مشكلة البحث
تعتبر المشكلة هى المحور الأساسى للبحث، ولذلك يجب العناية بصياغتها وتحديدها تحديداً دقيقاً. ويمكن تعريف مشكلة البحث بأنها "موقف غامض لا نجد له تفسيراً محدداً قبل دراسته وتفهمه".
قبل البدء فى صياغة مشكلة البحث يجب أن يكون الباحث قد انتهى من القيام بدراسته الاستطلاعية واستعراض الدراسات السابقة التى تناولت موضوع البحث وإبراز الجوانب التى لها علاقة بمشكلة البحث بالإضافة إلى تجميع البيانات الرقمية التى تدل على وجود المشكلة وتبرز حجمها ودرجة أهميتها، ومن ثم الحاجة إلى دراستها.
ويجب على الباحث عند صياغتة لمشكلة البحث أن يبتعد عن الأسلوب الإنشائى الوصفى فى العروض، وأن يركز فى عرضه للمشكلة على البيانات الرقمية التى تبرز المشكلة وحجمها، فالأرقام خير وسيلة للتعبير عن مشكلة معينة. بالإضافة إلى أنه يمكن الاستفادة من نتائج البحوث والدراسات السابقة التى لها علاقة بالموضوع فى توضيح المشكلة وابرازها.
يفضل الكثير من الباحثين أن يقوم الباحث بعد عرضه للحيثيات التى تبرز المشكلة – والتى تدعمها الأرقام والبحوث والدراسات السابقة – أن يقوم بإثارة المشكلة فى صورة تساؤل أو مجموعة من التساؤلات يحاول الباحث الإجابة عليها من خلال بحثه.
على سبيل المثال: إذا كانت مشكلة البحث تتعلق بتقييم سياسات التدريب فى شركة معينة، يمكن إثارة مجموعة من التساؤلات التى تتناول المشكلة على النحو التالى؟؟
<!--كيف يتم تحديد الاحتياجات التدريبية بالشركة؟
<!--ما هى أسس اختيار المتدربين؟
<!--ما هى أسس اختيار أساليب التدريب؟
<!--كيف يتم تقييم الدورات التدريبية؟
اختيار وتحديد مشكلة البحث
يعتبر اختيار وتحديد مشكلة البحث الأساسى الذى يعتمد عليه الباحث وينطلق منه لإجراء بحثه، وإذا استطاع الباحث أن يحدد مشكلة البحث تحديداً واضحاً ودقيقاً يكون قد وضع الأساس المتين فى معالجتها، حيث أن التحديد الدقيق للمشكلة يساعد على إمكانية الوصول إلى افتراضات علمية سليمة، كما يبلور ويحدد نوع البيانات والوثائق المراد معرفتها والخطوات والأساليب التى يجب على الباحث اتباعها لمعالجة مشكلة البحث بأسلوب علمى سليم.
يوجد العديد من المشاكل التى تتطلب البحث والاستقصاء فى المجالات المختلفة، فضلاً عما تفتحه الاكتشافات العلمية الجديدة من أبواب للدراسات والبحوث فى شتى المجالات إلا أن عملية اختيار مشكلة مناسبة للبحث تعتبر من العمليات الصعبة التى تواجه الباحث وبصفة خاصة الباحث المبتدئ، ونجد بعض الباحثين يميلون إلى اختيار المشاكل العريضة فى نطاقها أو تلك التى تتعلق بجوانب أو أجزاء متفرقة من مشكلة معينة.
وهذا بالطبع لا يتيح الفرصة للباحث لتناول المشكلة بالعمق المطلوب ويكون معالجته لها معالجة سطحية، وهنا نود أن نذكر للباحثين أن عملية البحث تشبه من يأخذ قطرة من ماء من محيط ويتعمق بها إلى القاع، بمعنى أنه يجب على الباحث أن يدرك أنه لا يمكنه معالجة جميع المشاكل التى تعانى منها المنظمة أو المجتمع مرة واحدة... وأن عليه أن يختار مشكلة محدودة النطاق ويقوم بدراستها بعمق وتحليلها التحليل الدقيق حتى يصل إلى أسبابها الحقيقية ويستطيع اقتراح الحلول المناسبة لها.
إن الصياغة الملائمة لمشكلة البحث يجب أن تكون محددة وذات دلالة فضلاً عن إمكانية القيام بدراستها، كما يجب أن يقيم الباحث المشكلة المقترحة على ضوء قدراته ومدى توافر البيانات والمعلومات والمتطلبات المادية اللازمة لمعالجتها.
وإذا كانت عملية اختيار مشكلة البحث من الأمور التى يجب أن يوليها الباحث الاهتمام الكافى فإنه يجب التأكيد هنا على أنه يجب أن يفرق الباحث بين المشكلة والظاهرة، وأنه ليس من الضرورى أن يبدأ الباحث بالمشكلة، وإنما يجب أن يعرض فى البداية للظاهرى محل المشكلة والتى ينطلق منها لتحديد مشكلة البحث ونعتقد أنه من الأهمية بمكان تحديد مفهوم كل من المشكلة والظاهرة لما لذلك من أهمية فى إجراء البحث على أسس سليمة.
1/1 الظاهرة والمشكلة
1/1/1 مفهوم المشكلة
المشكلة هى موقف غامض لا نجد له تفسيراً، أى أنه يمكن التعبير عن المشكلة بأنها جملة استفهامية تسأل عن ما هى العلاقة بين متغيرين أو أكثر.
ويمكن تصنيف المشاكل التى تتناول البحوث العلمية إلى نوعين من المشكلات هما:
<!--مشكلة علمية: وهى المشكلة التى تكون قائمة بالفعل فى واقع المنظمة أو المجتمع مثل مشكلة تعثر تحقيق المبيعات المخططة أو مشكلة احجام الشباب عن العمل فى القطاع الخاص، أو مشكلة قائمة فى المجتمع مثل مشكلة إدمان الشباب للمخدرات.
<!--مشكلة بحثية: وهى المشكلة التى ينشئها الباحث لدراستها مثل كيف ستواجه المنتجات المحلية المنافسة الأجنبية عند تطبيق قواعد تحرير التجارة الدولية، وماذا سيكون تأثير تغيير الدولة لسياستها فى توظيف الخريجين على سوق العمالة وظاهرة البطالة. وقد تكون المشكلة البحثية دراسة فرصة قائمة وتقييمها وتحديد وسائل الاستفادة منها مثل دراسة مقومات الاستثمار فى المدن الجديدة ووسائل جذب المستثمرين إليها.
1/1/2 مفهوم الظاهرة
الظاهرة هى الشئ أو الحدث الذى يتكرر وقوعه أو حدوثه عدد مرات على فترات متقاربة من الزمن والذى يعكس وضعاً غير مألوفاً أو غير عادياً أو انحراف عن المعتاد سواء بالسالب أو بالموجب.
من هذا المفهوم يمكن تحديد مجموعة من الشروط يجب توافرها لحدوث ظاهرة ما:
<!--صفة التكرار، بمعنى أنه لكى تكون هناك ظاهرة ما ملفته للانتباه يجب أن يتكرر حدوثها. مثال ذلك انخفاض مبيعات الشركة خلال الثلاث سنوات الأخيرة عن المعدلات المعتادة انخفاضاً ملحوظاً.
<!--أن تعكس الظاهرة وضعاً غير مـألوف أو وضع غير عادى أو انحراف عن المعتاد بالسالب أو بالموجب. وينبهنا ذلك إلى نقطة هامة هى أن البحث العلمى لا يقتصر على دراسة الظواهر السلبية فقط وإنما يمكن إجراء بحث لدراسة ظاهرة إيجابية فى المجتمع، ويكون الغرض من البحث فى الحالة الأخيرة معرفة أسباب هذه الظاهرة والعمل على دعمها وتنميتها وتعميمها لتشمل قطاعات كبيرة من المجتمع.
ومن أمثلة الظواهر السلبية:
<!--انخفاض معدلات أداء العاملين.
<!--انخفاض جودة المنتجات.
<!--انخفاض معدل العائد على الاستثمار.
<!--ظاهرة انتشار إدمان المخدرات بين الشباب.
<!--ظاهرة تسرب التلاميذ فى مراحل التعليم المختلفة.
ومن أمثلة الظواهر الإيجابية:
<!--ارتفاع معدلات الإنتاج.
<!--انخفاض معدل دوران العمالة.
<!--انخفاض معدلات الجريمة فى المجتمع.
<!--ارتفاع نسبة التعليم فى المجتمع
1/1/3 ما هى العلاقة بين الظاهرة والمشكلة؟
تعتبر الظاهرة هى النتيجة التى يكون سببها الجذرى والأصلى هو المشكلة التى يجب بحثها، وبذلك تكون هناك علاقة سببية بين الظاهرة والمشكلة ويكون الباحث موجهاً نحو معرفة وتحديد المشكلة ، والمشكلة هنا تكون بمثابة واحد أو أكثر من الأسباب المحتملة للظاهرة.
ولكن ما هى فائدة التفرقة بين المشكلة والظاهرة؟
هناك أهمية كبيرة للتفرقة بين المشكلة والظاهرة، حيث إن إزالة الظاهرة يتطلب معالجة السبب أو المشكلة الأصلية لضمان عدم تكرار حدوث الظاهرة، بمعنى أنه من الخطأ التركيز على معالجة الظاهرة وحدها لأن ذلك لا يعنى معالجة المشكلة، وهذا لا يمنع بالطبع من اتخاذ بعض الإجراءات السريعة لمواجهة الظاهرة مؤقتاً وفى الأجل القصير لإنقاذ الموقف، ولكن يجب أن يوجه الاهتمام الأكبر لمعالجة المشكلة الأصلية.
مثال ذلك: ظاهرة اختناق المرور فى أحد الشوارع الرئيسية، مثل هذه الظاهرة لا يكون علاجها بأن نعين رجال مرور دائمين فى هذا الشارع لتحقيق الأنسياب فى حركة المرور – وإن كان ذلك مطلوباً كحل مؤقت أو سريع – ولكن يجب البحث عن أسباب هذه الظاهرة، أى البحث عن المشكلة الأساسية والتى قد تتمثل فى عدم اتساع الشارع لاستيعاب الكم الهائل من السيارات التى تمر فيه يومياً والذى ينتج عن زيادة عدد المساكن والمتاجر فى المنطقة فى هذه الحالة يجب البحث فى حلول أخرى مثل دراسة إمكانية توسيع الشارع أو تحويله إلى اتجاه واحد للمرور أو إنشاء شوارع أخرى موازية... الخ من الحلول التى يمكن أن تسهم فى علاج المشكلة بصفة دائمة وليس علاجاً مؤقتاً.
ويتضح أيضاً أهمية التميز بين الظاهرة والمشكلة وضرورة التركيز على المشكلة حتى تختفى الظاهرة السلبية فى حالة النظر إلى موضوع نظافة الشوارع العامة، حيث قد لا يتحقق هدف نظافة الشوارع بزيادة سلات وضع القمامة، فكثيراً ما تجد أماكن يكون الشئ الوحيد النظيف فيها هو سلة القمامة، مما يؤكد أن ظاهرة عدم نظافة الشوارع العامة ليس عدم كفاية سلالات القمامة وإنما يرجع لأسباب حقيقية أخرى يجب تحديدها ودراستها.
ساحة النقاش