تعتبر الضوضاء من أنواع التلوث العديدة حيث أنها صنفت بأنها ضارة على صحة الإنسان، الحيوان، الطيور والنبات وأشياء غير حية أخرى .
قال الله تعالى : {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }
وقال أيضاً : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } .
وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- يعجبه أن يكون الرجل خفيف الصوت ويكره أن يكون الرجل جهير الصوت .
وظاهرة الضوضاء ظاهرة غير طبيعية بالنسبة للانسان ، لأنها تؤثر على جوانب حياته فتجعلها ذات طابع قلق ومضطرب ، وتعد شذوذا لما اعتاد عليه من هدوء وراحة تتلاءم مع التركيب الفسيولوجي لحواس الانسان.
فالأذن مصممة بحيث لا تسمع الموجات الصوتية التي هي أقل من (16) موجه صوتية واكثر من (16000) موجة صوتية .
وعكس ذلك تصبح حياة الانسان من الصعوبة والانزعاج بحيث يستحيل عليه العيش بسهولة ، كما وأن مدة التعرض للصوت والضوضاء يجب أن تكون قصيرة ومعقولة غير مرهقة لأعصاب الاذن ومركز السمع في الدماغ.
ففي بعض الحالات تؤدي الموجات الصوتية العالية والسريعة إلى تمزق طبلة الاذن.
وأثبتت الدراسات والاحصاءات الحديثة التي أجراها علماء الطب والبيئة أن الأصوات العالية والضوضاء لها تأثير مباشر على أعصاب الانسان وسلوكه النفسي ، وهي السبب الرئيسي في زيادة الأمراض النفسية والعصبية في الأماكن المكتظة بالسكان وذات المصانع الكثيرة
ولهذا وضعت الهيئات العالمية والمحلية المسؤولة عن شؤون البيئة والصحة الكثير من التعليمات والشروط التي تحد من ظاهرة الصوت والضوضاء ، لضمان بعض المستلزمات البيئية التي تهم راحة الانسان ، من ضمنها:
أ) استعمال المواد العازلة في السقوف عند بناء العمارات السكنية لامتصاص الصوت
ب) توزيع الأجهزة الواقية للاذن في المعامل ومراكز التجارب التي تحدث فيها أصوات عالية ،
ج) قيامها بطبع الكثير من الكتب والمجلات والنشرات التي تعالج هذه الظاهرة وتوزيعها على الدول والجمعيات ، وخصوصا الدول النامية للاستفادة منها حاضرا ومستقبلا.
وهذا الاشعاع القرآني الذي جاءت به الآية الكريمة أنار الطريق لعلماء المسلمين وأطبائهم حاضرا ومستقبلا .
فما عليهم إلّا أن يأخذوا خطاب لقمان الحكيم لابنه بعين الاعتبار ، لأنه في الواقع خطاب عام موجه لكل المسلمين حتى يدركوا تأثير الصوت على صحة الانسان وبيئته.
وهنا يتجلى الاعجاز القرآني باعتباره السبّاق في وضع هذا القانون البيئي ، حين لفت أنظار المسلمين خاصة وسائر الناس عامة ، ونبهنا إلى علم اللّه تعالى بهذه المشكلة ، وما سيحدث عنها مستقبلا ، إذا تركت دون تخطيط أو حلول ، وهو ما حدث فعلا في الوقت الحاضر.
فيجدر بعلماء المسلمين ومفكريهم أن يولوا هذا الخطاب الرباني كل اهتمامهم ، وأن يشكروا اللّه ولقمان الحكيم على هذا الإرشاد البيئي والانساني العظيم.
إن مشاكل التلوث الضوضائي تزداد يوما بعد يوم وخصوصا في المناطق الحضرية (المزدحمة بالسكان) . بجانب المناجم، الطرق السريعة، المطارات، المناطق الصناعية ومناطق أخرى توجد بها حركات إنشاء كالبناء وتنفيذ مشاريع.
تعتبر الضوضاء نوع من التلوث الجوي/الاهتزازي يصدر على شكل موجات حيث أن كلمة ضوضاء مشتقة من التعبير اللاتيني (NAUSES) .
أولاً _ تعريف التلوث الضوضائي :
يوجد هناك تعاريف كثيرة ومختلفة للضوضاء على سبيل المثال :
1. التعريف الأول للتلوث الضوضائي :
هو خليط متنافر من الأصوات ذات استمرارية غير مرغوب فيها، وتحدث عادة بسبب التقدم الصناعي
2. التعريف الثاني للتلوث الضوضائي :
تعرف الموسوعة البريطانية الضوضاء بأنه (الصوت الغير مطلوب) .
3. التعريف الثالث للتلوث الضوضائي :
أما الموسوعة الأمريكية فتعرفه بأنه (الصوت الغير مرغوب).
يعتمد التلوث الضوضائي على مدى استيعاب أذن الإنسان له لأن البعض يستحمل الضوضاء بنسب متفاوتة عن الآخر، واعتمادا كذلك على العوامل النفسية.
وبشكل آخر إن أي صوت ينتج عنه ضوضاء يعتبر مزعجا وهو من وجهة النظر القانونية قد يُعرف بأنه تلوث خاطئ من الجو أدى إلى جرح مادي لحق الأفراد.
ثانياً - الضوضاء والصوت :
الموجات الصوتية الغير مرغوب بها تعتبر من الضوضاء .
لأن أذن الإنسان حساسة جدا ومن الممكن أن تحتمل أمواجا صوتية يتراوح ترددها ما بين 20 درجة هيرتز إلى 2000 درجة هيرتز حيث يعبر الهيرتز عن التردد أو عدد الاهتزازات في الثانية.
وأريد أن أوضح هنا أنه ليست كل الأصوات قابلة للكشف من قبل أذن الإنسان حيث أن هناك نوعان من الصوت..
1. الصوت الخارجي:
وهو الصوت الذي يتجاوز مدى التردد 15 هيرتز تقريبا أي ما بعد الحد الأعلى للجلسة أو الاجتماع الطبيعي الذي له تردد عالي جدا لإثارة إحساس الجلسة أو الاجتماع.
2. الصوت الخارجي:
هو الصوت الذي يصدر ترددا تحت 16 درجة هيرتز أي هو تحت المعدل الأدنى للجلسة أو الاجتماع الطبيعي والذي يعرف عموما باسم الاهتزاز.
نوضح هنا مثالا على أن بعض المدن الهندية الكبيرة التي تعتبر من أكثر المدن ضوضائية (مومباي، دلهي، شناي وكالكتا) حيث أن معدل الضوضاء بها يزيد عن 45 درجة هيرتز حسب تقرير منظمة الصحة العالمية مع أن معدل الضوضاء المقرر عالميا هو كالتالي:
أ) من 25 – 40 مقبول في المناطق السكنية
ب) من 30 – 60 مقبول في المناطق التجارية
ج) من 40 – 60 مقبول في المناطق الصناعية
د) من 30 – 40 مقبول في المناطق التعليمية
ه) من 20 – 35 مقبول في المناطق المستشفيات
يستخدم مصطلح (ديسيبل) كوحدة لقياس شدة الصوت.
على سبيل المثال 0 ديسيبل هي عتبة الصوت المسموع، 10 ديسيبل تمثل شدة حفيف أوراق الأشجار الهادئ، 90-100 ديسيبل تمثل شدة صوت الرعد، 130 ديسيبل تمثل عتبة الألم عند الإنسان، 140 ديسيبل تمثل شدة صوت إطلاق صاروخ إلى الفضاء.
ثالثاً - مصادر التلوث الضوضائي :
هناك العديدُ من المصادر للضجيج، سنأتي فيما يلي على ذكر بعضٍ منها:
1. الضجيج المنزلي:
يمكن للأدوات المنزلية الكهربائية أن تكونَ مصدراً أساسياً للضجيج، فتسبِّب الإزعاجَ وتُلحق الضررَ بالصحَّة.
ومن الأمثلة عليها: (خلاَّط الفواكه ومحضِّر الطعام، غسَّالة الملابس، مجفِّف الشعر، مكيِّف الهواء، السمَّاعات الخارجية للأجهزة الصوتية، سمَّاعات الأذن) وغيرها.
كما يمكن أن يصدرَ الضجيجُ عن جوار المنزل، كما لو كان أحدُ الجيران يحتفظ بكلبٍ في حديقة منزله، واعتاد هذا الكلبُ على العواء كلَّما لمح ظلاً يمرُّ بجانبه، فيسبِّب عواؤُه الإزعاجَ لكلِّ قاطني الحي.
2. المناسبات الاجتماعية :
يمكن لصالات الأفراح أو أماكن انعقاد الاحتفالات وغيرها أن تكونَ مصدرَ إزعاجٍ كبيرٍ للقاطنين في محيطها.
كما أنَّ هنالك العديد من الأسواق الشعبية التي تُستخدَم فيها مكبِّرات الصوت للفت الانتباه، أو يصيح الباعة بأعلى أصواتهم لترويج بضائعهم.
ومن الجدير بالذكر أنَّ تلك الأصواتَ إذا كانت غير مستمرة، فإنها تُسمى (إزعاجاً) وليس تلوٌّثاً ضوضائياً.
3. النشاطات الصناعية والتجارية :
يصدر عن المنشآت الصناعية ومواقع البناء والمطابع الكبرى أصواتُ ضجيجٍ تصل إلى درجة التلوُّث الضوضائي.
كما أنَّ هنالك العديد من الصناعات التي تستلزم من العاملين فيها وضعَ سدادات في الأذنين بشكل دائم للتخفيف من شدَّة الضجيج الذي يتعرَّضون له.
وينطبق الأمرُ ذاته على العاملين في مجال جزِّ الأعشاب، أو قيادة الآليات الثقيلة، أو الذين يعملون على آليَّات الحفر والهدم.
4. النقـــل :
يعاني الأشخاصُ، الذين يسكنون بجوار المطارات (وخاصَّة الضخمة منها) من ضجيج الطائرات عندَ الإقلاع والهبوط.
وينطبق الأمرُ كذلك على القاطنين بجوار محطَّات القطارات أو مراكز انطلاق حافلات النقل الجماعي.
رابعاً – مفهوم مصطلح الإزعاج :
يُطلق مصطلحُ الإزعاج على الفعل أو النشاط الذي يُلحق الأذى أو الضيقَ بالآخرين (كالأغاني الصاخبة أو أبواق السيارات) وغيرها.
فيما يلي بعض الأمثلة على الأصوات المزعجة:
1) نُبَاح الكلاب.
2) ضجيج أعمال البناء والإنشاء.
3) أصوات الإصلاحات المنزليَّة في أوقات راحة الآخرين.
4) أبواق السيَّارات.
5) حركة السيَّارات في أوقات غير منطقية (مواكب الفرح، نقل أو توصيل الأثاث المنزلي في ساعات متأخِّرة من الليل) .
6) أصوات الحفلات وأمان الصَّخَب.
7) الموسيقى الصاخبة وأصوات التلفاز العالية وألعاب الكومبيوتر.
8) الأصوات الصَّادرة عن بعض الورشات الحرفية (مثل النجارة والحدادة)
9) شفَّاطات الهواء الضخمة الموجودة في المطابخ الكبيرة.
10) الأصوات الصَّادرة عن الحفلات الفنية في الهواء الطلق، كـ (العروض المسرحية أو الغنائية) .
ويبقى كلُّ ذلك أمراً نسبياً بين الناس؛ فما قد يعتبره البعضُ إزعاجاً، قد يراه آخرون على أنَّه شيءٌ محبَّب.
فعلى سبيل المثال : يستمتع بعضُ الناس بسماع الأصوات الصادرة عن الحفلات الموسيقية العامَّة ويعتبرونها ترفيهاً مجَّانياً، في حين أنَّ البعضَ الآخر تزعجه تلك الأصوات ولا يفضِّل سماعها، لأنها تفسد عليه أوقاتِ راحته أو عمله.
وبذلك، فإنَّ مصطلح "الإزعاج" يُستخدم غالباً لوصف الأفعال المذمومة من معظم الناس العاديين، أو مجموعة من الناس في مكان وزمان محدَّدين.
خامساً - تقرير بيئي :
في عام 1995اصدرت وكالة البيئة الأوروبية تقريرا خطيرا حمل عنوان (بيئة أوروبا) . ذكرت فيه أن 450 مليون شخصا ( أي 65 في المئه من سكان أوروبا ) يتعرضون بإنتظام إلي ضجيج حاد يتعدي 55 ديسيبل وهو معدل مرتفع إلي الحد الذي يسبب الإزعاج ويقلق راحة النائمين ويشجع علي السلوك العدواني .
وعلي الرغم من محدودية المعلومات المتوافرة عن الضوضاء وتنوع طرق جمع هذه المعلومات فإن الوكالة الأوروبية استنتجت أن نحو 113 مليون أوروبي يتعرضون بصورة روتينية لضوضاء شدتها 65 ديسيبل وهو معدل يمكن أن يسبب إرتفاع ضغط الدم وأن عشرة ملايين يتعرضون لضوضاء شدتها أعلي من 75 ديسيبل وهو معدل يمكن يمكن أن يؤدي إلي الإجهاد المفرط وإزدياد ضربات القلب وإحتمال فقدان السمع
وفي ألمانيا مثلا هناك نحو 70 في المئه من السكان يشعرون بإزعاج متواصل سببه وسائل النقل والمواصلات وفي هولندا يتعرض أكثر من مليون شخص لمستويات مفرطة من الضجيج بسبب قربهم من أحد المطارات .
سادساً - تجربة قياسية :
في عام 1991 بدأت فاليري جيبسون (47 عاما ) حمله ضد التلوث الضوضائي عندما أجبرت علي ترك منزلها في جنوب شرق لندن نتيجة رفض جيرانها تخفيض صوت الموسيقي الصاخبة التي اعتادوا تشغيلها .
وتقول جيبسون كانت تجربة قاسية لي فأنا مازلت أشعر بالرعب عندما أسمع أن أحد الجيران سينظم حفلة كبيرة .
واستناد إلي إحصائية أجرتها الجمعية القومية البريطانية لحماية البيئة والمحافظة علي نقاء الهواء فإن (الموسيقي الصاخبة) هي المصدر الأول للإزعاج وبناء علي ذلك يستطيع الأشخاص الذين أرهقتهم ضوضاء الجيران أن تقدما في بريطانيا بشكوي للمجلس المحلي لكن تبدو عمليه طويلة وشاقة ناهيك عن إفتقار تلك المجالس إلي المال والإدارة اللازمين لمتابعة تلك القضايا
وقد إتخذ مجلس بلدة كارديف إجراءات عملية بهذا الشأن حيث جري بصورة علنية في الأول من يوليو عام 1998 " يوم التوعية بمخاطر الضوضاء (تحطيم الأداء) من أجهزة التسجيل التي صدرت من منتهكي قوانين الضوضاء في السنوات الأربع الماضية .
لقد أسست (جيبسون) التي إنتقلت إلي منزلها الجديد منظمة (شبكة الضوضاء) للقيام بحملة ضد الضوضاء المحلية وتعتبر هذه المرأة شركة إتصالات الكيبل واللاسلكي خصمها اللدود لأنها تنشر إعلانا في مجلتها الشهرية ( كيبل جايد ) يحض القراء علي الضوضاء بقوله (إرفع الصوت واستمع إلي أفضل موسيقي لهذا الشهر) .
وتقول جيبسون : إن هذا الإعلان يحرض علي سلوكيات تسئ للمجتمع عندما يشجع علي رفع صوت الموسيقي ورغم أن (سلطة معايير الإعلانات) في بريطانيا رفضت وجة نظر جيبسون فإن هذه الأخيرة لم تستسلم بل واصلت معركتها وأرسلت إلي (مؤسسة الإزعاج والضوضاء) .
الحكومية نشرتها وسائل الإعلام عن حالات دفعنت فيها الموسيقي الصاخبة أناسا إلي الإنتحار أو إرتكاب جرائم .
سابعاً - الضوضاء وفقدان السمع :
بعد أن درس الأطباء حالات الصمم وإرتفاع أمراض فقدان السمع أو جزء منه إستنجوا أن هذه الزيادة كبيرة في تلك الأمراض تغذي إلي إزدياد نسبة الضوضاء الناجمة عن الأجواء المدنية بسبب زيادة المجتمعات الصناعية .
كما أن هناك عوامل أخري منها : (الموسيقي العالية والحياة الصاخبة ووسائل المواصلات) ولاحظ الأطباء أن الناس يولون حاسة السمع الإهتمام علي غرار حاسة البعد يعتبرون هذه الحاسة في الدرجة الثانية أو ربما لا يشعرون بنقص السمع إلا إذا وصل إلي درجة حرجة أو عن طريق المصادفة .
وينصح الأطباء بضرورة عدم التعرض لاهتزازات صوتية شدتها أكثر من 90 ديسيبل خلال فترة زمنية تمتد علي مدار ثماني ساعات متواصلة كما ينصح هؤلاء كل العاملين في المجالات الصناعية بمعرفة درجات الضوضاء واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة في هذا المجال وإذا تعرض العامل إلي درجة عالية من الضوضاء تجاوزت 140 ديسيبل ينبغي له الإستراحه مدة 24 ساعة من دون سماع أي أصوات عالية .
وحاليا ثمة أجهزة خاصة لحماية الأذنين من الضوضاء التي يتعرض لها الإنسان يوميا لا سيما في المصانع وأماكن التفجيرات .
وتؤثر الضوضاء علي الآذان بآليات متعدده منها :
إحداث تخلخل في عظيمات السمع الموجودة في الأذن الوسطي حيث يحدث تلفيات وصلابة في حركة العظام ونقص السمع التدريجي كذلك يتم عن طريق أذية العصب السمعي والقنوات الحلزونية في الأذن الداخلية حيث أشارت البحوث الحديثة إلي أن الأصوات العالية تؤدي إلي موت نهايات العصب السمعي الدقيقة بشكل تدريجي .
وخطورة الأصوات العالية تكمن في أنها قد تؤدي إلي أذية دائمة في العصب السمعي ويصبح من الصعوبة إصلاح الضرر كما تسبب الضوضاء مرض الطنين وهو مرض مزعج جدا.
ثامناً - الأطفال ضحايا الضوضاء :
يؤدي عامل السن دورا مهما في تحديد القدرة السمعية واستطاعة الأذن تحمل الاهتزازات الصوتية العالية وتحليلها فالطفل يستطيع تمييز أصوات تتراوح ما بين 20 هرتز و20 ألف هرتز .
والحديث العادي بين الناس تتراوح ما بين 300 و 4 آلاف هرتز .
ويعتبر (الأطفال) اكثر فئات السن عرضا للتأثر بالضوضاء المفرطة .
وقد أوضحت دراسات أجريت حول مطار ميونخ الألماني أن الضوضاء الصادرة عن الطائرات أثرت سلبا علي قدرات التعلم لدي أطفال المدارس .
وتابعت هذه الدراسات القدرات المعرفية للتلاميذ الذين يدرسون في مدارس بالقرب من مطار ميونخ إثر انتقال المطار إلي موقع جديد عام 1992 .
وخضع الطلبة الذين يقيمون في الموقعين القديم والجديد لعدد من الاختبارات النفسية شملت القدرة المعرفية ووظائف الأعضاء والدافعية واكتشف الباحثون انخفاضا في القدرة المعرفية في مجال الذاكرة طويلة الأجل وفهم اللغة لدي مجموعتي الأطفال خلال إقامتهم قرب المطار بيد أن هذه الآثار السلبية إختفت عند الأطفال المقيمين وقرب موقع المطار السابق بعد عامين من انتقاله في حين أن النوع ذاته من انخفض قدرة التعلم ظهر لدي الأطفال الذين يقيمون قرب المطار الجديد.
تاسعاً - أمراض فتاكة وعاهات مستديمة :
لا تقتصر الآثار السلبية للضوضاء علي فقدان السمع أو جزء منه فقط بل تتعدي ذلك لتصل إلي مرحلة (التسبب بأمراض قاتلة وبإحداث عاهات مستديمة في بعض الحالات) .
ففي دراسة لمعهد المياه والتربة في برلين تبين أن : سدس سكان ألمانيا معرضون لضوضاء شدتها نحو 65 ديسيبل يوميا مما أدي إلي ارتفاع الإصابة بالنوبة القلبية بنسبة 20 في المئه .
وتبين أن الأصوات المرتفعة في المناطق القريبة من المطارات الهولندية تسببت في إحداث اضطرابات قلبية مباشرة لعدد كبير من سكان تلك المناطق .
كما أظهرت تقارير علمية في هولندا أيضا أن 70 في المئة من السكان القريبين من المطارات يعانون أزمة حادة بسبب الضوضاء .
وأن في المئه 30% إلي النوم المريح مما تسبب في إرتفاع مبيعات العقاقير المنومة بنسبة تتراوح بين 20 و 50 في المئة .
إن التعرض المتواصل للأصوات العالية والمزعجة يؤدي بالجسم إلي :
1) إفراز الأدرينالين بصورة متواصلة مما يؤدي إلي إرتفاع ضغط الدم وظهور مشكلات نفسية واختلال في الوظيفة الجنسية .
2) قد تنشأ أيضا بعض الأمراض الفسيولوجية بسبب التعرض الطويل للضوضاء .
3) التقلب المزاجي الذي يشكو منه الكثيرون في العصر الحديث يعود إلي الضوضاء بطريقة مفاجئة . وهذه التقلبات المزاجية تؤدي إلي الأرق واضطراب جهاز الهضم وارتفاع نسبة الكولسترول في الدم وعدم القدرة علي التعبير عن المشاعر والأحاسيس بصفة مستمرة .
4) تؤثر الضوضاء أيضا في الدورة الدموية حيث تبين أن التعرض المستمر لضوضاء شديدة يؤدي إلي حدوث انقباض في الأوعية الدموية في المخ .
5) ثمة أمراض أخري أظهرت الدراسات أن الضوضاء تلعب دورا مؤثرا في حدوثها ومنها ما يصعب شفاؤه وعلاجه .
عاشراً- أثر التلوُّث الضوضائي :
تتضمَّن المشاكلُ الناجمة عن التلوُّث الضوضائي كلاً من الأمراض المتعلِّقة بالشدَّة النفسية، وفقدان السمع، واضطرابات النوم، وتراجع الإنتاجية في العمل.
ويمكننا تصنيفُ ذلك بشكل عام في سببين رئيسيين هما :
1. على مستوى السمع :
يؤدِّي التعرُّضُ المستمر للتلوُّث الضوضائي إلى تأثيرات مباشرة في سمع الشخص.
فقد تُصاب طبلةُ أذنه بالضرر، وهو ما قد يؤدِّي إلى مشكلة مستديمة في السمع لديه.
2. على مستوى الصحَّة العامة :
تتضمَّن التأثيراتُ الصحِّية للتلوُّث الضوضائي كلاً من القلق والشدَّة النفسية، وقد تصل في الحالات الشديدة إلى الشعور بالهلع أو الرعب.
أمَّا الأعراضُ الجسدية فتتضمَّن :
أ) الصداع
ب) النزق والعصبية
ج) الشعور بالإرهاق
د) انخفاض الإنتاجية في العمل.
فعلى سبيل المثال: قد يؤدِّي الاستماعُ إلى أصوات إطلاق النار طوال الليل، أو صفير سيارات الإسعاف أو الشرطة، إلى ذهاب الموظفين إلى عملهم صباحاً بحالة من الإنهاك والشدَّة النفسية، وخاصةً الكبار في السن منهم.
ومن الجدير ذكرُه أنَّ تلك الآثارَ قد لا تسبِّب مشكلةً حقيقية للشخص على المدى القصير، إلاَّ أنَّ استمرارَها لفترة طويلة قد تنجم عنه عواقب سيِّئة.
الحادي عشر- أنواع التلوث الضوضائي وتأثيراته:
تنقسم حسب مصدر التلوث وقوة تأثيره الى الأتي :
1. تلوث مزمن :
هو تعرض دائم ومستمر لمصدر الضوضاء وقد يحدث ضعف مستديم في السمع.
2. تلوث مؤقت ذو أضرار فسيولوجية :
تعرض لفترات محدودة لمصدر أو مصادر الضوضاء ومثال ذلك التعرض للمفرقعات ويؤدي إلى إصابة الأذن الوسطى وقد يُحدث تلف داخلي.
3. تلوث مؤقت دون ضرر :
تعرض لفترة محدودة لمصدر ضوضاء مثال ذلك ضجيج الشارع والأماكن المزدحمة أو الورش، ويؤدي إلى ضعف في السمع مؤقت يعود لحالته الطبيعية بعد فترة بسيطة.
حيث تقاس شدة الصوت بوحدة (ديسيبل) كما ذكرنا سابقاً، وكل الأصوات التي نسمعها يومياً تندرج تحت مستويات رئيسية مقاسة بالديسيبل وهذه المستويات هي :
أ) المستوى (40-50) ديسيبل :
ويؤدي إلى تأثيرات وردود فعل عكسية تتمثل بالقلق والتوتر فهي تؤثر في قشرة المخ مما يؤدي إلى عدم ارتياح نفسي واضطراب وعدم انسجام صحي.
ب) المستوى( 60-80) ديسيبل :
له تأثيرات سيئة على الجهاز العصبي ويؤدي إلى الإصابة بآلام شديدة في الرأس ونقص القدرة على العمل ورؤية أحلام مزعجة (كوابيس) .
ج) المستوى ( 90 -110 ) ديسيبل :
يؤدي إلى انخفاض شدة السمع ويحدث اضطرابات في الجهاز العصبي والجهاز القلبي.
د) المستوى أعلى من ( 120 ) ديسيبل :
يسبب ألماً للجهاز السمعي وانعكاسات خطيرة على الجهاز القلبي الوعائي كما يؤدي إلى عدم القدرة على تمييز الأصوات واتجاهها.
الثاني عشر- الحماية وكيفية السيطرة على التلوث الضوضائي :
هناك توجُّهٌ نحوَ تصنيف المنتَجات وفقاً لدرجات الضجيج التي تصدرُ عنها .
وقد أصبح ذلك إلزاميَّاً بالنسبة لبعض المنتجات في الاتحاد الأوروبي والأرجنتين والبرازيل والصين. وقد جرى تطبيقُها في الولايات المتحدة بالنسبة لضواغط الهواء.
كما يجب الأخذُ بعين الاعتبار مستويات الضجيج عندَ تصميم الأبنية، وعند شراء الآليَّات ذات الضجيج مثل سيَّارات الإسعاف ومُعدَّات تشييد الأبنية والحافلات.
وليسَ من الغريب رسمُ خرائط شاملة للضجيج على المستوى الوطني لتحديد المناطق الأكثر ضجيجاً، بهدف إجراء المزيد من الدراسة عليها ومعالجتها.
وفيما يلي بعض النصائح، للأفراد والحكومات، حول ما يمكنهم القيام به للتخفيف من مستويات الضَّجيج في مدنهم ومجتمعاتهم:
1) استخدام وسائل العزل الصوتي في جدران الأبنية الجديدة : سواءٌ أكانت معدَّةً للأغراض الصناعية (المعامل أو الورشات المهنية) أو الأغراض السكنية. كما ينبغي على قاطني الأحياء السكنية وضع الأجهزة ذات الصوت المرتفع في أماكن بعيدة عن غرف النوم في المنزل أو غرف جيرانهم في المنازل الملاصقة لهم.
2) حظرُ استخدام أبواق السيارات بغير ضرورة
3) مخالفة الدرَّاجات النارية المعدَّلة كي تُصدر أصواتاً عالية
4) منع مرور الشاحنات في المدن.
5) تأسيسُ المعامل التي تُصدر ضجيجاً مرتفعاً بعيداً عن المناطق السكنية، وكذلك الأمر بالنسبة للمطارات ومحطَّات القطار ومراكز انطلاق الحافلات.
6) تنظيمُ استخدام مكبِّرات الصوت في الأماكن العامة، سواءً كانت في الأسواق أو صالات الحفلات أو دور العبادة.
7) ينبغي أن تحرصَ السلطاتُ على الهدوء التام في بعض الأحياء والمناطق بشكل خاص، كتلك التي تحتوي على المدارس أو الجامعات أو المستشفيات.
8) زرعُ الأشجار في محيط الأحياء السكنية يعد وسيلةً جيِّدة وصحية لعزلها عن أصوات الضجيج القادمة من بعيد.
9) الإصلاح المستمر للمكائن التي توجد بالمصانع للتقليل من الضوضاء.
10) المراقبة الصارمة على الصناعات وتعديل العمليات للسيطرة على الضوضاء أثناء إصدار وتجديد رخص العمل.
11) إصدار التشريعات اللازمة وتطبيقها بحزم لمنع استعمال منبهات السيارات ومراقبة محركاتها وإيقاف تلك المصدرة للأصوات العالية.
12) نشر الوعي وذلك عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ببيان أخطار هذا التلوث على الصحة البشرية بحيث يدرك المرء أن الفضاء الصوتي ليس ملكا شخصيا.
13) إبعاد المدارس والمستشفيات عن مصادر الضجيج.
14) إبعاد المطارات والمدن والمناطق الآهلة بالسكان مسافة لا تقل عن 30 كم.
15) يجب أَن تكون خطوط السكة الحديدية والطرق السريعة بعيدة عن المناطق السكنية قدر الإمكان.
الثالث عشر- سلبيات الضوضاء في القطاع الصناعي :
يعاني العاملون في الميدان الصناعي آثار الضوضاء وسلبياتها أكثر من العاملين في أي ميدان آخر ذلك أن طبيعة الصناعة تتطلب من العمال التعامل اليومي مع آلات ومعدات وأجهزة كثيرة إضافة إلي وقوفهم ساعات طويلة أمام خطوط الإنتاج .
ومعظم الآلات والمحركات تحدث ضوضاء شديدة أو متوسطة لدي عملها وينتقل ذلك بشكل روتيني إلي العمال الذي يديرون هذه الآلات ويتابعون استمرارية عملها ويراقبونها بإستمرار كما لا تخلو خطوط الإنتاج من ضوضاء مختلفة الشدة
إن هذه الأمور جميعها تتطلب النظر في كيفية معالجة آثار الضوضاء والحد من سلبياتها لا سيما بعد أن أثبتت الدراسات الميدانية أن هذا التلوث الضوضائي لا يصيب العاملين بأمراض جسدية فقط بل إن هناك آثار شديدة الخطورة تنعكس علي العمال والإنتاج وظروف التشغيل .
ويبين من دراسة علمية حديثة تناولت تأثير الضوضاء في مقدرة الإنسان وكفاءته في إنجاز الأعمال الذهنية والعضلية أن هذه الكفاءة تقل في ظروف جو العمل الصاحب عنها في حالة وجود مستوي منخفض من الضوضاء .
وبعد أن قام المشرفون علي الدراسة بتكسيه الجدران لامتصاص الضوضاء تبين ما يلي :
1) انخفاض معدل الأخطاء الحسابية بنسبة 52 في المئه .
2) انخفاض معدل الأخطاء في النسخ علي الحاسوب ( الكمبيوتر ) بنسبة 29 في المئه .
3) انخفاض معدل التغيب عن العمل بسبب الأحوال المرضية بنسبة 27 في المئه .
وتشبه هذه الدراسة دراسة أخري تبين منها أن كفاءة العاملين علي أجهزة الكمبيوتر ازدادت بنسبة 12 في المئه عندما وضعوا سدادات الأذن .
لقد قام علماء النفس والاجتماع بإجراء العديد من البحوث والدراسات والتجارب علي العاملين في الميدان الصناعي لمعرفة آثار الضوضاء علي سلوكياتهم ودلت هذه البحوث علي أن تكيف هؤلاء العاملين مع الضوضاء عملية صعبة وأن الضوضاء تسبب القلق وفقدان الإتزان الإنفعالي لدي بعض العمال كما تسبب الغثيان والصداع والتقلب السريع في المزاج وحتي العنة لدي البعض الأخر .
وثبت أن العاملين في أكثر المصانع ضوضاء كـ (مصانع الحديد والصلب) حيث يعانون مشكلات اجتماعية مختلفة سواء في العمل أو المنزل .
ووجد أحد الباحثين أن الطبقات المختلفة من الضجيج لها تأثيرات مختلفة على السلوك في الغمل فالترددات العالية تثير أخطاء أطثر من التي تثيرها الترددات المنخفضة كما أن الضوضاء التي تسمع لأول مرة تخفض كفاءة العاملين .
وإذا كان الأشخاص قائمين بعمل يحتاج بطبيعته إلي الاحتفاظ بحالة تنبه فقد تسبب الضوضاء العاليه لهم حدة في الحركات بسبب شدة العصبية ومن ثم تكبر أخطائهم . وهذه النتيجة تؤيد الخبرة العامة التي مؤداها أن العمل الروتيني أقل تأثيرا بالبيئة ذات الضوضاء العالية من العمل الذي يحتاج إلي انتباه ودقه .
وقد دعت هذه الآثار السلبية إدارات المصانع إلي إتخاذ الإجراءات الكفلية بمعالجة الضوضاء والحد من تأثيرها واستعانوا في ذلك بخبرات فنيه وهندسية وطبية نتج عنها استخدام تقنيات متعددة لخفض الضوضاء الناتجة عن الآلات التي تصدر مثل هذه الضوضاء إضافة إلي إعطاء العمال الذين يتعرضون لضوضاء شديدة فترات إستراحة بين الحين والآخر.
الرابع عشر- أثر التكنولوجيا الحديثة في التخفيف من آثار الضوضاء:
اجتهد الباحثون كثيرا للتوصل إلي طرق فعالة وأساليب ناجحة تساعد علي التخفيف من آثار الضوضاء والحد من مشكلاتها في شتي مناحي الحياة .
وقد قدمت المفوضية الأوروبية مقترحات لتقليل آثار التلوث الضوضائي علي البيئة وذلك باستخدام معدات خاصة تعمل مثل : (جزارة العشب وناثرة الأوراق) لبعثرة الموجات الصوتية العالية وصدها لتقليل نسبتها إلي الحد المسموح به .
ويعمل هذا النظام بتركيب اللواقط الموجهة حسب إرشادات الحاسوب (الكمبيوتر ) حيث تقوم هذه اللواقط بالكشف عن موضع الضوضاء وشدتها واتجاهاتها بصورة مستمرة وإشعار الحاسوب بهذه المعلومات ليقوم بتنظيم عمل السماعات الملحقة بالنظام التي ثبت الموسيقي الكلاسيكية لخلق جو من الكرح والمتعة وفي نفس الوقت تبعثر الموجات الضوضائية القادمة من الطرقات المحيطة أو الطائرات الملحقة .
وبدأت فرنسا بتطبيق نظام الألحان الجديد لتخفف نسبة الضوضاء الصادرة عن وسائل النقل المزعجة مثل : (الدراجات النارية) وذلك بتركيب سماعات خاصة لهذا الغرض .
أما في المناطق ذات الضجيج العالي الذي تصل قوته إلي 100 ديسيبل كالمواقع القريبة من المطارات وخطوط السلك الحديدية السريعة فإن النظام الصوتي المعاكس صمم كي يعمل عند اقتراب هذه القطارات لمسافة كيلو متر و�