عالم الأدب والنقد الأدبي- د. محمدصالح رشيد الحافظ

الموقع خاص بعالم الإبداع الأدبي والإنساني - نصوص ودراسات

أصبح مفهوم الديناميكية لا يقتصر على الجانب الميكانيكي وحده بل تعداه ليشمل مجالات أخرى ومنها مجال الإدارة، فالديناميكية أصبحت شيء ضرورة ومُلح في قواعد وأساليب إداراتنا للوصول إلى التغيير الايجابي والنمو المتزن المبني على قيم الإنسان واعتقاداته ومبادئه وإدراكه. وخاصة ونحن نعيش عصر التغيرات السريعة والتطور الهائل بتكنولوجيا الاتصال والثروة المعلوماتية. فهل الواجب علينا ان نكون أسرى لمفاهيم وقواعد الإدارة التقليدية؟ أم أننا نتماشى مع هذه التغيرات ونجعلها كنظرية الثقالة الديناميكية.

 ان ما يميز بعض إداراتنا هي تمسكها بالإجراءات الروتينية التقليدية، ولهم العذر في ذلك لان هناك ثمة فجوة بين أساليبهم والأساليب الحديثة التي تتسم بالمرونة والواقعية وبما يتماشى مع قيم ومبادئ المجتمع، لهم العذر في ذلك لأنهم لا يؤمنون بإخضاع ورضوخ أساليبهم العقيمة لهذا الانفجار المعرفي والتكنولوجي، لأنهم معتقدين ان اعتماد واستثمار التكنولوجيا الحديثة يقلل من هيبتهم وتسلطهم فلا احد يمتدحهم ويتوسل لهم ويستمع لنصائحهم التي لا يتبعونها ويمارسوها حتى على أنفسهم، كأنهم وعاظ السلاطين كما وصفهم الدكتور علي الوردي.

 

فالأنهار تجري دائما وبمجرد وقوفها يصبح ماؤها أسناً والإدارة تفعل نفس الشيء تتحرك ولا تتوقف فإما ان تتقدم أو تتأخر أي أنها تكون بفعل ديناميكي وليس استاتيكي لذا فلا بد ان يكون هذا الفعل الديناميكي هو فعل ايجابي وينبغي لها ان تكون عملية مستدامة غير متوقفة ومنسجمة مع واقعها.

و يؤكد  Rosenberger (1998)في معرض حديثه عن تكنولوجيا المعلومات بان المعلومات وتكنولوجيا المعلومات السريعة وقليلة التكاليف والمتوفرة لدى المنشآت و معروضة بمحتوى كافي وفي مجموعات محددة وسهلة الاستعمال, لهي قادرة على دعم و زيادة المقدرة التنافسية للمنشاة. وبدورهماArtill and Mclaney, (1994)  يرون أن تكنولوجيا المعلومات قد ساهمت ليس فقط في تطور المحاسبة الإدارية, و لكن أيضا في عملية تشغيل هذه البيانات بشكل يسمح باستخدام أدوات حديثة ونظم تكاليف وإدارة أكثر كفاءة وفعالية ومن خلال توفير إمكانية القيام بتحليلات متعددة لأوجه النشاط المختلفة, الأمر الذي سهل بدرجة كبيرة من إعداد وإصدار تقارير أكثر تفصيلا وفعالية.

دراسات أخرى أمثال: Bakos (1991), Nygaard and Bjorn (1994)  Bakos and Treacy (1985) , Claver and Gonzales (1999), Martinez (1999) و Ripolland and Aparisi (1999) أوضحت كيف ان استخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة في العمل الإداري أصبح من الضرورات الملحة في العصر الحديث اعتمادا على دورها كمصدر أساسي من مصادر الدعم الأساسية لمتخذ القرار, إضافة إلى كونها إحدى مصادر المميزات التنافسية طويلة الأمد.

وأود الإشارة الا يفهم كلامنا أننا نهتم بالآلة والتكنولوجيا ونستبعد الإنسان، وإنما ما أردنا قوله هو استثمار هذا التقدم والتطور بالتكنولوجيا لخدمة الإنسان وتحقيق التنمية الشاملة وتحقيق أهدافنا بفاعلية عالية، هذا من جانب ومن جانب أخر ان مفهوم التكنولوجيا هو ليس مجرد علم أو تطبيق العلم أو مجرد أجهزة بل هي أعم وأشمل من ذلك بكثير فهي نشاط إنساني يشمل الجانب العلمي والجانب التطبيقي. وهذا يتطلب ان يتسم عملنا بالحرية والمرونة والعمل ضمن الفريق الواحد، فالإدارة الحديثة هي التي تتميز بالتركيز على التجديد الذاتي والتأكيد على التفوق على الذات وهذا لا يتحقق الا بتعميق روح الإدارة الذاتية وجوهرها الإنسان.

فالإنسان مخلوق ذو تركيب فريد معقد قادر على التفكير والشعور والاختيار وعلى تعديل أنماطه وسلوكه وتصرفاته أو تغييرها.

والإنسان يحكم امتلاكه للقدرة على محاكمة الأمور قادر على ان يرى عالم خبرته كمكان تحقق فيه أماله وتطلعاته، فالإنسان لديه سلطة الاختيار والسعي لتحقيق طموحاته. وان فهم هذا المخلوق البشري كان ومازال محط اهتمام الفلاسفة والباحثين من مختلف العلوم والتخصصات. فما هي طبيعة الإنسان؟ كيف يمكن تفهم مشاعره وقيمه واتجاهاته وشخصيته وطريقة إدراكه ومحاكمته للأمور؟

كل هذه الأسئلة وغيرها تساعد القائم بالعمل الإداري من وضع الأسس العريضة لمعرفة وفهم طبيعة الإنسان وهذا ما يساعد على الاستخدام الأمثل للأسلوب الإداري الناجح والأسلم بشكل يتناسب وطبيعة وميول ورغبات هذا الإنسان وبالتالي يكون التخطيط والتنظيم في مجاله الصحيح مما يؤدي إلى تحقيق الأهداف بشكل مجدي، لذا وجب على الإداري فهم طبيعة الإنسان هذا الإنسان بطبيعته مخلوق من الله (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي)[1]

 وفيه من الأرض (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ)[2] وقال تعالى (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)[3]

ولديه عقل يسعى من خلاله إلى التفكير في ملكوت السموات والأرض ويستخدمه في محاكمة الأمور والقضايا التي تعرض له ولكن جوانب الروح والعقل والجسد تشكل كلاً متكامل للإنسان ويمكن النظر إليها على أنها أنظمة فرعية أساسية في نظام المخلوق البشري أي ان الإنسان مخلوق متكامل لا تكتمل إنسانيته إلا بتكامل هذه الأنظمة الفرعية الثلاثة وتفاعلها (العقل، الجسد ،الروح) هذا الإنسان خير مخلوق على الفطرة (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[4] ولو أحسن استخدام ما انعم الله له وسار على الصراط المستقيم لفاز بخير الدارين، ومن المفروض ان يعمل الإنسان لدنياه كأنه يعيش أبداً وان يعمل لأخرته كأنه يموت غداً.

فالإنسان مخلوق متميز عن بقية المخلوقات الأخرى بنعمة العقل التي انعم الله بها عليه (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[5] والإنسان مخلوق اجتماعي قال تعالى(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ)[6]

غير ان اجتماعية الإنسان لا تنفي المنافسة مع الآخرين وأحياناً حدوث مظاهر صراع في الجماعة فولاءات الإنسان تبدى بولائه لهويته ولنفسه ثم لجماعته المباشرة ثم يبدأ بتوسيع دائرة ولاءاته. 

والإنسان مخلوق لديه بعد معرفي تعلمه واكتسبه من خلال تفاعل إمكاناته مع معطيات البيئة فعندما يمر الإنسان بالخبرة وتتوافر له معلومات كثيرة فان بعده الشخصي ومكونات بعده البنائي المتنوعة تتداخل في اختياراته وكيفية الاستفادة منها.

والإنسان في حقيقته ليس عضواً فارغاً تأتي استجابته لمثير معين استجابة تلقائية دون ان تمر بتماس مع ما في هذا الإنسان من خلفيات وإبعاد. وكذلك فان الإنسان ليس عضواً عارفاً فقط تعتمد استجابته على ما في جعبته من معارف وحقائق ومعلومات على الرغم من أهمية هذا البعد لذا فان استجابات الإنسان تأتي متأثرة بالإضافة ما لديه من بعد معرفي بقيمه واتجاهه وبطريقة أدراكه للأمور وبشخصيته وبدوافعه، فرفضه وقبوله للمثيرات يأتي متأثراً بهذه العوامل المتعددة.

لذا على الإداري ان يدرك هذه العوامل ويدرسها ويعرف ما يؤثر منها على الإنسان بشكل أساسي وما تؤثر منها بشكل غير أساسي أو محايد فعلى سبيل المثال أجريت دراسة بإشراف التون مايوEleton Mayo أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد 1927-1932 المعروفة بدراسة هوثورن والتي بينت ان هناك ترابط بين السلوك والعواطف وان للجماعة اثر على سلوكيات الفرد وان لمعايير الجماعة اثر كبيراً في وضع أسس مخرجات المستخدم وان اثر متغير(النقود) يعتبر ثانوياً بالنسبة لمخرجات الفرد إذا ما تمت مقارنتها بأثر معايير الجماعة وعواطفها وإحساسها وشعورها، غير ان نتائج الدراسة هذه لم تسلم من النقد ولكن مهما كان النقد موجه إلا انه يمكن القول ان هذه الدراسة شدت الاهتمام نحو العامل الإنساني في الإدارة والاهتمام بدراسة الإنسان وتحليله ومدى تفاعله مع الجماعة بحيث أصبح ينظر للإنسان كمدخل معقد التركيب له تأثيره على الأداء المنظمي وان الإنسان لا يمكن التعامل معه كآلة بل انه يتأثر بسلوك الجماعة التي يتفاعل معها.

 لذلك فانه ينبغي توضيح أهمية دراسة الإنسان وإبراز حتمية التغيير والتطور وكونه اجتماعي يؤثر ويتأثر لأنه يعيش في بيئة اجتماعية تحيط به أثارها من كل جانب وقد قال أرسطو (انه حيوان اجتماعي لم يعيش منفرداً في وقت من الأوقات بل كان ولا يزال محتاجاً إلى الألفة والإنس بغيره) والحياة الاجتماعية ليست موجوداً مادياً مؤلفاً من أجسام الإفراد وأثارهم وإنما هي فضلاً عن ذلك موجود معنوي مؤلف من أفكار وأراء واعتقادات وعواطف مشتركة فهي إذن مجموعة ظواهر نفسية إلا أنها مشتركة بين الإفراد يعيش الإفراد في وسطها فيستنشق ريحها ويتغذى بها كما يتغذى جسده بالوسط المادي فلا حياة للنفس الفردية إلا داخل البيئة المعنوية كما انه لا حياة لجسد إلا داخل البيئة الطبيعة.

ولو كانت هذه البيئة المعنوية خارجية بالنسبة إلى الإنسان لأعرضنا عن البحث فيها الآن، إلا أنها تحدق به من الخارج وتملأ نفسه من الداخل حتى قيل في كل إنسان منا موجودين: أحداهما اجتماعي يأتينا بطريق البيئة، والأخر فردي يرجع إلى عناصر حياتنا الذاتية ففي كل واحد منا اثر اجتماعي ولا معنى وجود الفرد إلا إذا نسب إلى الجماعة كما انه لا معنى لجهاز التنفس إلا إذا نسب إلى الهواء الخارجي.

وعلى ذلك فان علاقة الفرد بالجماعة ليست علاقة جوار وإنما هي علاقة تداخل ونحن وان كنا لا نشعر في الحالة الطبيعية بتأثير البيئة الاجتماعية في نفوسنا ولا بتأثير ضغط الهواء في أجسامنا فانه لابد لنا من الشعور بذلك في بعض الأوقات، ومتى ما تم هذا الشعور أدركنا ان هناك موجوداً اجتماعياً أغنى من الموجود الفردي، حيث قال جان جاك روسو (لو حذفنا من الإنسان كل ما اتصل إليه من أثار البيئة الاجتماعية لرجع إلى صف الحيوان) لذلك وجب على القائم بالعمل الإداري دراسة وتحليل البيئة ومدى تفاعلها مع الإنسان وذلك لان لها أثار كبيرة على تلبية الإنسان وتغيير عقله وعواطفه وأفعاله.

وخلاصة ما ذكر ان الإدارة الناجحة هي التي تتسم بالديناميكية وتدرس البيئة دراسة جادة ومن كل الجوانب فضلا عن الاستثمار الأمثل للتقدم الحاصل بالتكنولوجيا لما لها من فائدة من خروج الإدارة من واقع التشتت وبطء الحركة وعشوائية الكادر البشري الواسع إلى الديناميكية والمعرفة فضلا على السرعة والفاعلية والمرونة في اتخاذ القرار بفعل تقنيات المعالجة السريعة والنقل السريع، إضافة إلى إمكانية إعداد التقارير ومعالجة كم هائل في زمن قياسي مما يساعد في اتخاذ القرار وبناء بنك للمعلومات الإدارية يعطي حياة وديناميكية لاستثمار هذه المعلومات في تطوير بنية الإدارة وبالتالي تطوير الإنسان الذي يعد جوهر العمل الإداري والتي تساعد القائم بالعمل الإداري من وضع أولويات للعمل وتركيزه على المهام الإستراتيجية والتخفيف من الأعباء الروتينية ومساعده على سرعة التأقلم والتكيف مع متغيرات البيئة.

لذا فان الإدارة الناجحة هي التي تعني بالديناميكية فهي السمة في تفاعل الحقائق من جهة وتلبي حاجات الواقع بمراحله المتعاقبة من جهة أخرى فالمطلوب عملية مراجعة مستمرة للعمل الإداري وإعادة قراءته وتجديده بين مرحلة وأخرى على ضوء ما يستجد من تطورات ومتغيرات على الصعد كافة.



[1] القران الكريم.سورة الحجر، أية 29.

[2] القران الكريم.سورة المؤمنون، أية 12.

[3] القران الكريم.سورة الرحمن، أية 14.

[4] القران الكريم.سورة التين، أية 4.

[5] القران الكريم.سورة الرعد، أية 4.

[6] القران الكريم.سورة الحجرات، أية 13.

المصدر: د.عدي جاسب حسن- جامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا
  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 168 مشاهدة
نشرت فى 8 إبريل 2011 بواسطة Alhafedh

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

40,729