برنامج تلفزيوني على PBS الأمريكية 17 فبراير/ شباط 2009 بعنوان: داخل الانصهار اسمه FRONT LINE بيّن أن اجتماعاً طارئاً عقد الخميس 18 سبتمبر/ أيلول 2008 في ساعة متأخرة في مكتب نانسي بيلوسي رئيسة الكونغرس، ضم كبار رجال الكونغرس من الحزبين، بالاضافة الى وزير الخزانة بولسن، ورئيس البنك المركزي الأمريكي برنانكي .
قال أحد الحضور: “كنت في ذلك الاجتماع ولكن لم اكن اتوقع ان اسمع ما سمعت! بن برنانكي وبولسن أخبرا الحضور بأنهم بحاجة الى700 مليار دولار لايقاف انهيار أسواق الائتمان .
قال لنا بولسن بصوت متزن: (مالم تتصرفوا فإن النظام المالي برمته في هذا البلد والعالم أجمع سينصهر ويتلاشى خلال أيام . . .) . ثم قال برنانكي بعد ذلك: (إذا لم نفعل ذلك غداً- الجمعة- سوف لن يكون هناك اقتصاد أمريكي يوم الاثنين)” . وقال الرئيس اوباما في الكونغرس طالباً الدعم المالي السريع: “مع أن كلفة العمل لمعالجة الازمة كبير، أؤكد لكم أن كلفة عدم العمل ستكون أكبر، لأنها ستنهك اقتصانا أكثر فأكثر ليس لشهور ولا لسنوات وانما لعقود . . .” .
في خطابه عن “حالة الامة في 26 فبراير 2009 وصف الازمة الحالية بأنها “عميقة ومدمرة” وقال “لمدة طالت لم تكن ميزانياتنا تُعلمنا الحقيقة كاملة كيف يتم صرف دولارات الضرائب . إن كثيراً من المصاريف قد تم اخراجها من الدفاتر المحاسبية، بما في ذلك الكلفة الحقيقية لحربنا في العراق وافعانستان . إن مثل هذه الاساليب المحاسبية الكاذبة ليست بالاساليب التي تتبعونها بإدارة ميزانيات بيوتكم، ولا هي الطريقة التي يتوجب على الحكومة أن تدير أموالها” .
رئيس البنك المركزي الأمريكي السابق آلان جرينسبان الذي حكم النظام المالي العالمي برمته 16 عاماً ونصف العام تم استجوابه في الكونغرس عن اسباب وحلول الازمة الراهنة وذلك في اكتوبر 2008 قال بالحرف الواحد: “انني مصاب بالذهول، فأنا أعرف بأن هناك خطأ ما في النظام لكني لا أعرف ما هو . . . .” لا فض فوه، ولكن هل كان على العالم اتباع تعليماته وكأنها كانت تأتي من السماء كل هذه السنين ؟
رئيس فريق اوباما الاقتصادي بول فولكر كان هو رئيس البنك المركزي الأمريكي طوال سنوات حُكم الرئيس رونالد ريغن، وهو من قام بفك القوانين الرقابية على البنوك . وجيء بالذئب ليحرس الغنم . قال فولكر في ندوة بجامعة كولومبيا 20 فبراير 2009 وكانت الندوة تجمع العديد من الاقتصاديين والسياسيين والمستثمرين الأمريكيين والعالميين .
“ليس فقط ليس هناك فهم لماهية الازمة الحالية لكن سرعة الانهيار او الانصهار المالي في كافة ارجاء المعمورة تدعو الى الصدمة” . أضاف فولكر: “قبل سنة قلنا إن الامور صعبة في الولايات المتحدة، لكن بقية العالم سيصمد، لكن بقية العالم لم يصمد” وأضاف: “لا أذكر اي فترة في التاريخ، بما فيها تاريخ الكساد الكبير وقد ساءت فيه الامور بمثل هذا التسارع الآن” .
ونقلت وكالة “رويترز” للانباء عن جورج سورس، المستثمر العالمي المعروف قوله في نفس ندوة جامعة كولومبيا “إن النظام المالي العالمي قد انهار وإنه لهذه اللحظة لا يوجد بارقة أمل لأي حلول على المدى القريب .
وأضاف إن الاضطراب الحالي هو أكثر شدة مما كان أيام الكساد الكبير، وانه أقرب لما حدث للاتحاد السوفييتي قبل انهياره” . في سنغافورة عشرات آلاف عمال المصانع تم تقليص ساعات عملهم بثلاث او اربع ساعات باليوم، كما تم تخفيض أجورهم .
في تايوان خسر قطاع الاجهزة الالكترونية 200 ألف وظيفة حيث هبط التصدير الى النصف .
في هونغ كونغ الامر ادهى وأمر .
مبيعات السيارات في الولايات المتحدة انخفضت بشهر فبراير 2009 بنسبة 40% عن مبيعاتها في فبراير عن 2008 . وشركة جنرال موتور تقول إن وضعها المالي حتى بعد حصولها على مساعدة حكومية بعشرات المليارات استمرارها في العمل قد أصبح أمراً مشكوكاً به .
انخفضت صادرات الصين ب26% في فبراير 2008 . البنوك الأمريكية الكبرى حتى بعد انقاذها بمئات المليارات، هي عملياً مفلسة حيث ديونها المتغيرة أضعاف أضعاف رؤوس أموالها .
البروفيسور جيفري غارتن استاذ علوم التجارة والتمويل الدولي في جامعة Yale ومساعد وزير التجارة الأمريكي الاسبق في ادارة كلينتون يرى أن ترليونات الدولارات تم ضخها لتاريخة لم تخفف من الانحدار السريع للاقتصاد الدولي، ويرى أن الجواب هو بضخ ترليونات أخرى وبأقصى سرعة، وهذا بعض ما جاء في مقالة له في عدد نيوزويك 22 ديسمبر/ كانون الأول 2008 .
وقال: “أصبح واضحاً بشكل يثير الذعر أن خطط الانقاذ العالمية الدراماتيكية غير المسبوقة في حجمها او ما حوته من ابتكارات خلاقة ما زالت غير كافية وأنها غير مناسبة على الاطلاق” .
الازمة المالية الراهنة: ماهيتها
ربما لاسباب نفسية، لم يرد الاقتصاديون الأمريكيون أن يسموا الاشياء باسمائها، فهم كما أسميناهم كهنة النظام وأشبه بوعّاظ السلاطين، الذين يصدرون الفتاوى على طريقة “ادفع وارفع وصفوا الازمة بكل الاسماء والاوصاف الا اسمها الحقيقي .
هل هذه الأزمة هي تباطؤ، أم تباطؤ عميق أم كساد، أم كساد كبير أم انصهار، أم تسونامي اقتصادي مالي أم ماذا؟ هكذا تم وصفها مؤخراً بكل هذه الاوصاف ما عدى الوصف الحقيقي لها بأنها أزمة نظام، وهو اسم كتابنا: أزمة نظام: الرأسمالية والعولمة في مأزق .
في كتابي حروب البترول الصليبية الصادر سنة 2005 كتبت، وقد تحققت النبوءة:
هناك أربعة أو خمسة بنوك نيويورك تتحكم بتجارة الأسهم، أكبرها سيتي غروب Citigroup ، ومورغان تيشيز، وتملك هذه البنوك تأثيراً هائلاً على النظام المالي العالمي، وفي حالة انهيارها كما حصل مع LTCM، سينهار النظام المالي العالمي برمته .
وهذا ما حدث بحذافيره، إنها أزمة نظام .
ركائز النظام الرأسمالي
يقول البروفيسور رونالد ديفيس من جامعة ولاية كاليفورنيا في نورث ريدج “لا نبالغ حيث نقول إن الأرباح التي نتجت عن نظام وتجارة الرقيق من 1600 وحتى 1860 قد ساهمت ألى حد كبير لبروز الغرب في غرب اوروبا والولايات المتحدة كالقوى المهيمنة على العالم” .
ثراء اوروبا كان على حساب المستعمرات بدءاً من شركة الهند الشرقية منذ سنة 600 1 والمستعمرات الاخرى في افريقيا وآسيا، والثروة الأمريكية قامت على مؤسسة العبودية الرسمية حيث يباع البشر ويشترون كالبضائع لمدة 300 سنة إبان الرأسمالية الزراعية .
ثم جاءت عبودية العصر الصناعي والعولمة . دعنا نعطي مثالاً:
30 ألف شخص هو عدد الموظفين الاندونسيين لمصنع نايكي للأحذية الرياضية، والذين يقل اجمالي رواتبهم السنوية عما بتقاضاه نجم كرة السلة الأمريكي مايكل جوردان لقاء ظهوره في الإعلان عن هذه الأحذية .
“11دولاراً: هو المبلغ الذي تدفعه الدول النامية على صورة خدمة الديون مقابل كل دولار تحصل عليه على صورة مساعدات” . (عن مجلة “تايم” الأمريكية 1 حزيران/ يونيو 1998) .
النمو
جاء في كتابنا نذر العولمة 1998:
“ولقد ارتقى أهل النظام المعلومالي الانجلو أمريكي بالمادية والنمو الاقتصادي ليجعلا منهما دينا ما أنزل الله به من سلطان” .
وبدأت الولايات المتحدة ب 13 ولاية في شرق القارة الأمريكية واستمرت في التوسع غرباً سواء كانت عن طريق الدولار كشرائها صفقة لويزيانا من فرنسا، والاسكا من روسيا، او بالحروب والتي زاد عددها عن مائة خلال القرن التاسع عشر وحده!
وتم ابادة السكان الاصليين أثناء ذلك .
انتقل الاقتصاد من محلي الى اقليمي الى وطني، ثم الآن الى عالمي، وكان ذلك يتم عن طريق الثورات والانقلابات والحروب التي كلما جاءت واحدة منها . . لعنت اختها . . . . . . . .
فالحرب العالمية الاولى كان ضحاياها خمسة ملايين، أما الحرب العالمية الثانية فكانت خمسين مليونا .
ولعل أخطرها ما جرى وهو خلق ثقافة استهلاك جديدة بانتاج المستهلكين عبر ثقافة استهلاك جديدة .
ثقافة الاستهلاك
كان نتيجة الزيادة المفاجئة في حجم الانتاج زيادة ثورية ناجمة عن الثورة الصناعية، كان لابد أن تكون زيادة الطلب ثورية أيضا وهكذا فقد أضحت المشكلة لا تكمن في انتاج السلع بل في انتاج المستهلكين مما اقتضى ضرورة تغيير الثقافة السائدة بأكملها والتي كانت سائدة آنئذ .
واذا كانت الشكوك قد ساورت أحدا بأن اجراء ثورياً قد أصبح مطلوبا لاستيعاب حجم الانتاج الهائل الجديد، فإن فترتي الكساد اللتين وقعتا خلال عقدي السبعينات والتسعينات من القرن التاسع عشر مثلت لهؤلاء تذكيراً قوياً . ولم تكن مثل حالات الكساد هذه ذات نتائج اقتصادية سيئة فحسب، بل ونتج عنها اضطراب سياسي سيئ أيضاً . وما أن أدبر القرن ال 19 حتى كان 2% فقط من الشعب يمتلكون 60% من اجمالي الثروة الأمريكية، فيما ترك للنصف الاسفل من الأمريكيين ما نسبته 5% من اجمالي هذه الثروة .
أخلاق الرأسمالية
نقتبس هنا وصف استاذ الاقتصاد وعميد سابق بكلية الإدارة في جامعة MIT (Lester C . Thurow) أيديولوجية وأخلاق الرأسمالية في كتابه “مستقبل الرأسمالية” بقوله: “من سوء الحظ أن أيا من الرأسمالية والديمقراطية ليست أيديولوجية قادرة على الدمج والتوحد، اذ ان كليهما أيديولوجية عملية تقول بأن الانسان سيكون في وضع أفضل اذا اتبع الاجراءات التي توصي بها . ولا تقدم أي منهما أية أهداف عامة يمكن للجميع أن يتبناها ويتم تطبيقها بشكل جماعي، وتتضمن كل منهما التأكيد على الفرد لا على المجموعة، وفي أدق التعبيرات عن المبادئ والأخلاقيات الرأسمالية، تعتبر الجريمة نشاطاً اقتصاديا آخر يمكن مقارفته مقابل ثمن باهظ، إذا ما وقع صاحبه في قبضة رجال الأمن وليس هناك من شئ يمتنع القيام به، ولا وجود للواجبات والالتزامات، ما هو موجود فقط هو عمليات السوق” .
التجارة الحرة
حكم محمد علي مصر 43 سنة (1848 - 1805) . فبعد أن تربع على كرسي الحكم، قام بثورة صناعية وزراعية طموحة . وفي الشأن الزراعي، فقد ضاعف المساحات المزروعة وكذلك نوّع المزروعات للأنواع القابلة للتصدير، فأنشأ نظاماً زراعياًمركزياً بحيث حدد مساحة الزراعة ونوع المحصول، واشترى محصولاً من المزارعين والذي كان يباع بربح واستعمل الربح في بناء المشاريع العامة وقنوات الري، والطرق والسدود بالإضافة إلى تمويل المشاريع الصناعية وتقوية الجيش . وتم بناء مصانع النسيج والسكر والزجاج وتم شراء الماكينات من الغرب والاستعانة بخبرائهم . وكما كان يفعل الاوروبيون تم حماية الصناعة المصرية، مما حسّن من ميزانه التجاري باستمرار .
فكما أجبرت بريطانيا الدولة العثمانية على توقيع معاهدة التجارة الحرة بمعاهدة بالتاليمان سنة 1836 بشروط حابت بريطانيا، فلقد طُلب من محمد علي أن يفعل الشيء نفسه . لكنه لم يستجب . عندها هاجمته بريطانيا بالتعاون مع العثمانيين في بلاد الشام وتم اخراجه منها بعد حكم دام عقداً من الزمن، وأخيراً رست قطع بحرية بريطانية في ميناء الاسكندرية وتم اجبار محمد علي على توقيع اتفاقية التجارة الحرة سنة 1841 . وبذلك أُجبر محمد علي على التخلي عن كافة سياساته الاقتصادية وأن يخفض الضرائب والجمارك على المنتجات الأجنبية مما أدى إلى اندثار الصناعة المصرية التي بناها خلال عشرات السنين . وكذلك تم وضع حدود لإعداد وعدة جيشه . وكما كان متوقعاً، فلقد انخفضت ايرادات الدولة ب 80% بعد سنة من هذه الاتفاقية وبدأ الدين يتراكم على مصر مما سبب بإنهيار عصبي لمحمد علي . وبقيت صحته تتدهور إلى أن تم عزله في يوليو/ تموز عام 1848 . وبقي الدين على مصر بازدياد بالرغم من تواجد المستشارين الأجانب حتى وصل إلى مائة مليون جنيه سنة 1879 الأمر الذي أدى الى احتلال مصر تحت دعوى إدارة الاقتصاد المصري لسداد ديونه، الأمر الذي يقوم به هذه الأيام صندوق النقد الدولي، فبعد اغراق البلدان بالديون، يأتي الصندوق بشروطه وخبرائه ليضعوا الشروط وليقبعوا في دوائر الدولة لإدارة الاقتصاد والديون . وكما أن البنك الدولي يُشجع الدول النامية على بناء المشاريع من موانئ ومحطات كهرباء، ثم يأتي الوقت التي تباع هذه المنشآت بأبخس الأسعار لسداد الديون تحت برامج الخصخصة، كان الأمر نفسه يتم في السابق، فبعد أن استدانت مصر الملايين لمشاريعها ومنها فتح قناة السويس، اضطرت الحكومة أن تبيع أسهمها في القناة لقاء 4 ملايين جنيه فقط، أي 4% من حجم ديونها . استدانت الامبراطورية البريطانية هذه الملايين الأربع من عائلة المرابين العالميين آل روتشايلد، وكان المستدين رئيس الوزراء البريطاني دزرائيلي! .
فقاعات المرابين
سمعنا ورأينا فقاعة القرن الواحد والعشرين، كيف أن بعض الشركات كشف زيفها وزيفاً من ورائها من بنوك الاستثمار، فهذه شركة ليمان براذر تكشف أن موجوداتها لا تزيد عن 60 مليار دولار في حين كانت قيمتها السوقية قبل انهيارها عشرة أضعاف ذلك أي بحدود 600 مليار دولار . والأمثلة كثيرة ومشابهة أبان الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن العشرين . لكن دعنا نبين أن قديم المرابين وأسواق الأموال في النظام الرأسمالي هو جديد وجديدها قديم، فها نحن نقدم قصة فقاعة كبرى قبل 300 سنة قد لا تختلف عن مجريات فقاعة هذه الأيام . فلو غيرنا التاريخ والاسم لظننا أن هذا الحدث قد حدث بالأمس .
ديون العقارات
ديون العقارات القائمة هي حوالي 14 تريليون دولار، أي بحجم الاقتصاد الكلي لمدة سنة كاملة لأكبر اقتصاد في العالم وهو اقتصاد الولايات المتحدة .
مضافاً إليها 10 تريليونات ديون الدولة والتي عليها أن تخدم فوائدها الهائلة للدول المقرضة .
مضافاً إلى أعلاه 11 تريليوناً على الشركات الأمريكية التي اغرقت نفسها بدين رخيص .
فيصبح مجموع الديون يساوي 300% من حجم الاقتصاد الكلي الأمريكي .
أما كبرى المشاكل فهي المشتقات وهي أدوات مراهنة تصدرها البنوك، وقيمتها خرافية، تبلغ 668 تريليون، أي بحجم اقتصاد الولايات المتحدة لمدة خمسين سنة .
عولمة الاقتصاد
إن عولمة الاقتصاد العالمي قد أحدث تشابكاً لا مثيل له، فأصبح الأمر يحتاج إلى تنسيق كان يمكن حدوثه في ظل الأزمات البسيطة وفي ظل احادية القطبية والعصى الغليظة التي صاحبتها .
ومنذ قرار نيكسون بإخراج الدولار من معيار الذهب ووضعه دون غطاء عام ،1971 والأوراق النقدية الأمريكية تتراكم بكميات مذهلة، مشكلة بذلك المصدر الحقيقي للتضخم العالمي على مدار السنوات الثلاثين الماضية . وبالمقارنة، فإن حجم ما تم طبعه من ورقة النقد الأمريكية من 1950- ،1970 سجل ارتفاعاً بنسبة 55%، في حين نجد أن هذه النسبة تضاعفت إلى أكثر من 2000% من عام 1971 إلى العام 2000 .
نص محاضرة ألقاها الاثنين الماضي
من هو بن شلومو برنانكي؟
كان موضوع رسالة الدكتوراة لبرنانكي عن الأسباب التي أدت إلى الكساد الكبير سنة 1929 وامتد لأكثر من عشر سنوات لم تخرج منه الولايات المتحدة إلاّ بعد دخولها الحرب العالمية الثانية، وبناء اقتصاد تلك الحرب، والحرب الباردة ومنها مشروع مارشال الذي تلاها . رأى بن شلومو آنذاك أن سبب المشكلة هو الخطأ الفادح بأن سمحت الدولة لانهيارات البنوك، حيث تم افلاس أكثر من 40% من بنوك أمريكا آنذاك، وأن معالجة مثل هذه الأزمات هو بعدم السماح لتلك البنوك بالانهيار! يا سبحان الله، المهم ألاّ تنهار البنوك ولكن أليس الأهم عدم السماح للأخطاء والممارسات التي أدت إلى انهيارها بالتكرار، أم أن تلك الممارسات هي أصلاً طبيعة النظام، ولا تزول تلك الأخطاء والممارسات إلاّ بتغيير النظام الذي أدى إلى تلك النتائج ؟ كانت غولدمان ساكس وليمان براذر آنذاك، واليوم هي نفسها، وتلعب اللعبة نفسها .
إذا كان من يأتي ويسمي أي محافظ مركزي هو وول ستريت وهذا هو الواقع والمعلوم، فلقد جاء وول ستريت ومؤسساته المالية لمن ينقذه من الإفلاس تحت كل الظروف . ولعل من الطريف أن الأستاذ المشرف على رسالة دكتوراه بن شلومو في جامعة MIT المشهورة، كان ستانلي فيشر، استاذ الاقتصاد هناك ثم كبير موظفي صندوق النقد الدولي أثناء الأزمة التي عصفت في بلدان جنوب شرق آسيا في التسعينات، وهو اليوم محافظ بنك “إسرائيل” المركزي، أما صاحبنا الآخر، وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسن فكان رئيساً لمؤسسة غولدمن ساكس والتي هي من أكبر لاعبي وول ستريت في الفترة ما قبل الكساد الكبير لسنة ،1929 وهذه (الأزمة الاقتصادية الحادة) أو سمها ما شئت.
لا نود هنا أن نناقش اطروحة بن شلومو برنانكي هذا فهو ابن النظام وجاء لحمايته . لكنها من البساطة التي تصل إلى حد السذاجة أن يتم مقارنة أسباب علاج “الأزمات” الكبرى مثل هذه التي نراها اليوم باعادة عقارب التاريخ، فهناك 4 عناصر هامة مختلفة:
أصبح اقتصاد الولايات المتحدة يعيش على الديون الخارجية بحدود 1000 بليون دولار سنوياً ولم يكن الأمر كذلك في العشرينات والثلاثينات، حيث نقلت العولمة كثيراً من المصانع من الولايات المتحدة إلى خارجها، فأصبح الاقتصاد الأمريكي في أكثره اقتصاد خدمات وأسواق مالية .
بول كريغ روبرتس وهو من أبطال اقتصاد السوق في عهد ريغن كمساعد لوزير الخزانة، وكاتب عمود في الصحف المحافظة الموافقة دوماً عن اقتصاد السوق مثل الوول ستريت جورنال يقول: “مع اني لا استطيع التنبؤ بالمستقبل، لكني استطيع القول بان هذه الأزمة لا يمكن علاجها بالوصفات التقليدية السابقة والتي مثلها لن تنجح في اعادة عافية الاقتصاد الأمريكي . فلقد كان استدانة المستهلكين الأمريكيين من البنوك مصدراً رئيسياً للاستهلاك حتى أصبح هؤلاء المستهلكون غارقون في الديون . أما البطالة، فإن في الولايات المتحدة 10 ملايين، لكننا لو قسنا البطالة حسب المقاييس التي كانت سائدة قبل أن يغيرها كلينتون فإنها اليوم بحدود 15% . إذا ما توقف أو قلل الأجانب من شراء سندات خزينتنا، فليس أمامنا سوى طباعة المزيد من الدولارات” .
أسس التجار
بواسطة اعطاء أسهم لعشيقة الملك والمتنفذين الآخرين واذاعة اسمائهم وكذلك ادعاءات كاذبة أخرى ارتفع سهم الشركة من 100 جنيه في يناير سنة 1720 إلى 1000 جنيه في يوليو 1720 .
في سبتمبر 1920 هوى السهم إلى دون إل 200 جنيه وأقفل بنهاية السنة بحدود 150 جنيهاً، في نفس الوقت حصلت فقاعات في أسواق باريس وأمستردام وأصبحت الافلاسات على قدم وساق .
قال ماتير روتشايلد مؤسس العائلة “دعني أسيطر على رأس المال لأي أمة، ولا يهمني من الذي سيحكمها بعد ذلك” .
بعبارة أخرى: دعني اتحكم في وول ستريت ولا يهمني من يحكم في واشنطن .
هل لنا أن نتساءل لماذا كل مناصب المؤسسات المالية بلا استثناء وأعيد بلا استثناء- كلها من ملة وحدة رؤساء البنك المركزي الأمريكي من برنانكي الى غرينسان الى فولكر، والى من اسس البنك المركزي جميعهم من فئة لا يتجاوز نسبة عددها 2% من مجموع سكان الولايات المتحدة .
وأضف الى ذلك وزراء المالية الحاليين والسابقين، ومدير البنك الدولي الحالي والذي سبقه والذي سبقه والذي سبقه هل هذا هو اتباع لمقولة صاحبنا روتشايلد اعلاه؟
وهل علينا أن نقود انفسنا الى حتفنا كتنابل السلطان؟
فاقد الشيء لا يعطيه
يقول روجر تري في كتابه “جنون الاقتصاد”: “يعرف الأمريكيون أن هناك خطأ ما في أمريكا، ولكنهم لا يعرفون ما هو، ولا يعرفون لماذا ذاك الخطأ، والاهم من كل ذلك فهم لا يعرفون كيف يصلحون ذلك الخطأ، وكل ما بإمكانهم هو الاشارة الى أعراض المرض فقط وفي الحقيقة فإن بعضاً مما يسمى حلولاً يزيد الطين بلّة، ذلك ان تلك الحلول تحاول ان تغير نتائج النظام دون تغيير النظام الذي افرز تلك النتائج ان المشكلة لا تكمن في كيف نطبق نظامنا الاقتصادي، فنظامنا الاقتصادي بعينه هو المشكلة”
ساحة النقاش