رغم الضجيج حولنا ورغم الأحداث المتسارعة، ورغم برودة الجو القارص ورغم مرور عام سريعا.. بعجلة أيام وشهور.. ورغم الوجوه التي غادرت ورغم الوجوه التي جاءت وحضرت ورغم كم الذكريات التي حملته عقولنا من ذكريات نظل نكررها لان تبقى جزءا منا وجزءا لا يمكن ان يمر اليوم دون ان يكون لتلك الذكرى مرور وعبور على شريط حياتنا ويومنا وذكريات مارسنا معها النسيان وتركها في دهاليز النسيان بعيدا عن لحظات جميلة نعيشها، الذكريات الأليمة نمارس معها كل أشكال الحذف والالغاء والنسيان..
< رغم كل تلك من صور.. مزدحمة الوجوه والأشياء وأحداث متتالية، نعود بعدها لنحضن الروح ونحملها ونهدئ من روعها وخوفها ونكون بالقرب منها لنحتويها بحروف ومشاعر واحساس بها قبل ان تهرب بعيدا عنا ولا نجدها بيننا وان كانت تسكننا روحا غائبة!!
< النفس البشرية لا يمكن لها ان تعيش بعيدا عن الروحانية والسكينة والطمأنينة والتي ينشدها جميع البشر بصور عديدة من صمت وسعي للتأمل والتفكر وشحن الذات روحيا وجمالا ومحاولة الاقتراب منها والتعرف عليها من جديد..
تحتاج النفس البشرية إلى الاقتراب منها بحب يلون أعماقها بألوان فرح ينعكس صفاء روح وعين وصوت هادئ النبرات عندما ينساب هادئا من الأعماق، تحتاج النفس البشرية.. إلى وقفة معها.. وقفة تأمل وصمت وبحث حقيقي لحاجاتها والاجابة عن تساؤلاتها لمحاولة عدم تكرار اخطائها.
< النفس البشرية تصاب بالجفاف وتحتاج للارواء والعناية بها من صور اهمال وكذب يمارس عليها! النفس البشرية تبحث عن السكينة التي ترفع الروح فوق صغائر الأمور وعبث الأيام التي لا تهدأ الا ببعثرة الأوراق وبعثرة الأفكار وتشتيتها!
النفس البشرية البريئة لا تعرف الخبث ولا سياسة اللف والدوران ولا أشكال خطط ولا رصّ وترتيب كلمات ولا تعرف التلون والتبرج بأشكال مكياج!
< النفس البشرية تعرف طريق الحق بنور البصيرة تلجأ اليه مهما حاول البعض تضليله وتغيير العنوان بلوحات مضللة وأرقام!
النفس البشرية يسكنها أب حازم وأم حنونة تعرف معنى الدفء والاحتواء ومعنى انهم معها في أحلك الظروف والأيام، أب لا يغادر وينشغل وينسى! وأم تنسى نفسها وحياتها لتعيش حضنا يحتوي بأمان كرحم سكن أول قبل الحياة.
< عندما نتأمل وجوها وتفاصيل ملامحها بين حركة وصمت! وعندما نتأمل الأجساد وحركتها وايماءاتهما ندرك كم من زمن ووقت لم نكن فيه أحياء ولم نستوعب لغة الوجوه ولغة الجسد! لغة تختصر زمنا ووقتا وعمرا في فهم وفك حروف رسائل بشرية غامضة الحروف والكلمات!
< عندما نتحرك ونمشي نجد أمامنا أشكال عقبات متناثرة لأشياء لا قيمة لها الا كونها عقبة تقف أمام تحركنا، لا ندع هذه العقبة ان تكون اشارة حمراء لنقف ويطول زمن الوقوف والانتظار ولا ان تكون عقبة تجعلنا نعود عن الاستمرار والعبور.وانما نتخطاها ونتجاوزها لتكون خلفنا.. ونمضي الى حيث نريد بثقة وايمان.
هي كذلك عقبات الحياة ومشاكلها.. بعضها يحتاج منا ان نقف ونقابلها وبعض منها لا نقف ولو لحظة معها.. نتركها ونمضي نحو حياتنا وأهدافنا.
< الحياة بنا وبغيرنا بوجودنا أو رحيلنا.. تتحرك عجلتها وفصولها وزحمة الناس والوجوه والأصوات خلالها، والفطن من أدرك ان يكون له أثر تركه في العقول والقلوب.. والأرواح الشفافة والأماكن بعد رحيله.. لا ان يكون وجودا اصم وعديم الأثر!
< تتسابق الايدي للسلام والاحتضان، وتتسابق الكلمات للتعبير والعزف على أوتار الحروف والمشاعر لتختار الجميل منها.. بعفوية وتلقائية جميلة تعبيرا وحبا واشتياقا.. هي كذلك الأيام ننتظر منها ان ترسل الينا تلك الأرواح النقية التي ان حضرت أضاءت المكان بنور أرواحها وجمال فكرها وعظيم دعائها.. بايمان وثقة بالله تسلي الروح الحزينة وتملؤها روحا منطلقة متفائلة تفتح ذهنها ويدها وقبلهما قلبها.. لكل طارق وقادم ينشد سلاما وحبا.. وطمأنينة وسلام..
< وفي زحمة بحث وانشغال تسرق منا احلاما وأماني وأشياء.. لا ننتبه لسرقتها وتسربها منا.. الا بعد فوات الميعاد! ما كان بثمن يعوض ويكون كائنا وموجودا، وأشياء لا تعوض ولا تقدر بأثمان! نشتاق حديثا بين فنجان قهوة وحوار نرتشف خلاله حلاوة حديث على الرغم من سواد القهوة ومرارتها!
< كل غالٍ يحتاج بحثا وتنقيبا وطول سفر وسهرا لأجل الوصول.. وكم من غالٍ بيننا ولا ندرك غلاها الا بعد ان تتسرب منا وتنسى.. ليأتي من يبحث عنها.. ويدرك قيمتها.
النفس البشرية غالية على صاحبها.. وغالية على من معه.. من يحبون هذه الروح دون مصلحة ودون اغراض وأهداف الا حبا يسمو بصاحبها ويرتقي بفكره ونظرته وأمانيه.
< التنقيب والبحث في الذاكرة والعبث بمحتوياتها.. يرهق صاحبها متى كان تنقيبا وفضولا وكثرة طرق وسؤالا يفتقد معنى السؤال والبحث والطرق باهتمام!
فالكلمة الطيبة والثناء والتفقد والسؤال.. والاهتمام.. دواء ورسائل اهداء وحب ترفع ارواحا من غرق يأس عجز أصحابها على السباحة والوصول لشاطئ الأمان!
< الروح تحتاج الى بحار ماهر يدرك العنوان ويعرف الوصول وغواص يبحر عمقا ليخرج لؤلؤا يسكن محارا لؤلؤ مشاعر حفظت بمكنونها سنوات عمر تحركت بين حركة ليل ونهار.. وبين سكون بحر وتطاول موج وثوران أعماق وبين تقلب فصول تنتظر صيفا وسكونا للعودة للبحث والتنقيب والغوص من جديد. رحلة الحياة لوحة كبيرة اتقن رسمها بقدر وسيناريو الخالق مقدر الأرزاق والآجال، لوحة ضخمة مزدحمة الوجوه والأشياء، لوحة حملت كثير المعاني والألوان وزخرف المشاعر وزوايا الاحساس، الحياة لوحة كبيرة.. رغم كثرة الوجوه خلالها.. الا ان وجوها عزيزة تكون واضحة المعالم والملامح وتحتل مكانا لا تخطئها نظرة عين ولا مهارة وحرفية عقل وِاتقان وريشة فنان..
< آخر جرة قلم: الحياة لا تحتاج منا نظرة تعقيد وسريالية فنان، وانما تحتاج الى بساطة وواقعية ريشة فنان ورقة مشاعر شاعر واحساس.. وروح تنعكس جمالا على كل شيء دون صعوبة ومقاومة لأي شيء..
الحياة كريمة تعطي وتقدم دروسا ومفردات وكلمات وتهدي كتبا مجانية دون دفع ببطاقة ائتمان لمن يدرك قيمة وثراء كرم العطاء الذي لا يقدر بثمن وأثمان!
سيناريو القدر يرسم الطريق.. ولوحة العمر بجمالية ندرك جمالها عندما تتضح الصورة وتكتمل.
الصمت لغة تجعلنا نتحاور مع الذات ونقترب منها وتمنحنا قوة نقف بصمت أمام فضول بشر لا ينتهي.. الا باستمرار التأمل والصمت والحوار مع الذات.
احساس الانسان بذاته واستيعاب هذه الذات وفهمها مفتاح لفهم الآخرين وعمق تفكيرهم وانسانية أخلاقهم..

المصدر: الوطن /سلوى الملا
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 106 مشاهدة
نشرت فى 22 ديسمبر 2014 بواسطة AnaMuna

عدد زيارات الموقع

1,075