هل فكّرت مرّة بإنسان بلا مسؤوليات؟ هل يمكن أن تتصوّر نفسك في حلّ أيّة مسؤولية في الحياة؟ كيف يكون شكل الحياة حينئذ؟

إنّ حياة خالية من المسؤوليات هي أشبه شيء بمدرسة بلا وظائف وتكاليف، لا يشعر فيها التلاميذ بأيّة إلتزامات، كيف تسير عملية الدراسة فيها، وكيف يمكن تحقيق النتائج المرجوّة؟ كيف يمكن تمييز العامل من الخامل والمنتج من المتقاعس؟ فمجرّد التفكير بالحياة الفارغة التي لا يجد فيها الإنسان إنسانيته من خلال كونه مسؤولاً يجعلنا نشعر بالدوار والعبث والفراغ الهائل، لأنّها تصبح عند ذاك حياة الغرائز المنفلتة.

انّك حين تعيش المسؤولية في البيت فإنّك تعيش الإلتزام الأخلاقي إزاء الأسرة، فللأب مسؤولياته تجاه أولاده وزوجته، وللزوجة مسؤوليات إزاء زوجها وأولادها، وللأولاد مسؤولياتهم إزاء الأبوين وإزاء بعضهم البعض، وإذا تحلّلنا من ذلك وتنصّلنا عنه تزعزعت أركان الأسرة وتصدّعت، فلا يعود هناك أب يهتم بشؤون أسرته ولا أُم ترعى مصالح أبنائها، ولا أبناء يشعرون بوجوب الإحساس للوالدين.

عالم بلا مسؤوليات هو عالم مهدّد بالفساد والخراب وبالحروب الضارية وبالتنازع والفشل والخصومات التي لا حدود لها.. إنّه انهيار كلِّي شامل، فمثل المسؤول كمثل ربّان السفينة إذا ترك سفينته في مهبّ الريح وبيد الأمواج المتصارعة فإنّه يكون قد أسلمها وأسلم ركّابها وحمولتها إلى الخطر الداهم والغرق المحقق.

ولذلك، فإنّ من بين ملامح الجمال والحكمة في هذا العالم هي هذه المسؤوليات التي تناط بنا، ونتنافس على أدائها بأفضل وجه.

- بداية المسؤولية:
ها أنت تغادر مسرح طفولتك وملعب صباك لتطأ أعتاب شبابك.. تلك مرحلة انطوت لم تكن فيها مسؤولاً.. أبوك وأُمّك كانا يتوليان رعايتك ويقومان بمسؤولية تربيتك والإنفاق عليك.. اليوم اختلف الأمر.. ما زلت قريباً منهما وتحظى بعنايتهما لكنّك لم تعد ذلك الطفل الصغير اللاّهي.. لقد تغيّرت فيك أشياء كثيرة سواء في جسدك أو في مداركك العقلية.. إنّك الآن تدخل عالم الكبار.. تتحوّل من طفل إلى رجل.

هذا التغيّر الذي يحصل لكل فتى وفتاة يمثل إنتقالة طبيعية لكلّ منهما، لكنّه أيضاً يمثِّل مرحلة جديدة في عالم المسؤوليات.. فمن (طفلٍ لاهٍ) إلى (رجل مسؤول) أو (إمرأة مسؤولة).
في هذه السنّ التي يطلق عليها بـ(المراهقة) يصبح الشاب والشابّة مسؤولين أمام الله سبحانه وتعالى ضمن تكاليف وفروض وواجبات عليهما أن يمارساها خلال فترة حياتهما.

ماذا يعني ذلك؟
يعني أنّ الشابّ فتى كان أو فتاة لا فرق سيقف منذ اليوم هو والأكبر سناً منه على قدم المساواة في ساحة المسؤولية والمحاسبة، فأنا حديث العهد بالإلتزام بالمسؤولية وأبي وأُمّي اللذان سبقاني إلى تحمّل مسؤولياتهما مطالبون بأداء نفس المسؤوليات.. هما يتحملان مسؤولية أعمالهما وأنا أتحمّل مسؤولية أعمالي أداءً وتقصيرا.

لقد ولّى عهد التواكل والإسترخاء واللهو والعبث الطفولي، ودقّت ساعة العمل الجادّ، ففي هذا المعمل الواسع الكبير الذي اسمه الكون لك موقعك بين مواقع العمل المسؤول، وهو أشبه شيء بورشات متعددة تعمل باتجاه هدف واحد هو كسب مرضاة الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) (الإنشقاق/ 6).

- مسؤولياتنا مشتركة:
قد تختلفين أنتِ كفتاة بالغة مع أخيك البالغ في العمر الذي يتحمّل فيه كلّ منكما مسؤوليته بحسب طبيعة تكوين كلّ منكما لكنّ المسؤوليات بينكما مشتركة.. فهو مكلّف بأمور معيّنة، وأنتِ كذلك أصبحت مكلّفة بالأمور نفسها وقد تكون هناك بعض الفوارق في مسؤولياتك ومسؤولياته إلا أنّكما بصفة عامّة لكما مسؤولياتكما التي لا تختلف بين فتى أو فتاة.

فمنذ أن عاش أبونا آدم وأُمّنا حوّاء في الجنّة التي ذكرها الله تعالى في كتابه، توجّهت المسؤولية إليهما معاً: (أَلَمْ أَنْهَكُمَا) و(أَقُلْ لَكُمَا) و(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ) (الأعراف/ 22)، وهذا واضح من التثنية في الخطاب، فلآدم مسؤوليته ولحواء مسؤوليتها.

على ضوء هذا نعرف أنّنا كشبّان أو كفتيات نتحمّل مسؤولياتنا كلٌّ بصفته الشخصية، فإذا استقام الشاب وأحسن فله جزاء عمله الحسنى وزيادة، وإذا قصّر وأخطأ فهو يدفع ضريبة تقصيره وأخطائه (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا) (النحل/ 111).

وقد يتصوّر بعض الشباب خطأ أنّ مسؤولية الفتى الشاب هي أخفّ من مسؤولية الفتاة الشابّة. وكأنّ سمعة الفتاة غير سمعة الفتى. في حين أنّ المسؤولية في الأخطاء واحدة. وكما تتحمّل الفتاة الخاطئة نتائج ومسؤولية عملها، فكذلك الفتى الخطئ، حتى لو اختلف الناس في النظرة إلى كلّ منهما.

إنّ كلّ خطاب في القرآن الكريم سواء جاء بلغة الجمع المخاطَب أو بكلمة (الناس) أو (الّذين آمنوا) أو (يا بني آدم) هو خطاب للجنسين معاً: الذكر والأنثى، وقد وردت بعض الآيات التي تقرن وتجمع بينهما في إطار المسؤوليات الملقاة على عاتق كلّ منهما كما في الآية الكريمة: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب/ 35).

المصدر: مقالات النجاح.. البلاغ
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

ساحة النقاش

Ahmed200200

المقالات اكثر روعه وبنستفيد منها كثيرا
وفقكم الله يا مؤسسة الرسالة للتدريب والاستشارات

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,026,857