هي سيدة حديدية بكل المقاييس، وهبت نفسها للعمل الأهلي والاجتماعي، لتقود كتيبة من المتطوعين لمحاربة الفقر في مصر، وتؤسس أول جمعية تقتحم "عش الدبابير" في الأحياء العشوائية من اجل الاستثمار" مع الفقراء! إنها الدكتورة إيمان بيبرس رئيس مجلس إدارة "جمعية نهوض وتنمية المرأة" والممثل الإقليمي لمنظمة أشوكا العالمية في منطقة الشرق الأوسط، واحد ابرز المهتمين بالعمل الأهلي في مصر والعالم العربي.
وضعت الدكتورة بيبرس قضايا المرأة والأسرة في مقدمة اهتماماتها وتحركت من خلال "جمعية نهوض وتنمية المرأة" في جميع الاتجاهات التي تصب في صالح الأسر المصرية خاصة الفقيرة منها، وسخرت د.بيبرس كافة الوسائل من اجل تذليل العقبات التي تعترضها فامتد نشاطها ودعمها إلي أفقر المناطق ليس في القاهرة فحسب، بل في مختلف محافظات مصر إيمانا منها بان الأسرة هي عماد المجتمع وبالتالي فان تنميتها هو تنمية للمجتمع كله.
و"جمعية نهوض وتنمية المرأة" هي جمعية أهلية مستقلة، تعمل بشكل مباشر مع النساء المعيلات في أفقر مناطق القاهرة الكبرى ومحافظتي القليوبية والغربية، كما تعمل الجمعية على الارتقاء بوضع المرأة على المستوى القومي والمحلى، وتم تسجيل الجمعية كجمعية أهلية في وزارة الشئون الاجتماعية عام 1987م، ثم أعيد تسجيلها عام 2002م، وفقاً لإجراءات "قانون الجمعيات الأهلية" الجديد رقم 84 لسنة 2002م.
وقد تأسست الجمعية كأول جمعية أهلية نسوية مصرية تعمل مع المرأة المعيلة في المناطق العشوائية، على يد مجموعة من شباب الباحثين وجهوا جهودهم لهذه الفئة من النساء وذلك من خلال أبحاثهم الميدانية في منطقتي "مصر القديمة" و"منشية ناصر"، وكانت المرة الأولى التي يتم فيها لفت الأنظار إلى فئة المرأة المعيلة، وبشكل أكثر تحديداً المرأة المعيلة في المناطق العشوائية والتي تعتبر من أكثر الفئات تهميشاً في المجتمع.
المرأة العربية تتكلم
"جمعية نهوض وتنمية المرأة" هي أيضا أول جمعية أهلية تقتحم منطقة منشية ناصر المعروفة بارتفاع معدل الفقر وتدنى مستويات المعيشة فيها، ما يجعل الجمعية رائدة في مجال العمل الأهلي والتنموي في مصر منذ أكثر من 20 عاما.
بدأ عمل الجمعية في حجرة واحدة في "منشية ناصر" ببرنامج القروض متناهية الصغر، ثم امتدت فروع الجمعية الآن لتصل إلى محافظات أخرى ويبلغ عدد فروعها اليوم 10 أفرع منتشرة في خمس مناطق مختلفة ، ويعمل بها ما يزيد عن المائتين أغلبهم من الشباب من الجنسين، وقد تعددت برامج الجمعية الآن لتشمل القروض متناهية الصغر ، ومحو الأمية ، والرعاية الصحية، والتوعية والمساعدة القانونية، وأحلام البنات، والمرأة العربية تتكلم، ومناهضة العنف الأسرى، وتنظيم المجتمع، وإقراض الشباب، والتنمية المحلية والمبادرات، ودعم المشاركة السياسية للمرأة، ومشروع "فكر مرة و اثنين"، بالإضافة إلى مجموعة من الإدارات المساندة مثل الموارد البشرية والحسابات وإدارة الإعلام و التدريب و إدارة التمويل والمتابعة.
تتبلور رسالة الجمعية في تمكين المرأة المعيلة اقتصاديا من خلال منحها قروضاً صغيرة توفر لها فرص عمل، وتسعى إلى تمكينها قانونياً، واجتماعياً، وثقافياً، وصحياً، ورفع وعيها بحقوقها وواجباتها كما تستهدف الجمعية خلق حلقة اتصال بين الجهات الحكومية المختلفة من ناحية ، والمرأة المعيلة من ناحية أخرى، وكذلك لفت نظر صانعي القرار للمرأة المعيلة والفتاة المهمشة، وتوصيل أصوات هذه الفئات المهمشة بنفس أسلوبها، ما يعنى رفع وعى المجتمع عامة ، بمخاطر تجاهل حقوق المرأة والفتاة المهمشة، وعواقب تجاهل وجودهما القانوني، وفى الوقت نفسه تستهدف الجمعية إقامة روابط بينها والجمعيات النسوية من جهة ومع الممولين من جهة أخرى .
ويدير الجمعية سبعة من أعضاء مجلس الإدارة على رأسهم الدكتورة إيمان بيبرس ، وهم جميعهم متطوعون، ويتم انتخابهم بواسطة الأعضاء المؤسسين للجمعية ويبلغ عددهم 28 عضواً وتجرى اجتماعات مجلس الإدارة شهرياً حيث يتطلب إصدار أي قرار موافقة أغلبية الأعضاء ويتم انتخاب رئيس مجلس الإدارة أيضاً بواسطة اجتماع الأعضاء، بينما تقوم وزارة الشئون الاجتماعية بمراجعة حسابات الجمعية.
الاستثمار مع الفقراء
تعمل الجمعية في أفقر أحياء القاهرة وضواحيها وتنتشر أنشطتها -فضلا عن منشية ناصر- في مصر القديمة ، دار السلام ، الجمالية ، عزبة وعرب الوالدة بحلوان، العجوزة ، شبرا ، بالإضافة لفرعي القليوبية والغربية وجميعها مناطق مكتظة بالسكان وتعاني من مشكلات كثيرة فمنشية ناصر على سبيل المثال هي منطقة عشوائية نشأت في الستينات وبسبب تزايد عدد سكان المنطقة لما يزيد على 400 ألف نسمة أصبحت المنطقة من أكثر أحياء القاهرة اكتظاظا بالسكان ويعانى الأهالي من مشكلات في المياه والصرف والكهرباء بالإضافة إلي سوء الطرق، وتشهد المنطقة زيادة في أعداد مرضى الربو ، والحساسية والفشل الكلوي لتفشى المشكلات المتعلقة بالصرف الصحي وانقطاع مياه الشرب.
عندما بدأت الجمعية عملها في المناطق العشوائية اكتشفت أن أفقر الفقراء هي المرأة المعيلة لأسرة وان مشكلات هذه المرأة، هي بحثها عن لقمة العيش، ومعاناتها من الفقر، وعدم وجود مهارات لديها، فضلا عن مسؤوليتها عن تربية أطفالها، ولان هذه المرأة في حاجة لأن تحقق الحماية والبقاء، أنشأت الجمعية برنامجا للإقراض الجماعي، وكانت بذلك أول جمعية في الوطن العربي تطبق نظام القروض متناهية الصغر بأسلوب الضمان الجماعي وأتيحت الفرصة أمام السيدات لإقامة مشروعاتهن في محال إقامتهن أو بالقرب منها حتى لا يضطررن لترك أبنائهن، ومن خلال عمل المرأة في مشروعها الخاص تتمكن بالتالي من توفير الغذاء والتعليم والعلاج لأولادها، وبالتالي حمايتهم من التشرد.
وتمنح هذه القروض دون الحاجة إلى ضامن أو ضمان، ويمنح القرض لمجموعة مكونة من خمس سيدات يخترن بعضهن البعض، على أن يكون لكل سيدة من هؤلاء السيدات مشروع قائم أو فكرة مناسبة لمشروع، وتقوم الجمعية بعمل بحث ميداني لطبيعة المشروعات المناسبة، وتحرص على أن تكون هذه المشروعات ذات هامش ربح مناسب، كما أنها يجب أن تكون مناسبة للمناطق التي تقام فيها.
وحقق مشروع القروض الصغيرة نجاحا كبيرا حيث وصلت نسبة سداد القروض إلى 99% وفي بعض الأحيان وصلت إلى 100% كما أن السيدات اللاتي حصلن على قروض تمكن من إنشاء مشروعات خاصة، وتوسيع هذه المشروعات حتى أن بعضهن تمكن من إنشاء مشروعات جديدة لأبنائهن.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققته القروض متناهية الصغر، إلا أن الدكتورة إيمان بيبرس ترى أن هناك عقبات ما زالت تواجه هذا القطاع في مصر، منها عدم وجود قانون محدد للقروض متناهية الصغر في مصر، وعدم سماح نظام القروض بالادخار، بالإضافة إلى وجود فجوة نوعية بين الذكور والإناث في الحصول على القروض ووجود تضارب في الرسوم الإدارية المفروضة على القروض، بين الجمعيات الأهلية.
وتتبنى الدكتورة بيبرس فكرة "الاستثمار مع الفقراء" والتي يمكن أن تتحقق من خلال قيام شراكة بين الشركات الكبرى المنتجة للسلع المختلفة والقطاع الأهلي بما يُمكّن من توصيل المنتجات إلى المستهلكين بسعر البيع الأصلي، أو على الأقل اطلاع هذه الفئة على الأسعار الحقيقية للمنتجات، حتى لا يتعرضون للاستغلال مؤكدة على أن هذه الفكرة سوف تعود بالنفع على الشركات المنتجة الكبرى من ناحية، كما ستعود بالفائدة على المستهلكين من ناحية أخرى، وخاصة الفقراء منهم وهي الفئة التي يطلق عليها رجال الاقتصاد اسم "قاعدة الهرم".
وفي عام 2006م بدأت الجمعية العمل في مشروع إقراض الشباب استجابة لرغبة السيدات المستفيدات من برنامج القروض المتناهية الصغر ، حيث أبدين رغبتهن في حصول أبنائهن الشباب من الجنسين على قروض، وقد تنوعت الأنشطة التي قام المشروع بتمويلها بين محلات البقالة والمقاهي ، والنجارة ، والحدادة ، و إصلاح السيارات ، ومحلات الاتصالات والكوافير، وصناعة الجلود ، والملابس الجاهزة ، والمنظفات وغيرها من المشروعات الناجحة وعن ذلك تقول الدكتورة بيبرس "أنا سعيدة للغاية بنجاح مشروع إقراض الشباب حيـث بلغـت نسبـة السـداد لجميـع العمـلاء 100% من بدايـة المشـروع وحتـى الآن".
ونظمت الجمعية في العام الماضي مؤتمر «مشروع تمكين بدو جنوب سيناء اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا»، من اجل مساعدة أبناء البدو بجنوب سيناء والقضاء على المشكلات التي يعانون منها، وساعدت الجمعية علي صرف المعاشات للمستحقين عن طريق التنسيق مع الجهات التنفيذية، واستخراج ألف شهادة ميلاد، وألف بطاقة رقم قومي تم إثبات الحالة الاجتماعية فيها وبلغت ميزانية المشروع مليون يورو، تتحمل جمعية نهوض وتنمية المرأة ٥% منها بشكل فعلي ويعتمد هذا المشروع علي الشراكة التامة مع الأهالي من البدو في الوديان.
من اجل مجتمع مبدع
تتولى الدكتورة إيمان بيبرس منصب نائبة رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أشوكا" العالمية وهي منظمة دولية غير هادفة للربح أنشأت عام 1980 وتهدف في الأساس إلى التشجيع على ابتكار أفكار اجتماعية جديدة مبدعة من قبل المبدعين والرواد الاجتماعين، وتهتم "أشوكا" بتنمية الأفراد المتميزين وعملهم عن طريق إمدادهم بخدمات مهنية لدعمهم و مكافآت رمزية لمساعدتهم على توفير المزيد من الوقت للعمل على تحقيق أحلامهم الاجتماعية.
وتم تطبيق برنامج عمل "أشوكا" لأول مرة في آسيا عام 1980 ثم امتد مجال عملها إلي أمريكا اللاتينية في عام 1986 ثم إفريقيا عام 1989، ووسط أوروبا عام 1994 ثم الولايات المتحدة عام 2000م، واليوم يوجد حوالي 1400 مبدع ومبدعة اجتماعية يمثلون "أشوكا" في 48 دولة حول العالم، يعملون علي طرح الحلول المبدعة لمشاكل اجتماعية خطيرة وتم افتتاح فرع "أشوكا" الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مارس 2003، في مقره بالقاهرة، وتم اختيار الدكتورة إيمان بيبرس كممثلة إقليمية للمنظمة.
وتسعي "أشوكا" إلي تكريم ودعم الشخصيات التي تعمل علي التأثير الايجابي في محيطها البيئي، لاسيما علي صعيد المشاكل الاجتماعية، وفق مظاهر ووسائل من الإبداع الاجتماعي.
وقد نظمت "أشوكا" مؤخرا مسابقة صحفية بالتعاون مع "المجلس الأعلى للصحافة" تحت عنوان "التنمية والجمعيات الأهلية: معا من أجل مجتمع مبدع". وتهدف المسابقة إلى إبراز المفهوم الجديد للتنمية وإلقاء الضوء على دور الجمعيات الأهلية وإبراز معنى وقيمة المسؤولية المجتمعية وأهمية مشاركة قطاع الأعمال في التنمية، على أن تتضمن المقالات أو التحقيقات المنشورة نبذات عن مشروعات وأفكار تنموية جديدة في دول الوطن العربي وقامت المديرة الإقليمية لفرع المؤسسة الدكتورة بيبرس مؤخرا بتسليم جوائز المسابقة للفائزين.
ساحة النقاش