نقطة تحول
لكل إنسان بداية ، ولكل بداية نهاية وكل إنسان له نقطة تحول تغير حياته وتقلبها رأساً على عقب إما إلى الأفضل وإما إلى الأسوء ، وهى أولاً وأخيراً تمثل ذاته وشخصيته ، تمثله كعضو من أعضاء المجتمع ، يؤثر فيه ويتأثر به ؛ فالإنسان " كل فى نفسه ، جزءٌ من مجتمعه " ، وتكون شاهدةً عليه إلى نهاية حياته .
كان محمد طالباً فى المرحلة الأخيرة من الثانوية العامة وكان يذهب إلى المدرسة كلَّ صباحٍ يفكرُ دائماً كيف يكون شاباً ناجحاً ؟ ، ولكن طالما كان لا يجد حلاً للضغوط التى كانت تؤثر عليه ليس يأساً منه ، ولكن لم يكن قادرا على فهم ما حوله .
وظل الأمر على هذه الحال ؛ حتى اقتربت اختبارات نهاية العام الدراسى وجاء موعد أول اختبار والذى لم يكن مستعداً له بعد ، وقد رأى نفسه من غير المؤهلين لدخول الاختبار ، فاجتاز البعض ولم يوفق فى الآخر وأُعْلِنَتْ نتيجة الثانوية العامة وكان يتوقعها من قبل أن يتم إعلانها فلم يُوَفَّقْ
فى اثنين من المقررات التى يدرسها فى هذه المرحلة والتى تؤهله إلى الالتحاق ببعض الكليات وكان مجموع درجاته يسمح له بذلك إذا اجتاز هذين المقررين ، إلا أن الحظ لم يحالفه فيهما ؛ وكما قيل :
" اصنَعْ من الليمونة المالحة طعاماً حُلْواً "
وكما قيل فى هذا المقام :
" ولو أنك قد أمعنت النظر أيها المحزون فيما تَراءى لك لرأيت فى نفسِكَ أسْعَدَ الناس بما أُوتِيتَ من صحة وعافية فلا أراك على شىءٍ حزيناً أيها السعيد !! " ، ولم يَيْأسْ يوماً ولكن َعلى العكس من ذلك ، فقد قرر أنْ يحصل على الدرجة النهائية فيهما [ وقد أخذه عهداً على نفسه ] ولم يتقدم لأدائهما فى الدور الثانى ، ولكن قرر أن يدرسهما فى عامٍ مستقلٍ بمُفردِهِما .
وبدأ العام الدراسى الجديد واستعد لتنفيذ العهد الذى أخذه على نفسه فبدأ يبحث عن أفضل طرق للمذاكرة ويذاكر ويجتهد ، ويؤمن بما قيل :
" اعمل للوقت الحاضر بجد واجتهاد ولا تفكر فى أيامك المقبلة إلا أن ترى فيها أملاً فى النجاح " ، وبدأ يغير من نفسه ولم يمل لحظةً واستمر على هذا المنوال .
كان دائماً يبحث عن كل جديد حتى تدرج فى فهم المقرر إلى أن لاحظ عليه زملائه ذلك فقد كانوا يرجعون إليه إذا استعصت عليهم بعض الأسئلة فى هذين المقررين ، وكانوا متيقنين أنهم سيجدوا الإجابة عن أسئلتهم عنده ، واقتربت اختبارات نهاية العام الدراسى وقد كان على العكس من ذى قبل ، فقد كان على أُهْبَةِ الاستعداد لها ومرت على النحو الذى كان يتوقعه لها وأُعْلِنَتْ نتيجة الاختبارات وكانت المفاجأة الكبرى .
لم تكن مفاجئةً له ، فقد كان يتوقعها لنفسه قبل أن تعلن ، ولكنها كانت مفاجئةً لأسرته التى كانت تنتظر النتيجة على قلقٍ خشيةَ أن تتكرر التجربة السابقة ، إلا أن الله لم يخذله فقد كانت النتيجة سارَّةً للجميع ولم يكنْ يتوقعها واحد فقد حصل على الدرجة النهائية فى المقررين ، وحينها أحس بسعادة داخلية تملأ قلبه لم يشعر بها من قبل ؛ فقد التزم بالعهد الذى أخذه على نفسه ، وكانت هذه النتيجة وهذا النجاح بمثابةٍ انطلاقةٍ لحياةٍ جديدةٍ ، ولم يكنْ محمد يَعُدُّ ذلك فشلاً ولكنَّ كان يُعُدُّهُ دائماً أكبر نجاح.................. .
وكما قال الفيلسوف :
" إذا لم تفشل فلن تعمل بجد "
" ما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فرص النجاح "
وقد وجد ثمرة مذاكرته واجتهاده واضحة فى المرحلة الجامعية بعد أن التحق بكلية الزراعة ، وقد كان يطمح محمد فى العمل بمهنة الزراعة ولم يكنْ ذلك اضطراراً ولكنَّه كان اختياراً فهو يعلم أن الزراعة هى سبيل لنهضة مصر والرفعة بشأنها كما أنه كان يميل للطبيعة وقد كان ذلك متوفراً فى كلية الزراعة ، التى لم يتردد لحظة فى أن يضعها فى مقدمة استمارة ملء الرغبات التى يملأها كل من يرغب الإلتحاق بالجامعة التى يرغبها .
والفرق البَيِّن بين المرحلة الجامعية والمراحل التى تسبقها ، أن الأولى تضع لك طرقاً عدة للخوض فيها و تترك لك حرية الاختيار فإن لم تكن مُحَدِّدَاً أهدافك فلنْ تحسن الاختيار ، وأستعير قول الفيلسوف : وليام جيمس
" ليس هناك أكثر بؤساً من الإنسان الذى أصبح اللا قرار هو عادته الوحيدة "
وقول الفيلسوف : رالف أميرسون
" إن العالَمَ يُفسِحُ الطريق للمرء الذى يَعْرِفُ أين هو ذاهب "............... .
وإذا أردت تحديد أهدافك فقد أتاحت الجامعة لك ذلك ، كما تبنى الجامعة شخصية قادرة على تحمل المسؤولية حتى يكون قادراً على مواجهة تحديات الحياة وصعوباتها ولاتجد ذلك فى المراحل التى تسبق المرحلة الجامعية ، وكان لذلك كله الأثر الأكبر فى التفوق الدراسى بها وقد وَجَدَ يَدَ أساتذتها مبسوطة لكل من يريد التميز والتفوق ، تعين كل واحد على أن يصل إليه ، فأسرع محمد إلي هذه الأيدى العَطَّاءَة ، ولم يجد إلا كل العون والمساندة والوقوف بجانبه ، فقد ساعدوه الأساتذة - الذين يتمنون لجامعتهم التفوق ، ولوطنهم النماء والخير - على أن يكون ممن تتشرف بهم الجامعة ليكون من أوائل الفرقة الأولى وكان هذا استمراراً لنجاحه الأول فى المرحلة الثانوية فكان امتداداً لطريق جديد ، ومهد لفكر رشيد ؛ فقد تطور العقل ، وتنور الفكر، واتسعت النظرة إلى آفاق المستقبل ............... .
ولا ننسى فى هذا المقام دور الأصدقاء فى نجاح محمد
وقد قال أرسطو فى عبارته المشهورة :
"قل لى من تصادق ، أقل لك من تكون "
والصداقة هى التى تبنى على كل ما هو شريف ونبيل ، لا ينتظر الصديق طلب العون منه ولكنْ يُقدِّمُ العون مادام فى استطاعته ذلك ، دون تقاعد أو تقاعس ، وأن يقدم له النصح دون أن يطلب نصحاً فهؤلاء هم أصدقائه.......... .
ولا يأس فى أن يطلب الصديق من صديقه كل ما هو فاضل ونبيل .
وقد كان محمد يؤمن دائماً أن الرجل العظيم هو الذى يتفوق أو يثبت نفسه فى المكان الذى هو فيه ، فكثيراً ما نجد أن طالباً دخل كلية الطب أو الصيدلة ثم طلب التحويل منها لأنه لم يستطع أن يدرس فيها وذلك لأنه لم يختر الكلية بناءً على رغبته وإنما على أساس مجموع درجاته .
وظلت الإرادة والعزيمة والطموح لا تفترق عن محمد أى واحدة منهم ، حتى انتقل إلى الفرقة الثانية من التعليم الجامعى وكان الأول على مستوى القسم .
وكما قيل :
" لا تكن صغيرة نفسك ساقطة همتك ، ولتكن عالي الهمة رفيع الغاية ....... فما أتعس التلميذ الذى لا يتفوق على معلمه " ، واستمر على هذا المنوال حتى حصل على شهادة البكالوريوس فى العلوم الزراعية وعينته الكلية معيداً فيها ، ثم أكمل الدراسات العليا وحصل على الماجيستير ، ثم الدكتوراه , وأصبح أستاذاً فى الكلية يحكى قصته للأجيال من بعده .
وأخيراً أقو ل أن نقطة تحول كل إنسان تكون على حسب طموحه ورغباته وآمالــــه ، وكما قال : وليـام جيـمس
" إن أعظم اكتشاف هو أن الإنسان يمكن أن يغير حياته إذا ما استطاع أن يغير من اتجاهاته العقلية " .
وقال أرسطو:
" إن المرء هو أصل كل ما يفعل " ، فلينظر كل واحد منا عن نقطة تحوله التى يرغبها .
وقال الشاعر :
وما نَيْلُ المَطالِبِ بالتَّمَنِّى *** ولكن تُؤْخَذُ الدُّنْيا غِلابا
*** *** *** ***
ساحة النقاش