الخوف هو ما يحرّكنا، وهو ما يدفعنا للإستمرار والمكافحة وخوض غمار الحياة. فإذا انعدم هذا الشعور زال معنى الفرح والأمل والترقّب، وباتت الحياة خالية من الدوافع والمحفّزات.
وهذا لا يعني أنّ الخوف شعور جميل وأنّه لا يشكّل عائقاً في الكثير من الأحيان أمام التمتّع بالكثير من النعم التي أعطانا إيّاها الخالق، إلا أنّه شعور مطلوب وضروري وطبيعي في حياتنا، فما الذي يخيفنا؟ وكيف نتعامل مع أسوأ مخاوفنا؟ في هذا الموضوع استطلاع لرأي شريحة مختلفة من الشباب والشابات حول أكثر الاشياء خوفاً بالنسبة لهم وكانت الاجابات على النحو التالي:-
- ترعبني الوحدة.. وأحيط نفسي بالأصدقاء:
تقول عتاب، ابنة السابعة والعشرين ربيعاً "أخاف من الوحدة، ويرعبني مجرّد التفكير في أنّني لن أجد مَنْ يؤنسني حين يتقدّم بي العمر، لذا أحيط نفسي بالأصدقاء ولا أبقى بمفردي على الإطلاق، سيّما وأنّني لم أجد بعد شريك حياتي، لذا أشعر بالخوف من المستقبل لأنّني أعتبر أنّ حياتي لم تكتمل بعد، ولن تكتمل إلا حين أجده، فالله خلقنا ذكراً وأنثى ليكمّل أحدنا الآخر، ولذا علينا أن نبحث عن نصفنا الآخر ونكمل حياتنا معه، وأنا أخاف كثيراً من ألا ألقاه فأبقى وحيدة، لذا أحاول بشتّى الطرق أن أجد فارس أحلامي، وإلى حين حصول هذا الأمر سأستفيد من شبكة الإنترنيت لأكوّن صداقات جديدة، وأتعرّف إلى أناس جدد، لكنّ هاجسي الأوّل والأخير هو التخلّص من وحدتي وتحقيق حلمي بالإرتباط".
- أخشى ألا يذكروني بالخير بعد رحيلي..
من جهتها، تخشى العنود التي أتمّت الرابعة والعشرين منذ فترة بسيطة من عدم تحقيق أحلامها وترك بصمة في الحياة فتقول "نأتي إلى هذه الدنيا مرّة واحدة، وعلينا أن نعرف ما الذي نريده ونسعى جاهدين للوصول إليه، وأنا أخاف أن أتوه عن أهدافي وطموحاتي وأن أضيع في دوّامة الروتين فأُصاب بالكسل والخمول، لذا أذكّر نفسي من حين إلى آخر بأهدافي التي قمت بتدوينها على ورقة وعلّقتها داخل خزانتي لكي أراها أمامي باستمرار.
ببساطة أريد أن يذكرني من يأتي بعدي وأن أحقّق تغييراً في مجال عملي، فيحبّني ويحترمني كلّ مَنْ يتعرّف إليَّ ويتعامل معي بشكل مباشر أو غير مباشر، ويذكرونني بالخير بعد رحيلي". أمّا سماح التي شارفت على الثلاثين من العمر فتخاف من التقدّم في السن "أتوجّس رعباً عند رؤية الخطوط التي بدأت تظهر حول عينيّ وعلى جبيني، وقد أنفقت مبلغاً طائلاً على المستحضرات المقاومة للتجاعيد، وبدأت بإستعمالها صباحاً ومساءً، وأنا أتفادى الضحك كي لا ينتبه الناس إلى هذه الخطوط، ولولا خوفي الكبير من الحقن للجأت إلى البوتوكس، لكنّني أشعر أنّني قريباً سأكون مضطرّة إلى استخدامه شئت أم أبيت". وتضيف سماح "ربّما ينبع خوفي من شعوري بكره العجز والحاجة، فمن الصعب جدّاً أن أتصوّر نفسي غير قادرة على الحركة أو أنّني أحتاج إلى مساعدة الآخرين، لكنّها طبيعة الحياة التي لا نستطيع تغييرها، ومهما حاولنا أن نؤخّر الأمر فهو حاصل لا محالة".
- أخاف مرور الوقت من دون فائدة!
تقول جواهر التي ناهزت الأربعين من العمر "أخاف من هدر الوقت بدون فائدة وأشعر أنّني في معركة مع الزمن، فالعمر يمرّ سريعاً وما زال أمامي الكثير لأقدّمه، والحياة مليئة بالمتع والمغامرات وأنا أريد أن أستفيد منها إلى أقصى الحدود، لكنّني للأسف أنسى هذا الأمر، وأهدر وقتي في أمور غير مفيدة، فبدل أن أقرأ كتاباً مهمّاً أقوم بمتابعة مسلسلات تلفزيونيّة سخيفة، وبدل أن أسافر في الإجازات للتعرّف على دول العالم وحضاراتها، أمضي وقتي في إنهاء الأعمال المنزليّة والإهتمام بشؤون الأولاد التي لا تنتهي، وهكذا يمضي عمري سريعاً، ومهما حاولت ضبط وقتي والقيام بالأمور التي أحبّها والتي تسعدني، لا أجدني قادرة على القيام بذلك".
- خسارة من أحبّ.. هاجسي الدائم:
تعتبر مهى (28 عاماً) أنّ كلّ شيء في الحياة يمكن تقبّله والتعامل معه إلّا خسارة الأهل والمقرّبين فتقول "أدعو ربي دائماً أن تكون نهايتي قبل نهاية أيّ فرد من أفراد عائلتي، فأنا لست قادرة على تحمّل هذه الفكرة، ولا يمكنني أن أتصوّر حياتي من بعدهم ويرعبني التفكير في إمكانية حصول هذا الأمر، لذا أكون في قلق دائم إن سافر أحدهم أو قام بنشاط فيه بعض الخطورة، وأمضي ساعات في التفكير بالإحتمالات السيِّئة، وهذا الموضوع يتعبني نفسياً ويمنعني من عيش حياة طبيعيّة كما أنّه يضايق المحيطين بي، لكن ليس بيدي حيلة، لأنّني ربّما عاطفيّة وحسّاسة أكثر من اللازم".
ويبدي احمد (26 عاماً) خوفاً مماثلاً من الموت "أخاف كثيراً من الموت ولا يمكنني أن أتصوّر أنّني في يوم من الأيام سأصير تحت التراب. وستبقى أغراضي التي لا معنى لها، وسيبقى منزلي وسيارتي ومفاتيحي وجوّالي أما أنا فلن أكون موجود، صحيح أنّ كل إنسان يخاف الموت ولكنّ هذا الخوف يرافقني طوال الوقت تقريباً، ويمنعني من عيش حياة طبيعيّة، فأنا لا أركب الطائرة خوفاً من حصول حادث، ولا أسرع في القيادة كما لا أسمح لأحد أن يقود بوجودي، وأتفادى الكثير من النشاطات كي أبتعد عن خطر الموت، علماً بأنّني أدرك جيِّداً أنّني مهما حاولت، لن أمنع حصول هذا الأمر في حال أراد الله ذلك، إلا أنّني لا أستطيع تغيير طبيعة شعوري والتخلّص من هاجسي".
- أخشى عدم الإنجاب!
تخاف مريم (29 عاماً) من عدم تجربة إحساس الأمومة "أخشى عدم الإنجاب لاسيّما أنّني متزوّجة منذ ثلاثين أعوام ولم يمنحني الله بعد طفلاً يسعد حياتي بالرغم من أنّه لا يوجد أيّ خلل لديّ أو لدى زوجي. لذا أعيش في قلق دائم وأنتظر حدوث هذا الأمر لأنني لا أتحمّل فكرة أنّني لن أنجب، فأنا أعشق الأولاد وأريد أن يتسنّى لي العيش معهم والتمتّع بهم، سيّما وأنّ حياتي الزوجية قد تحوّلت إلى جحيم لأنّني أتعب زوجي بهذا الموضوع وأجدني عاجزة عن التحكّم بنفسي".
أمّا محمود (24 عاماً) فالألم هو أكثر ما يخيفه" أصبت في صغري بالكثير من الأوبئة والأمراض، وكنت أقضي في المستشفيات فترات طويلة، لذا أخاف كثيراً من الشعور بالألم، وأتمنّى أن أبقى دائماً بصحة وعافية". من ناحيته، يخشى سلام (22 عاماً) اتّخاذ قرار خاطئ وتحمّل توابعه طيلة حياته فيقول " أصعب ما يمكن حصوله هو أن أجد نفسي متعلّق بشيء أو شخص لا أطيقه، لذا أخاف كثيراً من أن أتّخذ القرارات المصيريّة، وأن يكون خياري خاطئاً فأندم لاحقاً بعد أن يصبح التراجع مستحيلاً".
- شعور غريزي لدى كل المخلوقات..
وحول هذا الموضوع، تقول الأخصائيّة في علم الإجتماع ليلى شعيب "الخوف شعور طبيعي لدى كل المخلوقات، وهو ينبع بشكل أساسي من غريزة البقاء أي من الرغبة في التمسّك بالحياة، لذا لا يمكن العثور على شخص لا يخاف. أمّا أسباب الخوف فتختلف من إنسان إلى آخر بحسب الظروف النفسيّة والإجتماعية التي رافقت نشأته، ولكن بشكل عام فإنّ النساء "خوّافات" أكثر من الرجال لأنّهنّ تربّين على الإلتزام بالكثير من الحدود والضوابط، ولذا يملن إلى الإكثار من التفكير وبالتالي إلى جذب هذا الشعور إليهنّ".
- بالإيمان ننتصر على الخوف..
وتذكر شعيب المخاوف الشائعة فتقول "يخاف الناس جميعهم من الموت أو من فقدان شخص عزيز، وتقلّ درجة ذا الخوف لدى الإنسان المؤمن الذي يجد في دينه وسيلة لتسكين مخاوفه، كما يُبدي معظم الناس خوفاً من الفشل، وينتج هذا الشعور عن المرور بتجارب سلبيّة في الماضي، وهو يعيق صاحبه عن المضي قدماً لذا يجب أن نذكّر أنفسنا دائماً بالأعمال الإيجابيّة التي قمنا بها في حياتنا فنعزّز ثقتنا بأنفسنا وقدرتنا على الإستمرار".
وتضيف الأخصائيّة الإجتماعيّة "يخشى الكثيرون التعرّض للرفض، لذا نجدهم يسيرون مع التيّار السائد خوفاً من الإفصاح عن رأيهم الحقيقي فينفر الجميع منهم، وهذا الأمر يقضي على حسّ المبادرة والتغيير، ويُضيف القدرة على الإبداع والعطاء والتعبير، كما يعتبر الخوف من التغيير قاسماً مشتركاً لدى غالبيّة الناس، لأنّه من المريح بقاء الحال على ما هو عليه حتّى وإن كان في التغيير خير أكبر، فالإنسان عدوّ ما يجهل، لذا يفضّل الثبات في المجال الذي يعرفه على المخاطرة في مجال لا يعرفه. وتخاف فئة لا بأس بها من الناس من النجاح، لأنذه يعني تراكم المسؤوليّات وازدياد الأعباء. وهذا الشعور ينطلق أيضاً من الخوف من التغيير، لأنّ النجاح يفرض حصول تغييرات في نمط العيش المعتاد".
* الخوف المرضي.. دمار شامل
الخوف المرضي يمكن أن يكون مدمّر لحياة صاحبه لأنّه يمنعه من عيش حياة طبيعية، وأبرز أنواعه:
- القلق: يشعر المريض بالتوتر وعدم الراحة طوال الوقت فيجد صعوبة في التركيز ويصاب باضطرابات في النوم، وينتابه التشنّج والشدّ العضلي، ويكن عصبيّاً وسريع التأثّر.
- اضطرابات الهلع: يفقد المريض السيطرة على نفسه، وينتابه خوف شديد من الموت أو من الإصابة بالأذى، فتتسارع نبضات قلبه ويحسّ بالدوار ويتصبّب عرقاً، ويصاب بهذه الإضطرابات الأشخاص الذين يعانون من الرُهاب حين يواجهون سبب خوفهم.
- الخوف المرضي من الأشياء أو الأماكن التي تحمل بعض الخطورة: كالخوف من ركوب الطائرة أو المصعد، أو الخوف من العمليات الجراحيّة ومن منظر الدم، ومن بعض الحيوانات المفترسة والحشرات المزعجة.
- الرُهاب الإجتماعي: أي الخوف من التواجد في الأماكن العامّة التي تضمّ أعداداً كبيراً من الناس، والإضطرار إلى التحدّث إليهم.
- اضطرابات ما بعد الصدمة: كأن يتعرّض الإنسان لصدمة كبيرة أو يمرّ بتجربة صعبة فتنعدم قدرته على الثقة بالآخرين، ويُصاب بالضياع والتشتّت والخوف من كلّ مَنْ يحيط به، وتتجلّى مخاوفه أحياناً في الأحلام الليلية فيرى أو يعايش من جديد ما يهرب منه في الواقع وتنتابه الكوابيس، كما يمكن أن يمشي أثناء الليل وهو نائم، وتنعكس المخاوف على تصرُّفاته، فيمكن أن ينفر من منزله ويخشى دخوله بعد وفاة عزيز فيه، أو يكره السيارات إن تعرّض شخص مقرّب منه لحادث خطير..
ويتطلّب التخلص من هذه المشاكل السلوكيّة الإستعانة بالأدوية المخفّفة للأعراض العصبية وبمضادات القلق، ويمكن للمريض أن يستفيد أيضاً من جلسات العلاج النفسي التي تهدف إلى تعويده شيئاً فشيئاً على تقبّل الشيء الذي يخاف منه من خلال التعرّف جيِّداً إلى طبيعته وتبسيطها حتّى يتقبّلها أو على الأقل حتّى يبعده عن تفكيره فيتسنّى له عيش حياة طبيعية.
ساحة النقاش