أيها الإخوة، لقد مدح الله المتعففين فقال:
﴿ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا (273)﴾
(سورة البقرة)
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَا اللُّقْمَةُ وَلَا اللُّقْمَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ ))
[ متفق عليه ]
﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ (273) ﴾
(سورة البقرة)
لقد أثنى النبي على المتعففين، لذلك ورد في بعض الروايات أن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به، فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس، لا ينتبه إليه، وهو لا يسأل، بينما هو لا يجد حاجته، هذا هو المسكين هذا الذي أمرنا أن نعينه، وأن نبحث عنه.
أيها الإخوة، بل إن الإمام النووي رحمه الله تعالى يرى أن الإنسان إذا كان غنياً ليس بالمعنى المألوف، إذا كان عنده ما يكفيه، وسأل فسؤاله حرام، وما أخذه محرم عليه، إذا كان غنياً بمعنى أنه عنده ما يكفيه، وسأل كان سؤاله حراما، وما أخذه سحت يحاسب عليه، أما سؤال المحتاج العاجز فليس بحرام، ولا بمكروه، وإذا سأل ينبغي ألا يذل نفسه، ولا يؤذي المسؤول، ولا يلح في السؤال.
أيها الإخوة، الموضوع دقيق جداً، ونحن في أمس الحاجة إليه، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا ـ أخطر شيء الثالثة ـ وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ ))
[ الترمذي ]
المؤمن متعفف، ويصبر، إلى أن يتخذ قراراً أن يمد يده للناس، وأن يسأل، وأن يتضعضع، عندئذ في هذا الحديث الخطير يفتح الله عليه باب فقر.
أيها الإخوة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ ))
[ الترمذي، أبو داود، أحمد ]
يعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم، إن نزلت بك فاقة فقم قبل الفجر، وصلِّ ركعتين، لأن الله عز وجل فيما أعلمنا النبي عليه الصلاة والسلام ينزل إلى السماء الدنيا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ))
[ مسلم ]
إن نزلت بأحدنا فاقة فليضعها في باب الله، ولا يضعها في باب إنسان.
عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ))
[ متفق عليه ]
سقط لحم وجهه من كثرة السؤال، لذلك عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ ))