حارا وصادقا، أما عندما يستعيده فيكون خفيفا وذلك لأن الانفعال تخف حدته مع مرور الزمن وهذا حسن وإلا ظل من يعاني من عذاب فراق شخص معذبا طوال حياته وهكذا.

لذا فالممثل عندما يستعيد ذاكرته الانفعالية يجب أن يبعث فيها تلك الحرارة التي اتصف بها شعوره لأول مرة.

8ـ الاتصال الوجداني:

هل يمكننا أن نتصور عقدا ثمينا توحيد بين كل ثلاث حبات من حباته الذهبية حبة من الصفيح ينتظمها جميعا خيط واحد؟

من الذي يمكن أن تتوق نفسه إلى اقتناء مثل هذا العقد، ومن ذا الذي يمكن أن يقبل خط اتصال ينفصم انفصاما قد يشوه التمثيل أو يقضي عليه قضاء تاما؟

إن الاتصال بين الناس إن كان مهما في واقع الحياة فهو على خشبة المسرح أهم بمراحل.

وهذه الحقيقية مستمدة من طبيعة المسرح، تلك الطبيعة القائمة على الاتصال المتبادل بين شخصيات المسرحية.

إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور مؤلفا مسرحيا يقدم أبطاله وهم في حالة غيبوبة أو في حالة نعاس، فحينها تكون حياتهم النفسية غير قائمة بما هو مطلوب منها. كما لا يمكن أن نتصور أن يجمع ذلك المؤلف بين على المنصة بين شخصين لا يعرف احدهما الآخر فحسب، بل يرفضان التعارف وتبادل الأفكار والمشاعر أو يخفي كل منهما هذه الأفكار والمشاعر عن الآخر بأن يجلس كل منهما في طرف من طرفي المنصة.

وفي هذه الظروف لا يعود ثمة مبرر لدخول المتفرج إلى المسرح ما دام أن لن يجد في المسرح ما جاء من اجله، أي إحساسه بمشاعر الأشخاص المشتركين في المسرحية واكتشافه لأفكارهم.

وهناك أنماط ثلاثة من الاتصال هي:

1ـ الاتصال الوجداني المباشر بالشخص موضوع الحديث (أي بالزميل) الموجود على المنصة والاتصال غير المباشر بالجمهور.

2ـ اتصال الممثل بنفسه اتصالا وجدانيا.

3ـ الاتصال الوجداني بشخص غائب أو بشخص من صنع الخيال.

9ـ التكيف:

يقصد بكلمة التكيف تلك الوسائل الإنسانية الداخلية والخارجية التي يستخدمها الناس للتوفيق بين أنفسهم وبين الآخرين لإقامة علاقات شتى بينهم وبين غيرهم، كما يستخدمونها كعامل مساعد لتحقيق هدف معين.

وإننا نلجأ إلى وسائل التكيف في جميع صور الاتصال، حتى مع أنفسنا لأننا يجب أن ندخل في حسابنا الحالة النفسية التي نكون عليها في أية لحظة معينة.

إن كل ممثل له خصائصه الذاتية التي يتسم بها، وهي خصائص أصيله فيه، وتنبثق من منابع مختلفة، وتتفاوت في قيمتها. إن الرجال والنساء والشيوخ والأطفال والمختالين والمتواضعين وذوي الطبع الحاد وذوي القلوب الرحيمة وذوي الأمزجة العصبية وذوي الأمزجة الهادئة، كل من هؤلاء له نموذجه الخاص؛ وكل تغير في الظروف والبيئة ومكان الفعل وزمانه يؤدي إلى التكيف المناسب.

إن توفيقنا بين نفوسنا وظروفنا ونحن وحيدون في هدأة الليل يختلف عنه ونحن بين الناس، وعندما نصل إلى بلد أجنبي فإننا نهتدي إلى طرق تكيف نفوسنا بما يلائم الظروف المحيطة بنا.

وكل شعور يعبر عنه الممثل يقتضي في أثناء التعبير عنه، شكلا غير محسوس من أشكال التكيف خاصا بذلك الشعور وحده.

وكل أنواع الاتصال الذي يتم في جماعة من الناس مثلا، أو الاتصال بشيء خيالي أو بشيء حاضر أو غائب، كل هذه الاتصالات تتطلب طرقا للتكيف خاصة بكل منها ونحن نستخدم حواسنا الخمس جميعا وكل عناصر تكويننا الداخلي والخارجي للاتصال فنحن نرسل أشعة ونستقبلها ونستخدم أعيننا وتعبيرات وجوهنا وأصواتنا ونبراتها وأيدينا وأصابعنا وأجسامنا كلها وفي كل حالة نحقق أشكال التكيف المناسبة التي تقتضيها الظروف.

يجب أن يتعلم الممثل كيف يوفق بين نفسه وبين الظروف والزمن، وبين نفسه وبين كل فرد على حده وإذا دعت الحاجة إلى التعامل مع شخص غبي يجب أن نكيف سلوكنا بما يلائم عقليته وان نكشف أبسط الوسائل للوصول إلى ذهنه وإدراكه أما أذا كان الرجل الذي أمامنا حاد الذكاء فينبغي أن نتصرف بقسط اكبر من الحذر ونستخدم وسائل أكثر لطفا حتى لا يكشف حيلنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1ـ إعداد الممثل، قسطنطين ستانسلافسكي، ترجمة محمود مرسي ودريني خشبة

2ـ ومبادئ التمثيل والإخراج، للمخرج السوري محمد سعيد الجوخدار،

3ـ موقع مدرسة التمثيل للمخرج المصري علاء عبدالعزيز

4ـ عدد من مواقع الانترنت المهتمة بالفن الدرامي

Arabmedia

ان تعثرت فلا تقعد... بل قم وانطلق نحو القمه

  • Currently 99/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
32 تصويتات / 15253 مشاهدة
نشرت فى 11 فبراير 2010 بواسطة Arabmedia

صفاء السيد

Arabmedia
صفاء السيد باحثة ماجستير قسم الإعلام - كلية التربية النوعية - جامعة المنصورة , اهتم بكل ما هو جديد ومثير فى مجال الاعلام عموما والصحافه على وجه الخصوص تم انشاء الموقع 2010/2/11 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,770

لا حياة مع اليأس

عندما تيأس، وتقرر الاستسلام والتوقف، فاعرف أنك على بعد خطوات من هدفك. استرح، فكر في شيء آخر، ثم عاود المحاولة من جديد
د. ابراهيم الفقى